العالم ، شرقا وغربا ، مشغول بالرئيس
الامريكي الجديد ، نظرا لغرابة طروحاته والتباين الواضح بين مارآه الناس في شخصه ،
وبين الصورة الذهنية المعتادة عن سادة البيت الأبيض. فوز باراك اوباما بالرئاسة في
2008 كان هو الآخر استثنائيا ومفارقا للمألوف ، رغم التباين بين الرجلين وطبيعة
ردودالفعل على فوز كل منهما. وأذكر للمناسبة مارواه صديق حضر الاحتفال بإعلان نتائج
الانتخابات في السفارة الامريكية. يقول الصديق ان السفير ، وهو جمهوري ذو ميول
محافظة ، كان لايخفي قلقه من فوز اوباما. لكنه صعد المنصة فور اعلان النتيجة ، والقى
خطبة عصماء ، بكى في أولها ، ثم قال ما مضمونه ان فوز اوباما يمثل في محتواه
الرمزي انتصارا للذات الانسانية العميقة التي تحن للإنصاف والفضيلة ، وتعبر عن
الصورة التي يريدها الأمريكيون لأنفسهم ، حتى وان اخفقوا في تجسيدها في غالب
الأحيان.
اوباما يخطب في برلين |
واظن ان الترحيب الواسع الذي حظي به
فوز اوباما على امتداد العالم ، لا تختلف دواعيه عن تلك التي أبكت السفير. يتوقع
العالم ان يرى الدولة الأقوى – بل أي دولة - ملتزمة بفضائل السياسة واخلاقياتها ،
وعلى رأسها الانصاف والمساواة.
اهتمام العالم بفوز ترمب مختلف
تماما عما حظي به اوباما. فهو يعبر عن القلق مما ينتظره في العهدالجديد. بينما ولد
انتخاب أوباما قدرا من اليقين والكثير من الأمل ، في ان الدولة العظمى الوحيدة ،
تعود للاعتدال في التعامل مع ذاتها ومع العالم.
زبدة القول ان الترقب وعدم اليقين
هو المحرك العميق لانشغال العالم بالرئيس الجديد. ومحوره هو تصريحات ترمب حول
العلاقات الدولية ، مثل حديثه عن الغاء اتفاقية باريس للمناخ ، والزام أوربا بتحمل
نفقات الحلف الاطلسي ، وحديثه عن جدار المكسيك ، وخطة القضاء الفوري على داعش ، وتهديده
بالغاء الاتفاق النووي مع ايران. هذه جميعا تكشف عن نمط متشدد في العلاقات
الدولية.
لكن التدقيق في مجموع وعود ترمب
(وتهديداته) قد يعزز فرضية ان "العامل الداخلي" هو موضع اهتمامه الوحيد.
جميع احاديث الرئيس خلال الحملة الانتخابية وبعد فوزه بالمكتب البيضاوي ، تدور حول
مسلمة رئيسية هي ان الولايات المتحدة قوية بما يكفي كي تستغني عن الدول الاخرى ،
اقتصاديا وأمنيا. وان على الحكومة ان تلعب دور صانع المشهد ، وان تجسد تلك القوة في
سياساتها الداخلية والخارجية. تنصرف هذه المسلمة الى معنيين على وجه التحديد:
الاول: ان الولايات المتحدة لا تتحمل كلفة اصلاح
العالم أو حمايته. واذا شاركت ، فان حصتها من الكلف لن تزيد عن حصة الآخرين. وان
مساعدة الولايات المتحدة للاخرين يجب ان تحسب على اساس تجاري وليس على اساس اخلاقي
او سياسي بحت.
الثاني: مهمة الحكومة هي المحافظة
على ازدهار بلادها. وهذا ينصرف تحديدا الى المعنى الاقتصادي دون غيره. ويشمل
معالجة البطالة ، خفض الضرائب ، زيادة الصادرات ، وتقليل الاعتماد على المصادر
الخارجية.
اذا صح هذا التحليل ، فعلينا الانتظار
بضعة أسابيع ، ريثما تبدأ الادارة الجديدة في مواجهة استحقاقات السياسة العادية.
عندها سيتحدد مدى التحول الذي يمكن للبيت الأبيض فرضه في المشهد المحلي والدولي.
وأحتمل ان ابعد تقدير لزمن الاختبار هو قمة مجموعة العشرين المقرر عقدها في
المانيا مطلع يونيو. الشهور الاربعة التي تفصلنا عن موعد القمة ستكون مختبرا
لمعرفة ماذا سيفعل ترمب في السنوات الاربع القادمة. واحتمل ان معظم انعكاساتها
سيكون باتجاه الداخل الامريكي وليس العالم.
الشرق الاوسط 8 فبراير 2017
http://aawsat.com/node/849256