01/10/2007

دين البشر

 

أود ان يشاركني القراء الاعزاء في الاستفادة من هذا الكتاب القيم الذي صدر حديثا للاستاذ الشيخ حميد المبارك القاضي بمحكمة الاستئناف في البحرين وعنوانه «مقالات في فهم الدين». يطرح الكاتب العديد من القضايا المثيرة للجدل ويُعالجها بأسلوب هادئ متين ويُدلل على آرائه تارة بنصوص من القرآن والسنة وتارة أخرى بأدلة عقلية كما يستشهد بآراء لعلماء اجلاء قدامى ومعاصرين.

الشيخ حميد المبارك

يشير عنوان الكتاب الى الإشكالية الرئيسية التي تمثل محور مقالات الكتاب، الا وهي التمييز بين الدين في صيغته الاولى كنص مجرد، وبين الدين بعدما تتناوله الافهام المختلفة والتطبيقات المتباينة للبشر في مختلف الاماكن والازمنة. من الموارد المتفق عليها ان معظم ما يُطبقه الناس ليس النص المجرد، بل هو تفسير ذلك النص، التفسير الذي قدمه أهل العلم والخبراء في الشريعة من فقهاء ومجتهدين في حاضر الزمان او قديمه.

من المعروف ايضا في علم الاجتماع المعاصر ان تفكير الانسان في الأشياء يتأثر بالضرورة بالافق الثقافي والاجتماعي الذي يعيش ضمنه. ولا يختلف الناس في هذا الامر، فعقل الفقيه والمثقف مثل عقل الانسان العادي يتأثر بالبيئة التي هو فيها، بما فيها من افكار وشبكات مصالح ومصادر ضغط وانماط حياة وهموم وتطلعات، وتشترك هذه جميعا في تشكيل انطباعه الاولي عن الموضوعات التي يُفكر فيها، كما تؤثر في تحليله للعلاقة بين الموضوع وبين التكييف النظري (الشرعي او القانوني او العقلي) الذي يسعى للتوصل اليه. ولهذا السبب قيل بأن الاحكام تتغير مع تغير الأزمنة والأمكنة، لأن ظرف الموضوع يُشكل جزءاً من قوامه ومفهومه، كما يُحدد موقعه من منظومة المصالح والمفاسد العرفية التي تختلف بين مجتمع وآخر وبين زمن وآخر.

بذل الكاتب جهدا مشكورا في بيان العوامل المؤدية الى التمايز بين المفاهيم الاصلية المجردة، وبين المفاهيم السائدة عند الناس واهل الشريعة. واشار الى عامل جدير بالتأمل، الا وهو تركيز الفقهاء على استنباط الاحكام واهمالهم دراسة موضوع الحكم. الموضوع الجوهري لجميع التعليمات الدينية هو الانسان. غرض الرسالات جميعا هو الارتقاء بالانسان في حياته المادية الدنيوية. صحيح ان جميع الاديان تركز على تذكير الانسان بالآخرة ووجوب الاعداد والاستعداد لما بعد الموت، لكن الغرض الأساس من هذا التذكير هو تحفيز المؤمن لتقويم حياته وتحسينها والارتقاء بها.

وبالمناسبة فإن هذه النقطة هي واحدة من وجوه التمايز الرئيسية بين الاسلام والمسيحية الكاثوليكية - في نسختها القديمة على الاقل، اي قبل الكالفينية-، فالكاثوليكية تنظر الى الآخرة كنقيض للدنيا وتعتبر الأعلى حظا في الآخرة هو الاقل حظا في الدنيا، بخلاف الاسلام الذي ينظر الى النجاح الدنيوي كمقدمة للفوز الاخروي. ويدعو المسلمين الى التزام الايمان مع السعي نحو التقدم المادي والعلمي والاستقواء والعزة الدنيوية ويعتبر النجاح في الربط بين الجانبين معيارا للصلاح والايمان.

موضوع التشريعات الدينية اذن هو تحرير الانسان والارتقاء بحياته وتوجيهه الى اكتشاف حقائق الكون الكبرى، حتى يقترب من الحقيقة المطلقة. لكن المشهود ان المسلمين، ربما بسبب تخلفهم المادي والعلمي، قد انشغلوا عن دنياهم بالكلام عن دينهم، خلافا لما يظن كثير من الناس من ان المسلمين قد انشغلوا بدنياهم عن الدين. يرى الكاتب ان الفقهاء قد اهملوا التفكير في الانسان، وركزوا بدل ذلك على التفكير في الاحكام. ولهذا فإن معظم الدعاة يجيدون الحديث في الحدود والقيود والضوابط التي «يجب» على الانسان التقيد بها، لكنهم لا يتحدثون، وربما لا يجيدون الحديث عن الانسان نفسه، عن حقوقه وعن حقيقته وعما يحتاج وعما يريد.

 ولهذا السبب ايضا فإن اللغة السائدة بين المؤمنين مُشبعة بالالفاظ التي تشير الى الوجوب والمنع والالزام بشتى اشكاله، لكنها تفتقر الى الالفاظ التي تشير الى الاغراض الدنيوية للدين الحنيف. لا نسمع الدعاة يتحدثون عن حقوق الانسان، وعن ظلم الانسان الفرد، ولا يدعون الناس الى البحث العلمي في الانفس والآفاق والطبيعة، او الهجرة في طلب العلوم المختلفة، ولا يدعون الناس الى تطوير اساليب عيشهم وعملهم، كما لا يسعون الى تطوير نظريات مناسبة في الاستفادة مما يموج في مجتمعات العالم الاخرى من علوم وتقنيات وكشوف واختراعات وتيارات في الفن والفلسفة والادب وغيرها.

 بعبارة اخرى فإن المجتمع الديني قد نسي الدنيا او اغفلها، وانشغل بالكلام في الدين، حتى تضخمت صوره ومعانيه وتطبيقاته وتحول بعضها الى قيد على حركة الانسان بدل ان يكون وسيلة لتحرير الانسان من قيوده الفكرية واغلاله المادية.

تحدث الكاتب عن ضرورة العودة الى مقاصد الشريعة واغنائها بالبحث وايصالها الى المؤمن الفرد باعتباره هو المعني بالدين وهو المخاطب بالنص الديني.

 وهو يؤكد على ان الافراد، ايا كان مستوى معرفتهم الدينية يشتركون في صياغة العرف الديني والفهم الديني، ولهذا فمن الواجب ان يستوعبوا مقاصد التشريع واغراضه الكلية حتى يكون اسهامهم تعزيزا للروح الدينية السامية بدل ان يتحول الى استغراق في الخلط بين التقاليد الاجتماعية والتعاليم الدينية، مآله الزام الفقيه بتكييف آرائه مع ضرورات التقليد الاجتماعي مهما كان متخلفا او غريبا عن روح الدين ومقاصده.


12/09/2007

حتى لا تكون الادارة الحكومية عش دبابير



                                                                                                       ~ينبغي جعل عمل الدوائر الحكومية علنياً ومكشوفاً وتمكين الصحافة والناس من نقد موظفيها }
لا اعرف الذي اطلق على المديرين وكبار الموظفين اسم “المسؤول” ، فهذا اللقب لم يُنقل من تراث العرب القديم . ولعله وضع كترجمة لمسمى الرئيس او المتصدي (officer, principal, director) الذي وصلنا مع انتقال نظم الادارة الاوروبية الى العالم العربي . على اي حال فان اختيار ذلك المسمى ينم عن ذكاء صاحبه ورغبته في نقل جوهر المفهوم الاوروبي الحديث في الادارة الحكومية ، اي كون الوظيفة تكليفا تترتب عليه محاسبة ومساءلة وليست مجرد سلطة للامر والنهي والتصرف.
في سياق نقل التجربة الاوروبية ، تميل معظم الدول العربية اليوم الى اطلاق مسمى “الخدمة المدنية” على منظومة الادارة الحكومية. وقد اقتصر هذا الوصف على العنوان العام ولم يسرِ الى افراد الادارة كما هو الحال في الدول الصناعية . نعرف ان الموظف الحكومي هناك يوصف رسميا بالخادم المدني civil servant ، لكن يبدو ان لهذا المسمى وقعاً ثقيلاً في ثقافتنا ، ولهذا اعرضنا عن استعماله في وصف الموظفين الحكوميين . وعلى اي حال فان اختيار المسميات يعكس رغبة في تحقيق معنى ومضمون الاسم . وفقا لهذا فانه ينبغي ان يعمل موظفو الدوائر الحكومية ، في جميع مراتبهم ، كخدام للشعب ، لا كمتسلطين عليه.
يُعتبر مفهوم “الخدمة العامة” ومفهوم “المسؤولية والمحاسبة” من ابرز ما يميز نظم الادارة الحديثة عن نظيرتها التقليدية.  حين نقول ان فلانا مسؤول ، فهذا يعني – في الاصل النظري على الاقل – انه معرض للمساءلة على اعماله ، اي ان سلطته غير مطلقة . صاحب السلطة المطلقة الوحيد هو رب العالمين الذي “لا يسأل عما يفعل” اما باقي الناس فهم جميعا معرضون للمساءلة والحساب. الموظف الحكومي يقبض راتبه مقابل خدمة الناس وليس مقابل التسلط عليهم ، لأن اموال الحكومة هي في الاصل وفي النهاية اموال عامة ، اي مملوكة لمجموع الشعب . الموظف بهذا المعنى اجير عند المواطنين ، وليس من المعقول ان يستأجر المواطنون من يهينهم او يعطل مصالحهم او يؤذيهم بمثل “تعال بكرة” ، و “شوف لك احد” و “تعرف الطريق” وامثالها
مثل كثير من المفاهيم والانظمة الجيدة التي تطبق بالمقلوب حين تنتقل الى مجتمعات متخلفة ، فان مسمى “المسؤول” اصبح عندنا علامة على صاحب السلطة ، اي الشخص الذي بيده الامر والنهي والقرار ، والذي يستطيع ان يفعل ما يشاء من دون ان يتعرض للمساءلة والمحاسبة . هذه الخلطة المقلوبة هي نتاج للثقافة التقليدية التي يمكن ان نصفها بالسلطوية ، والتي تخلط بين عنصري الادارة المدنية والسلطة السياسية ، وتنظر الى الاولى كامتداد للثانية
هذه الثقافة ليست حكرا على بلدنا او بلدان العالم الثالث ، فهي موجودة في كل بلاد العالم . لكن المجتمعات المتقدمة اكتشفت سوءاتها مبكرا وحاولت توفير علاجات . من ابرز هذه العلاجات هو اختصار مجال التصرف الشخصي للموظفين ، كبارا كانوا او صغارا ، وذلك بالتوسع في وضع القوانين واللوائح لكل كبيرة وصغيرة ، وجعل هذه القوانين – وليس رأي المدير - معيارا وحكما فاصلا بين الدائرة الحكومية وبين الجمهور.
ومن بين العلاجات الفعالة ايضا ، العلنية او الشفافية ، اي جعل عمل الدوائر الحكومية علنيا ومكشوفا للجميع ، وتمكين الصحافة وعامة الناس من مناقشة كل دائرة وتقييم ونقد موظفيها بأشخاصهم ووظائفهم ، بل نقد القوانين واللوائح التي تنظم عملهم. ومن بين العلاجات المؤثرة هو التغيير المنتظم لاصحاب المناصب ، كي لا يتحول المنصب الى عش للدبابير. على ان أبرز علاج هو توزيع السلطة وتوزيع مصادرها في المجتمع ، وبين أبرز آليات هذا التوزيع هو تعزيز منظمات المجتمع المدني ، تخصيص الخدمات العامة ، وتعزيزر اللامركزية الادارية.
تطوير الخدمة العامة يحتاج اذن الى تغيير في فلسفة الادارة الحكومية وفي البيئة الثقافية الحاضنة لها . وهذا يحتاج الى جهد واسع النطاق تشارك فيه اجهزة الاعلام والتعليم والهيئات التشريعية فضلا عن النخبة الاجتماعية ، وهو يحتاج خصوصا الى مُدونّة لحقوق المواطن يكون لها صفة قانونية عليا ويجري تداولها وشرحها حتى تتحول الى عنصر ثابت في ذهنية كل المواطنين.

عكاظ  12 سبتمبر2007  العدد : 2278

05/09/2007

تحسين الخدمات العامة في المكاتب المهلهلة


معظم الدوائر الحكومية متقشفة وسيئة المظهر كما لو انها تنتمي الى دولة فقيرة. التبرير السريع الذي تسمعه حين تسأل هو ان الدائرة الحكومية «موقع عمل» وليست دارا او استراحة كي تنفق الحكومة على تجميلها. هذا التبرير غير منطقي لان بيئة العمل تمثل عاملا مؤثرا في الارتقاء بمستوى العمل المنجز او العكس.

الموظف الذي يعمل في مكتب مهلهل سوف يتعلم بالتدريج اللاابالية والاهمال واصطناع التبريرات، و سوف ينجز عملا يحمل – على الارجح - نفس الصفات. والحقيقة اننا نواجه على الدوام هذا النوع من الاعمال المنقوصة او المعيبة او البطيئة، ونقول في انفسنا:

 لو كان القطاع الخاص هو الذي ينفذها لكانت افضل واجمل واكمل. ولدينا اليوم امثلة واقعية تشير بوضوح الى ان التقتير والتقشف لم يكن هو الخيار الافضل، ولعل مقارنة خدمة الهاتف السعودي قبل التخصيص وبعد التخصيص هي اوضح الامثلة التي اختبرها كل مواطن وكل مسؤول. رغم الارتفاع الهائل في نفقات شركة الهاتف بعد تخصيصها، الا انها تربح اكثر وتقدم خدمة افضل وتوفر للحكومة اموالا اكثر مما كانت عليه فيما مضى، اي يوم كانت تتبع سياسة التقشف السائدة في الدوائر الحكومية.

التقتير سوف يصيب في المرحلة الاولى بيئة العمل. وفي المرحلة الثانية سيصيب الالتزامات اللاحقة، ولا سيما غير الظاهرة للعيان منها. وفي المرحلة الثالثة سيؤدي التقتير الى وقف او تأخير عمليات التطوير والتحديث وتحسين الكيفية. الامثلة على كل من هذه المراحل واضحة للجميع. المستشفى والمدرسة هي اوضح مثال. فالاغلبية الساحقة من مبانينا المدرسية تفتقر الى اي لمسة فنية او جمالية، انها اشبه بمكعبات من الحجر الترابي اللون القيت خطأ على ناصية الشارع، لا تتناسب شكلا او لونا او تصميما مع البيئة المحيطة ولا تشعر العاملين فيها بالراحة.

داخلها مثل خارجها يشعر بالكآبة احيانا وبالصرامة احيانا اخرى. بينما نحتاج الى بيئة مدرسية تماثل البيئة الطبيعية التي يعيش فيها الطالب، مثل البيت والحديقة والملعب، كي يشعر بالالفة والتناغم وعدم الانفصال عن عالمه الحقيقي حين يعبر بوابة المدرسة. نفس الصورة تجدها في دوائر الحكومة الاخرى. الجدران والابواب تقادم لونها، والاثاث مهلهل، والبناء بشكل عام يعطي انطباعا بأن احدا لا يهتم به.

اوضح الامثلة على الالتزامات اللاحقة التي تتأثر سلبيا بالتقتير، نجده في الشوارع. يتسلم المقاولون الشارع كي ينفذوا خطوط الكهرباء اوالهاتف او المجاري، ثم يعيدونه الى البلدية محطما مليئا بالحفر والمرتفعات والمنخفضات. تسأل اهل البلدية عن السبب وراء هذا فيقولون انه لا يوجد قسم لمراقبة الجودة. والسبب دائما هو عدم توفر ميزانية لتوظيف مهندسين متخصصين في هذا الجانب كي يحاسبوا المقاول ويتأكدوا من وفائه بالشروط المثبتة في العقد. نفس هذه الشوارع لا تحصل على اي صيانة دورية. تنفذ البلدية الشارع، ثم تتركه عشر سنين او ربما عشرين من دون صيانة.

يقول اهل البلدية ان لديهم برنامجا (على الورق) عن مواصفات كل طريق ودورات الصيانة اللازمة له، لكن ميزانية الصيانة لا توضع سلفا كي تتحول الى فرض سنوي لازم مثلها مثل الرواتب والمشروعات الجديدة. ولا يوجد اساسا قسم خاص لمراقبة الشوارع ومتابعة حاجاتها. ولعلنا البلد الوحيد الذي لا يجري فيه تجديد خطوط الطريق وعلامات المرور والارصفة بصورة دورية كما في كل بلدان العالم الاخرى.

وحين تاتي الى التحديث والتطوير تجد الامر نفسه. وقصة توفير انظمة الكمبيوتر لكل الدوائر الحكومية هي ابرز الامثلة على هذا. فالكثير من دوائر الدولة اشترى انظمة قديمة لانها ارخص، لكن الانكى من ذلك ان الجميع متفق على عدم تحديث الاجهزة والبرامج، مع ان دورة التقادم في انظمة الكمبيوتر لا تزيد عن اربع سنوات. كثير من الدوائر الحكومية يشكو من قلة او انعدام الميزانيات المخصصة للتحديث ولهذا فهي تعمل على انظمة انتهت صلاحيتها ولم تعد متوافقة مع اي منتج في السوق.

في هذه الايام يتحدث كثير من المسؤولين عن الحاجة الى مبان ذكية. المباني الذكية يمكن ان توفر الكثير من النفقات غير الضرورية. لكنها لا تفعل ذلك لمجرد اطلاق اسم «المبنى الذكي» عليها. انها تحتاج الى انظمة حديثة وفعالة. وهذا يحتاج الى اموال اضافية في البداية ويحتاج الى صيانة وتحديث مستمر، اي اموال اخرى.

زبدة القول ان الارتقاء بمستوى الخدمات الحكومية يحتاج الى تفكير منفتح، يتضمن بصورة خاصة اعادة النظر في مفاهيم كثيرة سائدة، ومن بينها خصوصا الميل الى التقتير والاقتصاد غير المبرر في النفقات.

وقد اشرنا في مقال الاسبوع الماضى الى بعض النواحي القانونية والادارية، وعرضنا هنا وهناك امثلة على كل جانب. ويبقى الجانب الاكثر اهمية في هذا الموضوع، وهو معالجة الفهم السائد للعمل الحكومي عند بعض الموظفين الذي يميل الى اعتباره نوعا من ممارسة السلطة، واستبداله بمفهوم «الخدمة العامة»، ولهذا حديث آخر ربما نعود اليه لاحقا.


« صحيفة عكاظ » - 5 / 9 / 2007م 

29/08/2007

ميكنة الإدارة شيء.. وجودة الخدمة العامة شيء آخر



قرار مجلس الوزراء بتوحيد ادارات تقنية المعلومات في كل وزارة هو خطوة أخرى ضمن برنامج اقره المجلس في بداية العام الماضي (2006) بهدف تحويل المعاملات الحكومية إلى معاملات الكترونية خلال خمس سنوات. وخصص للمشروع مبلغ ثلاثة مليارات ريال. من الناحية الشكلية على الاقل نرى اجهزة الكمبيوتر في جميع الوزارات وفروعها والدوائر التابعة لها.
 لكن وجود هذه الاجهزة لم يقربنا من مفهوم الحكومة الالكترونية التي ينشدها جميع المخططين في عالم اليوم. امامنا على سبيل المثال تجربة وزارة التعليم العالي، فقد توقع الجميع ان تكون السباقة في تطبيق المفهوم لانها الجهة التي تعلم الناس جميعا كيف يمتلكون ناصية التكنولوجيا الرقمية. لكن ولشديد الاسف فان حالة استعلامات الوزارة وموقعها الالكتروني هي ابسط دليل على الفارق بين ما يقال على الورق وما يجري على الارض. يكفي الانسان مراجعة الوزارة شخصيا أو هاتفيا أو زيارة موقعها على الانترنت ليعرف أي تكنولوجيا واي حكومة الكترونية سوف نصل اليها الآن أو في المستقبل القريب
على أي حال فان المجال يضيق عن بسط هذه الهموم التي يعرفها كل الناس. وما يهمنا في هذه السطور هو التأكيد على الاطار المفهومي الذي يندرج فيه مفهوم الحكومة الالكترونية أو تسويد التعاملات الالكترونية بشكل اعم. افترض ان هذا الاطار هو تحقيق «الجودة النوعية» في اداء الدوائر الرسمية. وهو يعني على وجه التحديد انجاز الخدمات العامة على افضل وجه بأقل كلفة في اسرع وقت. اذا اعتبرنا هذه العناصر الثلاثة اهدافا للتطوير، فان تطبيق التعاملات الالكترونية يمثل احدى الوسائل الضرورية للوصول اليها. لكن انجازها بصورة كاملة يتوقف على مقدمات اخرى، قانونية ومالية وادارية
على المستوى القانوني، نحن بحاجة إلى مراجعة انظمة ولوائح العمل السائدة حاليا، ووضعها جميعا امام اسئلة محددة، منها مثلا: كم من الاجراءات المقررة في تلك اللوائح يعتبر ضروريا، وما هي هذه الضرورة على وجه التحديد، وما هي كلفتها من حيث الوقت والمال على الموظف والمواطن، وما هي البدائل الممكنة.
سوف اضرب مثالا على هذا بواقعة محددة. طفل لابوين سعوديين ولد خارج المملكة، بلغ السابعة عشرة فاحتاج إلى استصدار بطاقة شخصية، بحسب اللوائح الجارية فان من واجبه اثبات مشروعية دخوله إلى البلاد، لكن الامر حدث قبل سبعة عشر عاما، والجواز الذي دخل به حين كان رضيعا مفقود. خلال هذه السنوات جميعها كان الولد مقيما في البلاد ويدرس في مدارسها، وقد سبق لاخوته الذين ولدوا في الخارج مثله ان حصلوا على بطاقات شخصية. لكن حسب التعليمات فان عدم توفر الجواز يقتضي بحثا وربما قرارا من اعلى مرجع في الاحوال المدنية. يستغرق الامر شهورا مع ان الموافقة شبه مضمونة كما في كل الحالات المماثلة، تدور المعاملة بين العديد من الدوائر والموظفين، رغم ثبوت جنسية ابويه وسبق اخوته في المعاملة وكونه مقيما مؤكدا في البلاد (من خلال سجلات المدارس على الاقل).
 هذه المعاملة تكلف المواطن والدائرة الرسمية الكثير من الوقت والمراجعات (وكلها ذات قيمة مالية)، مع ان الجميع يقول لك بان جميع المعاملات المماثلة تنتهي بالموافقة بسبب القرائن الاخرى.السبب الوحيد لهذه المعاملة الطويلة هو ان الموظف المباشر وكذلك مديره المباشر لا يملك الصلاحيات الضرورية للموافقة أو الرفض. هذه المعاملة هي نموذج عن عشرات في مختلف دوائر الحكومة. والواضح انه لا يمكن حلها الا باجراءات قانونية تتلخص في مراجعة اللوائح واعادة هيكلة الصلاحيات.
على المستوى الاداري، ينبغي لكل وزارة الطلب من فروعها تحديد وقت اقصى لكل معاملة واخبار المراجعين بهذا باعتباره حقا لهم. ومنح الفرصة للمراجع كي يتظلم اذا تعرض للتأخير أو الاهمال. في نفس السياق ايضا فاننا نحتاج إلى تمييز دقيق بين المعاملات التي تحتاج إلى «موافقة» من الادارة الحكومية، وتلك التي تحتاج فقط إلى «علم» الدائرة بحدوثها. من ذلك مثلا الزام المواطنين بالكثير من التراخيص من البلدية أو وزارة التجارة أو غيرها من الوزارات.
وفي المنطقة الشرقية مثلا، انت تحتاج إلى موافقة وزارة الزراعة وشركة ارامكو اذا اردت استخراج صك ملكية لمزرعة. الواضح ان جوهر هذه الموافقات هو «عدم الاعتراض» أو ما يعرف احيانا بالعلم والخبر وليس الموافقة بمعناها الفني، لانه ليس لاي من هذه الدوائر شأن بما هو ملك ثابت للاشخاص بحسب رأي القاضي الشرعي.
هذه المعاملات تستغرق الكثير من الوقت والمال والجهد، وربما يجتهد موظف فيعترض على جانب من المعاملات لا يخص دائرته، وكثيرا ما تعطلت المعاملات لهذا السبب. والخلاصة اننا بحاجة إلى اعادة تعريف المقصود بالموافقات الرسمية، هل هي مجرد تبليغ لأخذ العلم ام هي حقا طلب موافقة على اثبات الملك، واذا كان الاخير هو الصحيح فيجب ان يسأل القاضي : وما شأن البلدية أو ارامكو في ذلك طالما ان المزرعة مملوكة في الاصل؟
مختصر القول ان تحقيق الجودة النوعية في العمل الحكومي هو اطار اوسع من مجرد الميكنة أو الانتقال إلى المعاملات الالكترونية. هذا التحول هو خطوة، لكن تحقيق الجودة بكمالها يتوقف على مقدمات اخرى، قانونية وادارية ومالية. ولنا عودة للموضوع في وقت اخر.
عكاظ   29 أغسطس /2007  العدد : 2264

27/08/2007

مجتمع الأحرار.. ومفهوم الحرية



شيوع الحريات الفردية والعامة لا يؤدي الى الفوضى ولا يؤدي الى التحلل من الضوابط الاخلاقية كما يجادل التقليديون. الانسان بطبعه ميال الى المسالمة والتعقل والتعاون مع اقرانه. وحتى في حال التنافس فانه مستعد للتوافق على ترتيبات تتيح له وللغير الحصول على حقوق أو مكاسب متساوية. هذه فطرة الله التي فطر الناس عليها، وهذا ما ثبت من تجارب الامم التي آمنت بالحرية وطبقت مقتضياتها. وهي تجارب تكررت على مدى زمني طويل، مما يؤكد سلامة الاساس الذي قامت عليه. مجتمع المواطنين الاحرار اقرب الى المسالمة والمساومة والتعاون من مجتمع العبيد والمقهورين.
لكن الحرية في مجتمع مدني يحكمه القانون ليست مثل الحرية في مجتمع الغابة. فالمجتمع المدني يقوم على مبادئ وقيم وضوابط تجعل الحرية ممكنة وفعالة ومنزهة في الوقت نفسه عن الفوضى والتفلت. تلك المبادئ ليست قوانين قمع، بل تقاليد حياة وتوافقات بين الناس تشكل قاعدة لما يعرف في علم السياسة بالاجماع الوطني. من تلك المبادئ مثلاً
:
أ) توضيح الحدود الفاصلة بين المجالين الشخصي والعام. يتمثل المجال الاول في عدد من الحقوق الثابتة للفرد بغض النظر عن أي قانون أو تعاقد، وابرز هذه الحقوق هي حق الحياة، حرية الرأي، وحق التملك. في هذا الحريم لا سلطة لاي جهة على الفرد سوى سلطة ضميره. كما لا يجوز وضع قوانين مقيدة له، مثل تحديد ما ياكل الانسان وما يشرب وما يقرأ وكيف يفكر.. الخ. القانون الوحيد الذي يجوز اتخاذه في هذا الصدد هو القانون الذي يكفل ويحمي الحريم الشخصي ويمنع خرقه أو التدخل فيه.
 أما المجال العام فيتمثل في مساحة العمل والتفاعل المشتركة بين المواطنين، التي يحصلون فيها على حقوق اضافية (مدنية) تقابلها واجبات ومسؤوليات عليهم تجاه بقية اعضاء المجتمع. وهي الثمن الذي يدفعه الفرد مقابل التمتع بفضائل الحياة الاجتماعية. يلعب القانون وسلطة الدولة دورا هاما في تحديد وتنظيم هذا المجال. ويجب على المواطنين الالتزام بالحدود والضوابط التي يقررها القانون، لانها الوسيلة الوحيدة لكي يحصل كل منهم على حقوق متساوية مع الغير.
ب) لكل فرد حق ثابت في التعبير عن رأيه في مجتمعه وطريقة عمله واستراتيجياته وما يسعى اليه من اهداف، سواء جاء رأيه متوافقا مع الراي السائد أو مختلفا معه. ويكفل القانون لكل فرد حق التعبير عن ارائه تلك من خلال الاطر القانونية السلمية.
ج ) يتألف المجتمع من افراد متكافئين، ولا يوجد فرد في هذا المجتمع اعلى قيمة أو ارفع مكانة من الاخر، على نحو يتيح له سلطة الزام الاخرين برأيه أو قناعاته أو اخلاقياته أو القيم التي يؤمن بها أو طريقة العيش التي ينتهجها. جميع القيم تعتبر شخصية، يلتزم به من اراد، من دون فرض أو الزام، مالم تتحول الى قانون عام.
يقوم المجتمع المتسالم على قيم توافقية، بمعنى ان الالتزام بها قائم على الاقناع والرغبة الفردية وليس الالزام الخارجي من جانب الفرقاء الاقوى في المجتمع. وعلى هذا الاساس تقوم المساواة بين الرجال والنساء في الحقوق والواجبات ورفض الرق وعبودية البشر ورفض استغلال الغير أو حرمانه من ثمرات جهده.
د) مع احترام القناعات والمبادئ والاعراف السائدة في المجتمع، فان أي قيمة أو عرف أو فكرة أو مبدأ لا يكتسب قوة القانون ولا يجوز الزام الافراد به الا اذا جرى اقراره من خلال المؤسسات المكلفة بوضع القوانين والتشريعات، أي تلك التي لها حق قانوني في وضع الزامات أو قيود على حرية المواطن.
على انه لا بد من التذكير بان نطاق تطبيق القانون محصور في المجال العام، فلا يجوز فرض قوانين تنطوي على تدخل في الحريم الخاص للافراد مثل فرض رؤية محددةة، أو طريقة في الحياة أو اللبس أو المأكل، أو طريقة في التفكير والتعبير عن الافكار، أو تحديد لحق الملكية أو العمل أو التصرف العقلائي في الاملاك الخاصة.
بناء على هذا فليس من حق أحد أن يلزم عامة الناس بنظام قيم محدد أو قناعات معينة أو اجتهاد خاص أو منظومة من الاخلاق والقيم ولو كانت في رأيه فاضلة أو صحيحة. فهذه الامور كلها متروكة للافراد وهم يختارون ما شاؤوا ويتحملون المسؤولية عما تقود اليه خياراتهم الشخصية.

على ضوء هذه المبادئ الاربعة وصف المجتمع المدني المحكوم بالقانون بأنه مجتمع تعاقدي توافقي، يرتبط افراده بخيوط متينة من المصالح المشتركة والافهام المشتركة حتى لو تباعدوا في النسب أو المذهب. هذا النظام الاجتماعي هو اذن تعبير عن وحدة اختيارية بين افراد متكافئين وليس جبرا عليهم ولا سجنا لعقولهم وابدانهم. من هذه الزاوية فان النظام الاجتماعي هو ثمرة لمجموع ارادات الافراد الذين وجدوا مصلحتهم في العيش معا، وبالتالي فان الهوية الاجتماعية، هي حصيلة اشتراك الافراد جميعا في تقرير ما هو اصلح لحياتهم.
http://www.okaz.com.sa/okaz/osf/20070827/Con20070827135158.htm
 عكاظ - الإثنين 14/08/1428هـ ) 27/ أغسطس /2007  العدد : 2262

13/08/2007

الحرية التي يحميها القانون والحرية التي يحددها القانون

يقال احيانا ان اعظم الافكار قد يكون اكثرها بساطة اذا قيل في الوقت المناسب. والوقت المناسب هو الظرف الذي يحتاج الناس فيه الى جواب عن سؤال محدد او حل لاشكالية محددة. واظن ان مفهوم الحرية الذي عرضه ايزايا برلين في منتصف الخمسينات من القرن العشرين ، هو واحد من هذا النوع من الافكار التي قدمت اجابة بسيطة عن سؤال اكثر بساطة ، لكنها حظيت باستقبال حافل بين اهل الفكر والسياسة على السواء.

 هتلر يخطب في حشد ضخم في 1933 

لا بد ان جميع القراء قد سمعوا بالعبارة التي يكثر تردادها، وفحواها انه لا توجد حرية مطلقة، وانه لا بد من تقييد الحريات الفردية بالقانون او الاخلاق.. الخ. هذه الفكرة بذاتها كانت موضع انشغال الناس في اوربا في السنوات القليلة التي تلت الحرب العالمية الثانية. قبل الحرب مال معظم مثقفي اوربا الى نموذج الدولة الليبرالية الكلاسيكية، التي لا تتدخل في حياة الناس ولا في السوق الا في اضيق الحدود. لكن هذه الفكرة تراجعت بعد الحرب الى حد كبير بالنظر الى عاملين:

 اولهما الدمار الهائل الذي شهدته مختلف البلدان، مما استوجب جهدا منظما وجمعيا لاعادة الاعمار، وهذا يستدعي بطبيعة الحال تخطيطا وادارة مركزية لتوزيع الموارد.

 اما السبب الثاني فهو تفاقم الاتجاه الى التخطيط المركزي في اوربا الشرقية والصين، وهو اتجاه حقق في تلك الحقبة المبكرة بعض النجاحات الملموسة على المستوى الاقتصادي لفتت أنظار الاوربيين. معظم المثقفين كان واعيا بجوهر المشكلة المطروحة. على احد الجانبين هناك بلد يحتاج الى اعادة بناء وبالتالي حكومة قوية وقادرة على التدخل.

 وعلى الجانب الثاني، كان ثمة قلق من ان القبول بتدخل الدولة في السوق وفي حياة الناس سوف يحولها الى «غول» عصري، يبتلع الحريات المدنية ويقيم نظاما تحكميا شديد الوطأة، شبيها بالغول السياسي الذي كتب عنه توماس هوبز في القرن السابع عشر.

ولم يكن كثير من هؤلاء المثقفين قلقا على حريته فقط، بل كان قلقا من ان منح الدولة سلطات غير محدودة، قد يدفعها الى الطغيان وربما الدخول في حروب جديدة، مثلما فعلت حكومة هتلر، التي استغلت سلطاتها المطلقة فورطت المانيا في حرب ضروس اكلت الاخضر واليابس. ولو لم يكن الامر على هذا النحو لاستطاع المجتمع الالماني معارضة اتجاه الحكومة العدواني واعاقة انزلاقها نحو الحرب. 

كان السؤال الذي شغل الناس يومئذ

هل نغامر بمنح الدولة سلطات مطلقة لاعادة تنظيم حياتنا وازالة آثار الحرب ؟. أي: هل نقدم المصلحة المادية الواضحة على الحريات المدنية، ام نحافظ على هذه الحريات ولو ادى الامر الى تعطيل الاعمار؟. من الواضح ان غالبية الناس سوف تميل الى الخيار الاول، لان ضغط حاجات الحياة اليومية اشد من ان يقاوم. لكن المثقفين وقادة الرأي نظروا الى نهاية المسألة وليس بدايتها. 

قدم ايزايا برلين حلا بسيطا، خلاصته التمييز بين مفهومين للحرية سلبي وايجابي. ينطبق المفهوم السلبي للحرية على المساحة الخاصة بالحياة الشخصية التي يتصرف الفرد فيها وفقا لقناعاته الخاصة ومن دون تدخل احد، سواء كان شخصيا او قانونيا. من ذلك مثلا حرية التفكير والتعبير والاعتقاد، وحرية الانسان في العيش والعمل كما شاء طالما لم يزاحم الغير. 

طبقا لرأي برلين فان هذا النوع هو التجسيد الابسط لمفهوم الانسانية، ويعد حرمان الانسان منه انتقاصا من انسانيته. ولهذا وجب ان يحمى بالقانون لا ان يحدد بالقانون. فلا يجوز اصدار قانون يحد من حريات الناس الشخصية التي اودعهم الله اياها يوم خلقهم. اما الحرية الايجابية فيتجلى تطبيقها في المساحة التي يشترك فيها الفرد مع غيره من ابناء المجتمع. 

بعبارة اخرى فهي منظومة الحقوق والحريات التي يحصل عليها الفرد بالاتفاق مع بقية اعضاء الجماعة، وهي لهذا السبب حرية يقررها القانون وتوضع حدودها بالتوافق والتراضي. قال برلين انه يمكن للمجتمع منح الحكومة حق التدخل في المجال الثاني شرط التزامها بحماية الاول والامتناع عن اختراقه. 

 قد يكون من العسير تحديد فاصل دقيق بين المساحتين، لكن ما يمكن قوله هنا هو ان لكل فرد شريحة من الحريات الاساسية التي ينبغي احترامها على الدوام وفي جميع الظروف، لانها شرط للانسانية. واظن ان هذا يوضح المجال الذي يجوز فيه تحديد الحرية من دون ان يعد التحديد طغيانا، وذلك الذي لا يجوز للمجتمع الاقتراب منه لانه حرم خاص للفرد يفعل فيه ما يشاء، ولا يخضع لغير رقابة ضميره ومن فوقه رب العالمين.

 عكاظ الإثنين 30/07/1428هـ ) 13/ أغسطس /2007  العدد : 2248

https://www.okaz.com.sa/article/124632              
مقالات ذات علاقة 

المواطن "الممتاز" والمواطن "العادي"

سألتني السيدة ميره ، وهي مثقفة من دولة الامارات الشقيقة ، عن علاقة المواطنين ببعضهم وعلاقتهم بوطنهم: هل نكتفي بمضمونها القانوني ، ام نحتا...