19/06/2019

دعوة التجديد بغيضة.... ولكن



اعلم – مثل كثير من القراء – ان الدعوة المعاصرة للتجديد الفكري والفقهي ، لا تلقى ترحيبا في الوسط الديني. بل لا أبالغ لو قلت انها تواجه بنوع من الارتياب والتشكك ، في مبرراتها وتوقيتها والجهات التي تتبناها ، والقضايا التي تطرحها كامثلة عن الحاجة الى التجديد.
"تجديد الدين" مصطلح مألوف في أدبيات المدرسة الفقهية التقليدية. لكنه مختلف عن المفهوم الذي يثير النقاش في عالم اليوم. الاسئلة التي يطرحها المفهوم الجديد ، والشواغل التي تشغل المهتمين به ، لاتماثل تلك التي تشغل رجال المدرسة  التقليدية. دعاة التجديد في الفكر الديني اليوم ، لا ينتمي غالبيتهم الى طبقة رجال الدين ، بل الى نخبة ثقافية تشكلت قناعاتها أو تطورت في إطارات العلم الحديث. ومن هنا فان مجالات اهتمامها تشكلت في سياق انتقال المجتمع او الاقتصاد الى الحداثة. هذا يعني – ضرورة - أن هذه  النخبة تنتمي ، من حيث التصنيف الاجتماعي ، الى دوائر
مصالح حديثة نوعا ما ، متعارضة مع تلك التي تنتمي اليها المنظومة التقليدية.  
تباين النسق الاجتماعي/المعرفي ، واختلاف دوائر المصالح ، أضاف نقاش التجديد الى مسار الصراع الذي لا يخلو منه مجتمع في طور النمو ، بين دعاة الحداثة وحماة التقاليد. وبالنظر لهذا السياق ، فليس متوقعا ان ينحصر الجدل حول تجديد الدين في المستوى النظري ، او صراع الافكار ، بحسب تعبير المرحوم مالك بن نبي.

التقليديون يصفون دعاة التجديد بالعلمانية والتميع. كما ان دعاة التجديد يتهمون التقليديين بالفشل في استيعاب جوهر التحدي الذي يواجه الاسلام المعاصر.
 
اني اتفهم الاسباب التي تدعو المؤسسة الدينية التقليدية الى الارتياب في دعاة التجديد ،  افكارهم واغراضهم وطرقهم. اعلم ان هذا يحصل دائما ، لان نجاح الدعوة الجديدة ، يقود عادة الى تغيير التوازنات الاجتماعية ، ومعها منظومات عريقة من مصادر القوة والنفوذ والقيم. اذا اردت التحقق من صحة هذا الاستنتاج ، فابحث عن الاشخاص الذين كانوا اغنياء او وجهاء قبل اندماج مجتمعاتنا في الاقتصاد الحديث ، وقارنهم بنظرائهم الجدد: اين أولئك وأين هؤلاء؟.  
 
غرضي في هذه السطور هو دعوة التيار الديني مجملا الى تقبل فكرة التجديد ، باعتبارها حراكا متواصلا لا يتوقف في زمن ، ولا يرتبط بشخص بعينه او قضية بعينها. التجدد والتحول سمة للحياة الطبيعية ، بل هو ضرورة لها. إذا اردنا للدين الحنيف ان يبقى فاعلا في حياة اتباعه ، متفاعلا مع حياة العالم ككل ، فهو بحاجة الى مواكبة التحولات التي تجري في هذا العالم ، ولو اقتضى ذلك التضحية بالكثير مما ألفته النفوس ، واعتادت عليه أو استراحت اليه. اريد توجيه هذه الدعوة بالخصوص الى عامة المؤمنين ، الذين يهمهم إبراء ذمتهم من اي خلاف لأمر الله ، كما يهمهم – في الوقت نفسه – ان لا يتخلفوا عن مسيرة المدنية  المعاصرة ، ومن هنا فهم أصحاب مصلحة في التجديد ، بل هم في حاجة ماسة اليه.
أعلم انه ليس سهلا على المؤسسة الدينية الرسمية في أي بلد ، والقوى الاجتماعية التي تؤازر رجال الدين عموما ، ليس سهلا عليها التنازل عن افكار ألفتها وارتاحت اليها ، وتشكلت في أفقها وعلى أرضها علاقات ومصالح ومسلمات. بل ليس سهلا عليها ان تذهب الى هامش المجتمع ، بعدما سكنت قلبه سنوات طويلة.
هذا ليس بالامر السهل. لكني لا أظن ان أحدا يملك الخيار. يمكن تأخير التجديد سنة او سنوات. اما ايقافه فهو رابع المستحيلات كما يقال.

الشرق الاوسط الأربعاء - 15 شوال 1440 هـ - 19 يونيو 2019 مـ رقم العدد [14813]


مقالات ذات علاقة

نقد التجربة الدينية

12/06/2019

اجماع العلماء ... الا ينشيء علما؟




||لا نأخذ براي الفيلسوف في أمور الدين. لكننا نستمع اليه لتوسيع معارفنا الدينية وغير الدينية. كما اننا لا نأخذ الراي الفلسفي من الداعية او القائد ، فدوره هو تعزيز التقليد ، اي تاكيد ما هو مستقر||
لطالما لفتت نظري الأفكار القيمة التي قدمها علماء الطبيعة ، حينما كتبوا في الفلسفة ، أو قدموا آراء تندرج بطبيعتها في اطار الفلسفة. ان اطلاعي في هذا الحقل محدود. لكن عددا ملحوظا من الفلاسفة الذين قرأت لهم ، جاؤوا الى الفلسفة من الفيزياء على سبيل المثال. هكذا كان اينشتاين وكارل بوبر وتوماس كون. وكثير غيرهم. يشغل ذهني سؤال العلاقة بين الفلسفة وعلم الطبيعة ، ويؤلمني انني فقير في هذا الجانب وعاجز عن تفصيح الاسئلة ، فضلا عن تقديم اجوبة.
ستيفن هيل
ستيفن هيل
ما دعاني لاستذكار هذا الموضوع اليوم ، مقال لعالمة الكيمياء السعودية د. غادة المطيري ، عنوانه "إجماع الآراء لا يصنع علما". استعرض المقال بعضا من معاناة ستيفان هيل ، وهو عالم روماني – الماني ، برهن بما يقطع الشك ، على ان اتفاق مئات العلماء على رأي بعينه ، لا يحول هذا الرأي الى حقيقة.
كان هيل اول من أثبت امكانية تجاوز الحدود التي رسمتها "معادلة آبي" اي مجموعة الحسابات التي وضعها المخترع الالماني ارنست كارل آبي في 1873 حول الحدود النهائية لقدرة الميكروسكوب. واعتبرت منذئذ ، حقيقة موضوعية لا يمكن مخالفتها.
قضى هيل سنوات طويلة ، يواجه السخرية والتهميش في المجتمع العلمي ، لأن ادعاءاته "تخالف المنطق السائد ، أي الرأي الذي اجمع عليه العلماء طيلة قرن ونصف". لكنه في نهاية المطاف نال التقدير الذي يستحقه ، ، ومنح جائزة نوبل للكيمياء في 2014.
حسنا.. ما الذي يدعونا لهذا الحديث اليوم؟ يواجهني دائما سؤال: هل يصح الأخذ برأي لباحث أو مفكر معاصر ، وترك آراء اجمع عليها المئات من مفسري القرآن والفقهاء طيلة قرون؟ 
تنطوي في هذا السؤال ثلاثة موضوعات مختلفة تماما. لذا سنحتاج الى استيضاح ما الذي يشغل بال السائل قبل مواصلة النقاش. أ) فلعل السؤال متعلق بالمنهج ، يمكننا قوله بصيغة اخرى: اتفاق العلماء على رأي بعينه ، الا يعطيه صفة العلم القطعي أو الموضوعي؟. ب) وقد يكون السؤال متعلقا بالحكم (التكليف الشرعي) ، اي: اذا احتجت لاستبيان تكليفي الشرعي ، فهل آخذ برأي يتبناه شخص واحد او عدد قليل ، ام أختار الرأي الذي  يتفق عليه اكثر العلماء؟.
ت) اما الموضوع الثالث فيتعلق بالاطمئنان او الانعكاس النفسي للعلم. وهو يتضح في سؤال: لو قبلنا بتعدد الاراء في امور الدين وتغيرها بين حين وآخر ، الا يؤدي هذا الى اضعاف حالة الاطمئنان الضروري للتدين؟. 
اعتقد ان كل من يريد التفكير في أمور الدين ، يحتاج لفهم الفارق بين الموضوعين الأول والثاني: العلم والحكم. فالحكم لا تأخذه من عشرات العلماء ، بل من عالم واحد تطمئن إليه. وقد يكون أقل تمرسا وخبرة من سواه.  مثلما تختار الذهاب الى طبيب أقل شهرة أو خبرة من غيره ، لأنك ترتاح الى طريقته في العمل او مقاربته للمشكلات.
الاجماع على رأي يزيد قيمته العلمية ، ويجعله مطمئنا اكثر. لكنه لا يلغي احتمالات وجود رأي أصوب منه أو أكثر تقدما. ان تثبيت الاطمئنان هو دور الداعية والقائد. اما العالم فدوره تفكيك الاطمئنان وإثارة الاسئلة ، أي توسيع دوائر الشك. نحن لا نتبع العالم في أمور الدين. لكننا نستمع اليه لتوسيع معارفنا الدينية وغير الدينية. كما اننا لا نأخذ العلم من الداعية او القائد ، فدوره هو تعزيز التقليد ، اي اتباع ما هو مستقر ، وليس الابداع او الابتداع. العالم دليل الى المستقبل بقدر ما الداعية او القائد تاكيد لحضور التاريخ.
مقالات ذات علاقة


الشرق الاوسط الأربعاء - 8 شوال 1440 هـ - 12 يونيو 2019 مـ رقم العدد [14806]


05/06/2019

الشيخ المجهول ، بطل ليفربول


وفقا لدراسة نشرت الاسبوع الماضي ، فان رياضيا بارعا يمكن ان يؤثر في الراي العام ، بما يفوق مئات من رجال الدين والدعاة المحترفين. عنوان هذه الدراسة "هل يمكن للتركيز على الشخصيات المشهورة ان يخفض التعصب؟". وشارك فيها اربعة باحثين برعاية مختبر سياسات الهجرة بجامعة ستانفورد. ركز الباحثون على بروز محمد صلاح ، لاعب كرة القدم الشهير في نادي ليفربول ، وكيف أثر على موقف مشجعي الفريق ومتابعيه بشكل عام ، تجاه الاسلام والمهاجرين. وقد اختير صلاح بالتحديد ، لان هويته صريحة: اسمه وشكله ، فضلا عن مجاهرته برموز دينية معروفة ، مثل سجوده في الملعب بعدما سجل اهدافا نادرة.

اعتمد البحث على مجموعة كبيرة نسبيا من مصادر المعلومات والمؤشرات ، مثل السجلات الشهرية لجرائم الكراهية (التي يكون للدين تاثير فيها) في 936 مقاطعة. كما قام الفريق بفحص 15 مليون تغريدة نشرها مشجعو كرة القدم في بريطانيا ، وتحتوي على مواقف ذات علاقة بالمسلمين ، فضلا عن مسح لعينة ضمت 8060 من مشجعي نادي ليفربول ، فيما يخص موقفهم من الظاهرة المعروفة بالاسلاموفوبيا.
تقول الدراسة ان جرائم الكراهية في منطقة مرسي سايد ، موطن نادي ليفربول ، قد انخفضت بنسبة 19%  ، بينما لم يلاحظ تغيير على انواع الجرائم الاخرى. وجدت الدراسة ايضا ان التغريدات المعادية للمسلمين ، التي ينشرها مشجعون للنادي ، قد انخفضت بما يقارب النصف.
خلاصة الفكرة التي تؤكد عليها الدراسة هي ان الازمات الواسعة النطاق ، اي تلك التي يكون الجمهور طرفا مؤثرا فيها ، يمكن ان تعالج من خلال تغيير المقاربة ، ولاسيما اعتماد ما يسمى الدبلوماسية الشعبية ، في مختلف تجلياتها.
في نفس الوقت تقريبا (1 يونيو 2019)، اعلنت رابطة العالم الاسلامي عن "وثيقة مكة" التي تبناها نحو الف من علماء المسلمين اجتمعوا في مكة المكرمة. شكلت الوثيقة ما يمكن اعتباره رسالة مصالحة بين المسلمين من جهة ، وبين المسلمين وغيرهم من الامم ، من جهة ثانية.
من يتأمل محتوى هذه الوثيقة سيجد انها ليست الاولى التي يصدرها علماء المسلمين من حيث لغة الخطاب والمبررات المطروحة. لكنها كسابقاتها ، اغفلت أيضا تحديد خطط العمل والجهات التي ستتولى ادارة المهمة. ونعلم ان اي دعوة لا تتحول الى برنامج عمل ، ولا يتحدد المسؤول عن تنفيذها ،  فانها على الاغلب ستنتهي كخبر تنشره الصحف في اليوم التالي ، ولا شيء أكثر.
لقد تعمدت افتتاح المقال بتفصيل القول في ما اظنه نموذجا مختلفا في علاج ابرز القضايا التي تناولتها وثيقة مكة ، اي الاسلاموفوبيا. جوهر هذا النموذج هو ازاحة العلاقة من زاوية المواجهة والنقاش المباشر ، ولا سيما التركيز على الجانب الديني/الثيولوجي ، الى زوايا مشاركة ، والتركيز خصوصا على ما يمكن للمسلمين ان يتفاعلوا فيه مع غيرهم باعتبارهم بشرا ، لا باعتبارهم اصحاب أديان او مبشرين. قضايا مثل العلم والادب والفن والرياضة واستئصال الفقر وحماية البيئة الكونية وامثالها ، تشكل في رأيي نقاط التقاء ، ويمكن للعمل المشترك فيها ان يوصلنا الى نتائج افضل واوسع نطاقا.
اذا كان لي من كلمة اوجهها لعلماء المسلمين المهتمين بتحسين العلاقة بين المسلمين انفسهم ، او بينهم وبين غيرهم ، فسأقول لهم: دعوا هذه المهمة لغيركم ، اي الشباب والباحثين والفنانين والرياضيين والناشطين البيئيين ، فهؤلاء سيفتحون مسارات لا تقدرون عليها ولا تعرفونها. انظروا الى تجربة بطل ليفربول ، فهي عبرة لمن يعتبر.
الشرق الاوسط الأربعاء - 1 شوال 1440 هـ - 05 يونيو 2019 مـ رقم العدد [14799]

29/05/2019

هيمنة الاتجاه الاخباري على الفقه

|| لم يعد للعقل دور مستقل. فقهاء اليوم يبحثون عن حلول لمشكلات الحياة الحديثة في كتب الحديث وفي تراث اسلافهم ، رغم علمهم بان هذا حل مستحيل||
تأسس علم الفقه في القرن الثاني للهجرة ، حين وجد المسلمون أن ما وصلهم من حديث الرسول لا يغطي المسائل الجديدة. وصور ابو الفتح الشهرستاني هذا المعنى بقوله ان "الحوادث والوقائع .. مما لا يقبل الحصر والعد. ونعلم قطعا أنه لم يرد في كل حادثة نص... والنصوص إذا كانت متناهية والوقائع غير متناهية ، وما لا يتناهى لا يضبطه ما يتناهى ، علم قطعا أن الاجتهاد والقياس واجب الاعتبار".
مسجد وضريح الامام الشافعي-القاهرة
مسجد وضريح الامام الشافعي-القاهرة
والمشهور ان الامام الشافعي (ت 204ه) هو الذي وضع القواعد الأولية للاجتهاد واستنباط الاحكام في كتابه"الرسالة". أما أول من مارس الاجتهاد فالمشهور انه الامام ابو حنيفة النعمان وتلاميذه (ت 150ه). ومنذئذ انقسم المشتغلون بالفقه الى فريقين: الفريق الذي يسمى اهل الرأي او الاصوليون ، وهو يدعو للبحث عن قواعد عامة نستفيدها من النصوص ، ونجعلها مرجعا لتكييف الحوادث الجديدة ، ان تطلبت حكما شرعيا. مقتضى هذا الرأي في نهاياته المنطقية ، ان الشريعة ليست مجموعة احكام مدرجة في نصوص ، بل منهج وفلسفة عمل ، جرى توضيحها من خلال امثلة واحكام في قضايا ، ذكرت في القرآن او حديث الرسول. وان الاعتماد الكامل على الادلة العقلية ، سيضمن جعل التشريع متجددا مستجيبا لعصره. هذا يقتضي بطبيعة الحال ان تخضع احكام الشريعة للمراجعة المستمرة. ولذا يتوقع ان يختلف الحكم في الموضوع الواحد ، بين زمن وزمن وبين مكان وآخر ، اذا اختلفت البيئة المادية او الثقافية لموضوع الحكم.
اما اهل الحديث ، ويطلق عليهم ايضا الاخباريون ، فهم يأخذون برؤية انكماشية نوعا ما ، تحصر التشريع في حدود المنصوص ، وتمنع انشاء الزامات شرعية اعتمادا على اجتهاد مستقل. ومقتضى هذا الراي في نهاياته المنطقية ، هو ان قبول اصل الدين والشريعة ، يعني الاقتصار على ماحدده الشارع ، وعدم التصرف بموازاته على اي نحو ، حتى لو كان صلاح التصرف ظاهرا للعيان.
تختلف الحجة القيمية بين الفريقين. إذ يرى الاصوليون ان الدين غرضه صلاح الدنيا. ومن صلحت دنياه ، نجا في الآخرة. بينما يرى الفريق الثاني ان غاية الخلق هي عبادة الخالق وان غرض الدين هو النجاة في الاخرة ، على النحو الذي عرفه التنزيل الحكيم. ولذا فواجب المؤمن هو الاعداد للآخرة ولو على حساب الدنيا.
ويتضح مما سبق ان الاتجاه الاول (الاجتهاد) اكثر قابلية للتفاعل مع التطور المادي والثقافي للمجتمع. لكن انتشاره سيفضي الى تلاشي الفاصل بين الديني والدنيوي ، وضمور ما يسمى بالصبغة الدينية للحياة. اما الاتجاه الثاني (الاخباري) فهو يميل الى نوع من الثنائية الحيوية ، حيث يتعايش الديني والدنيوي ، كلا في مجال خاص به. وفي هذا الاطار يعمل اهل الفقه على ابراز الصبغة الدينية والتاكيد على خطوط الفصل بين العالمين.
رغم ان ظهور الاجتهاد كان تعبيرا عن حاجة المسلمين لتطوير حياتهم الدينية ، الا انهم – لأسباب عديدة – تراجعوا عنه مبكرا ، وهيمن الاتجاه الاخباري بشكل صريح او ضمني. وفي وقتنا الحاضر لم يعد للعقل دور مستقل. بل اصبح تابعا ثانويا. ولهذا تجد الفقهاء يبحثون عن حلول لمشكلات الحياة الحديثة في كتب الحديث او في تراث اسلافهم ، رغم علمهم بان الحل مستحيل ، ما لم نعط العقل دورا مستقلا موازيا للكتاب والسنة. لكن قرارا مثل هذا يتطلب تعديلا في التصور الاساسي او الفلسفة التي ينطلق منها الفقيه ، على النحو الذي شرحته آنفا.
الشرق الاوسط الأربعاء - 24 شهر رمضان 1440 هـ - 29 مايو 2019 مـ رقم العدد [14792]
https://aawsat.com/node/1743631

26/05/2019

نقاشات "عصر التحولات"

لقراءة المادة انقر على العنوان


أشعر انك تتعمد تهوين المسألة. لو كان الأمر بهذه البساطة، لما اتفق الاسلاميون على معارضة الدولة المدنية، وما اتفق الليبراليون على معارضة الدولة الدينية. 
نعيدك الى مفهوم الدولة الدينية والدولة المدنية، يقف الليبراليون خاصة في منطقتنا ضد مفهوم الدولة الدينية، فيما يقف الاسلاميون ضد فكرة الدولة المدنية. هل نستطيع التوصل الى نظام سياسي ...
في محاضرة لك بمنتدى المرحوم د. راشد المبارك بالرياض «2 يناير 2011» ذكرت ان مفهوم الوطن الجديد يتألف من ثلاثة عناصر اساسية: ”ارض وعقد ومشاركة نشطة“. ما المقصود هنا ...
ماذا عن المتاجرة بالدين، قلت انه ليس خداعا او انه مستقل عن موضوع الخداع؟. 



الا تخشى من خداع الجمهور باسم الدين او تحت عباءته؟. انا أشعر ان كثافة الشعار الديني ربما تشير الى تحول الدين الى بضاعة يتاجر بها هذا وذاك. 
تغير النخبة تبعا لتغير الساحة والجمهور، انت تسميه تحولا وانا اسميه انتهازية.. 
حسنا انت تتحدث عن تغير في اللغة السائدة. الى أي حد يمكن الحديث عن تغيير في الذهنية والمعتقدات، اي الرؤية المدعومة بأساس ثقافي أو ديني؟. 
فيما يخص التصورات القديمة عن الدولة في التراث الاسلامي، افترض ان هذا شائع فقط بين النخبة التي ترتبط معارفها او عملها بكتب التراث. ماذا عن الجمهور العربي؟. افترض ان تصوره ...
دعني اسألك عن كتابك ”رجل السياسة: دليل في الحكم الرشيد“. تقول ان الانتقال الى الحداثة يتجسد على نحو ملموس من خلال تغير انماط الحياة، الاقتصاد، العلاقات الاجتماعية، اللغة، والسلوكيات ...
الأمثلة التي ذكرتها، تشير غالبا الى حكومات أو أحزاب حاكمة أو شريكة في السلطة، تتنافس على مغانمها. لكن كيف ينطبق نفس المنظور على أحزاب خارج السلطة، أو الاحزاب العاملة ...
فيما يخص النقطة الثانية، اي الدور المزدوج للجماعات الدينية التي تصنف نفسها ضمن المجال الاهلي، وتحاول في الوقت نفسه، استخدام الدولة. ماذا تعني بقولك انها نقيض للدولة ومشروعها؟. 
هل تعتبر صعود تيار الاسلام السياسي في اطار الربيع العربي دليلا على إفلاس التيارات الأخرى، ام على تمتع الاسلاميين بجاذبية خاصة أو حسن إدارة للصراع، يفتقر اليها غيرهم؟. 
ثمة آراء متضاربة تجاه دور الاسلاميين في الربيع العربي. تجربة تونس والعراق ومصر وسوريا وليبيا حملت بعض المراقبين على تكرار مقولة قديمة فحواها ان الجماعات الاسلامية غير مؤهلة لقيادة ...
لماذا يصعب التنبؤ بالثورة الشعبية، اليس بالامكان تحديد العوامل المشتركة بين مختلف التجارب؟. 
ثمة سؤال طالما شغل ذهني: كيف فهمت الربيع العربي؟ 
تتحدث كثيرا عن ”ديمقراطية دينية“. لديك ايضا كتاب اسمه ”الديمقراطية في بلد مسلم“. هل تعتقد حقا ان لدينا في التراث الاسلامي ما يمكن ان يشكل أرضية لنظام ديمقراطي؟ 
ذكرت في الكتاب أنه لم ترد آية واحدة في القرآن الكريم، تؤكد أن البغي طبيعة في الإنسان، سابقة على وصول البلاغ إليه. ما الفرق بين وصول البلاغ وعدمه؟. ما ...
انت تقول ان الاستدلال بفساد الطبيعة البشرية على ضرورة السلطة، قابل للسقوط بشبهة عدم اضطراد أصل الفساد في بني البشر. يمكن القول ايضا - على نفس النسق - إن ...
جادلت بشدة في الكتاب ضد القول بان ضرورة السلطة مرجعها فساد الطبيعة الأولية للبشر. لكني اجد عددا كبيرا جدا من العلماء يتبنون هذا الرأي في الماضي والحاضر. وهو أمر ...
يبدو ان حصر الولاية على الشأن العام في الفقيه المجتهد، رؤية جديدة في الحوزة العلمية. لان الروايات التي يعتمدون عليها في اثبات الرجوع الى الفقيه او طاعة أمره، تذكر ...
مادمنا في الحديث حول ولاية الامام المعصوم، يدور في ذهني دائما سؤال حول اتهام الشيعة بالغلو في الائمة، سيما بمنحهم صفات فوق بشرية. هل لديك رأي في هذا الصدد؟. 

اشرت الى جدل حول وجوب طاعة المعصوم، هل هناك خلاف فعلي في هذا؟. 
ذكرت في سياق النقاش حول الامامة أن معرفة الدين وتعاليمه، ليست مشروطة بوجود الامام. بل يمكن للانسان ان يحصل عليه بمختلف الطرق الموصلة للعلم. اذا صح هذا فما الحاجة ...
فيما يخص تعيين الحاكم او اختيار طريقة الحكم، يقال عادة ان الشارع المقدس لم يترك اي شيء هملا. وحسب تعبير المحقق البحراني فان الاخبار مستفيضة في ان كل حكم مبين ...
التجربة الإيرانية المعاصرة تتضمن دورا واسعا نسبيا للشعب في اختيار قيادته، سواء في الانتخاب المباشر لرئيس الحكومة ونواب البرلمان، او في الانتخاب غير المباشر للولي الفقيه. فهل ترى هذا ...
تتحدث عن سيادة الأمة على الدولة، فهل ترى ان رضا الشعب هو المصدر الوحيد لشرعية الحكم من الناحية الدينية، هل لهذا الرأي أساس ديني، بحيث نعتبر حكومة من هذا النوع ...
تطورت نظرية السلطة في الفقه الشيعي على مدى زمني طويل نسبيا، وكانت مراحلها المتتالية انعكاسا للمعطيات الواقعية في زمنها. هل يعني هذا ان جميع الأطروحات نتاج بشري جرى تكييفه ...
في مقدمة كتابك ”نظرية السلطة في الفقه الشيعي“ قلت أن غرض البحث هو اختبار إمكانية عرض نظرية جديدة لشرعية السلطة في الإسلام. نعلم ان هذك نظريات اخرى موازية لولاية ...
هل تنظر الى مسألة ”الدولة“ وممارسة الحكم كموضوع فقهي كي تقدم فيها بحثا فقهيا؟. 

تقول ان إقامة العدل هو الغرض الرئيس من المعالجة الدينية لمسألة السلطة، وان السعي لانجاز هذا الغرض هو معيار إسلامية الحكومة وشرعيتها. كيف تصف حكومة تسعى لهذا الغرض وهي ...
الغرض من السؤال كان استيضاح العلاقة بين مفهوم ”الحاكمية“ ومفهوم ”ولاية الفقيه“ 
الحقيقة انه كلما طرح موضع الدولة الاسلامية للنقاش، قفزت الى السطح مفاهيم جدلية مثل ”الحاكمية“ التي نادى بها سيد قطب، و”ولاية الفقيه“ و”الخلافة“ التي نادى بها ”حزب التحرير“ سابقا ...
لا زلنا بحاجة الى تحديد أدق لمفهوم الدولة الدينية. دعنا نعيد السؤال معكوسا: هل يمكن اعتبار دولة ما دينية دون أن يرأسها فقيه او دون أن تلتزم بآراء الفقهاء ...
ولاية الفقيه التي ناقشها كتابك ”نظرية السلطة في الفقه الشيعي“ تفترض سلفا ان الحكومة الشرعية هي فقط الحكومة الدينية. السؤال البديهي: هل يجب ان يرأس الدولة فقيه كي تأخذ صفة ...
لاحظت في كتابك «الحداثة ضرورة دينية» أنك لا تفصل بين التحديث والحداثة، ألا ترى أننا نحتاج لهذا الفصل والتفريق بينهما لنعي أن ما حدث في عالمنا العربي هو تحديثات ...
لا يمكن أن نتقدم دون ممارسة النقد الذاتي ولكن هناك عقبات كثيرة تقف أمامنا.. ما هي في تقديرك أبرز هذه العقبات؟ وكيف نعيد تفعيل قيمة جهاد النفس وربطها بالنقد ...
جوهر المشكلة في تقديرك هي قابلية نمط معين من الفهم الديني لإعاقة النهوض الحضاري. وترى في نمط التدين السائد في العالم الإسلامي معيقا للنهضة. أجد هذا الخطاب صادما للعقل الجمعي، ...
أين المرأة من سؤال النهضة؟ وما هي نظرتك الاستشرافية لوضع المرأة الاجتماعي في المملكة؟. ألا تحتاج المرأة إلى إعادة صياغة للوعي، نظرا لكونها من أشد حراس النسق قسوة وضراوة؟ 
تفصل ما بين التراث والدين. ولكن واقع حال ثقافتنا اليوم يمحو ذلك الخط الفاصل ما بين التراث والدين. فما هو تراث وثقافة اجتماعية صار دينا لا يمكن مقاربة حدوده الشائكة، ...
عودة للعلاقة مع الغرب الثقافي. في مطالع القرن العشرين، دعا بعض المفكرين المسلمين الى انفتاح كلي على الغرب بحجة انك لا تستطيع التقدم ما لم تندمج في تيار التقدم. ...
كأنك تقول انه لا يمكن النظر الى المسألة خارج اطار الجدل حول العلاقة مع الغرب. 
صحيح. انطلق هذا الجدل في هذا السياق، ولا يزال كذلك. وهو جدل قليل الفائدة في ...
بالعودة الى الايديولوجيا، قرأت لك مقالا يشير الى ”ايديولوجيا دينية“. فما الفرق بين الدين والايديولوجيا الدينية، وهل يمكن - في الاساس - أدلجة الدين؟. 
لست متحررا من الايديولوجيا. ولا أظنك ستعثرين على شخص في العالم كله متحرر من الايديولوجيا. الايديولوجيا هي ...
نتحدث عادة عن القهر والتدجين باعتباره فعلا تقوم به السلطة السياسية، والذي ارى ان مجتمعنا يمارس قهرا لأهل العلم والمثقفين، قد يزيد سوء عن الاول. 
من سالف الأزمان كانت علاقة المثقف بالسلطة علاقة شائكة، فهو إما متمرد عليها رافض لها، مما يعرضه للقمع، وإما مدجن طوعا أو قسرا.. هل دجن توفيق السيف؟ 
في مقالك المعنون ”الحداثة كمحرك للتشدد“ المنشور في ديسمبر 2015، اعتبرت التعصب الديني تجليا لهوية فردانية. هذا يبدو متعارضا مع الفكرة السابقة. 
الواضح ان مفهوم الفردانية غائب في التراث الاسلامي القديم، وهذا الغياب يفسر غيابه في الادبيات المعاصرة ايضا. 
الاحظ في كتاباتك ومقابلاتك ميلا واضحا للرؤية الفردانية. وهي - كما اعلم - مذمومة حتى عند الفلاسفة الاخلاقيين في الغرب فضلا عن المسلمين. 
يبدو اننا غير متفقين في هذه النقطة. فالشريعة من عند الله، فهي ارفع من القانون. انت تستطيع معارضة قانون ما، لانه من وضع البشر أمثالك، لكن لا تستطيع معارضة شريعة ...
البعض يعتقد أن الإيمان الحقيقي هو ثمرة إختيار حر غير قسري. ونعرف أن المجتمع الليبرالي يوفر الحرية الكاملة للناس كي يؤمنوا بما يطمئنوا اليه، فهو يعتبر العقيدة حقا شخصيا لا ...
تحدثت اكثر من مرة عن حرية مطلقة، بلا قيود. قلت ذلك في محاضرة عامة، ثم قلته في مقابلة تلفزيونية. هل تعتقد حقا ان الحرية يجب ان تكون مطلقة، هل تعتقد ...
تقول في احد مقالاتك المنشورة ”لو أردنا تلخيص تاريخ الانسان منذ بدايته وحتى اليوم في جملة واحدة، لقلنا انه كفاح من اجل التحرر والانعتاق“. هل هذه الجملة كافية لتلخيص الثورات ...
وبالتالي دكتور توفيق، هنا يمكن أن نتكلم عن تاريخية النص الديني في سياقات معينة أو في زمان معين أو في مكان معين، ام هناك شيء آخر؟ 
هل الأساليب المستمدة من الدين كافية لتسيير المجتمع المعاصر والدوله الحديثة؟ 
يراودني دائما سؤال: هل للشريعة الاسلامية مفهوم خاص للعدالة، ام انها تسعى لتطبيق العدالة في مفهومها المجرد. بعبارة اخرى: هل سنصل إلى العدالة لو طبقنا احكام الشرع كما نعرفها؟
واقع الامر ان فقهاء كثيرين لازالوا غير مقتنعين بمبدأ المساواة الذي تذكره. ولهذا مثلا رفض مجلس صيانة الدستور في ايران، تسجيل النساء على قوائم الترشيح لانتخابات رئاسة الجمهورية في 1997 ...
ماذا عن المثال الذي ذكرته في السؤال السابق، أي تفاوت الحقوق بين المسلم وغير المسلم، وبين المرأة والرجل. الا ترى في ذلك خلافا للعدالة المفترض كونها من اسس التشريع الديني؟
فيما يخص الاجتهاد وتجديد الشريعة. يشكو الناس احيانا من التفاوت في حقوق الانسان المقررة في الفقه الإسلامي، وتلك التي أقرتها المواثيق الدولية الحديثة. منها مثلاً تفاوت الحقوق بين المرأة والرجل ...
بالعودة إلى المسألة السابقة، أي الالزام العرفي أو القانوني بناء على احكام العقل. اجد ان الناس يلتزمون بالقانون ولو مضطرين، فما الحاجة إلى تقرير قيمة دينية لأحكام هذا القانون. اليس ...
النقطة الاخيرة، أي اعتبار كل مساهمة في عمران العالم عملا دينيا، جديرة بالاهتمام. لكني لا أظن احدا من المسلمين سيقبلها
جوابك هذا يفسر حاجة الفرد للالتزام بشريعة المجتمع أو قانونه. لكنه لم يوضح لماذا يحتاج الانسان اساسا للدين أو الاعتقاد بالدين
بالعودة إلى العقيدة، اود ان اسأل سؤالا عاما: من أين تأتي الحاجة للإعتقاد. اليس اتخاذ دين محدد أو شريعة معينة تقييد لحرية الفرد؟ 
تكملة للنقاش، أعلم ان هناك تيارا في الفكر الاسلامي يرفض فكرة الاتكال على العقل بصورة مستقلة في انشاء أحكام شرعية. هل هذا متصل بالموضوع؟ 
ماهو الفيصل بين علم الكلام القديم والجديد؟
ماذا عن الدرس الفلسفي، ارى تناقضا في التعاطي معه، فهو مبجل عند بعض العلماء ومنبوذ عند البعض الآخر؟
هل يمكن الحديث عن نهضة جديدة في علم الدين، وفي الثقافة الدينية عموما، نهضة لديها مقومات الإستمرار والتواصل... أم أن الأمر لازال غير واضح الإتجاهات؟
علم الكلام القديم يعتبر الموروث من نصوص وآراء، معيارا للمقارنة والترجيح. اما الجديد فيميل للتركيز على القيم الكبرى التي قام عليها الدين، أو أراد ...

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...