27/03/2025

حرب الحشاشين

اظن اننا جميعا نعرف الظاهرة التي تسمى "تضخم الذات" او "الانا المتضخمة". ولعل كلا منا قد لاحظ حالات تكشف عن ذوات متضخمة ، في مقابلات صحفية او على منصات التواصل الاجتماعي ، او في المجالس ، وربما اختبرها بعضنا في نفسه ، في بعض الأحيان على الاقل.

وتتمظهر هذه الحالة في صورة تكبر على الغير ، بل قد يبلغ الأمر حد مطالبة الناس بالتسليم بفضله عليهم. فان لم يستجيبوا ، بادر بانكار كل قيمة لهم وكل حسن فعلوه في حياتهم.

ليست هذه مشكلة كبرى ، فضررها محدود. لكنها تصل مستويات خطرة ، حين يتحول التعبير عن الذات المتضخمة الى اعلان كراهية لجنس بأكمله ، مثل القول بأن الاحباش أو البنغال فيهم كذا وكذا ، او القول بان البوذيين او اليهود فيهم كذا وكذا. او ان العرب او الاكراد فيهم كذا وكذا. هذا التنميط السلبي لشعوب كاملة ، يتبلور مع الزمن على شكل كراهية منفلتة ، تبرر كل اذى يقع على الناس ، وربما حرضت على ايذائهم او حتى قتلهم.

 السؤال الذي يلح على ذهني هو: هل يمكن لوسائل الاتصال الجمعي ان تحول هذه الحالة الفردية الى سلوك جمعي ، هل يمكن للسياسيين وغيرهم من النافذين والمؤثرين على الرأي العام ، ان يحولوا الكراهيات الفردية الى كراهية عامة؟.

تردد هذا السؤال في ذهني وأنا اقرأ خبرا من الفلبين ، فحواه ان الحكومة ستسلم رئيس الجمهورية السابق الى المحكمة الجنائية الدولية ، التي تتهمه بارتكاب جرائم ضدّ الإنسانية ، خلال حربه على تجار المخدرات بين 2011 و 2019.

وتقول الانباء ان الشرطة قتلت 6000 شخص في تلك الحرب ، من دون محاكمة. سألت نفسي: كيف تسنى للرئيس ان يواصل هذه المقتلة العظيمة ، طوال ثمان سنين من دون عوائق جدية. بل لعلي أزعم ان الشعب ، او شريحة معتبرة منه ، كانت راضية بتلك المقتلة ، لانها اقتنعت بأن البلد فيه فعليا 6000 تاجر مخدرات ، كما قال الرئيس. ومما يدل على رضا تلك الشريحة ، هو تكرار انتخاب رودريغو دوتيرتي في منصب عمدة مدينة "دافاو" حيث أسس فرقة اعدام ميداني ، ثم انتخابه رئيسا للجمهورية ، وقبل ذلك عرض عليه منصب وزير الداخلية اربع مرات. هذا يدل على ان الرجل محبوب ، رغم المعلومات الكثيرة التي تفيد ان كثيرا من الضحايا  قتلوا ، لمجرد ان الشرطة وجدتهم في مواقع يرتادها الحشاشون.

حسنا.. ما الذي يحمل الناس على دعم حملة دموية كهذه ، وهل يمكن ان تتكرر في أماكن أخرى؟.

هل يمكن لسياسي مثل دوتيرتي ان يقنع الناس العاديين ، بأن احترامهم مشروط بقتل من يكرهونه؟.

الذي فعله رودريغو دوتيرتي حين رشح نفسه لمنصب نائب العمدة في دافاو ، هو اقناع المواطنين بأن سكان الاحياء المعروفة بتجارة الحشيش ، ومن يتواجد قريبا منها او يتعامل مع سكانها ، هم عدوهم ، وانهم يستحقون القتل. ولتسهيل المهمة على الناس ، فانه لم يكلفهم بقتل احد ، بل اقنعهم بأن يكرهوه فقط وان يتمنوا موته ، وسيأتي اشخاص آخرون لحمل العبء الاثقل ، أي القتل.

هكذا قتل 6000 شخص ، بينهم ما لا يقل عن 1150 طفل وامرأة ، رميا بالرصاص ، في بيوتهم او على قارعة الطريق ، من دون ان تواجه الشرطة استنكارا او شجبا من جانب جمهور الناس ، ومن دون ان تحتاج الحكومة الى تبرير تلك الدماء.

اظن بعضنا يستذكر الآن حوادث القتل الجمعي التي سمعنا عنها ، في غزة وحواليها ، وفي سوريا والعراق وفي السودان والصومال ، وفي مناطق أخرى.. ألم تبدأ المسألة باشخاص مثل دوتيرتي ، يقنعون المواطنين بان أولئك اعداؤهم وانهم يستحقون القتل ، وان المطلوب منهم هو فقط اعلان التأييد او التبرير ، وسيتولى غيرهم الجزء الأصعب من المهمة..

لو سمعتم بشخص يدعو للتخلص من سكان بلد باجمعه او قبيلة بمجملها او دينا بكل اتباعه ، الن تقفز الى أذهانكم قصة رودريغو دوتيرتي؟.

الخميس - 28 رَمضان 1446 هـ - 27 مارس 2025 م  https://aawsat.com/node/5126184

مقالات ذات صلة

الأخ الأكبـــر

اساطير قديمة

التنمية على الطريقة الصينية : حريات اجتماعية من دون سياسة

الديمقراطية في بلد مسلم- الفصل الرابع

السعادة الجبرية: البس ثوبنا أو انتظر رصاصنا

شرطة من دون شهوات

كلمة السر: كن مثلي والا..!

مجتمع العبيد

المدينة الفاضلة

معالجة الفقر على الطريقة الصينية

الموت حلال المشكلات

نموذج مجتمع النحل

 

20/03/2025

التطرف والانقسام

 في سبتمبر  2017 صوت غالبية الأكراد العراقيين (92%) لصالح استقلال إقليم كردستان ، بعد حوالي عقدين من الحكم الذاتي الموسع. هذا يشبه الى حد كبير مشهد جنوب السودان في يناير 2011 حين صوت 99% من سكانه على الانفصال عن الشمال.

بوسعنا ان نمر أيضا على الحرب الاهلية في جنوب اليمن عام 1994 ، والتمرد الذي أدى لانفصال باكستان الشرقية ، عن اختها الغربية ، وظهور دولة بنغلادش في 1971 ، او الحرب التي أدت الى تفكك يوغوسلافيا ، وقيام جمهورية البوسنة وكرواتيا والجبل الأسود في 1992 ثم انفصال كوسوفو عن صربيا في 2008.

هذه امثلة ، أحسب ان غالبية القراء الأعزاء يذكرونها ، وهي حوادث أدت أو كادت ان تؤدي الى تفكك دول ، ظن كثيرون انها راسخة الجذور عصية على التفكيك.

المؤكد ان كلا منا قد علم بتجربة واحدة على الأقل ، تتضمن حالات انفصال ، بين أزواج او اعضاء في عائلة واحدة أو شركاء في عمل تجاري ، يعرف كل العقلاء انه يؤدي الى خسائر كبيرة. مع ذلك ، فان الناس يقدمون عليه ، افرادا – كما في الأمثلة الأخيرة – او شعوبا كاملة  كما في الأمثلة السابقة.

السؤال الذي لا بد ان يواجهه اخوتنا في سوريا: ما هو الظرف الذي تبلورت فيه إرادة الانفصال وتفكيك البلد ، في التجارب التي ذكرناها ، وفي عشرات التجارب المماثلة على امتداد تاريخ العالم الحديث ، وما هي العوامل المماثلة التي قد تكون متوفرة فعليا في سوريا اليوم. التأمل في هذا السؤال ، سيأخذنا الى الجزء الثاني الأكثر أهمية: كيف نحول دون تفاقم العوامل الدافعة لانكسار الوحدة الوطنية ، وكيف نعزز إرادة العيش المشترك والسلم الأهلي؟.

ان سمحتم لي بالجواب ، فاني أرى أن ظرف انكسار الوحدة الروحية ، أي إرادة التعايش ، يتبلور عندما تشيع الميول المتطرفة وتنكمش الميول المعتدلة ، عند شريحة واسعة من السكان. التطرف يعني ان الفرد مطلع على الخسائر التي ستحصل جراء الانفصال ، لكنه مع ذلك يراه اقل سوء من أي ضرر يترتب عليه ، او لنقل انه يرى الوضع القائم اسوأ كثيرا من أي ظرف سيأتي بعد الانفصال. انه أشبه بالذي يقدم على الانتحار ، او يخوض مغامرة ، يعلم سلفا ان احتمالات السلامة فيها ، اقل من احتمال الهلاك. هذا تصور متطرف بلا شك ، واذا حمله الفرد فانه يعتبر متطرفا.

خلال السنوات العشر التي مضت من عمر الثورة السورية ، لم نسمع أحدا يتحدث عن تقسيم البلاد. حتى في المناطق الكرية التي انفصلت فعليا عن حكومة دمشق ، كان أقصى المطالب هو الحكم الذاتي ، على النحو القائم في كردستان العراق. اما اليوم فنرى خرائط عن ثلاث دول او اربع ، ونسمع أشخاصا يقولون دون اكتراث: اذا أرادوا ان ينفصلوا ، فليذهبوا الى الجحيم ، نحن أيضا لا نريد العيش معهم. وحين ينشر هذا الكلام على منصات التواصل الاجتماعي يتفاعل معه آلاف الناس ، مرحبين او رافضين.

أعلم ان من يقول هذا متطرف أو جاهل ، وان من يتفاعل معه مثله. لكن ما الذي جرى حتى بات الناس يائسين من الشراكة الوطنية ، غير مكترثين بانكسارها. يتحدثون عن تقسيم بلدهم ، كما لو كان وليمة يتنافس عليها البعض ويزهد فيها آخرون.

اني أتمنى من كل قلبي ان لا يصغي السياسيون الى من يدعوهم لارسال الدبابات والمدافع لقتل المتمردين. أتمنى ان لا يصغوا لمن يقول ان للاكثرية ان تقرر وان على الأقلية ان تسمع وتطيع. هذه الدعوات تنبيء عن ذهنية متطرفة ، وهي تؤدي الى اشعال جمرة التطرف عند الطرف المقابل. لو كان هذا مثمرا لكان بشار الأسد قد نجح في انهاء الثورة الشعبية طوال عقد كامل. ما يحتاجه السوريون هو احتواء الخائفين والغاضبين والمتشككين ، وليس قمعهم او اقصاءهم. هذا هو طريق السلامة ان اردنا العبور بسوريا الى بر الأمان.

الشرق الأوسط الخميس - 21 رَمضان 1446 هـ - 20 مارس 2025 م

https://aawsat.com/node/5123814

 مقالات ذات صلة

الازمان الفاسدة والناس الفاسدون

انهيار الاجماع القديم

بدايات تحول في الازمة السورية
التعايش أو التقارب.. طريق واحد
درس الكارثة: نظام عربي للاستحابة العاجلة
سوريا بين خيار دايتون والحرب الاهلية
سوريا في مشهد جديد
سوريا قد تكون بوابة الحرب الباردة

التفكير الامني في قضايا الوحدة الوطنية

دولة الاكثرية وهوية الاقلية

سوريا ليست معركتنا

 شراكة التراب وجدل المذاهب

شراكة التراب وجدل المذاهب

شراكة التراب" كتطبيق لمبدأ العدالة الاجتماعية

الشراكة في الوطن كارضية لحقوق المواطن

صورتان عن الانسان والقانون

الطائفية ظاهرة سياسية معاكسة للدين

طريق الاقلية في دولة الاكثرية

عرب اوكرانيا وعرب روسيا

الغول

في ان الخلاف هو الاصل وان الوحدة استثناء

القانون للصالحين من عباد الله

مجتمع العبيد

مجتمع العقلاء

مصير المقاتلين الامميين
من دولة الغلبة الى مجتمع المواطنة: مقاربة دينية لمبدأ العقد الاجتماعي

من التوحيد القسري الى التنوع في اطار الوحدة

الواعظ السياسي

وجهات "الخطر" وقهر العامة

الوطن ، الهوية الوطنية ، والمواطنة: تفصيح للاشكاليات

وطن الكتب القديمة

الوطن شراكة في المغانم والمغارم

لماذا نجح الغربيون وفشلنا؟

13/03/2025

لماذا نجح الغربيون وفشلنا؟

 النزاع الذي اندلعت نيرانه فجأة في اطراف سوريا ، بعد أسابيع قليلة من انتصار الثورة الشعبية ، تعيد تذكيرنا بأن خطوط الانكسار في البنية الاجتماعية العربية ، لا زالت فعالة ، وان ترسيخ السلم الأهلي مشروط بتصحيح عيوب تلك البنية ، ولاسيما جعل "مبدأ المواطنة" مضمونا وحيدا للعلاقة بين اعضاء المجتمع السياسي ، على المستوى القاعدي ، وبين المجتمع والدولة ، على مستوى السياسة والقانون.
التعدد الديني والعرقي هو الوضع الطبيعي للحياة في عالم اليوم. ويجب ان نكيف فهمنا للسياسة على نحو يستوعب هذه الحقيقة ، كي نتفادى الصراعات الداخلية. القبول المتزايد لهذه الحقيقة ، دليل على نضج البشرية واتساع وعيها بحقائق الكون وضروراته. التنوع قدر لا خيار لنا فيه ، هكذا خلقنا الله وهكذا نصير اليه.

من المؤلم القول ان المجتمعات الغربية تجاوزتنا بمسافة طويلة ، في الاقرار بالتنوع قانونيا وسياسيا وعمليا ، بينما لانزال نتحرك بسرعة السلحفاة. وهو أمر أسبابه معروفة لمن تأمل في البنية الثقافية-الاجتماعية ، ولم يكتف بالوقوف عند التبريرات اللفظية.

السؤال المثير للدهشة حقا هو : لماذا نجح الغربيون – ولو نسبيا – في تجاوز حدود الطوائف والاعراق والثقافات ، فما عاد أحدهم يخشى ان ينقض عليه الآخر أو ان يتآمر. نقول هذا مع علمنا بأن تلك المجتمعات قامت على أرضية تعاقد مادي ومصلحي. في المقابل فان مجتمعاتنا التي تتحدث كثيرا جدا عن التعاون والتكافل والتراحم ومحبة الآخر والايثار ، تبدو وكأنها تعيش على الدوام في مجتمع ما قبل الدولة ، حيث الجميع في حالة حرب مع الجميع ، على النحو الذي صوره توماس هوبز.

 غالبية الدول الإسلامية تعاني مما يمكن وصفه بأزمة هوية ، ليس عند الأقليات فقط ، بل وبنفس القدر عند الاكثريات أيضا. الأقليات تظن ان الأكثرية تظلمها حقها ، والأكثرية تظن ان الأقلية تخونها. وثمة لدى هذا الطرف عشرات من الأدلة التي تدعم دعواه ، ولدى الطرف الاخر أدلة مثلها. لكن السؤال الذي يبقى حائرا: لماذا تعاملت الأكثرية مع "افراد" الأقلية باعتبارهم جمعا واحدا؟ ولماذا فعلت الأقلية الشيء نفسه بالنسبة الى "افراد" الأكثرية.. أي بدل ان تؤاخذ المذنب ، وضعت كل من يشاركه الانتماء في قالب واحد ، وعاملتهم جميعا كمذنبين.

ثم دعنا نفكر في السؤال التالي: لماذا يناصر "افراد" كل طرف دعاوى فريقه من دون نقد او مساءلة؟. ولماذا لا يسمح هذا الجمع بمساءلة مواقفه ونقدها من داخل الجماعة ومن خارجها.

ان اردتم معرفة الطريقة التي يتشكل من خلالها الفارق البنيوي بين المسلمين وغيرهم ، انظر لسلوك الإسرائيليين خلال الحرب المشتعلة منذ أكتوبر 2023 في مقابل سلوك العرب: يخرج السياسيون والمواطنون والمحللون الإسرائيليون في الشوارع وعلى شاشات التلفزيون والصحف ، يوجهون اشد النقد للحكومة ورئيسها وللجيش وقادته ، وفي المساء يذهبون الى بيوتهم آمنين. اما على الجانب الفلسطيني والعربي ، فان الذي يوجه نقدا ولو بسيطا ، يتهم بالخيانة والعمالة والتصهين.. الخ. بعد حرب 1973 شكلت إسرائيل لجنة عالية المستوى لتحديد أخطاء القيادة ، وقد نشر التحقيق ، وترجم الى العربية باسم "التقصير". وهو يحوي نقدا شديدا للحكومة والجيش وأجهزة الأمن. فهل علمتم عن أي دولة عربية قامت بتحقيق مماثل ونشرته على الملأ؟.

سوف اتفاءل اذا سمعت ان اللجنة التي شكلتها الحكومة السورية للتحقيق في حوادث القتل التي جرت في الشمال الغربي ، تضم فعلا فريقا مستقلا غير منحاز ، او على الأقل ممثلين لمختلف الأطراف ، واعتمدت المعايير الدولية في التحقيق ، ثم نشرت في وقت قريب شهادات الذين استمعت اليهم ، وحددت المسؤولية عن الأفعال الشنيعة التي جرت منذ سقوط النظام السابق.

اصلاح البنية الاجتماعية المتأزمة يستدعي معالجة التأزم المزمن في الهوية عند الأكثرية والأقلية معا. وهذا لا يتم اذا اكتفينا باعلانات سياسية او حتى دستورية ، بل يحتاج أيضا لمبادرات سريعة عملية ، تعزز الاطمئنان وترسل رسائل لجميع من يهمه الأمر ، بان لدى الحكومة عزم أكيد على احتضان الجميع والتعامل معهم كمواطنين ، يحاسبون على فعلهم وليس على انتمائهم.

الشرق الأوسط الخميس - 14 رَمضان 1446 هـ - 13 مارس 2025 م https://aawsat.com/node/5121368

مقالات ذات علاقة

الازمان الفاسدة والناس الفاسدون

انهيار الاجماع القديم

بدايات تحول في الازمة السورية
التعايش أو التقارب.. طريق واحد
درس الكارثة: نظام عربي للاستحابة العاجلة
سوريا بين خيار دايتون والحرب الاهلية
سوريا في مشهد جديد
سوريا قد تكون بوابة الحرب الباردة

التفكير الامني في قضايا الوحدة الوطنية

دولة الاكثرية وهوية الاقلية

سوريا ليست معركتنا

 شراكة التراب وجدل المذاهب

شراكة التراب وجدل المذاهب

شراكة التراب" كتطبيق لمبدأ العدالة الاجتماعية

الشراكة في الوطن كارضية لحقوق المواطن

صورتان عن الانسان والقانون

الطائفية ظاهرة سياسية معاكسة للدين

طريق الاقلية في دولة الاكثرية

عرب اوكرانيا وعرب روسيا

الغول

في ان الخلاف هو الاصل وان الوحدة استثناء

القانون للصالحين من عباد الله

مجتمع العبيد

مجتمع العقلاء

مصير المقاتلين الامميين

من التوحيد القسري الى التنوع في اطار الوحدة

الواعظ السياسي

وجهات "الخطر" وقهر العامة

الوطن ، الهوية الوطنية ، والمواطنة: تفصيح للاشكاليات

وطن الكتب القديمة

الوطن شراكة في المغانم والمغارم

 

 

06/03/2025

المسافة بين الرؤيا والسياسة

قبل أسبوع من لقائه العاصف مع الرئيس الاوكراني (28-فبراير-2025) قال الرئيس الأمريكي انه يسعى للتوافق مع نظيره الروسي بوتين ، على طريقة لانهاء الحرب في أوكرانيا. وأشار ضمنيا الى انه لا يحتاج لاستئذان الاوكرانيين ، حتى لو تعلق الأمر ببلدهم. لكن اذا كان الرئيس زيلينسكي يود مناقشة المشروع الأمريكي ، فليمنح واشنطن امتيازا خاصا للتحكم في المعادن الثمينة التي تفخر بها أوكرانيا.

في نفس الوقت تقريبا ، أعلن ترمب عن خطة لتحويل قطاع غزة الى منطقة ترفيهية ، تديرها الولايات المتحدة ، وتوفر مجالا مشتركا للمصالح الاقتصادية لكل من العرب والإسرائيليين والامريكان. وقيل ان مبعوثي البيت الأبيض تحدثوا فعليا مع عدة دول سيهاجر اليها سكان غزة ، من سوريا الى الأردن ومصر وحتى شمال الصومال.

وكما في المثال الاوكراني ، لم يتحدث الرئيس الأمريكي مع أصحاب الشأن ، أي سكان غزة ، ولا مع الحكومة الفلسطينية ،  قبل ان يطرح هذا المشروع الذي سيغير حياتهم الى الأبد.

وقبل مشروع غزة ، اخبر الرئيس ترمب مواطني كندا ، بانه يريد ضم بلدهم الى الولايات المتحدة لتكون الولاية 51. كما اخبر حكومة الدانمارك بأنه يريد شراء جزيرة غرينلاند ، واخبر حكومة بنما بأن واشنطن تريد استعادة السيطرة على قناة بنما ، التي تخلت عنها نهاية 1999. وفي هذه الاثناء اعلن فرض رسوم جمركية على واردات الالمنيوم والصلب ، وهو قرار يؤثر على الصادرات الصينية ، لكنه يؤثر بدرجة اكبر على استراليا ، الحليف الرئيس للولايات المتحدة في منطقة المحيط الهاديء.

هذا "بعض" ما فعله الرئيس خلال 6 أسابيع من توليه السلطة. وهو يكشف عن نوعية العمل السياسي المتوقع ان تشهده العاصمة الامريكية في السنوات الأربع القادمة. بعض المحللين تحدث عن تغير في المزاج العام للمجتمع الأمريكي ، وان الطريقة التي ظهر بها الرئيس ومساعدوه ، هي مجرد صورة مكثفة للتغير المذكور. ويؤيد هذا التحليل استطلاعات رأي أجريت بعد لقاء ترمب – زيلينسكي. أظهرت هذه الاستطلاعات ان نصف الأمريكيين تقريبا ، يتبنون موقف رئيسهم بشأن أوكرانيا والصين. لكن استطلاعات راي أخرى أظهرت ان شعبية الرئيس لازالت دون المتوسط العام لشعبية الرؤساء السابقين في الأسبوع الرابع من تولي السلطة. وهذا يتعارض مع الفرضية السابقة.

ويبدو لي ان ترمب يحمل سمات واضحة عن زعيم شعبوي يتبنى رؤية مغايرة كليا للتقاليد السياسية السائدة بين النخبة. ولعلها – لهذا السبب بالذات - قوية التأثير في القاعدة الجماهيرية. تتمثل هذه الرؤية في الشعار الانتخابي "فلنعد لامريكا عظمتها المفقودة".

ينطوي هذا الشعار على إدانة ضمنية للنخبة السياسية ، ودعوة للشريحة الاجتماعية التي تصنف نفسها كحامية للهوية الامريكية ، كي تتحد مع الرئيس في تلك المهمة. يستعمل ترمب وفريقه نفس الأدوات الدعائية التي يستعملها الزعماء الشعبويون ، من تأجيج الشعور بالتفوق على الأمم الأخرى ، الى التشكيك في نزاهة النخبة ، وخصوصا التركيز السلبي على اشخاص بعينهم ، باعتبارهم رموزا للفشل ، الى تبني مبادرات ضخمة وسريعة ، تصحح الاختلالات والاخطاء.

وبالتوازي  يجري التركيز على شخص الرئيس ، باعتباره الوحيد القادر على قيادة السفينة ، اعتمادا على ميزاته الشخصية وليس القوة المشتركة للحكومة. يقول في هذا الصدد مثلا: "لو كنت في البيت الأبيض يومذاك لما انفجرت الحرب في أوكرانيا".

ميزة هذا المسار انه قصير الأمد ، كثير الادعاء وقليل النتائج. خذ مثلا محاولة ترمب اصلاح العلاقة مع كوريا الشمالية في 2019 ، التي انتهت بفشل ذريع ، رغم ذهابه شخصيا للقاء الزعيم الكوري ، وهو ما يعد تجاوزا للبروتوكول وتقاليد السياسة.

هذه المرة أيضا سنسمع الكثير من الدعوات والادعاءات ، لكني ارجح ان ترمب سيحصد نتائج قليلة فحسب. ان موقف رئيس أوكرانيا في مواجهة ترمب ونائبه في الاجتماع الشهير في البيت الأبيض ، دليل على ان زعماء العالم لن يأتوا طائعين كما تخيل الرئيس ، حتى لو كانوا في حالة حرب وحاجة ، مثل زيلينسكي. بل اميل للاعتقاد ان موقفه هذا سيشجع زعماء آخرين على مواجهة ترمب من دون قلق.

الشرق الأوسط الخميس - 07 رَمضان 1446 هـ - 6 مارس 2025 م

https://aawsat.com/node/5118911

 

مقالات ذات صلة

عرب اوكرانيا وعرب روسيا

الغائب الكبير في السودان وروسيا

ترمب على خطى يلتسن

وراء تصريحات ترمب وتهديداته

 

 

لماذا ينبغي ان نطمئن الى تطور الذكاء الصناعي؟

  اطلعت هذه الأيام على مقالة للاديبة العراقية المعروفة لطفية الدليمي ، تقترح خطا مختلفا للنقاش الدائر حول الذكاء الصناعي ، وما ينطوي عليه ...