06/03/2025

المسافة بين الرؤيا والسياسة

قبل أسبوع من لقائه العاصف مع الرئيس الاوكراني (28-فبراير-2025) قال الرئيس الأمريكي انه يسعى للتوافق مع نظيره الروسي بوتين ، على طريقة لانهاء الحرب في أوكرانيا. وأشار ضمنيا الى انه لا يحتاج لاستئذان الاوكرانيين ، حتى لو تعلق الأمر ببلدهم. لكن اذا كان الرئيس زيلينسكي يود مناقشة المشروع الأمريكي ، فليمنح واشنطن امتيازا خاصا للتحكم في المعادن الثمينة التي تفخر بها أوكرانيا.

في نفس الوقت تقريبا ، أعلن ترمب عن خطة لتحويل قطاع غزة الى منطقة ترفيهية ، تديرها الولايات المتحدة ، وتوفر مجالا مشتركا للمصالح الاقتصادية لكل من العرب والإسرائيليين والامريكان. وقيل ان مبعوثي البيت الأبيض تحدثوا فعليا مع عدة دول سيهاجر اليها سكان غزة ، من سوريا الى الأردن ومصر وحتى شمال الصومال.

وكما في المثال الاوكراني ، لم يتحدث الرئيس الأمريكي مع أصحاب الشأن ، أي سكان غزة ، ولا مع الحكومة الفلسطينية ،  قبل ان يطرح هذا المشروع الذي سيغير حياتهم الى الأبد.

وقبل مشروع غزة ، اخبر الرئيس ترمب مواطني كندا ، بانه يريد ضم بلدهم الى الولايات المتحدة لتكون الولاية 51. كما اخبر حكومة الدانمارك بأنه يريد شراء جزيرة غرينلاند ، واخبر حكومة بنما بأن واشنطن تريد استعادة السيطرة على قناة بنما ، التي تخلت عنها نهاية 1999. وفي هذه الاثناء اعلن فرض رسوم جمركية على واردات الالمنيوم والصلب ، وهو قرار يؤثر على الصادرات الصينية ، لكنه يؤثر بدرجة اكبر على استراليا ، الحليف الرئيس للولايات المتحدة في منطقة المحيط الهاديء.

هذا "بعض" ما فعله الرئيس خلال 6 أسابيع من توليه السلطة. وهو يكشف عن نوعية العمل السياسي المتوقع ان تشهده العاصمة الامريكية في السنوات الأربع القادمة. بعض المحللين تحدث عن تغير في المزاج العام للمجتمع الأمريكي ، وان الطريقة التي ظهر بها الرئيس ومساعدوه ، هي مجرد صورة مكثفة للتغير المذكور. ويؤيد هذا التحليل استطلاعات رأي أجريت بعد لقاء ترمب – زيلينسكي. أظهرت هذه الاستطلاعات ان نصف الأمريكيين تقريبا ، يتبنون موقف رئيسهم بشأن أوكرانيا والصين. لكن استطلاعات راي أخرى أظهرت ان شعبية الرئيس لازالت دون المتوسط العام لشعبية الرؤساء السابقين في الأسبوع الرابع من تولي السلطة. وهذا يتعارض مع الفرضية السابقة.

ويبدو لي ان ترمب يحمل سمات واضحة عن زعيم شعبوي يتبنى رؤية مغايرة كليا للتقاليد السياسية السائدة بين النخبة. ولعلها – لهذا السبب بالذات - قوية التأثير في القاعدة الجماهيرية. تتمثل هذه الرؤية في الشعار الانتخابي "فلنعد لامريكا عظمتها المفقودة".

ينطوي هذا الشعار على إدانة ضمنية للنخبة السياسية ، ودعوة للشريحة الاجتماعية التي تصنف نفسها كحامية للهوية الامريكية ، كي تتحد مع الرئيس في تلك المهمة. يستعمل ترمب وفريقه نفس الأدوات الدعائية التي يستعملها الزعماء الشعبويون ، من تأجيج الشعور بالتفوق على الأمم الأخرى ، الى التشكيك في نزاهة النخبة ، وخصوصا التركيز السلبي على اشخاص بعينهم ، باعتبارهم رموزا للفشل ، الى تبني مبادرات ضخمة وسريعة ، تصحح الاختلالات والاخطاء.

وبالتوازي  يجري التركيز على شخص الرئيس ، باعتباره الوحيد القادر على قيادة السفينة ، اعتمادا على ميزاته الشخصية وليس القوة المشتركة للحكومة. يقول في هذا الصدد مثلا: "لو كنت في البيت الأبيض يومذاك لما انفجرت الحرب في أوكرانيا".

ميزة هذا المسار انه قصير الأمد ، كثير الادعاء وقليل النتائج. خذ مثلا محاولة ترمب اصلاح العلاقة مع كوريا الشمالية في 2019 ، التي انتهت بفشل ذريع ، رغم ذهابه شخصيا للقاء الزعيم الكوري ، وهو ما يعد تجاوزا للبروتوكول وتقاليد السياسة.

هذه المرة أيضا سنسمع الكثير من الدعوات والادعاءات ، لكني ارجح ان ترمب سيحصد نتائج قليلة فحسب. ان موقف رئيس أوكرانيا في مواجهة ترمب ونائبه في الاجتماع الشهير في البيت الأبيض ، دليل على ان زعماء العالم لن يأتوا طائعين كما تخيل الرئيس ، حتى لو كانوا في حالة حرب وحاجة ، مثل زيلينسكي. بل اميل للاعتقاد ان موقفه هذا سيشجع زعماء آخرين على مواجهة ترمب من دون قلق.

الشرق الأوسط الخميس - 07 رَمضان 1446 هـ - 6 مارس 2025 م

https://aawsat.com/node/5118911

 

مقالات ذات صلة

عرب اوكرانيا وعرب روسيا

الغائب الكبير في السودان وروسيا

ترمب على خطى يلتسن

وراء تصريحات ترمب وتهديداته

 

 

المسافة بين الرؤيا والسياسة

قبل أسبوع من لقائه العاصف مع الرئيس الاوكراني (28-فبراير-2025) قال الرئيس الأمريكي انه يسعى للتوافق مع نظيره الروسي بوتين ، على طريقة لانه...