17/10/2012

التيار الديني والدولة في المملكة : تحليل لمسار العلاقة وتاثيرها على الحراك الاصلاحي

يمثل الدين مصدر رئيسيا لشرعية السلطة في جميع الدول العربية، بما فيها تلك التي تتألف طبقاتها الحاكمة من نخب علمانية. في هذه الدول جرى توليف معادلة تتيح لكل من الطرفين، المؤسسة الدينية الرسمية والنخب الحاكمة، ان يعملا بصورة متوازية: لكل من الطرفين خطاب خاص ومجال عمل لا يتدخل فيه الاخر.
 السعودية تشكل حالة خاصة، لان الدولة لم تنشيء المؤسسة الدينية، ولا هي ورثتها كما هو الحال في معظم الدول الاخرى . على العكس فان النخبة الدينية شاركت السياسيين في اقامة الدولة والمحافظة عليها لزمن غير قصير. هذا يفسر اختلاط الخطاب الديني بالسياسي، وعدم تقبل رجال الدين لبعض المظاهر التي توصف بانها "علمانية" في مؤسسة الدولة او حياة رجالها وسياساتهم.
لكن الامور تسير دائما في اتجاه واحد، كما اشار ماكس فيبر. حين تهب ريح الحداثة على المجتمعات التقليدية، فان تاثيرها لا يقتصر على تجديد الاطارات القائمة، بل يعيد تشكيلها على نحو مختلف، يطيح بتوازنات القوى السابقة وهيكل العلاقات القائم على اساسها.
جميع المذاهب الاسلامية لها حضور في المجتمع السعودي. لكن مذهب الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، او المذهب "السلفي" كما يسمى الان ، هو الوحيد الذي تعترف به الدولة وتستمد منه خطابها الديني. تقوم المؤسسة الدينية الرسمية على ارضية هذا المذهب ويختار زعماؤها من بين كبار شيوخه. هذا المذهب تحديدا هو موضوع النقاش في هذه المقالة.
تتعقب المقالة مسار العلاقة بين المؤسستين الدينية والسياسية في المملكة خلال الخمسين عاما الماضية. وتبين ان علاقة الشراكة الاولية قد تحولت الى تحالف في مرحلة بناء الدولة، التي شهدت ايضا بدايات التمايز والتباعد بين الحليفين الذين تفارقت سبلهما . حتى ال الامر في السنوات الاخيرة الى شعور متبادل بالنكران وعلاقة لا تخلو من ريبة.

ملاحظة قبل البدء

قبل البدء، اود الاشارة الى بعض خصوصيات المذهب الوهابي – السلفي ، مثل كونه اخباريا يعتمد الحديث النبوي مصدرا رئيسيا للاحكام الشرعية مقارنة بالمصادر الثلاثة الاخرى ، واهتمامه الشديد بالعقيدة في تصورها الفردي المبسط. واضيف اليها ارتباطه الثقافي والتاريخي بالمملكة باعتبارها وطن المذهب. وهذا يفترض – ضمنيا – تقديم السعودي على غيره نظرا لانتمائه الى دولة المنبع. نفهم العنصر الاخير من حقيقة ان شخصيات مؤثرة - غير سعودية - استعين بها مرحليا ، لكن لم تصل الى مستوى القيادة في التيار الديني التقليدي أمثال عبد الرزاق عفيفي،ابو بكر الجزائري، محمد محمود الصواف، ناصر الدين الالباني، ومناع القطان ، رغم ان بعضهم منح الجنسية السعودية. كما ان المكون القومي العربي يظهر واضحا هو الاخر فليس في المذهب السلفي اي زعيم بارز او كاتب مؤثر غير عربي. وثمة كتابات لعلماء سلفيين بارزين تتحدث عن خصوصية "الجزيرة العربية" وفضلها في السياق الديني والتاريخي[1].
تاثير المكون المحلي له دلالة في الارتباط شبه العضوي بين المذهب السلفي والدولة السعودية ، وفي تكوين زعامة التيار. البيئة الاجتماعية التقليدية للمذهب منحت رجل الدين مكانا محوريا في الحراك الاجتماعي . بخلاف المجتمعات العربية الاخرى كمصر مثلا ، التي لا ترى باسا في تقديم سيد قطب على اي من العلماء وكذلك قادة الاخوان الذين ليس فيهم رجل دين محترف.

المؤسسة الدينية الرسمية

لا يوجد احصاء دقيق لعدد رجال الدين السعوديين. لكن الارقام التي سنوردها لاحقا تعطي فكرة اجمالية عن حجم هذه الشريحة ، التي يرتبط معظم افرادها عضويا ومعيشيا بمؤسسة الدولة.
"هيئة كبار العلماء" هي رأس المؤسسة الدينية الرسمية. وقد انشئت بامر ملكي في اغسطس 1971. وتضم – كما يشير اسمها – من يفترض انهم أعلم الناس في الشريعة. لكن هذا الاعتبار ليس موضوعيا على الدوام، لاسباب تتعلق احيانا بمعايير تحديد الاعلم، واحيانا اخرى بمعايير ادارية تمليها ضرورة الانسجام داخل الهيئة، فضلا عن معايير سياسية تتعلق بتوزيع مراكز القوى وخيارات الدولة وحاجاتها التي ليست موضوعا للمفاضلة في العلم[2].
ياتي "مجلس القضاء الاعلى" في المرتبة الثانية ضمن هرم الزعامة الدينية. وقد انشيء في 1975. وكان يرأسه عادة من يعتبر ارفع القضاة منزلة. لكن الحكومة مالت في السنوات الاخيرة الى ملاحظة دواعي التطوير القانوني والاداري عند اختيارها لاعضائه. والمجلس هو مرجع قضاة المملكة. وترجع اليه القضايا الكبرى التي يتعذر حسمها في المحاكم، او التي يجب ارجاعها اليه بحكم القانون، مثل احكام القتل.
في المرتبة الثالثة تأتي الوزارات الدينية المتخصصة واهمها العدل والاوقاف، ثم الهيئات الدينية المستقلة مثل هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، رابطة العالم الاسلامي، المجمع العالمي للفقه الاسلامي، واخيرا الندوة العالمية للشباب الاسلامي.
هناك ايضا جامعتان دينيتان: الجامعة الاسلامية بالمدينة المنورة وجامعة الامام محمد بن سعود الاسلامية في الرياض. وهما يتبعان، اداريا وماليا, وزارة التعليم العالي. وكان التقليد الجاري يأخذ بعين الاعتبار راي كبار العلماء عند تعيين قياداتهما الادارية والاكاديمية. وظهرت اخيرا دلائل على افول هذا التقليد، سيما بعدما عين الملك في مارس 2007 رئيسين للجامعتين من خارج الدائرة التقليدية المعتادة، هما د. محمد علي العقلا للجامعة الاسلامية و د. سليمان ابا الخيل لجامعة الامام.
يزيد عدد الوظائف الدينية او التي تخضع لاشراف رجال الدين عن ربع مليون وظيفة، اي نحو 25% من اجمالي الوظائف الحكومية في 2008. وقال تقرير صحفي في 2010 ان وزارة الاوقاف ستعين 140 الف مؤذن وامام مسجد كموظفين متفرغين[3]. ويصل عدد المساجد في المملكة الى 72 الفا[4]. وتدير هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر 470 مكتبا في انحاء المملكة يشغلها نحو 4400 موظف.
ويمارس العديد من رجال الدين ادوارا ثقافية واجتماعية تقع في ظل المؤسسة الدينية الرسمية، فهي تخضع لاشراف اسمي من جانب الدولة، لكنها تعمل بصورة مستقلة عنها. ولعل ابرز هذه النشاطات هي الجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن التي تدير – طبقا لاحصاءات جمعها الكاتب في 2010- ما يزيد قليلا عن 25 الف حلقة تحفيظ، تضم 515 ألف طالب، ويعمل فيها 26,500 معلم وموظف. ولا تشمل هذه الارقام الحلقات التي يديرها رجال دين خارج اطار الجمعيات المذكورة. ومن بين النشاطات المشابهة، والتي يبرز فيها دور رجال الدين نذكر ايضا جمعيات البر، التي يرأس معظمها امراء المناطق، لكن ادارتها بيد رجال دين. وهي تمارس عملا مستقلا – الى حد بعيد – عن مؤسسة الدولة.
ومن هذا النوع من النشاطات ايضا المكاتب التعاونية للارشاد والدعوة وتوعية الجاليات، وهي تنتشر في جميع محافظات المملكة، وفي 2010 كان عددها 210 مكاتب، تمارس كما هو واضح من اسمها نشاطا دعويا مباشرا يتضمن تنظيم المحاضرات والدروس وتوزيع المطبوعات وحفلات افطار الصائمين ..الخ.
عدا عن الهيئات الدينية المتخصصة، فان جميع وزارات الدولة تدير عملا دينيا كنشاط جانبي. فهناك ادارة التوجيه المعنوي في القوات المسلحة، وقد اسسها رجل دين معروف هو د. سعود الفنيسان، ومعظم موظفيها من خريجي الكليات الدينية، كما تعين وزارة الخارجية ملحقا دينيا في عدد كبير من سفارات المملكة في الخارج. وتعتبر وزارة التربية من اهم قنوات التوظيف لخريجي المدارس الدينية، اذ تستوعب الافا من هؤلاء لتدريس الثقافة الدينية التي كانت تشكل نحو 31% من مجمل الجهد التعليمي في 2010 [5]. ويتبع وزارة التربية ايضا 2077 مدرسة متخصصة لتحفيظ القران[6].
الارتباط الوظيفي بمؤسسة الدولة والاعتماد عليها في المعيشة ، يعتبر امرا طبيعيا في التيار الديني السلفي. ولم يكن باعثا للجدل في مصداقية او استقلال رجل الدين. لكن عدا الجانب المعيشي، فان كثيرا من رجال الدين، ولا سيما في المستويات الوسطى والعليا، يستفيدون من مواقعهم الوظيفية وعلاقتهم مع رجال الدولة ، في تعزيز نفوذهم الاجتماعي وترسيخ مكانتهم بين الجمهور.
الاكثرية الغالبة من رجال الدين السعوديين، يصنفون على تيار السلفية التقليدية. ويدعو هذا التيار الى مسايرة الدولة باعتبارها الحارس الوحيد لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب والمذهب السلفي. وهم يعتبرون حكم العائلة المالكة شرعيا وطاعتها واجبة، حتى لو ارتكبت منكرات، ما لم تصل مستوى الكفر الصريح . وهم ينصحون كبار رجال الحكومة ، لا سيما في القضايا المثيرة للجدل. الا انهم يتفهمون حقيقة ان جهاز الدولة يعمل بطريقة قد لا تتوافق دائما مع تلك النصائح[7]. ومن بين الامثلة الحديثة الفتوى التي اصدرتها هيئة كبار العلماء في اخر اكتوبر 2010 بتحريم عمل النساء بائعات في المتاجر، بعدما سمحت وزارة العمل به في اغسسطس من العام نفسه[8]. ويعرف الجميع ان الفتوى لن تلقى ترحيبا عاما بين كبار المسؤولين في الدولة، لكن هيئة كبار العلماء لم توجه ايضا نقدا مباشرا الى هؤلاء، وهي بالتاكيد لن تثير ضجة اذا لم تلتزم وزارة العمل بفتواها. انها اشبه بتقرير موقف عام موجه للاهالي وليس الدولة.

عين على سلطة الدولة

في ستينات القرن العشرين حظي الطيف التقليدي بواحد من اقوى الزعماء في تاريخه، وهو الشيخ محمد بن ابراهيم ال الشيخ (1893-1969)، الذي برز دوره بشكل خاص في السنوات العشر التي شهدت حكم الملك سعود (1953-1962). كان جهاز الحكم الذي ورثه الملك بسيطا جدا ومحدودا، فاهتم باعادة بناء الادارة الحكومية من الصفر تقريبا.
في هذا السياق ولدت المؤسسة الدينية الرسمية، حين انتقلت من شكلها الشخصي البسيط الى مؤسسة ذات كيان مستقل ومكانة محددة ضمن النظام السياسي والادارة الرسمية. وتجسد هذا التحول بتاسيس رئاسة المعاهد والكليات الدينية (1953)، ثم ادارة الافتاء (1954)، ثم رئاسة القضاء في 1959. وقد وضعت هذه المؤسسات جميعا تحت الاشراف الشخصي لابن ابراهيم، الذي اصبح يحمل لقب مفتى الديار السعودية. وفي 1960 تاسست رئاسة تعليم البنات ووضعت تحت اشرافه، وجرى الامر نفسه مع رابطة العالم الاسلامي والجامعة الاسلامية في المدينة المنورة عام 1970.
استثمر ابن ابراهيم ظرف انتقال الدولة من عهد التاسيس الى عهد التنظيم في تحويل مؤسسته الى مركز قوة فعال في النظام الجديد. وطبقا لما كتبه النقيدان فقد كان مرتابا في توجه الحكومة لتوسيع التعليم العام واستعانتها بمدرسين عرب ربما يحملون اراء قومية او يسارية[9]. كما ابدى قلقه خصوصا من تهميش  القضاء الشرعي. وعبر عن شكوكه هذه في رسالته الشهيرة "تحكيم القوانين – 1380 هـ" التي اصبحت فيما بعد مرجعا للتيار الديني السلفي في موضوع "الحاكمية". لم تتطرق هذه الرسالة للسلطة السياسية، لكنها جادلت دون ابقاء القضاء مجالا خاصا لرجال الدين ، وابقاء المجال الديني بشكل عام خارج نطاق التنظيم البيروقراطي[10]
تكشف تجربة المفتي بن ابراهيم عن واحد من ديناميات الازمة في المجتمع الديني السعودي، اعني به  التباس العلاقة بين رجال الدين والدولة، مع افتقارهم لمنظور صحيح حول طبيعة الدولة الحديثة، والزامات الانتقال من المرحلة التقليدية الى الحداثة. في نهايات القرن العشرين كما في بداياته، توهم رجال الدين ان حلفهم مع العائلة المالكة يعني ان الدولة اصبحت دولتهم. هذا الاعتقاد مستمد من، ومتفاعل مع اعتقاد بان النموذج القائم، اي دولة التغلب – او الدولة السلطانية كما وصفها عبد الله العروي – تمثل نموذجا مقبولا للحكم الصالح وفق المعايير الاسلامية. هذا الوهم حجب عن عيونهم ميل الدولة الطبيعي نحو التمركز والاستقلال، واستحداث الاليات الضرورية لهذه الغاية.
نتيجة لذلك الوهم لم يجتهد التيار الديني في تطويررؤية متكاملة ، او نموذج لدولة اكثر صلاحا واكثر تقدما وانسجاما مع تحديات العصر وحاجاته. بدل هذا، سيطرت على الزعماء الدينيين فكرة ان صيانة ايمان المجتمع هي امر ممكن اذا امتلكوا "سلطة" الامر والنهي، ومارسوها من خلال مراقبة الكتب الدراسية والمدرسين. اي – بعبارة اخرى– استثمار سلطة الدولة القائمة. يتعارض هذا التصور مع واقع ان الحكومة السعودية كانت تتحول بالتدريج من صورتها الاولى كسلطة تقليدية شبه قبلية الى دولة مركزية منفصلة عن تقاليد التاسيس والقوى التي ساهمت فيه. ظرف كهذا يؤدي بالضرورة الى تغيير في بنية السلطة وتركيب النخبة التي تمارس الحكم او تدعمه ، وتبعا منظومات القيم الخاصة التي تبرر هذا النموذج.
غفل المفتي عن طبيعة التحولات التي تمر بها البلاد. وظن ان جوهر المشكلة يكمن في "اشخاص" المديرين واصحاب القرار. تمسكه بادارة تعليم البنات مثلا قامت على تصور تقليدي يعتبر المرأة فتنة، تقتضي الضرورة ايكالها الى جهة "أمينة" كي لا تتسبب في الفساد. كذلك الحال مع الجهاز القضائي، الذي بدلا من العمل الجاد لتطويره وجعله اكثر تحقيقا للعدالة، تمحورت جهود رجال الدين في الاحتفاظ به تحت سيطرتهم.
في العام 1992 سنجد ان "مذكرة النصيحة" - التي يفترض ان تمثل ذروة نضج التيار الديني المسيس - تقدم نفس المعالجات وتتبع نفس المنهج، اي تفسير مشكلات البلد باعتبارها ثمرة ابتعاد الدولة والمجتمع عن الدين، وتبعا لهذا فان العلاج يتلخص في تعزيز اشراف رجال الدين على كل القطاعات. بعبارة اخرى فان واضعي المذكرة في نهاية القرن، مثل المفتي في منتصفه، لم يروا مشكلة في فلسفة الدولة ولا منهج الادارة. تكمن المشكلة ببساطة في الاداريين الذين لن يتصفوا بالامانة ، مالم يكونوا رجال دين او خاضعين لاشراف رجال الدين. لو كانوا امناء لما ارتكبوا اخطاء. هذا التصور المبالغ في التبسيط، ينشغل بالوقائع الصغرى عن الحقائق الكبرى. في وقت لاحق سيكتشف كثير من الناشطين انهم اضاعوا وقتا غاليا في تتبع الامثلة الصغيرة، وانهم غرقوا في الجزئيات – كما اشار سلمان العودة – على حساب الكليات[11].
في اكتوبر 1975 عين الملك خالد الشيخ عبد العزيز بن باز كاول رئيس للمؤسسة الدينية من خارج عائلة مؤسس المذهب الرسمي الشيخ محمد بن عبد الوهاب، خلافا لتقليد ساد منذ قيام الدولة السعودية الاولى. بالنسبة لبعض المراقبين فقد كانت هذه الخطوة نهاية غير معلنة لتقليد يشير الى "شراكة في السلطة" بين عائلة مؤسس الحكم وعائلة مؤسس المذهب.  
مع ارتفاع مداخيل البترول في 1971 ثم صعودها الصاروخي في 1974، تسارع التحول في البنية الادارية والقانونية للدولة. كما انطلق حراك متعاظم على المسار الاقتصادي، ادى  الى انفتاح البلاد اكثر من ذي قبل على الاسواق الدولية وما فيها من تيارات واساليب حياة ونظم عمل غير مألوفة في المجتمع السعودي.
هذه التحولات عززت دور البيروقراطية الحكومية . وقللت حاجة السلطة السياسية لرجال الدين. كما ان توفر المال لدى الحكومة مهد الطريق لتعزيز اشرافها على المؤسسة الدينية من خلال زيادة الانفاق عليها وتمويل مشروعاتها الجديدة. ونذكر خصوصا قرار الملك فيصل في سبتمبر 1974 بانشاء جامعة الامام محمد بن سعود الاسلامية، التي اضحت درة التاج في المؤسسة الدينية الرسمية. بطبيعة الحال فقد ولدت هذه المشروعات شعورا بالرضى في المجتمع الديني الذي وجد نفسه يتوسع ويحقق انجازات. لكنها في الوقت نفسه عززت تبعيته للدولة التي مولت تلك المشروعات.

مسار خروج التيار الديني من عباءة المؤسسة الرسمية

لعل اول اشارة الى ولادة تيار سلفي جديد، متمرد على السلفية التقليدية، هي الحادثة المعروفة بتكسير الصور في المدينة المنورة  عام 1965، حين هاجم عدد من طلاب الجامعة الاسلامية ستوديوهات التصوير وحطموا المقاهي التي تقدم الشيشة (الارجيلة كما تعرف في بلاد الشام) والتماثيل البلاستيكية التي تعرض عليها الازياء النسائية. وجميعها من المحرمات عند السلفيين. ضمت مجموعة الشباب المتحمسين تلك اسماء سيكون لها تاثير كبير على مجريات الاحداث فيما بعد، مثل جهيمان العتيبي وعبد الرحمن عبد الخالق وعمر الاشقر[12]. انطلق المشاركون من ايمان عميق بسلامة ما تعلموه في الجامعة، فسعوا الى تنظيم انفسهم والاحتساب في إنكار المنكر وازالته، على عكس الشيوخ المتريثين[13].
"حادثة تكسير الصور" كانت رد فعل ابتدائي، فطري  الى حد كبير، على تسرب تمظهرات الحداثة، في شكلها التجاري الاستهلاكي على الاقل، الى اسواق المدينة المقدسة. لكنها – في التحليل الاجتماعي – تكشف عن شعور عام بالتهديد ، او ما يوصف احيانا بصدمة الحداثة. انفتاح البلاد على السوق الدولية ادى– كما هو متوقع دائما – الى تدهور تدريجي، لكنه ملحوظ، في منظومات القيم والسلوكيات التي اعتادها مجتمع تقليدي. لم يكن لدى المجتمع الديني جواب على هذا التطور ولا قدرة على تطوير خطاب يستوعب التحدي الجديد. فجاء رد الفعل من جانب الجيل الجديد، الذي يتالف غالبا من شبان وصلوا بالكاد الى منتصف العقد الثالث من العمر.
هذه الحادثة التي بدت وقتها بسيطة ومحدودة، اطلقت فكرة ستؤثر بعمق على مسارات السياسة في السنوات التالية. الفكرة ببساطة هي ان المؤسسة الدينية الرسمية لم تعد قادرة على الوفاء بمهمة الدعوة، وان ارتباطها بالدولة هو العائق الابرز امامها. الحل اذن ان يقوم الشباب انفسهم بابتكار وسائل لنشر الدعوة خارج الاطار الرسمي. حظيت هذه الفكرة بتشجيع رجال دين عرب وفدوا للتعليم في الجامعات السعودية، وكان لمعظمهم نشاط حركي في بلدانهم. من ابرز الاسماء التي ظهرت خلال هذه الفترة ناصرالدين الالباني، محمد سرور زين العابدين (سوريون)، عبد المنعم العزي المعروف بمحمد الراشد (عراقي)، محمد قطب، مناع القطان، محمد مهدي عاكف، مأمون الهضيبي، كمال الهلباوي (مصريون). وتشير معلومات متطابقة الى ان جماعة الاخوان المسلمين قد حاولت انشاء تنظيم سعودي خلال النصف الاول من السبعينيات[14].
جاء احتلال المسجد الحرام بعد شهور قليلة على انتصار ثورة ايران التي قادها رجال دين اسسوا حكومة اسلامية. وتبعها بعد وقت يسير انطلاق الجهاد ضد القوات السوفييتية التي احتلت افغانستان في ديسمبر من العام نفسه. هذه الحوادث تمثل حجر زاوية في مسار التيار السلفي وعلاقته بالدولة.

تيار الصحوة

اتخذ التيار الديني بمجمله موقفا رافضا لاحتلال الحرم . لكنه في الوقت نفسه بدأ يفكر بجد في موقفه ودوره وطبيعة علاقته بالدولة. قبيل هذه الحادثة بقليل كان وصول رجال الدين الى السلطة في ايران قد شكل تحديا سافرا للمجتمع الديني السعودي، وتساءل كثيرون، لا سيما من رجال الدين والناشطين الشباب، عما اذا كان الوضع الامثل لرجل الدين هو المشاركة المباشرة في السلطة او الاكتفاء بالاكل على موائد السلطان.
خلال الفترة 1980 – 1985 اتبعت الحكومة استراتيجية احتواء مزدوج للتيار الديني: قمعت بشدة الاحتجاج السياسي المباشر، وجرى اعدام او سجن جميع من ناصروا جهيمان وحركته[15]. وفي المقابل زادت دعمها لرجال الدين الاخرين، واطلقت يدهم في مرافق الدولة. واثمر هذا عن توسع غير مسبوق للنشاط الديني، فتضخمت المؤسسات الدينية وتزايد الطلب على وظائفها.  وتضاعف – تبعا لهذا - عدد طلبة الكليات الدينية خمس مرات من 3,914 (7% من طلبة الجامعات السعودية في 1979 ) الى 19,481 (22% من طلبة الجامعات في 1985)[16].
لفترة وجيزة بدا ان الحكومة قد نجحت في احتواء التيار الديني الجديد. خلال السنوات الخمس التالية لاحتلال الحرم لم تشهد البلاد حادثا يذكر. لكن الاسئلة والجدالات لم تتوقف، بل انتقلت في معظمها الى الجامعات الدينية التي امست حاضنا طبيعيا للتيار الديني الجديد، او "تيار الصحوة" كما سيعرف لاحقا. والحقيقة ان معظم زعماء التيار البارزين حاليا كانوا – في تلك الحقبة – طلبة في الكليات الدينية.
تلك الجدالات والاسئلة وجدت خط تفريغ لاحتقاناتها في قضية افغانستان، التي تحولت بالتدريج الى دائرة انشغال محورية للتيار الديني.  طبقا للدكتور مصطفى الحسن، الذي كان ناشطا في تيار الاخوان خلال تلك الفترة، فانه "حين يكون الحديث عن الفكر الجهادي في السعودية، فلابد أن تفتح ملفات كثيرة جريئة"[17]. هذه الملفات لم تكن في حقيقة الامر غير نقاشات حول طبيعة العلاقة بين الدين والدولة في المملكة، ودور التيار الديني وموقفه من سياسات الحكومة. مرة اخرى سيعود الى الواجهة السؤال الحرج: هل هذه دولة الدعوة، ام دولة الشريك الذي استأثر بحصة رجال الدعوة في غفلة من الزمن؟. لم يكن ثمة جواب، الاسئلة القائمة على فرضيات فارغة، لا تسمح بأي جواب. الطريق المسدود للجدل قاد الى بروز سؤال جديد اكثر حرجا: ماهي مسؤوليتنا عن هذا الواقع ، ماذا علينا – كمؤمنين - ان نفعل لاصلاحه؟.
في اطار هذا الجدل ولد اتجاهان قويان: تيارالاخوان المسلمين وتيار السلفية الحركية، الذي يعرف محليا باسم "السرورية"، نسبة الى رجل الدين السوري محمد سرور زين العابدين. بين منتصف الثمانينات ونهايتها انضم مئات من الشباب السعوديين الى قواعد الجهاد في بيشاور على الحدود بين باكستان وافغانستان، بعضهم حمل السلاح وشارك الافغان في جهادهم ضد القوات السوفييتية، وبعضهم قضى اسابيع في معسكرات المجاهدين. وطبقا لشهادة احد قدامى المجاهدين السعوديين الذي ذهب الى بيشاور في 1987 فقد كان السفر الى الحدود الافغانية امنية كل متدين:
عندما أردت الحصول على تذكرة سفر، وجدت جموعاً سبقوني الى مكتب الحجز الى اسلام أباد، وكان معي على نفس الرحلة ما يقرب من 20 شاباً سعودياً من مختلف المدن، وفي بعض الأحيان يصل الى 75 شاباً تقريباً في كل رحلة، بمعنى أن يصل عددهم إلى 225 شاباً في ثلاث رحلات خلال الاسبوع الواحد[18].
نجح التيار الاخواني والسروري في استقطاب القوة الناهضة بين الشباب السعودي .  ونجح في اذكاء موقف معارض للدولة، او على الاقل متشكك في التزامها بتعاليم الشريعة . وكان هذا احد نقاط التفارق البارزة بينه وبين السلفية التقليدية والمؤسسة الدينية الرسمية. يعتقد على العميم ان لهذا علاقة بتاثير الحركيين العرب الذين يرجع اليهم الدول الابرز في اطلاق تيار الصحوة السعودية:
 لم تكن الحركات الإسلامية مشدودة للتجربة السعودية الحديثة، كما لم تكن مشدودة لقاعدتها التاريخية الأيديولوجية المتمثلة بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية، بل كانت مشدودة- وبقوة- إلى تجربة الدولة العثمانية وإلى فكرة الخلافة الإسلامية، التي يحتل السلطان عبد الحميد الثاني (1876-1909م) فيها موقع آخر الخلفاء والحكام المسلمين الأبرار!.[19]
يوضح هذا الوصف الحركة الظاهرة على سطح المجتمع السعودي حتى اواخر الثمانينات. لكن ثمة قصة اخرى كانت تجري تحت السطح، ربما لم يخطط لها احد، ولم يلاحظها الا القليل، رغم ان انعكاساتها ستكون حاسمة في العقدين التاليين. تتلخص هذه القصة في انفصال المذهب السلفي عن حاضنه الاجتماعي – السياسي، اي اقليم نجد.

انفصال المذهب السلفي عن حاضنه الاجتماعي

مع ارتفاع مداخيل البترول، اطلقت الحكومة سلسلة من خطط التنمية الخمسية، بدأت اولاها في 1971 واستهدفت تحديث الاقتصاد والادارة والخدمات العامة. بطبيعة الحال فقد خلق الاقتصاد الجديد فرصا اضافية للارتقاء الاجتماعي، من خلال التعليم او التجارة او الوظيفة العامة. واتسعت الفئات المؤثرة في الحياة العامة، حين انضم اليها رجال كانوا ينتمون فيما مضى الى شرائح مهمشة او مغفلة ضمن النظام الاجتماعي القديم. قادت هذه التحولات الى هجرة واسعة للشباب الريفيين الذين وجدوا في المدن الكبرى فرصة وحيدة للخلاص من حياة الفقر في اريافهم (انظر جدول-1). اصبح هؤلاء الشباب الباحثين عن حياة بديلة، بيئة خصبة لنشاط التيار الديني بمختلف تجلياته واتجاهاته. هؤلاء الذين وجدوا انفسهم – بصورة عفوية غالبا – موضوعا لاهتمام الناشطين الدينيين، تحولوا في وقت لاحق – ربما من غير ان يشعروا - الى وسيلة لتغيير المذهب نفسه.
جدول - 1
نفقات الميزانية والوظائف الحكومية بين 1971-1980
السنة
ايرادات الميزانية (مليون ريال)
اعتمادات المشاريع (مليون ريال)
الوظائف الحكومية المعتمدة في الميزانية
1971
10,782
5,036
141,320
1972
13,200
6,718
162,439
1973
22,810
14,263
177,184
1974
98,247
26,397
192,808
1975
95,847
74,380
217,704
1976
110,935
94,795
242,478
1977
146,493
97,720
244,113
1978
130,000
97,606
272,584
1979
160,000
131,501
326,062
1980
261,516
174,737
غ م
قبل بداية الثمانينات من القرن العشرين، كانت القوة البشرية الرئيسية للتيار السلفي تنتمي الى منطقة نجد وسط المملكة. مع الهجرات وتوسع التعليم الديني والعام، انضمت الى صفوفه شرائح تنتمي الى مناطق مختلفة، الامر الذي خفف السمة النجدية للمذهب. انعكس هذا على الطبيعة الحركية للمذهب. في المرحلة الاولى كان تبني الدعوة السلفية يعني بالضرورة التزاما بالنظام السياسي ودفاعا عن بيئته الاجتماعية (وسط نجد). في المرحلة التالية، تبلور المذهب السلفي كوجود مستقل عن الدولة، وعن بيئتها الاجتماعية. وفي هذا السياق ظهر دعاة وزعماء دينيون من خارج المنطقة الوسطى، كما ان الميل الى الاستقلال عن الدولة وعن المؤسسة الدينية الرسمية بات اكثر وضوحا من ذي قبل.
كان ثمة اكثر من سبب كي يتخلص التيار الديني من سمته النجدية القديمة. نشير من بينها الى عاملين:
1- خلال ستينات وسبعينات القرن العشرين نجح رجال الدين غير السعوديين في اضعاف المصداقية العلمية لرجال الدين النجديين، ولاسيما اولئك المنحدرين من عائلة مؤسس المذهب الشيخ محمد بن عبد الوهاب. ونشير خصوصا الى تاثير رجل الدين السوري ناصر الدين الالباني الذي عرف كواحد من ابرز الخبراء في علم الحديث. لم يتردد الالباني في الاشارة تكرارا الى ضعف الاسانيد التي يعتمدها شيوخ نجد، وافتقارهم الى الادوات المنهجية الضرورية لضبط الحديث قبل اعتماده مرجعا للراي الفقهي . وهذا امر معيب بصورة خاصة في مذهب اخباري[20].
اعتبر كثير من طلاب الالباني انفسهم متميزين على خريجي المدارس التقليدية التي لا تجيد علم الحديث. وكان من بين هؤلاء عدد غير قليل من سكان المناطق الجنوبية الذين درسوا في مكة والمدينة، حيث كان الالباني يواظب على القدوم بصورة منتظمة[21]. اما اكثر النجديين فقد فضلوا مواصلة تعليمهم في الرياض وبريدة، حيث "المنبع الاصيل" للعلم السلفي.
2- في الفترة بين 1979-1982 عاشت المملكة بحبوحة اقتصادية لم يسبق لها مثيل. مع التصاعد الكبير للانفاق الحكومي، توفرت الاف الفرص الوظيفية الجديدة لكل طالب عمل. هذا الظرف المريح بدا في التلاشي خلال السنوات السبع التالية مع تراجع مداخيل البترول (راجع جدول-2)  منذ العام 1983 بدأ المجتمع السعودي يشعر بضغط البطالة. مئات من الخريجين يبحثون عن عمل فلا يجدون . جمدت وزارة المالية الوظائف الجديدة، واوقفت جميع المشروعات العمرانية التي لم تحجز ميزانياتها في سنوات سابقة.
جدول - 2
نفقات الميزانية والوظائف الحكومية بين 1981-1989
السنة
الايرادات التقديرية للميزانية (مليون ريال)
اعتمادات المشاريع في الميزانية (مليون ريال)
الوظائف الحكومية المعتمدة في الميزانية




1981
340,000
205,925
371,816
1982
313,400
202,814
192,120
1983
225,000
128,504
305,151
1984
214,100
130,097
328,046
1985
200,000
82,091
341,234
1986
200,000
82,091
341,234
1987
117,280
57,084
341,234
1988
105,300
32,299
342,928
1989
غ م
37,088
344,020
* عام 1986 لم تعلن ميزانية وجرى تمديد العمل بميزانية العام السابق
تتقلص الفرص في ظرف الندرة، فتشتعل – تبعا لذلك - منافسة على القليل المتوفر منها. ويتوسل الناس بكل ما يتوفر لديهم لاقتناصها. في مثل هذا الظرف يمثل القانون اداة وحيدة لضمان حد ادنى من العدل في توزيع الفرص والحيلولة دون الاستئثار بها من قبل الاقوياء. لكن سيادة القانون ليست امرا معروفا او راسخا في المملكة. يتحكم اصحاب المناصب العليا في توزيع الفرص المادية وغير المادية . خلال الفترة من 1983-1990 عرفت المملكة ظاهرة "تخصيص" الوزارات والدوائر. اذا كنت وزيرا او وكيلا او مديرا عاما، فكل ابناء قبيلتك يتوقعون العمل في الدائرة التي تراسها. وبالنظر لغياب مجتمع مدني قانوني، فقد كان الطامحون للزعامة ضمن اطاراتهم الطبيعية، القبلية او المناطقية، يستثمرون هذه الوسيلة لزيادة راسمالهم الاجتماعي. كان هذا الامر معتادا في سنوات سابقة، لكن توفر الفرص خفف من شدة التنافس ، او حصره ضمن الوظائف العليا. لكننا الان بصدد منافسة حتى على الوظائف الصغيرة. يظهر الجدول -3 الذي اعده د. الوردي وكيل امارة الجوف السابق بعض تاثيرات هذا السلوك[22]:
التوزيع المناطقي لكبار الموظفين في عينة مختارة من الدوائر الرسمية
1994
المنطقة
عدد السكان (مليون نسمة)
نسبتهم من اجمالي السكان
عدد كبار الموظفين
نسبتهم الى الاجمالي
الغربية
3.62
0.294
172
0.203
الوسطى
3.22
0.262
511
0.602
الجنوبية
2.41
0.196
84
0.099
الشرقية
1.9
0.154
36
0.042
الشمالية
1.15
0.093
46
0.054
المجموع
12.3
849

مثل جميع القطاعات الحكومية الاخرى، تسرب هذا النوع من التنافس الى القطاع الديني. وزاد الامر سوءا حين اعاد احياء تقاليد في التوظيف كانت قد تراجعت نسبيا. في سنوات ماضية اعتادت الحكومة منح كبار رجال الدين – المنتمين الى المنطقة الوسطى بصورة خاصة - حصة محددة في الوظائف، يحيلونها بدورهم لاعضاء عائلاتهم او المقربين منهم. واتبع هذا الاسلوب كوسيلة لتقوية الحزام الاجتماعي المحيط بالعائلة المالكة، حيث يتداخل الدين والعائلة والقبيلة والمنطقة في تكوين حزام امان موثوق. وثمة عائلات – لا سيما في نجد الوسطى– معروفة بان ابناءها لا يبحثون عن وظائف، فاماكنهم محجوزة سلفا. مع تقلص الفرص، لم يكتف رجل الدين بالحصة المتعارفة، بل عمل ايضا على مساعدة اهل قريته او قبيلته في الفوز بواحدة من تلك الفرص. بعبارة اخرى ، فقد انخرط رجال الدين وكبار موظفي الهيئات الدينية الرسمية في مسار التمايز والتمييز، الذي يؤدي بالضرورة، ولا سيما في ظروف الندرة الاقتصادية، الى استبعاد كل من هو خارج الدائرة القريبة من الشخص المعني.
بالنسبة للشباب الذين انضموا حديثا الى التيار الديني، فقد كان هذا التقليد مثيرا للمشاعر. الشيوخ يبشرون بالخلاص الاخروي، لكن عامة الناس يريدون خلاصا دنيويا ايضا، ويتوقعون ان يتمثل الشيخ فكرة الخلاص الاخروي ويترك الدنيا لهم. لكنهم وجدوه بعكس توقعاتهم. الذين جاؤوا من جنوب المملكة وشمالها رأوا زملاءهم يحصلون دون كبير جهد على وظائف مريحة في وزارات الدولة وفي القضاء والهيئات الدينية، بينما تتسرب ايامهم في البحث عن عمل كريم دون جدوى. ويتوسلون بالشيخ الذي درسوا عنده او وزعوا اشرطة خطاباته ومنشوراته ، كي يشفع لهم في وظيفة، فلا يجدون غير اعتذارات مهذبة. بل ان بعضهم قصر طموحه على العمل مؤذنا او اماما في مسجد، وهي وظيفة ثانوية قليلة الراتب، لكنهم وجدوا زملاءهم المنتمين الى قرى نجد قد سبقوهم اليها.
لست متأكدا مما اذا كان هذا الوضع بالتحديد هو الذي اثار حنق شباب التيار الديني على نجد ورجال دينها. لكن المؤكد ان النصف الثاني من الثمانينات شهد بروز عدد من رجال الدين الشباب المنحدرين من جنوب المملكة او شمالها (والذين اخفقوا – بسبب ذلك – في حجز مكان في الصفوف العليا للمؤسسة الدينية الرسمية). من اهم ما تميز به هؤلاء هو حديثهم الصريح في السياسة، وهو امر غير معتاد بين رجال الدين. تجاوز هؤلاء الكلام عن افغانستان ومجاهديها الى الكلام عن مخطط غربي يستهدف تغريب المجتمعات المسلمة ودحر الاسلام في عقر داره، ومشاركة دول "تدعي الاسلام" في هذا المخطط قصدا او غفلة او اضطرارا. وكانت الحكومة السعودية هي المقصود دائما بهذه الاشارات. من بين الاسماء التي بدات تظهر في هذه الفترة، يشار الى الشيوخ سفر الحوالي، عوض القرني، وعايض القرني، والثلاثة ينتمون الى جنوب المملكة.

تبعات حرب الخليج

الاجتياح العراقي للكويت في اغسطس 1990 اطلق سلسلة من الازمات داخل المجتمع السعودي. وكان اولى انعكاساتها هو بروز تيار يطالب بالاصلاح السياسي. في ديسمبر 1990 تبنى عدد من الشخصيات البارزة وثيقة مطالب تدعو الحكومة الى اجراء اصلاحات رئيسية في الادارة الرسمية وعلاقة الدولة بالمجتمع. وقع على الوثيقة مثقفون بارزون ومسؤولون سابقون وشخصيات ذات نفوذ اجتماعي، ولم يكن بينهم اي رجل دين[23].
عصفت الازمة بالتيار الديني بكل اجنحته وتركته متوترا، حائرا، وعاجزا عن المبادرة. اعلان هيئة كبار العلماء تاييدها لقرار الحكومة الاستعانة بقوات امريكية كان صدمة هائلة ايقظت التيار الديني السلفي من حلم طويل، وحين افاق، وجد نفسه وسط تحديات ومخاوف لم يسبق لها مثيل[24]. لسنوات طويلة أكد الخطاب الديني على مبدأ "الولاء والبراء" كعنصر رئيس في الايمان ، وابرز تجلياته هي حرمة الركون الى الكفار، ووجوب اخراجهم من جزيرة العرب، فاذا بعسكر الكفار يدعون رسميا وبموافقة كبار العلماء.
اعتقد الجيل الجديد من قادة التيار الديني ان الوجود العسكري الاجنبي سيدفع البلاد – قسرا – باتجاه العلمانية. ووجدت هذه المخاوف تصديقا حين نظمت 47 سيدة سعودية تظاهرة بالسيارات في شوارع الرياض في 6 نوفمبر 1990 للمطالبة باقرار حقهن في قيادتها[25]. جوبهت التظاهرة الصغيرة بتحرك سريع من جانب هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر والشرطة المحلية التي اعتقلت جميع المشاركات. اثارت تلك الحادثة جدلا شديدا ، وتحولت الى موضوع رئيسي لخطب الجمعة طيلة الاشهر الثلاثة التالية. يتذكر د. محسن العواجي اجتماعا في دار الفتوى لمناقشة الموضوع، حضره المفتي الشيخ عبد العزيز بن باز وامير الرياض سلمان بن عبد العزيز، وعدد من العلماء والشخصيات البارزة، "وكان هناك آلاف مؤلفة من الناس خارج المبنى جمعهم دوي الحدث وندرة العلاج وضبابية الموقف الرسمي . وكانت هي المرة الأولى التي تحتشد فيها جماهير بهذا الحجم وهذا الشكل"[26].
في السنوات التالية سوف يتحول حق المراة في قيادة السيارة الى رمز لكفاح السعوديات من  اجل التحرر والمساواة. يكشف موقف التيار الديني خلال هذا الجدل وماتلاه عن ثلاث علل جوهرية في خطاب التيار وعمله:
 1- غياب النقاش الهاديء للقضايا الكبرى، ومنطق التفاوض على الحلول، وهيمنة الكلام التعبوي على مداولات التيار الديني وتعبيراته. الكلام التعبوي شعبوي بالضرورة، بسيط، متشدد، وعوامي.
2- اغفال – وربما انكار – النخبة الدينية، وتاليا جمهورها، للتحولات الاجتماعية في البلاد، والذي يتجلى خصوصا في بروز قوى جديدة ، واسئلة جديدة تتعلق خصوصا بالتطوير السياسي الضروري لاستيعاب التحديات غير المسبوقة. اغفال هذه التحولات هو ثمرة للفهم الملتبس لعلاقة الدين ورجاله بالدولة، كما اشرنا في صفحات سابقة. لكن استمراره، رغم التحولات الاجتماعية – السياسية العميقة، ادى الى تكريس المضمون الاقصائي للخطاب الديني. في وقت لاحق سيصبح النهج الاقصائي فعالا في التعامل بين اجنحة التيار نفسه، بعدما كان موجها للخارج.
3- التسليم بنظرية المؤامرة، وفرضية ان المخالفين للتيار شركاء في مؤامرة دولية، بدل التعامل مع المختلفين باعتبارهم اصحاب راي ثان، يتوافق احيانا ويتعارض احيانا اخرى. الانصياع لمنطق المؤامرة دون تمحيص هو ثمرة لما يمكن اعتباره تسيسا مفاجئا، قاد الى تفسير قضايا كبرى على ضوء حوادث صغيرة. هذه الطريقة في فهم السياسة تنطلق من التكتيكي لفهم الاستراتيجي، لا العكس كما يفترض.
في تلك المرحلة ، وفي السنوات التالية – حتى اليوم -، لم يتحدث اي من الناشطين السلفيين حول وضع المرأة السعودية او حقوقها. بل تمحور النقاش كله حول نقطتين: أ) اختلاط النساء بالرجال وما يجره من فتنة وفساد، و ب) ان حصول المرأة على حقوقها يساوي انتصار التيار الليبرالي التغريبي على نظيره الديني[27].
لاحظ عدد من الخطباء ان الحكومة لم تتخذ موقفا صارما مما اعتبروه هجوما تغريبيا. على العكس من ذلك فقد امر الملك فهد بعزل الرئيس المكلف للهيئة في نهاية العام، الامر الذي فسر كاشارة الى عزم الحكومة تقييد المؤسسات الدينية التي تتصرف دون اوامر رسمية مباشرة[28]. كما ان وزارة الاوقاف امرت خطباء المساجد في بيان رسمي بعدم التعرض للمظاهرة النسائية في خطب الجمعة وهددت بعقاب الائمة الذين يتعرضون للموضوع. وكذا فعل مدير جامعة الرياض التي ينتسب اليها عدد من المتظاهرات.  وتساءل بعض الناشطين السلفيين عن سر احجام الدولة عن الضرب بيد من حديد على ايدي النساء اللاتي تظاهرن في شوارع الرياض: "هل استطاع التيار الليبرالي أن ينفذ من خلال الأزمة ليحرج الدولة والمجتمع المحافظ على حد سواء، أي أن يضرب الحليفين التاريخيين ببعضهما، مبتدئا بقضية شكلية هي قيادة المرأة للسيارة؟، أم أن المسألة هي-  وفقا لنظرية المؤامرة- ترتيب أمريكي؟"[29] .
الانعكاس الفوري لتلك الازمة هو انهيار الثقة والاحترام المتبادل بين كبار العلماء والتيار الديني الحركي، وخروج هذا التيار من تحت مظلة كبار المشايخ. فقد اعلن الحركيون معارضتهم لقرار الهيئة والحكومة، واعتبروه دليلا على غربة اولئك المشايخ عن  الواقع وعدم معرفتهم بما اطلقوا عليه "فقه الواقع" اي السياسة وتحولاتها . والقى الشيخ سفر الحوالي خطبا عديدة في التنديد بذلك القرار والتحذير من عواقبه[30]. كما تحدث الشيخ سلمان العودة في نفس السياق والقى خطبة بعنوان "اسباب سقوط الدول" وشدد على ان ابرزها هو الركون الى غير المسلمين والاستنصار بهم[31]. كانت هذه المرة الاولى التي تتحول فيها مساجد المملكة الى ميادين للجدل والتعبئة السياسية ضد الحكومة والزعامة الدينية. واظن ان هذا الانشقاق قد استقطب اعدادا كبيرة من الشباب الى صفوف التيار الديني الحركي[32].
بعد مرور نصف عام تقريبا على اندلاع الازمة، نجح الجيل الجديد من الزعماء السلفيين في اعادة تنظيم صفوفهم. اعتقد هؤلاء ان الازمة قد اضعفت الحكومة مثلما اضعفت التيار الديني -، وان الوقت قد حان للعمل على صوغ نظام جديد للعلاقة بين الطرفين، يعزز دور التيار الديني، ولا سيما ممثليه الجدد، في القرار السياسي وادارة البلد. طرحت هذه الفكرة في صيغة خطاب صاغه الحركيون، وعرض على مفتي المملكة الشيخ عبد العزيز بن باز، الذي زكاه في خطاب الى الملك فهد، كما زكاه الشيخ محمد بن عيثمين، وهما ابرز علماء المملكة يومئذ. وقدم الى رئيس الديوان الملكي في مايو 1991، مشفوعا بتوقيعات 52 من المشايخ والشخصيات البارزة في الوسط السلفي[33].
تضمن خطاب العلماء اثني عشر مطلبا، يصنف بعضها كاصلاحات سياسية . ويؤكد البعض الاخر على تعزيز دور العلماء والمؤسسة الدينية في الدولة والمجتمع.  لم تستجب الحكومة للمطالب. لكن اكتشاف المفتي لمضمونه السياسي الحرج دفعه لمراجعة علاقته بالدعاة الشباب الذين تفاءل – في بداية الامر - بنشاطهم بين الجمهور وحماسهم للدعوة. وفي يونيو 1991 اصدرت هيئة كبار العلماء برئاسة المفتي بيانا تنصلت فيه من الخطاب. لكن نقدها تركز على نشر الخطاب في وسائل الاعلام، بدل ابقائه في اطار النصيحة السرية كما هي العادة الجارية في نصيحة ولي الامر.
في مارس 1992 اصدر الملك فهد ثلاثة انظمة كانت محورا للمطالبات الشعبية خلال ازمة الخليج وما قبلها، وهي النظام الاساسي للحكم وهو بمثابة دستور، ونظام مجلس الشورى، ونظام المناطق الذي يفترض ان يشكل اساسا قانونيا لادارة لامركزية. الا ان الفاعليات الاجتماعية والتيار الديني قابلوها بفتور ووجدوها اقل بكثير من مستوى المطالب التي ظهرت في العامين السابقين.
التفاف الحكومة على مطالبات التيار الديني، ورفض المفتي مواصلة الضغط عليها، شكل فيما يبدو نقطة فاصلة في توجهات السلفيين الشباب. فالذين دافعوا عن دور محوري للمفتي، وصوروه كأب ومرشد للتيار الديني، لم يعودوا قادرين على اقناع زملائهم الذين ارادوا اغتنام الفرصة التاريخية السانحة لقيادة المجتمع.
وظهرت اثار هذا التحول في يونيو 1992 حين وقع 107 من الدعاة والناشطين السلفيين من الصف الثاني والثالث، بيانا اطلق عليه اسم "مذكرة النصيحة"[34]، اريد له ان يكون مذكرة تفسيرية لخطاب العلماء. كانت هذه المذكرة، التي تشبه في صياغتها البرامج السياسية للاحزاب، اول ظهور سياسي منظم وواسع النطاق للتيار السلفي المستقل والمعارض للحكومة. على عكس اللغة اللينة والمتسمة بالرجاء والامل التي وسمت المذكرة الاولى، فان لغة الخطاب الجديد تقرن بشكل صريح بين الشرعية الدينية للحكومة والتزامها بالمطالب المطروحة. ويعتقد الشيخ العبيكان، احد الناشطين في تلك الحقبة، ان الخطاب الاول كان تعبيرا صادقا عن التيار السلفي المحلي ورؤيته للاصلاح، بعكس "مذكرة النصيحة" التي تعبر عن تيار حركي مسيس[35].
مع هذا التطور برز المذهب السلفي ككينونة مستقلة عن حاضنه السياسي التقليدي، اي الدولة، وعن زعامته الشرعية، اي هيئة كبار العلماء والمؤسسة الدينية الرسمية، ومستقلا بطبيعة الحال عن بيئته الاجتماعية الاولى، وسط نجد. صحيح ان الزعماء الدينيين المنحدرين من المنطقة الوسطى، لا سيما القصيم، حافظوا على الصفوف الاولى في تيار الصحوة، مثل نظرائهم في السلفية التقليدية، الا انهم لم يعودوا منفردين بالزعامة، ولم تعد الخلفية النجدية عاملا مؤثرا في اختيار القادة.
غضب المفتي من نشر المذكرة قبل ان يقدم رايه فيها، فجمع هيئة كبار العلماء في سبتمبر 1992  لتصدر بيانا يتبرأ من المذكرة ويندد بمضمونها، بل ويشكك في نوايا الموقعين عليها[36].
استنادا الى موقف الهيئة، تم فصل معظم الموقعين على "مذكرة النصيحة" من وظائفهم الحكومية ومنع بعضهم من السفر . وكان هذا بداية لاوسع انشقاق في التيار السلفي، وظهور ما اصبح يعرف لاحقا بالتيار الصحوي المتمايز عن التيار السلفي العام الذي نأى بنفسه عن الصراع السياسي.
تفرز الازمات افكارا مختلفة، تقوم على ارضيتها تيارات جديدة  ، وتبرز قادة جدد. "تيار الصحوة" الذي ولد من رحم ازمة الخليج، قام على ارضية انفصال سياسي ومصلحي عن السلفية التقليدية والحكومة، وابرز جيلا جديدا من الزعماء الشباب. كان المعدل العمري لاعضاء هيئة كبار العلماء يوم الازمة 71 عاما ، بينما كانت اعمار الشيوخ عايض القرني 31 سنة، سلمان العودة 34 سنة، ناصر العمر 38، سفر الحوالي 35، وعبد المحسن العبيكان 38 عاما.
خطاب الشيوخ الجدد كان مثار حرج لكبار المشايخ. على المستوى العقيدي شكك في سلامة دعوتهم للتمسك بطاعة الحاكم مهما اظهر من خلاف، وهو من الامور المستقرة في الفقه الحنبلي التقليدي.  وعلى المستوى السياسي كان تاثيره القوي في الشارع يزاحم بالضرورة ما بناه الشيوخ الكبار من شعبية على مدى سنوات طويلة[37]. رغم نصائح المفتي ومحاولاته تهدئة مشاعر الدعاة واقناعهم بتلافي الاحتكاك مع الدولة، كان الانصار الشباب يدفعون باتجاه مواقف اكثر جذرية، وكان الزعماء الجدد يستمتعون بما حققوه من انتصارات في تعبئة الجمهور . وفي سبتمبر 1994 حزمت الحكومة امرها واعتقلت ابرز رموز التيار السلفي الجديد، بدءا من سفر الحوالي الذي يسميه اتباعه "ابن تيمية العصر" ويعتبر ابرز منظري السياسة في هذا التيار، مرورا بسلمان العودة، عايض القرني، ناصر العمر وكثير غيرهم[38]

نهايات المعارك: جيل جديد يتجاوز "الصحوة"

حين خرج الشيوخ من السجن في اواخر العام 1999، وجدوا الساحة الاجتماعية مختلفة تماما عما كانت عليه قبل دخولهم. من الواضح ان الحكومة قد نجحت في امتصاص الصدمة. وفي 1995، حين انخرط جانب من التيار الديني في اعمال ارهابية ضمن اطار تنظيم القاعدة، وضع التيار الديني الحركي في قفص الاتهام، واصبح شغله الشاغل هو الدفاع عن نفسه ضد موجة هجوم عاتية تتهمه بالمسؤولية عن مد "القاعدة" بالفكر والمال والرجال.
هجوم القاعدة على نيويورك في سبتمبر 2001  كان نقطة فاصلة اخرى في مسيرة التيار الديني. اقتنعت الحكومة بان "المضمون الخشن" للتعاليم السلفية لن يبقى  تاثيره محدودا في المجتمع السعودي، وان رهانها القديم على اعادة احتواء التيار الديني قد وصل الى نهايته. واقتنع كثير من ناشطي التيار وزعمائه، لا سيما من الجيل الجديد، بان كلفة الصراع مع الحكومة اعلى مما يمكن احتماله، وان الجمهور العريض الذي شهدوه في المساجد ليس بالضرورة مستعدا للصراع من اجل خطابهم.
هذه المراجعات قادت الى انشقاقات واسعة داخل التيار الديني الجديد. فطور فريق من شباب التيار خطابا يميل بشدة نحو القيم الليبرالية، وحاول معظم رجال الدين اعادة تجسير الفجوة بينهم وبين الحكومة، بينما اتخذت الحكومة خطا متشددا ينطلق من مفهوم تجفيف منابع الارهاب والتشدد، وحرمان التيار الديني من مصادر القوة السياسية.

الحصار

في العقد الاخير من القرن المنصرم كان الضغط الرسمي والصحفي مركزا على الجيل الثاني من السلفيين، او ما يسمى بشيوخ الصحوة. اما في النصف الاخير منه فقد انضم الطيف التقليدي هو الاخر الى قائمة المرجومين. بعد سنوات من "المجاملة" وسياسة "تطييب الخواطر" يبدو ان الحكومة حسمت امرها باتجاه تقليص دوائر النفوذ الخاصة بالسلفية التقليدية، بعدما نجحت فعليا في تحجيم الطيف الصحوي. طبقا لتحليل الشيخ عبد المحسن العباد، الرئيس السابق للجامعة الاسلامية، فان هذا التحول يشير الى ان القوى التي تقف وراء استراتيجية التغريب لا تقتصر على الجماعات الاهلية الليبرالية او المعادية للتيار الديني. تطورات ما بعد 2001 تؤكد ان الحكومة ضالعة ايضا في هذا المخطط الذي يشارك في تنفيذه وزراء بارزون وبعض شخصيات العائلة المالكة، ومن بينهم ابنة الملك نفسه وزوجها[39]. فيما مضى اعتاد العباد ايصال رسائله بصفة شخصية للملك وكبار الامراء. لكنه الان ينشرها على الانترنت، بعدما وجد – كما يبدو – ان لا احد من كبار المسؤولين يصغي له. وابرز الموارد التي خصها بالنقد تتعلق بالسماح للنساء بالعمل والتحذير من السفور والاختلاط[40]. لكنه ايضا وجه نقدا حادا للجامعة الاسلامية بعد افتتاحها كليات غير دينية واستقبال النساء في مبانيها (مايو 2010)[41].
في مارس 2002 اندلع حريق في مدرسة للبنات بمكة المكرمة، ادى الى مقتل 14 فتاة. استثمرت الحكومة هذا الحادث فقررت فصل تعليم البنات عن المؤسسة الدينية والحاقة بوزارة التربية. بقي تعليم البنات تحت هيمنة المشايخ منذ انشائه في 1963. وشكل على الدوام قلعة حصينة للتيار الديني التقليدي ورمزا لنفوذه. جميع الذين تولوا رئاسة هذا القطاع كانوا من كبار رجال الدين، ومعظم موظفيه جاؤوا من بين الاتباع المخلصين للتيار الديني. وكان يعتبر – عند كثير من الناس – جزء من حصة كبار المشايخ في الدولة، مثله في هذا مثل وزارة الاوقاف والعدل والمؤسسات الدينية المتخصصة. كانت رئاسة تعليم البنات تدير 10,674 مدرسة، يعمل فيها 178,276 معلمة، اي ما يعادل 25% من موظفي الدولة المدنيين سنة 2002[42].  
كمؤشر على شدة الصدمة، حاول السلفيون  تنظيم اعتصام احتجاجي، الا ان عددا من كبار الشيوخ اقنعوهم بتاجيل الخطوة، على امل ان تفلح نقاشاتهم مع ولي العهد في ثنيه عن القرار. لكن يبدو ان اولئك لم يجدوا اذنا صاغية في الديون الملكي . وجرى تمطيط الموضوع حتى نوفمبر، حين ايقن الناشطون ان جهود المشايخ لن تثمر، فنظموا اعتصاما امام مكتب المفتي  في العاصمة الرياض، ضم بضع مئات. جاء رد الفعل هذا في الوقت الضائع. لم يعد للتيار الديني ذلك الزخم او القوة، ولم تعد الحكومة في وارد مجاراته.
كانت هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر الهدف الثاني للحكومة. شكلت الهيئة قلعة اخرى من قلاع التيار الديني ورمزا لصراعه ضد بقية التيارات . وحظيت حتى العام 2002 بحصانة من النقد العلني والدعاوى القضائية. هنا قصة يرويها الروائي السعودي المعروف عبده خال عن حادثة تعرض لها مع الهيئة، وهي تشير الى سطوتها ضمن النظام السياسي:
ضربت ضربا مبرحا من قبل رجل الأمن المصاحب لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي استوقفني وأنا أدور بسيارتي في موقف السوق منتظرا خروج زوجتي من أحد المتاجر (..) نزعني نزعا من داخل السيارة (..) انطلقت مع زوجتي إلى شرطة النزلة، لتقديم بلاغ، إلا أن الرائد قال لي: أنت مجنون، هل هناك أحد يشتكي هيئة الأمر بالمعروف (..) مضت ثماني سنوات على هذه الحادثة وما زلت أنتظر من شرطة البلد أن تتصل بي (...)  حاولت جاهدا كتابة هذه الحادثة في حينها، إلا أنني لم أفلح، لأن الهيئة كانت في حصانة مبالغ فيها، حصانة من الشكوى أو نشر أخطاء أفرادها[43].
تقدم هذه القصة الواقعية صورة نموذجية عن تعامل الهيئة مع الجمهور. وثمة قصص كثيرة مماثلة، قليل منها مسجل ، ومعظمها متداول على السنة الناس[44]. في ابريل 2004 قبلت المحكمة دعوى اقامتها سيدة سعودية تتهم رجال الهيئة باختطافها مع ابنتها وارهابهما. قبول المحكمة للدعوى اعتبر سابقة. في الماضي رفضت المحاكم جميع الدعاوى التي اقيمت ضد الهيئة، وفي الحالات التي كانت الادلة دامغة، او كان القاضي مقتنعا بسلامة موقف المدعين، فقد اختار طريق الحل الودي بين الطرفين ولم يسمح بوقوف الهيئة امام القضاء.  
في نفس السياق، شهدت السنوات العشر الماضية تصفيات سنوية لالاف من المعلمين وائمة المساجد والموظفين الذين يحملون ميولا غير تقليدية. وفوض مجلس الخدمة المدنية لوزير التربية صلاحية نقل المعلمين إلى وظائف خارج سلك التعليم اذا ورد توجيه بشانهم من وزارة الداخلية. وفي العام 2010 مثلا تم نقل 2000 معلم [45]. ونقل نحو 3000 معلم في العام التالي. وقال وزير الاوقاف ان 6000 امام مسجد جرى ابعادهم بين عامي 2008-2011 لانهم "أخلوا بواجب الإمامة والخطابة"[46]، وهو وصف يعني عدم الالتزام الوظيفي او السياسي. طبق هذا المعيار ايضا على المرشحين للدراسات العليا في الفروع العلمية الخاصة بتأهيل القضاة واساتذة الكليات الدينية. نظريا تستهدف هذه الاجراءات استبعاد التكفيريين، ومن يعتقد انهم متعاطفون مع تنظيم القاعدة او مؤمنون بافكاره. لكنها في التطبيق تشمل ايضا الحركيين، بل وحتى السلفيين الاصلاحيين الذين يشك في ولائهم او تاييدهم لسياسات الدولة[47].

تيار التنوير

مثلما كان الهجوم على نيويورك في سبتمبر 2001 نقطة انعطاف في علاقة الدولة والتيار الديني، فقد كان – بالمثل – حجر زاوية في مسار التيار الديني نفسه. "تيار الصحوة" الذي هيمن طيلة عقدين على كل النشاطات الاجتماعية، بدأ يتفكك. عشرات من الناشطين الذين وجدوا في خطاب "القاعدة" الاممي امثولة للقوة والاعتزاز، اكتشفوا ان الثمن المطلوب لمناصرة هذا الخطاب اغلى من الامال المعلقة عليه. والشيوخ الذين راودهم لبعض الوقت حلم الزعامة الوطنية، اكتشفوا ان التيار الديني مازال محصورا في نطاقات اجتماعية محدودة، وان خطابهم لم يقنع احدا خارجها. العشرات من الحركيين العرب الذين كانوا - خلال الثمانينات والتسعينات – قاطرة الحركة الدينية، اكتشفوا انهم – في نهاية المطاف – مصنفين كاجانب يمكن ابعادهم في اي لحظة بقرار أمني، وهذا ما حدث بالفعل. في 2002 قال وزير الداخلية الامير نايف ان كثيرا من مشاكل السعودية جاءت من الاخوان المسلمين[48].
يوم خروجه من السجن مع ابرز رموز الصحوة في اواخر 1999، اكتشف الشيخ سلمان العودة عالما متغيرا، شعر بفجوة بين المجتمع الذي عرفه في 1994 والمجتمع الذي يواجهه اليوم.
التلفاز صار جزءاً من أثاث المنزل، بعد أن كان المجتمع المحلي يرفض الفكرة من أساسها للناس العاديين, فضلاً عن المشايخ ...  تلميذه عبد الرحمن يحضر له جهازاً محمولا، ويشرح له كيف يمكنه الاتصال بالإنترنت، ودخول المواقع.. إنه سحر المعرفة ووهلة المفاجأة .. يكتشف الأشياء من جديد، ويتعامل معها بدهشة، الذاكرة في حالة احتفالية غير عادية، تستعيد ملفاتها القديمة، وتستذكر الروح التي كان ينظر بها إلى الأشياء.. وتربطها بمشاعره وأحاسيسه الآن. [49]      
وضع الشيخ العودة يده على مفتاح التحول الذي حدث خلال هذه الفترة. انه ثورة المعلومات. خلافا لمعظم الدول العربية بقيت المملكة مغلقة على التيارات والافكار الجديدة[50]. ظهور التلفزيون الفضائي والانترنت كسر جدران العزلة والغى الحدود. الرقابة المشددة على الكتب والمواد الاعلامية لم تعد ذات موضوع. في منتصف 2010 لاحظ رجل دين سلفي ان جيل ما بعد "الصحوة" يتعاطى مع الفكرة الدينية ورموزها بشكل يختلف عن سابقه. يتسم الجيل الجديد بنزعة فردانية متفاقمة، سببها تنامي قدرته على الوصول المباشر الى المعلومات، والتعبير عن الذات من خلال وسائل الاتصال الحديثة، الامر الذي اغناه عن العلاقة الشخصية مع رجال الدين. تطور معرفة الشباب بامور الدين واطلاعهم على الاراء المختلفة ، ولد ثقة بالنفس وجرأة على مجادلة اراء العلماء التي كانت قبلئذ تتمتع بنوع من القداسة والعصمة عن النقد، فضلا عن شيوع الرجوع الى مصادر غير دينية في مجادلة اراء العلماء[51].
بعد سنوات خمس من العزلة عن العالم، كان على شيوخ الصحوة ان يختاروا بين البقاء داخل الحدود الثقافية والسياسية لتيار الصحوة القديم، او الانطلاق الى العالم الواسع. كل من الخيارين له ثمن، ثمن تقبضه وثمن تدفعه. اتاحت سنوات السجن فرصة للشيوخ كي يراجعوا مواقفهم وعلاقاتهم وطرق عملهم السابقة. وانعكست هذه المراجعات على عملهم في المرحلة التالية. اول ثمار المراجعة كان القطيعة مع تيار القاعدة ودعاة العنف . مثل هذا القرار سوف يكلفهم جانبا هاما من سمعتهم كزعماء مستقلين. لكنه كان ضروريا لتجنب المزيد من الانزلاق. طبقا للشيخ العودة "كنا نحتقر الخطاب الأمريكي الذي حسم الأمر بأن من لم يكن معي فهو ضدي، فإذا بنا نبتلى بخطاب من لم يكن معي فهو ضد الله"[52] .
خلال السنوات العشر الفاصلة بين 1995 – 2005 شهد التيار الديني اصعب فترة في تاريخه. كان عليه ان يقدم كل يوم اعتذارا للحكومة واثباتا جديدا بانه ما زال مواليا للنظام، وكان عليه ان يصمت على اجراءات التضييق وتصفية مصادر القوة الخاصة به، وعلى اعتقال العديد من رجال الدين والناشطين في اطاره. في 2011 قالت وزارة الداخلية ان عدد المعتقلين من هذا التيار يصل الى خمسة الاف، بينما يزعم النشطاء الحقوقيون ان الرقم يتجاوز العشرين الفا[53].
في 2003 كانت البلاد تموج بمطالب الاصلاح السياسي . واصدر عدد من الناشطين بيان "رؤية لحاضر الوطن ومستقبله" الذي سيتحول الى علامة فارقة في تاريخ الدعوات الاصلاحية في المملكة[54].  كان بين الموقعين ستة من ناشطي التيار الديني المعروفين. لكن اغلبية التيار بقيت على الهامش، لم تشارك في هذه المبادرة ، ولم تقم بمبادرة خاصة. كان واضحا ان التيار الديني لم يعد موحدا ولا قادرا على القيام بمبادرات مثل تلك التي عرفها في سنواته السابقة، كما لم يعد زعماؤه راغبين في دفع ثمن مواجهة غير مضمونة مع الحكومة.
انحسر النفوذ الاجتماعي لمعظم الزعماء الدينيين، وبدأت تنتشر في المجتمع الديني مصطلحات مثل "علماء السلطان" التي شاعت لفترة وجيزة خلال ازمة الخليج ثم اختفت. في الحقيقة فان عددا ملحوظا من زعماء تيار الصحوة عادوا – سياسيا - الى احضان الدولة وعملوا مع رجالها، دون ان يستعيدوا وظائفهم السابقة. في اطار العلاقة الجديدة مع الحكومة افتتح بعضهم مؤسسات ثقافية واعلامية، وتحول اخرون الى محامين او مستشارين لرجال الدولة.
كان هذا المسار عملا نخبويا مختلفا تماما عن العمل الشعبوي الذي عرفه تيار الصحوة القديم. كان شباب التيار القديم ابرز الغائبين اليوم. بعض هؤلاء الذين انفصلوا عن زعمائهم طوروا كفاءتهم الفكرية والعملية ونجحوا في تشكيل رؤى جديدة حول الدين والسياسة والمجتمع. سيشكل هؤلاء – بعضهم على الاقل – النخبة الموجهة لتيار ديني جديد، متفارق عن  خطاب الصحوة، ومتفارق بالضرورة مع السلفية التقليدية[55].
كان التيار الجديد بحاجة الى مناسبة كي يعلن عن نفسه. ويبدو انه وجدها في الانتخابات الامريكية التي شهدت بروز باراك اوباما كاول "مرشح اسود من اصول اسلامية" في المعركة على البيت الابيض.
استغل ناشطو التيار الجديد هذا الحدث ليعلنوا تبنيهم للديمقراطية كخيار وحيد لمستقبل المملكة. وهاجم د. محمد الاحمري رجال الدين والصحويين الذين سبق ان وصموا الديمقراطية بانها بضاعة الكفار:
المثال الأعلى للحكم هو الحكم الديمقراطي وأن ما عداه من أنظمة لا تستحق أن تذكر في الأخبار، أي أخبار، إلا أخبار المقهورين، أو المغلوبين على أمرهم، من أهل الهوامش الفاشلة أو المتخلفة[56] .
وعلق سلمان العودة قائلا : "لو كان اوباما في بلد عربي لوجدته في احد مراكز الترحيل"[57]  في اشارة الى المعاملة القاسية التي يتعرض لها الاجانب في المملكة. كان الاحمري والعودة يعلنان – ضمنيا – عن تيار جديد متفارق عن الخطاب الصحوي، يتبنى الديمقراطية والحريات العامة ، ويراهن على علاقة جديدة مع التيارات والاطياف المختلفة في المجتمع السعودي.
ووجه هذا الخطاب بهجوم شديد من رفاق العودة السابقين. لكن الواضح ان الرجل كان يراهن فعليا على طيف جديد يتسع وجوده وتاثيره في المجتمع السعودي. طيف آمن بان التحول الديمقراطي ومشاركة الشعب في القرار قد تكون مخرجا من الازمات المتراكمة في المجتمع.
لا يملك شبيبة التيار الجديد مؤسسات اعلامية واجتماعية كالتي يملكها الشيوخ. لكنهم يملكون معرفة بالعالم وافكارا جديدة وحماسة، مكنتهم من استثمار ما اسماه مانويل كاسيلز بـ "قوة التدفق=the power of flows". حين يتمكن عامة الناس من الوصول الى مصادر  المعلومات من خلال الانترنت مثلا، ثم يستطيعون اعادة انتاجها ونشرها عبر العالم، فانهم يطلقون فعليا القوة الكامنة في داخلهم . ويقود هذا بالضرورة الى تبعثر عناصر القوة التي كانت متمركزة ومحتكرة في جهات او مجموعات محددة، وحصول المهمشين على فرصة لتكوين مصادر قوة خاصة او ادوات نفوذ وتاثير[58]. في وقت لاحق سيفرض هؤلاء الشباب انفسهم وخطابهم على الساحة من خلال قنوات الاعلام الجديد، وسيصبحون قوة مؤثرة، استطاعت حتى الان تقديم خطاب وطني ديمقراطي يمثل بديلا اكثر جاذبية واكثر استجابة لهموم الجيل الجديد.
منذ العام 2009 سيحمل هذا الاتجاه اسم "التيار التنويري". وفي منتصف 2011 سيتبنى اول اعلان سياسي يحدد الخطوط الفاصلة بينه وبين الدولة من جهة، والسلفية التقليدية والصحوية من جهة اخرى. وقع على البيان المسمى "نحو دولة الحقوق والمؤسسات" نحو عشرة الاف مواطن، وافتتح باشارة الى التحولات التي يشهدها العالم العربي:
الثورات التي بدأها الشباب وانضم لهم الشعب بكل فئاته ومكوناته في كل من تونس ومصر وليبيا وغيرها، تمثل نذيرا بان المملكة، مثل سائر البلدان تواجه تحديا جديا، ستذهب الامور باتجاه الثورة، مالم تبادر الدولة سريعا في الإصلاح والتنمية والحرية والكرامة ورفع الظلم ومقاومة الفساد .
الاسماء الخمسين الاولى في قائمة الموقعين لها اهمية استثنائية، فهي تشير الى قاعدة عريضة تتجاوز المجال الاجتماعي للتيار الديني. حيث يظهر بينها عدد من الناشطين الليبراليين واليساريين والشيعة، رجالا ونساء. هذا يؤكد اهتمام صانعي البيان بتقديم خطاب يعبر عن المجتمع السعودي بمختلف شرائحه. فيما مضى كان التيار الديني يقدم نفسه كصانع احداث وصانع راي عام منفرد، يتوجه لبقية السعوديين ناصحا وحاكما . اما هذا البيان فيقدم موقعيه كشركاء في خطاب واحد، يدعو لاهداف مشتركة ويقدم طريق حل اجماعي.
سرد البيان ثمانية محاور للاصلاح، تبدأ بالدعوة لبرلمان منتخب وكامل الصلاحيات، وفصل رئاسة الوزراء عن منصب الملك، واصلاح القضاء وضمان استقلاله، ومحاربة الفساد الاداري واستغلال السلطة، وتشجيع انشاء النقابات ومؤسسات المجتمع المدني، واطلاق حرية التعبير وضمانها بالقانون، واخيرا اطلاق سراح سجناء الرأي ، والتزام الاجهزة الامنية بالقانون في التعامل مع قضايا امن الدولة[59].
في هذه الايام، نستطيع تمييز ثلاثة اتجاهات متصارعة في التيار الديني :
أ) السلفية التقليدية التي يرتبط معظمها بمؤسسة الدولة. وموقفها السياسي مرتبط بموقف الدولة.
ب) بقايا تيار الصحوة ، الذي تتمحور نشاطاته حول محاربة التغريب وقضايا الاختلاط وعمل المرأة. موقفه السياسي متردد بين معارضة لما يصفه بالسياسات التغريبية التي تنفذها اجهزة الدولة، ومساند للسياسات الداعمة للعمل الديني ومؤسساته.
ج) التيار التنويري الذي يشترك مع دعاة الاصلاح السياسي في الدعوة الى تحول سلمي نحو ملكية دستورية، تضمن سيادة القانون والحريات العامة ومشاركة الشعب في القرار السياسي. هذا يضعه بشكل طبيعي في صف المعارضة السياسية، رغم انه لا يمارس  المعارضة كعمل منظم او يومي.

خلاصة:

عالجت المقالة مسار العلاقة بين التيار الديني والدولة في المملكة العربية السعودية، انطلاقا من جدلية التحالف – الاستقواء – التعارض. وكشفت عن خصوصية وضع الدين في الدولة السعودية، قياسا الى الدول العربية الاخرى، الخصوصية المنبعثة من كون رجال الدين شركاء مؤسسين للنظام السياسي، الامر الذي اعطاهم مكانة سياسية واجتماعية لاتقارن باي وضعية مماثلة في العالم العربي. رغم ذلك فان الانفتاح على الاسواق الدولية، وتبني الدولة لخيار التحديث – في الجانب الاقتصادي على الاقل – ولد ديناميات تحول في الدولة والمجتمع وفي التيار الديني نفسه، قادت الى تحولات بطيئة، لكنها عميقة.

أ) مسار العلاقة بين التيار الديني والدولة :

عرضت المقالة خمس حقب من تاريخ العلاقة بين التيار الديني والحكومة، يبدأ كل منها بحدث شكل نقطة انعطاف:
1- المرحلة الاولى، بدأت في 1961 وشهدت تحولت الزعامة الدينية من صورتها القديمة الى مؤسسة منظمة وقوية، ونجحت بفضل قوة المفتي في الهيمنة على جميع النشاطات الدينية الرسمية، اضافة الى جهاز القضاء وتعليم البنات.
2- المرحلة الثانية، بدأت في 1979، وشهدت ظهور جيل جديد من الاتباع والزعماء، وتحول السياسة الى انشغال يومي، كانعكاس للثورة الايرانية، احتلال الحرم الشريف، الجهاد الافغاني، وتاثير الحركيين العرب. تضاعف حجم المؤسسة الدينية خلال هذه الفترة وازاداد الاقبال على التعليم الديني. كما اتسع نطاق الجدالات حول شرعية الدولة وعلاقتها بالدين ومطابقتها لنموذج الحكم الصالح. اهم تحولات هذه المرحلة هو توسع التيار الديني السلفي خارج نطاق بيئته الاجتماعية الاصلية (وسط نجد) بانضمام الاف من الريفيين المهاجرين. كنتيجة لذلك فقدت السلفية سمتها التاريخية كمذهب نجدي، وفقدت وظيفتها كحزام امن عضوي للعائلة المالكة.
3- المرحلة الثالثة، بدأت مع احتلال الكويت في 1990، وشهدت تحول التساؤلات السابقة الى اتهام للدولة والنخبة السعودية بالضلوع في مؤامرة غربية للسيطرة على المجتمعات المسلمة. ساهمت الازمة في ابراز الجيل الجديد من رجال الدين كموجهين للراي العام ومتحدثين في السياسة. كما شهدت ظهور "تيار الصحوة". قبل اعتقال معظمهم في 1994، نجح هؤلاء الزعماء في تغيير اتجاه التيار الديني من حارس للدولة الى ناقض لشرعيتها، من خلال نقض التصور القديم عن الدولة السعودية كنموذج للحكم الصالح المنسجم مع تعاليم الدين.
4- المرحلة الرابعة، بدات مع الهجوم على نيويورك في سبتمبر 2001 وكان ابرز التحولات فيها هو قرار الدولة بتفكيك مصادر قوة التيار الديني، سيما تلك التي تمكنه من لعب ادوار سياسية او تعبوية. وتاثر بهذا القرار جميع فصائل التيار بما فيه المؤسسة الدينية الرسمية والطيف التقليدي التابع للدولة. خلال هذه الفترة جرى ادماج تعليم البنات في وزارة التربية وتغيير تشكيلة مجلس كبار العلماء ومجلس القضاء الاعلى، كما رفعت الحصانة التي تمتعت بها الهيئات الدينية مثل هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر. وقلص او صفي العديد من المؤسسات الدينية الاهلية ، وتعرض الاف الناشطين للاعتقال او الفصل او التجميد.
5- المرحلة الخامسة، تبلورت معالمها مع اندلاع ثورات الربيع العربي في 2011، وكان ابرز تجلياتها ظهور تيار التنوير الذي يتنكر صراحة للسلفية التقليدية مثلما يتنكر لخطاب "الصحوة". يتبنى التيار الجديد الديمقراطية كنموذج اصلح للحكم ويدعو للانتقال من الحكم المطلق الى ملكية دستورية، وقد تجلت هذه المباديء في بيان "نحو دولة الحقوق والمؤسسات" الذي يعتبر علامة فارقة في تاريخ الدعوات الاصلاحية في المملكة.

ب) التيار الديني كلاعب سياسي: هل يخدم الحراك الاصلاحي ام يعيقه؟

نظريا يمكن للتيار الديني ان يكون مع الدولة او ضدها . وعلى نفس المنوال فانه يمكن ان يلعب دورا مؤثرا في تشكيل الموقف الشعبي من الحكومة. واقعيا يصعب الجزم بكلا التقديرين، على الاقل ضمن المعطيات القائمة. لا يميز معظم الناس بشكل دقيق بين رجل دين موال للدولة ومعارض لها، كما لا يتخذ معظم رجال الدين مواقف حاسمة تجاه الدولة وسياساتها.
يرجع هذا بشكل رئيسي الى هيمنة رؤية تجزيئية للشأن العام. يساند رجل الدين الحكومة لانها تقيم الصلاة وتنفق على المساجد وتدير الحج وتحترم المناسبات والشعائر الدينية. ويغفل عن قضايا الاقتصاد والسياسة الخارجية والقانون. رجل الدين السعودي – في الاعم الاغلب – اقرب الى   العوامية في التفكير، منشغل باليوميات وسلوكيات الافراد، ولا تشكل السياسة في المستويات الكبرى موضوع اهتمام له. وهو بهذا لا يختلف عن الاغلبية الساحقة من عامة الناس. ان غياب حياة سياسية اهلية، وغياب مجتمع مدني حديث ومنظم هو عامل رئيسي وراء فقر الثقافة السياسية في المملكة، ويتاثر بهذا رجال الدين وعامة الناس على حد سواء.
اشرنا في الصفحات السابقة الى ان جميع رجال الدين – سوى عدد قليل – مرتبطون وطيفيا ومعيشيا بجهاز الدولة من خلال المؤسسة الدينية الرسمية. لكن عدا الجانب المعيشي، فان كثيرا من رجال الدين، ولا سيما في المستويات الوسطى والعليا، يستمدون نفوذهم من مواقعهم الوظيفية او من علاقتهم المتينة مع رجال الدولة، وهم يستخدمونها لزيادة راسمالهم الاجتماعي. بعبارة اخرى فان رجل الدين مضطر – بحكم المعيشة او بحكم مكانته الاجتماعية – للعيش في ظل الدولة. وفي ظروف الازمة فان الدولة تعمل بجد على تفعيل دورهم المساند لها وتعاقب المترددين، وهذا ما حصل لالاف منهم ومن الناشطين خلال العقد المنصرم.
لهذين السببين، اي فقر الثقافة السياسية والارتباط المعيشي والاجتماعي بالدولة، فان التيار الديني كان مساندا نشطا للدولة، او – على الاقل – عامل تثبيط لمحاولات المعارضة النشطة، كما حصل خلال الازمة التي عرفت بـ "ثورة حنين" في مارس 2011. تغير هذا الموقف مشروط بعوامل اخرى، ابرزها تبلور "دوائر مصالح" بديلة، قد تكون ثمرة لتحولات اقليمية – مثل صعود الاخوان والسلفيين في مصر وسوريا مثلا -، او تغير اتجاهات الراي العام المحلي كرد فعل على سياسات حكومية او تحولات اقليمية.

ج)  انقسام التيار الديني وتاثيره المحتمل على السياسة في المدى القصير

اعتبر زعماء "الصحوة" وفاة الشيخين عبد العزيز بن باز (1999) ومحمد بن عثيمين (2001) نهاية لعصر الاباء الكبار للتيار الديني السلفي، ونهاية لحلم  الوحدة بين اطياف التيار[60]. هذا العامل اضافة الى تغير سياسات الحكومة وتصاعد الضغط الدولي – الامريكي خصوصا – على الحكومة لكبح التشدد الديني، ادى الى تفكيك متسارع للنظام القديم شبه الابوي داخل التيار الديني، وفتح الباب امام ظهور افكار جديدة وزعامات جديدة تشق طريقها من خلال اعلان التعارض مع القوى السائدة. لعب هذا التحول دورا مزدوجا: وفر فرصة لبروز اتجاهات سياسية جذرية، وفرصا مماثلة لشخصيات تسعى للاستيلاء على النفوذ الاجتماعي لكبار رجال الدين ، من خلال التماهي مع الدولة والتحالف مع رجالها. على المسار الاول نجد مثالا في الشيخ يوسف الاحمد الذي انتقل من التركيز على التغريب ومكافحة الاختلاط وعمل المرأة، الى تبني قضايا المعتقلين السياسيين، وتنظيم اعتصامات امام وزارة الداخلية للمطالبة بالافراج عنهم، الامر الذي اودى به الى الاعتقال في يوليو 2011.
مثل هذه المواقف تفرض على اتباع التيار والناشطين فيه مفاصلة، تتعلق مبدئيا بموقفهم السياسي – مع الدولة او ضدها -، لكنها تطال في وقت لاحق التبرير الديني – الاجتماعي للموقف المختار. لاحظنا مثلا ان عددا ملحوظا من الناشطين الذين وقفوا مع الحكومة في مارس 2011، وقدموا تبريرات دينية وسياسية لهذا الخيار، مالوا بعد اعتقال الشيخ الاحمد الى التعبير عن يأسهم من الاصلاح في المدى المنظور. وهو موقف يضعهم في خانة المعارضين. وعلى العكس فان عددا من رجال الدين والناشطين الذين صنفوا سابقا في خانة الاصلاحيين، قرروا السكوت والانصراف الى انشغالاتهم الوظيفية بعد قرار رسمي بمنع القضاة من اصدار بيانات، او المشاركة في وسائل الاعلام[61].
في ظني ان الاتجاه للمفاصلة سيكون اكثر شدة بين الناشطين الذين بقوا اوفياء لتيار الصحوة وخطابه.  ذلك انه يتعرض دون غيره لحالة جمود في تكوينه البشري. زعماء هذا التيار يتقدمون في العمر ويميلون الى نهج حياتي محافظ ونخبوي، وليس ثمة زعماء جدد يحلون محلهم.  انه اشبه بحركة شعبية من دون قادة شعبيين. اظن ان  جانبا من هذا التيار سيتخلى عن السياسة على المدى القصير وسيستبدلها بنشاط ثقافي، يستهدف في المقام الاول تطوير رؤى جديدة حيال التحديات التي فرضها الربيع العربي.
من ناحية اخرى، فان هذا التيار يتأثر بشدة بصعود السلفية السياسية خارج المملكة، ولا سيما في مصر واليمن. دخول السلفيين المصريين – خصوصا – الحياة السياسية عبر الطريق الديمقراطي عزز حجج الداعين الى قبول الديمقراطية كنموذج صالح للحكم. حتى وقت قريب كان هؤلاء يعتبرون الديمقراطية نموذجا نصرانيا ومدخلا لسيطرة الثقافة الغربية على عقول المسلمين. في مايو 2012 عقد فريق رئيسي من هذا التيار اجتماعا في الدوحة برئاسة الشيخ ناصرالعمر، ضم ابرز ناشطي التيار في المملكة ودول اخرى، وكانت الديمقراطية محور النقاش فيه. مثل هذه النقاشات ستقود – من جهة - الى اتساع الشريحة المؤمنة بالديمقراطية من جهة، وتعزز – من جهة اخرى - مركزية القيادات السلفية العربية على حساب نظيرتها السعودية. كلا الاتجاهين سيؤدي – على المدى القريب – الى اتساع الفجوة بين تيار الصحوة والحكومة.

د) التيار التنويري وحدود تأثيره

 رغم ان الموقف العام للتيار التنويري يضعه في صف المعارضة، الا انه من المبكر القول انه يشكل قوة شديدة التاثير على الوضع السياسي العام. ثمة قضايا رئيسية لا تزال غير محسومة عنده، من بينها الموقف من الاطراف الوطنية الاخرى، ومن حقوق المراة والاقليات. بالنسبة لمن يعرف رجال التيار، فقد يجد هذه الامور محسومة عندهم. لكن الواضح ايضا انهم يتجنبون التعبير الصريح عن مواقفهم حيالها، حرصا على علاقاتهم مع بقايا تيار الصحوة، او خوف خسارة جمهور ما يزال في منتصف الطريق بين خطاب الصحوة القديم والخطاب التنويري الجديد. لا يزال هذا التيار اقرب الى حراك اجتماعي شبابي، يعبر عن نفسه بشكل رئيسي من خلال نشاطات ثقافية، ويخوض معارك ثقافية مع التقليديين والصحويين. ولم يصل بعد الى مستوى الحراك المنظم والمتبلور. انضمام الشيخ سلمان العودة الى هذا التيار يمثل دعما قويا، فهو اليوم من اكثر رجال الدين مصداقية . لكن من المستبعد ان يقدم العودة على حرق المراحل . ثمة كثير من القيود التي تشده الى تاريخه ومصادر قوته التقليدية، ولا اظنه سيفرط فيها، مالم يحدث تحول كبير في الواقع الاجتماعي او السياسي القائم.
مع كل هذه التحفظات، فان التوسع السريع لهذا التيار يوحي بان خطابه قد نجح في تحقيق اختراق كبير، وانه يقنع شرائح متزايدة من الجيل الجديد، الامر الذي يشجع على الاعتقاد بانه سيكون لاعبا مؤثرا في اي حراك اهلي قادم.


 





[1] انظر مثلا بكر بن عبدالله أبو زيد: خصائص جزيرة العرب ، ط3 ، مطابع اضواء البيان (الرياض 1421).
[2] لمعلومات اوسع  حول الهيئة ، انظر سليمان الضحيان: "هيئة كبار العلماء في السعودية ، التاسيس والوظيفة" ، في تركي الدخيل (محرر) : حراسة الايمان ، ط3 ، المسبار (دبي 2011) ، ص 71-101
[3] صحيفة الوفاق الالكترونية 4 اكتوبر 2010 www.alweeam.org/news-action-show-id-12057.htm. جدير بالذكر ان وزير  الاوقاف كان قد نفى سابقا ان الوزارة تفكر في خطط كهذه. الجزيرة (25 مايو 2006). http://213.136.192.26/2006jaz/may/25/ln59.htm. وطبقا لاحصاءات وزارة الاوقاف فان العدد الفعلي لموظفي المساجد في 2008 قد بلغ 78,347. معلومات اضافية : موقع وزارة الاوقاف http://www.moia.gov.sa/Menu/Pages/%D9%8DStatistics2.aspx
[4] توفيق السديري وكيل وزارة الاوقاف. (الدعوة 6 ربيع الثاني 1431) . www.aldaawah.com/?p=3110 . وطبقا لاحصاءات وزارة الاوقاف فان عدد المساجد التي تشرف عليها تبلغ 55,266 اضافة الى 3604 مصليات خاصة للاعياد. هذا العدد لا يشمل المساجد التي تديرها هيئات حكومية اخرى او اشخاص.
[5] لمعلومات اضافية حول نسبة الثقافة الدينية في مناهج التعليم العام ، انظر احمد العيسى : اصلاح التعليم في السعودية ، دار الساقي (بيروت 2009) ص 23
[6] جريدة البلاد (18-9-2010) http://www.albiladdaily.com/news.php?action=show&id=60530
[7] الاتجاه العام بين كبار علماء المملكة هو الاقرار بارتكاب الدولة لاخطاء ومخالفات شرعية ، وفي الوقت نفسه تحريم التشهير بها. الحل الوحيد حسب رايهم هو اتباع طريق النصيحة السرية للحاكم . انظر مجموعة من الاراء في هذا السياق على موقع سبل السلام (كما اطلعنا عليه في 9-7-2012)  http://subulsalam.com/site/erhab/wlatalamr/Saudyh.html
[8] صدرت الفتوى عن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء برقم 24937 وتاريخ 23/11/1431هـ (31-10-2010) وتقضي بأنه "لا يجوز للمرأة المسلمة أن تعمل في مكان فيه اختلاط بالرجال، والواجب البعد عن مجامع الرجال والبحث عن عمل مباح لا يعرضها لفتنة ولا للافتتان بها، وما ذكر في (الاستفتاء) يعرضها للفتنة ويفتتن بها الرجال فهو عمل محرم شرعاً وتوظيف الشركات لها في مثل هذه الأعمال تعاون معها على المحرم فهو محرم أيضا"
[9] منصور النقيدان : الملوك المحتسبون ، المسبار (دبي 2012) ، ص 108
[10] نص الرسالة على موقع اهل الحديث http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=243738
[11] سلمان العودة: الاغراق في الجزئيات ، دار الايمان (الرياض 2002) ، ص 49
[12] انظر رواية الشيخ عمر الاشقر عن الحادثة ، في اسامة شحادة: جهيمان بين التكفيريين والسلفيين ، مدونة شخصية (15 مايو 2011). http://osamash.maktoobblog.com/1617153
[13] عادل بن زيد الطريفي : 25 عاما على حادثة الحرم ، صحيفة الرياض  ( 10 / 3 / 2004م)
[14] عبد الله بن بجاد العتيبي: "الاخوان المسلمون والسعودية، الهجرة والعلاقة"  في تركي الدخيل (محرر): الاخوان المسلمون والسلفيون في الخليج، المسبار  (دبي2010) ، ص 37
[15] لبعض التفاصيل حول احتلال الحرم والمشاركين فيه ، انظر ناصر الحزيمي : ايام مع جهيمان ، الشبكة العربية للدراسات والنشر (بيروت 2011)
[16] مصلحة الاحصاءات العامة : الكتاب الاحصائي السنوي 2007
[17] مصطفى الحسن: ذكرياتي مع الإخوان في السعودية ، مدونة شخصية (27 يونيو ، 2011) www.som1.net/?p=3340
[18]  حسن السريحي: مقابلة مع جريدة الشرق الاوسط (25 نوفمبر 2001).
www.aawsat.com/details.asp?section=1&issueno=8398&article=68043&feature=
[19] علي العميم : شيء من النقد ، شيء من التاريخ. جداول (بيروت 2011) ، ص 170
[20] ستيفان لاكروا : زمن الصحوة ، الشبكة العربية للابحاث والنشر (بيروت 2012) ، ص 115
[21] للمزيد حول منهج الالباني وتاثيره ، انظر مروان شحادة : تحولات الخطاب السلفي ، الشبكة العربية للابحاث والنشر (بيروت 2010) ، ص 45
[22] د. حمد الوردي : البيروقراطية والتمثيل البيروقراطي والتكافؤ في المملكة العربية السعودية ، مركز دراسات الوحدة العربية ، (بيروت 2006) ، ص 92
[23] لبعض التفاصيل حول هذه العريضة انظر : احمد عدنان : "السعودية 1990: مخاض دولة ومجتمع" ، جريدة الاخبار اللبنانية (3-3-2010)  www.al-akhbar.com/ar/node/179477
[25] انظر رواية لهذا الحدث على لسان د. عزيزة المانع احدى المشاركات فيه، في عبد العزيز قاسم : مكاشفات ، مكتبة العبيكان ، (الرياض 2007)، ج 3 ص 80
[26] عبد العزيز قاسم ، مكاشفات مع د. محسن العواجي ، جريدة البلاد (20-10-1422). ن.إ. موقع العواجي http://www.mohsenalawajy.com/ar/index.php/2009-12-05-13-19-49/93--1
[27] انظر مثلا كلام الشيخ يوسف الاحمد ، موقع المسلم (30-5-2011) http://almoslim.net/node/147245 . ايضا الشيخ ناصر العمر ،  موقع المسلم (23-5-2011)  http://almoslim.net/node/146827
[28] يشار الى ان الرئيس الجديد للهيئة ، د. عبد العزيز السعيد ، الذي عينه الملك فهد في 16 ديسمبر 1999 هو اول رئيس لها من خارج عائلة الشيخ محمد بن عبد الوهاب التي احتكرت هذا المنصب منذ 1903. منصور النقيدان : الملوك المحتسبون ، ص 65
[29] عبد العزيز قاسم ، المصدر السابق
[30] القى الحوالي عدة احاديث اشتهر منها "فستذكرون ما اقول لكم" في جدة ، والاخرى بعنوان "ففروا الى الله" في الرياض. وكلاهما في اوائل سبتمبر 1990. وكتب مقالات ومذكرة الى هيئة كبار العلماء ، تدور جميعها حول ما يقول الحوالي انه مؤامرة دولية للقضاء على التيار الديني والسيطرة على الشرق الاوسط. انظر نص الخطبة الاولى في موقع سفر الحوالي :www.alhawali.com/index.cfm?method=home.ShowContent&Contentid=646
[31] لبعض التفصيلات عن هذه الخطب ، انظر عبد العزيز الخضر : السعودية سيرة دولة ومجتمع ، الشبكة العربية للابحاث (بيروت 2011) صص 180-200
[32] Mansoor J. Alshamsi, Islam and Political Reform in Saudi Arabia, Routledge, (New York 2010) p. 86
[33] نص المذكرة  http://alturl.com/yjfq3 . لمعلومات اضافية عن ظروف اصدارها ، انظر ستيفان لاكروا : مصدر سابق ، ص 239
[34] نص مذكرة النصيحة – http://www.swalif.com/forum/showthread.php?t=98782
[35] عبد المحسن العبيكان ، حديث الى الشرق الاوسط (15 مايو 2005)
www.aawsat.com/details.asp?section=11&article=299429&issueno=9665
[36] نص بيان هيئة كبار العلماء في البراءة من مذكرة النصيحة ، موقع السكينة: وصيّة ونصيحة حتى لا تكون فتنة (25-2-2011)
[37] لتحليل حول اشكالية العلاقة بين رجال الدين التقليديين والحركيين ، انظر علي العميم : شيء من النقد ، شيء من التاريخ ، دار جداول (بيروت 2011) ص 164
[38] حول ظروف اعتقال الشيوخ وانعكاساته ، انظر
 Mansoor Jassem Alshamsi, Islam and Political Reform in Saudi Arabia, Routledge, (New York 2010) p. 126
[39] الشيخ عبد المحسن العباد البدر: بيان بعنوان "الأحداث الأخيرة أظهرت لولاة بلاد الحرمين الناصح والماكر والعدو والصديق", موقع الالوكة (3 رجب 1432). http://majles.alukah.net/showthread.php?t=83643
[40] انظر مجموعة رسائل الشيخ العباد على الرابط https://sites.google.com/site/oalbadr/
[41] عبد  المحسن العباد:  من ذكرياتي عن الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة بعد مرور نصف قرن على إنشائها ، ملتقى أهل الحديث (4 يونيو 2010) http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=212894
[42] جمعت الارقام من جداول متعددة في الكتاب الاحصائي السنوي (1422-1423)، مصلحة الاحصاءات العامة
[43] عبده خال : سوء  الظن بوصلة رجال الهيئة ، عكاظ ، (16 مارس 2010)
[44] لبعض التفاصيل حول تاريخ الهيئة والنقاشات حولها ، انظر منصور النقيدان : الملوك المحتسبون ، مصدر سابق
[45] جريدة عكاظ 12 يوليو 2010 http://www.okaz.com.sa/new/issues/20100712/Con20100712361026.htm
[46]  جريدة المدينة 22 فبراير 2012 http://www.al-madina.com/node/359689
[47] انظر مثلا القصة التي رواها سعيد ال ثابت عن تجربته الشخصية مع جامعة الامام في 2007. موقع لجينيات (اكتوبر 2010) http://lojainiat.com/c-47625
[48] الامير نايف بن عبد العزيز : حديث لصحيفة السياسة الكويتية. نقلا عن جريدة الرياض (28 نوفمبر 2002) http://www.alriyadh.com/Contents/28-11-2002/Mainpage/LOCAL1_3591.php
[49] سلمان العودة : طفولة قلب ، مؤسسة الاسلام اليوم ، (الرياض 2011) ، ص 540-541
[50] حول سياسات الرقابة في المملكة ، انظر  Article 19 (Organization): Silent Kingdom, Freedom of Expression in Saudi Arabia, (London 1991)
[51] ماجد البلوشي : جيل ما بعد الصحوة ، موقع لجينيات (22 يونيو 2010). www.lojainiat.com/index.cfm?do=cms.con&contentid=41498
[52] جريدة الجزيرة (12 نوفمبر 2003) http://www.al-jazirah.com.sa/2003jaz/nov/12/fe19.htm
[53]  في ابريل 2011 قال الناطق باسم وزارة الداخلية ان عدد السجناء 5056 . جريدة الاقتصادية (2 ابريل 2011)  http://www.aleqt.com/2011/04/02/article_521961.html . وقالت حركة الاصلاح المعارضة تعليقا على البيان بان العدد الحقيقي للسجناء يتجاوز 27 الفا (3 ابريل 2011)  http://www.saudiwave.com/ar/2010-11-09-15-55-47/615-2011-04-03-09-43-40.html
[54] نص البيان على موقع شؤون سعودية: http://www.saudiaffairs.net/webpage/sa/issue02/article02l/issu02lt011.htm
[55] للاطلاع على جانب من الجدالات التي رافقت هذا التحول ، انظر نواف القديمي : المحافظون والاصلاحيون في الحالة الاسلامية السعودية، المركز الثقافي العربي (بيروت 2011)
[56] محمد الاحمري: انتصار الديمقراطية على الوثنية في الانتخابات الأمريكية ، العصر (10-11-2008)
 http://www.alasr.ws/index.cfm?method=home.con&contentID=10439
[57] صحيفة الوئام الالكترونية (29 سبتمبر 2008)    www.alweeam.com/news/news.php?action=show&id=5610 واذيع الحديث ضمن برنامج "حجر الزاوية" في قناة ام بي سي يوم 27-9-2008
[58] Manuel Castells, in  Jérôme Bindé (ed.), Keys to the 21st Century,  UNESCO & Berghahn Books 2001, p. 217
[59] لبعض التفاصيل حول البيان ، انظر توفيق السيف : بعد عام على صدوره : بيان "نحو دولة الحقوق والمؤسسات" حجر زاوية في تاريخ التيار الديني السعودي ، موقع المقال (1 مارس 2011) http://www.almqaal.com/?p=1928
نص البيان واسماء الموقعين http://www.facebook.com/dawlati
[60] محسن العواجي ، حديث لصحيفة البلاد (4-1-2002) نقلا عن موقعه الشخصي http://www.mohsenalawajy.com/ar/index.php/2009-12-05-13-19-49/93--1
[61] حول هذا القرار ، انظر صحيفة الوئام الالكترونية (6 مايو 2012) http://alweeam.com/archives/126161 

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...