08/04/2010

تحولات التيار الديني – 5 السلام مع الذات والسلام مع العالم


؛؛  نظريا ، يعزز الايمان اطمئنان النفس والسلام مع العالم، لكنا لانرى هذا واضحا في التيار الديني. الدعاة والناشطون يتحدثون بلغة خشنة ، ربما تنم عن افتقارهم للسلم النفسي ؛؛

 قي الثالث من ابريل 2010 طالب مفتي السعودية اعضاء هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر بملاينة الجمهور والتلطف معهم. واوصى المفتي مئة من اعضاء  الهيئة في الرياض بمحبة المخطئين ونصحهم حتى يستقيموا. وتكررت هذه الدعوة كثيرا في السنوات الماضية على لسان زعماء المؤسسة الدينية القلقين من تفاقم سلبية الجمهور تجاه الهيئات الدينية.

عبده خال

وتشهد المملكة انكارا متزايدا للتشدد الذي يلبس عباءة الدين. وكتب الروائي المعروف عبده خال عن حادث تعرض له قبل ثمان سنين، يشكل فيما يبدو خلفية لموقفه المعارض للهيئة:

"ضربت ضربا مبرحا... أمسك بخاصرتي وعنقي وأخرجني بكل قوة، ممزقا ثيابي وجسدي، وأحدث تهتكات في رقبتي وخاصرتي. كان منظري يدعو للرثاء حيث تجمع الناس حولنا من كل جهة. وانطلقت مع زوجتي إلى شرطة النزلة، لتقديم بلاغ، إلا أن الرائد قال لي: أنت مجنون هل هناك أحد يشتكي هيئة الأمر بالمعروف ... حاولت جادا كتابة هذه الحادثة في حينها إلا أنني لم أفلح لأن الهيئة كانت في حصانة مبالغ فيها، حصانة من الشكوى أو نشر أخطاء أفرادها".

تقدم هذه القصة الواقعية صورة نموذجية عن تعامل الهيئة مع الجمهور. لكن التشدد والخشونة ليس حكرا على الهيئة. بل اصبح سمة غالبة في التيار الديني يشعر بها انصاره ومعارضوه. وهو ظاهر في الخطاب اللفظي والمكتوب ، كما في المواقف الاجتماعية والسياسية. ربما يمتاز الاتجاه السلفي عن غيره بتساهله في التكفير وطغيان مفردة "كفر" ومشتقاتها في ادبياته ، لكن بقية الاتجاهات الدينية لا تخلو من اشكال تشدد من هذا النوع او غيره.

هناك بطبيعة الحال تفسيرات عديدة لظاهرة التشدد المستشرية هذه. لكني احتمل ان سببها الرئيس هو افتقار التيار الديني الى حالة السلام النفسي الذي يفترض ان يكون الثمرة المباشرة للتدين والاتصال بالله سبحانه. حين يكون الانسان في سلام مع ذاته ، فانه على الاغلب سيميل الى مسالمة الاخرين، وحين يكون متوترا في داخله فان كلماته وتصرفاته ونظرته الى الاخرين ستحمل طابع التوتر. 

 نعرف هذا من التأمل في ما يكتبه الدعاة والناشطون في مواقع الانترنت والصحف التي تمثل التيار الديني، وما يقولونه في خطبهم ودروسهم واحاديثهم المسجلة. في منتدى "الساحة العربية" الاماراتي او نظيره السعودي "الساحات الحرة" وامثالهما ، سوف تجد المشاركين، وبعضهم رجال دين ودعاة معروفون بالاسم، يكتبون بلغة خشنة ويستعملون الفاظا نابية، ويبالغون في التهجم على منافسيهم. ليس فقط ضد معارضي التيار الديني ، بل وايضا ضد المشايخ والشخصيات البارزة في التيار الديني نفسه اذا اختلفوا معهم في راي او موقف.

ونظرا لصعوبة الدفاع عن هذا السلوك الفظ ، فقد ساد الميل في الاونة الاخيرة الى التبرؤ من امثال هذه المواقع ، ورفض نسبتها الى التيار الديني، واعتبارها مجمعا للجهال والسوقة. لكن مواقع الانترنت الخاصة بالمشايخ المعروفين والجماعات النشطة لا تخلو من هذه التعبيرات.

 التهجم على الغير بالفاظ خشنة هو احد الوجوه . اما الوجه الاخر فهو التبشير بالمؤامرة الدولية على الاسلام والمسلمين. وهي مؤامرة متنقلة يتغير اطرافها بحسب  موقف المتكلم. يوما كان صدام حسين هو راس حربة المؤامرة الافتراضية، فاذا به بعد اعدامه بطل المقاومة ضد المؤامرة. وكانت الشيوعية هي اداة المؤامرة في الماضي، فاذا بالمؤامرة الدولية تستاجر اليوم القنوات التلفزيونية والصحافة. وكان اليهود هم المستفيد الاول من المؤامرة اما اليوم فانهم يقتسمون الغنيمة مع الشيعة والصوفيين. وكان الحداثيون هم الطابور الخامس حتى اواخر القرن الماضي، اما اليوم فقد جند ايضا المشايخ الذين اقلعوا عن التشدد وانتهجوا طريق الاعتدال والمسالمة مع المختلفين.

الكلام عن المؤامرة والتامر يستهدف تعبئة الانصار واثارة الحماس فيهم. لكنه ايضا ينقل الى انفسهم حالة التوتر التي يعيشها الداعي او المتكلم. ويستشهد هؤلاء عادة باشخاص وحوادث ونقولات مقتطعة – واحيانا كاذبة - من هنا وهناك بغرض تحديد العدو المقصود وتضخيم الصورة الذهنية للمعركة الافتراضية. وفي نهاية المطاف فان المتلقي يتخيل نفسه في قلب المعركة التي تستلزم حماسة كاملة وانتباها مفرطا وارتيابا في كل حركة او اشارة تبدر من الطرف الاخر. في وسط المعركة، لا وقت للكلمة الطيبة ولا للجدال بالحسنى. انت هناك قاتل منتصر او قتيل مهزوم. ولهذا فالذاكرة النشطة ستكون حكرا على ادبيات الغلبة والقتل والاكتساح. حين يفتقد الانسان السلام الداخلي يتصور العالم حربا مشتعلة ، وحين يكون وسط المعركة فان دافعه الاول والاقوى سيكون غريزة البقاء ، وهو يساوي غالبا فناء الغريم.

نشر في الايام Thursday 8th April 2010 - NO 7668

http://www.alayam.com/Issue/7668/PDF/Page21.pdf
مقالات  ذات علاقة

الاسلام الجديد

أن تزداد إيماناً وتزداد تخلفاً

اقامة الشريعة بالاختيار

تأملات في حدود الديني والعرفي

تشكيل الوعي.. بين الجامع والجامعة.. دعوة مستحيلة

تحولات التيار الديني -1 : تصدعات وقلق المؤامرة

 

التراث الاسلامي بين البحث العلمي والخطاب الجماهيري

التيار الديني الاصلاحي امام خيار حاسم

جدل الدولة المدنية ، ام جدل الحرية

حول الفصل بين الدين والعلم

الحداثة تجديد الحياة

الحل الاسلامي بديع .. لكن ما هو هذا الحل ؟

الـدين والمعـرفة الدينـية

الشيخ القرني في باريس

عن طقوس الطائفية وحماسة الاتباع

العلم في قبضة الايديولوجيا: نقد فكرة التاصيل

في تعريف الإسلامية

فتاوى متغيرة : جدل المعاصرة في التيار الديني

الفكــرة وزمن الفكـرة

فقد الدِين وظيفته الاجتماعية لأنه أصبح حكرا على طبقة

القيم الثابتة وتصنيع القيم

ما الذي نريد: دين يستوعبنا جميعاً أم دين يبرر الفتنة.

المحافظة على التقاليد .. اي تقاليد ؟

مثال على طبيعة التداخل بين الدين والعلم

نقد التجربة الدينية

 نقد المشروع طريق الى المعاصرة

الهجوم على الثوابت .. اين هي الثوابت ؟

وجهات "الخطر" وقهر العامة

29/03/2010

من أبواب الفساد



؛؛ كلما عسر القانون وضاقت السبل النظامية لتحصيل الحقوق ، لجأ المواطن الى الطرق الخلفية وانفتح الباب للمحسوبية والفساد والرشوة ؛؛

في سنواته الأولى كان صندوق التنمية العقارية ينجز طلبات قروض السكن في ظرف أسابيع. أما في هذه الأيام فإنك لا تأمل في الحصول على قرض بعد عشر سنوات. وإذا ذهبت إلى البلدية أو الصحة أو الداخلية أو القضاء أو غيرها فسوف تجد شيئا مماثلا، لا يصل دائما إلى عشر سنوات لكنك لن تدري أبدا متى تنتهي. ويقول لك الموظفون ببساطة: راجع بعد أسبوع، أو راجع بعد شهر، أو راجع بعد..وإذا كنت مضطرا إلى إنجاز المعاملة فقد تجد من يخبرك بأنه رجل الساعة، لكن ساعته تحتاج إلى وقود كي تتحرك، وهو سيعطي هذا وذاك ممن تمر عليهم المعاملة، لأن ساعاتهم هي الأخرى تحتاج إلى وقود.
وسمعت رجلا يشكو في مجلس حظه العاثر بعدما فقد وظيفته جراء إصابة. وهو يعرف أنه يستحق تعويضا يقابل العلاج وفقدان الوظيفة، لكن الشركة ماطلته سبع سنين. واشتكى إلى مديرها، ثم اشتكى عليها في كل مكان يظن أنه قد يسمع الشكوى، فلم يجد جوابا. فرد عليه أحد الجالسين بأنه أخطأ الطريق، ولو كان حكيما لحصل على حقه في أسابيع. فالتفتنا جميعا لنفهم الحكمة الجديدة، فإذا بالرجل يتحدث عن واسطة في الجهة الفلانية، وذكر قصصا يقول إنها حدثت، وإن أصحابها حصلوا على كافة التعويضات التي طلبوها، بل إن واحدا منهم حصل على تعويض يعادل ستين راتبا إضافة إلى جميع نفقات علاجه. حديثنا عن الفساد الإداري لا يشير فقط إلى الرشوة أو استغلال الوظيفة، بل يشمل خصوصا التقصير الذي يفتح أبواب الفساد. ونفهم أن معظم الموظفين لا يقصرون في واجباتهم عمدا أو تعنتا. الأكثرية الساحقة من الناس، موظفين كانوا أو مراجعين، يريدون العيش في سلام مع أنفسهم ومع الآخرين، وهم يعلمون جميعا أن الفساد والتقصير والتعنت لا يأتي بسلام النفس ولا بالسلام مع الغير.
ربما تجد أقلية ممن فسدت طبائعهم لكن الأكثرية ليست كذلك. المشكلة ليست دائما في أشخاص الموظفين. بل تكمن ربما في آليات العمل والعلاقة بين الإدارة والمراجعين. بعض الوزارات استحدث نظاما للمتابعة الآلية. وزارة الداخلية والتعليم العالي مثلا تضع أرقام المعاملات المقدمة إليها على الإنترنت. يراجع الناس موقع الوزارة على الإنترنت فيعرفون أن معاملتهم قد سجلت، لكنهم لا يعلمون متى ستنتهي ولا يعلمون في أي مرحلة هي، وما إذا كانوا يحتاجون إلى المراجعة الشخصية أم لا. هذا تطوير مشكور، فهو يعطي المراجعين شيئا من الاطمئنان بأن معاملاتهم مسجلة فعلا وليست مهملة في درج من الأدراج. لكنه لازال خطوة صغيرة بالقياس إلى ما هو مطلوب. 
رغم أن معظم الوزارات تملك بنية تحتية ضخمة للمعاملات الإلكترونية، إلا أنها لا زالت متمسكة بنظام العمل التقليدي. فهنا وهناك لا بد من المراجعات الشخصية المتكررة، ولا بد من المعاملات الورقية، و«كتابنا وكتابكم»، و«كلم فلان» و«ماذا قال علان» و«راجعنا بعد أسبوع» وراجعنا بعد... إلخ. 
الحل المبدئي الذي أقترحه هو أن يتبنى مجلس الوزراء قرارا يتضمن أربعة مبادئ:
الأول: إلزام الدوائر الحكومية بتعيين الزمن الأقصى للبت في كل نوع من المعاملات بالسلب أو الإيجاب.
الثاني: وضع آلية للتظلم والاستئناف إذا لم يرض المراجع بالنتيجة تتضمن موعدا للفصل النهائي في الشكوى.
الثالث: التحديد المسبق لمسار المعاملة والوثائق المطلوبة لإنجازها والدوائر التي ستمر فيها بحيث لا يطلب غيرها إلا في الحالات الاستثنائية
الرابع: طريقة رد الإدارة على المواطن ويشمل العدد الأقصى للمراجعات الشخصية أو اعتماد الرد الكتابي بالبريد العادي أو الإلكتروني القابل للتوثيق والتأكيد.النسبة الكبرى من معاملات المواطنين صغيرة ولا تحتاج إلى تدخل رؤساء الدوائر، لكنها فعليا مختلطة مع معاملات كبرى معقدة. ولهذا فإن تحديد المسارات وتعيين المدد القصوى سوف يولد ضغطا في داخل كل إدارة لإنجاز تلك المعاملات التي تعد بمئات الآلاف وسوف يترك جانبا شريحة صغيرة من المعاملات التي تحتاج واقعيا إلى وقت طويل وتدخل من جانب مراتب عليا. 
مثل هذا العلاج المبدئي سوف يريح معظم المواطنين ويعزز رضاهم عن أداء الإدارة الرسمية كما سيغلق أبواب الفساد والواسطة التي تولد لنا اليوم أنواعا من الحكمة الغريبة.

عكاظ 29-3-2010

مقالات ذات علاقة

الطريق السريع الى الثروة

  يبدو ان المعلوماتية تتحول بالتدريج الى اسرع القطاعات نموا في الاقتصاد الوطني لكل بلدان العالم تقريبا. (في 2021 بلغت قيمة سوق المعلوماتية ...