مدونة توفيق السيف . . Tawfiq Alsaif Blog فكر سياسي . . دين . . تجديد . . . . . . . . . راسلني: talsaif@yahoo.com
08/07/2020
الحرية والانفلات
29/06/2016
ايزايا برلين
ايزايا برلين |
في محاضرة القاها سنة 1988 قدم ايزايا برلين رؤية يقول انها تشكل الخيط الذي يجمع بين تأملاته لما يزيد عن ستين عاما ، بدءا من قراءته الأولى لرواية ليو تولستوي المشهورة "الحرب والسلم". تتعلق هذه الرؤية بالدوافع الكامنة في اعماق النفس الانسانية ، والتي تجعل البشر يرتكبون اعظم الآثام ، ثم يكررونها مرات عديدة. لكنهم في نهاية المطاف يتمردون على ميلهم الغريزي للاثم والعدوان ، كما يتمردون على نوازع اليأس والاحباط والسخط ، ليتجهوا - من ثم – الى طريق الصلاح والاصلاح.
عاصر برلين
الظروف القاسية لاوربا خلال الحربين العالميتين الاولى والثانية ، ورحل من مسقط
رأسه وهو شاب يافع. وكان عاشقا للرواية الكلاسيكية ، سيما كتابات الأدباء الروس
التي اتسمت عموما بوصف مشاهد المعاناة والألم في المجتمعات الفلاحية والهامشية.
وكان جديرا به ان يميل الى التشاؤم من الطبيعة البشرية. لكنه بدل ذلك نظر الى
الصورة الكاملة. وهذا شأن الأذكياء الذين لا يتوقفون عند النقاط السوداء في مسيرة
عمرها الاف السنين.
لو نظر
برلين الى العالم من زاوية آلامه الخاصة او حتى آلام وطنه وقومه ، لانشغل بالعزاء
عليهم او البحث عن معايب اعدائهم. لكنه بدل ذلك نظر الى الصورة الكاملة ، فاكتشف
حقيقة ان البشرية تنتكس أحيانا ، لكنها تعود دائما الى الطريق القويم. بل ان معظم
الاختراقات العظيمة التي حققها الانسان خلال تاريخه الطويل ، كانت ثمرة لتلك
الانتكاسات.
نعرف ان
الاختراقات الأولى في مجال الفلسفة ، ولدت في رحم الحروب الدينية التي تورطت فيها
اوربا ، لما يقرب من مئة عام. كما ان بواكير التقدم الهائل الذي يعرفه عالم اليوم
، في مجال المواصلات والاتصالات والالكترونيات والاقتصاد والقانون ، ولد في رحم
الحربين العالميتين الاولى والثانية. فكأن الطبيعة الخيرة للبشر تأبى الا ان
تستدرك آثامها وانزلاقاتها الكارثية ، فتعود لتصلح ما كان سببا في تلك الآثام.
لا نعرف في
الحقيقة كيف سيكون عالمنا ، لولا القانون الدولي الاخلاقي الذي يحمي المدنيين في
ظروف الحرب ، ويعاقب على جرائم الحرب والابادة الجماعية والتعذيب. ولا نعرف كيف
ستكون حياتنا لولا السيارات والطائرات والسفن العابرة للمحيطات واجهزة الاتصال
والانترنت. ربما كانت البشرية قادرة على التوصل الى هذه المنجزات بطريقة أو بأخرى.
لكن الذي نعرفه فعليا هو ان هذه جميعا كانت – بصورة أو بأخرى – رد الانسان على
انزلاقه الى الحرب على أخيه الانسان. ربما نعتبرها اعتذارا غير مباشر من جانب
الأنا العليا العاقلة السامية ، عن آثام الأنا الدنيا الغريزية المجنونة أو
السفيهة.
رأى برلين
ان جوهر الكائنات البشرية يكمن في قدرتها على اختيار طريقة للعيش تتلاءم مع حقائق
الكون الذي نتشارك الحياة فيه ، والتوصل من وراء هذا الايمان الى التجسيد الأمثل
لمقتضيات الفطرة الطيبة التي تشكل ذات الانسان الاصيلة ، قبل ان تتلوث بالمنغصات
والنزاعات واسباب القلق.
جوهر
انسانية الانسان تكمن في قدرته على التحرر من قيوده ، كما ان عقلانية العقل تكمن
في قدرته على العبور من حدود ذاته ، الى ما يختفي وراءها من غيوب واحتمالات لا
تسمح بها ظروف الواقع ، لكنها تظل حية وقابلة للادراك او على الاقل للتخيل.
17/02/2016
حول مكانة الهيئات الدينية
خلال الأسبوعين الماضيين انشغلت الصحافة السعودية بعدد
من الحوادث التي كانت هيئة
الامر بالمعروف والنهي عن المنكر كانت طرفا فيها. قد تبدو المسألة محلية جدا ،
الا انها تثير تأملات حول مكانة الدين في الحياة العامة ، أظنها موضع جدل في معظم
المجتمعات العربية ، سيما المحافظة منها.
تمتاز "الهيئة" عن بقية الاجهزة الحكومية بتصنيف العرف لها كجزء من المؤسسة الدينية. ويلحقها بالتالي ما يلحق هذه المؤسسة من صفات وهالات. ولهذا فكل جدل حولها يستنهض في العادة مخاوف حول الدين عند فريق من المجتمع ، وحول القانون عند فريق آخر ، وحول الحريات الشخصية عند فريق ثالث.
يقر الجميع بطبيعة الحال ، ان على الهيئة وكل منظمة
حكومية أخرى ، ان تلزم حدود القانون في كل أعمالها. وفي هذا الاطار فان تجاوزات
موظفيها تستدعي العقوبات الادارية التي ينص عليها القانون. لكن الفريق الأول يشعر بالقلق مما
يعتبره تركيزا استثنائيا في الصحافة على اعمال "الهيئة". وهم يقولون –
مباشرة او مداورة – ان الدين هو المستهدف في شخص "الهيئة" ، وأن هذا
الاستهداف يتمثل غالبا في تضخيم أخطاء قد تصدر من أي منظمة رسمية أو أهلية أخرى.
اما الفريق الثاني فيجادل بأن
الخطأ ، سواء كان فرديا أو مؤسسيا ، لا يترك او ينسى ، لأنه يشير الى علة في
المؤسسة تستدعي العلاج لا الاغفال. الهيئة جزء من منظومة الادارة العامة وينفق
عليها من المال العام ، والمبرر الوحيد لوجودها هو خدمة أفراد المجتمع ، فلا يصح
ان تتسلط عليهم او تخرق حقوقهم. ارتباطها بالدين لا يغير من حقيقة كونها جهاز خدمة
عامة ، محكوما بالقانون. إذا تصرف موظف حكومي بموجب اجتهاده الشخصي فهو مذنب ، لأن
الموظف العمومي ممنوع بحكم القانون من اتباع رأيه أو اجتهاده الشخصي.
ينظر الفريق الثالث الى عامل مشترك بين الحوادث التي
أثارت ضجة حول عمل الهيئة ، وهو اشتمالها على خرق واضح لحريات شخصية. ولحسن الحظ
فان معظم الحوادث المثيرة كانت موثقة بالصور التي تدل قطعا على الخروقات المزعومة.
لا يتعلق الأمر في هذه الحوادث بمجرم يدعي خرق حريته ، بل بشخص عادي يتعرض للاذلال
او حتى الايذاء البدني ، لأن موظفا حكوميا اجتهد فاعتبر سلوكه مخالفا للآداب
العامة أو احكام الشريعة.
هذا يثير سؤالا جديا حول العلاقة بين الالتزام الديني
والحرية الشخصية. ونعلم ان مثل هذا السؤال يبدو للمجتمعات المحافظة ، غامضا ،
وربما فارغا. الا انه يكشف من ناحية أخرى عن الحاجة الى مراجعة الفهم الموروث
للحرية الشخصية ونقاط الاشتباك بينها وبين الاحكام الشرعية المنظمة للسلوك ، فضلا
عن الاعراف والتقاليد التي تحمل ظلالا دينية.
ينصرف جدل العلاقة بين الحريات الشخصية والاحكام
الشرعية الى ثلاثة أسئلة محورية ، اولها يتناول الترتيب بين الحرية والحكم الشرعي
او العرف الاجتماعي ، ايهما حاكم على الآخر ومقدم عليه. بينما يتعلق الثاني
بالمسافة بين القانون والحرية ، اي: هل نعتبر صون الحريات الفردية شرطا لعدالة
القانون ، وبالتالي هل يلزمنا طاعة القانون الذي يسمح بخرق حرياتنا؟. يتناول
السؤال الثالث القوانين المستمدة من احكام شرعية او معتمدة عليها ، هل نعتبرها مثل
القوانين العادية ، ام نبتكر لها مرتبة فوق القانون العادي. هذا السؤال يتناول
بالضرورة المؤسسات الدينية أيضا ، فهل نعاملها كاجهزة خدمة عامة ، ام نبتكر لها
وصفا خاصا يرفعها عرفيا ووظيفيا عن مستوى تلك الاجهزة؟.
الشرق الاوسط 17 فبراير 2016
مقالات ذات علاقة
تحولات التيار الديني - 2 نهايات المعارك
تحولات التيار الديني-3 اعباء السياسة
السعادة
الجبرية: البس ثوبنا أو انتظر رصاصنا
الليبرات
والليبرون المكبوتون المخدوعون
نقاط الاحتكاك بين
المجتمع والدولة
10/02/2016
حول الحرية والعنف
الطريق السريع الى الثروة
يبدو ان المعلوماتية تتحول بالتدريج الى اسرع القطاعات نموا في الاقتصاد الوطني لكل بلدان العالم تقريبا. (في 2021 بلغت قيمة سوق المعلوماتية ...