‏إظهار الرسائل ذات التسميات تازم الهوية. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات تازم الهوية. إظهار كافة الرسائل

16/01/2019

مجتمع الخاطئين

|| ما نراه كل يوم تقريبا من خشونة في النقاشات العامة، لا يمكن نسبته الى الجهل او قلة التهذيب فحسب. ثمة عوامل أخرى محتملة ، وينبغي اخذها بعين الاعتبار كي نتفادى مواجهة التعصب بتعصب مضاد.||

لم اسمع يوما ان شخصا ادعى انه معصوم لا يخطيء. كل منا يصيب حينا ويخطيء أحيانا. ولا أظن احدا ينكر هذه الحقيقة في نفسه فضلا عن غيره.
رغم ذلك فقد تجد من يخاصمك لو خطأت قوله أو انتقدت رأيه. بل ربما يخاصمك لو خطأت شخصا آخر ، تربطه به علاقة مودة او متابعة في دين او سياسة او غيرها. ولعل اكثر ما حدث لي وللكتاب الآخرين من خصومات ، كان نتيجة لشيء من هذا القبيل.
ربما ننسب هذا التعامل الى الجهل أو قلة التهذيب ، أو غيرها من صفات التنقيص. لكني أرجح انه ليس كذلك في معظم الحالات. ومبرر هذا الترجيح أنك ترى ذات الشخص الذي يرد هنا بكلمات نابية ، يستعمل في مكان آخر الفاظا تنبيء عن لطف وصبر ومعرفة. المعرفة والتهذيب ليسا رداء ترتديه ثم تنزعه. بل طبائع لا يمكن للانسان حملها هي ونقيضها في الوقت نفسه.

دعني اقترح ثلاثة اسباب محتملة:
الاول: قد ينتج الغضب من عدم التمييز بين احكام ذات محمولات مختلفة. ومثاله الخلط بين وصف شيء بانه خطأ ، او القول بانه باطل. ونعلم ان المحمول القيمي للتعبير الثاني أثقل نسبيا من سابقه ، رغم امكانية استعمالهما كمترادفين.  
الثاني: الخلط بين الشخص والفكرة. وجدت اشخاصا يبدأون ردهم على الناقدين ، بذكر انجازاتهم السابقة ، والتأكيد على مقامهم ومعارفهم.. الخ. وربما ينزلقون أكثر فيشيرون الى ان الناقد دونهم علما أو مكانة ، او انه من اتباع هذه الجماعة او تلك الخ.. والواضح ان هذا النوع من الردود ، مبعثه الخلط بين نقد الفكرة والعدوان على صاحبها ، أو أنه يماهي بين التعرض للفكرة والتعريض بصاحبها.
الثالث: القلق على الهوية وحدودها. ومن ذلك مثلا اني نشرت في الشهر الماضي دراسة حول المساواة بين المرأة والرجل ، تتضمن مراجعة للأدلة المتعارفة في هذا الحقل. فجادلني كثير من السادة حول فساد المجتمع الغربي ، واعتبروا ان الكلام عن المساواة ثمرة للانبهار بالغرب ، وأمثال ذلك من الأوصاف. لكني لم أر مناقشة واحدة في الموضوع نفسه ، اي المساواة ، ولا سيما اعتبارها حقا أصليا للانسان ، ولا حول الادلة التي جرت مراجعتها ، ولم يتكرم أحد بمجادلة الأدلة التي ساقتها المقالة لدعم دعاواها.
وسبق ان واجهت نفس هذه النوعية من الردود ، حين كتبت عن مفهوم الاجتهاد وحرية الاعتقاد ، وغيرها. في معظم هذه الردود ، تجد قاسما مشتركا ، فحواه ان الاخذ بما هو مطروح في الفكر الغربي ينطوي على انتقاص مكانة الدين او قيمة أهله ، وان نقد استدلالات متفق عليها بين جمهور العلماء ، تهوين من شأنهم او من القيمة العلمية لتراثهم. وقد تكون تمهيدا للتعريض بالدين نفسه. بل قال أحدهم صراحة ان ما اسماه "تسفيه" اراء العلماء ، يمهد بالضرورة لتسفيه احكام الدين نفسه.
ينبيء هذا النوع من الاعتراض عن قلق على الهوية او قلق على حدود الجماعة. هذا قلق قابل للتفهم ، لكنه لا يفيد كثيرا في الارتقاء بالنقاش العلمي او الاجتماعي ، بل قد يؤدي الى كبت الآراء الجديدة والافكار الخلاقة ، وبالتالي تجميد العقول في ثلاجة الموروث.
زبدة القول ان ما نراه كل يوم تقريبا من خشونة في النقاشات العامة ، لا يمكن نسبته الى الجهل او قلة التهذيب فحسب. ثمة عوامل أخرى محتملة ، وينبغي اخذها بعين الاعتبار كي نتفادى مواجهة التعصب بتعصب مضاد.
الشرق الاوسط الأربعاء - 10 جمادى الأولى 1440 هـ - 16 يناير 2019 مـ رقم العدد [14659]

20/05/2015

الهوية المتأزمة



ازعم ان الميل العميق للتمثل بالتاريخ ، سيما عند مسلمي الشرق الاوسط ، يمثل انعكاسا لهوية متأزمة. تقديس رجالات التاريخ واعتبار مجرياته معيارا يقاس عليه الحاضر ، يؤدي بالضرورة الى انكار الحاضر واعتباره نكسة. رغم ان التحليل الواقعي يؤكد عكس هذا تماما. 
صحيح ان المسلمين لم يعودوا سادة العالم ، لكن انتشار الاسلام اليوم ، وما يملكه اتباعه من علم وثروة وقوة يفوق كثيرا ما كان لديهم في ذروة مجدهم الغابر. اعتبار الماضي نموذجا ، يصدق في شيء واحد فقط ، هو تفوقنا السابق على غيرنا.
تصوير الاسلاميين والقوميين للغرب كعدو مطلق او كسبب لفشلنا الحضاري ، يعبر في احد وجوهه عن تلك الهوية المتأزمة ، التي لا تتشكل في سياق وصف مستقل للذات ، بل في سياق التناقض المقصود او العفوي مع "الاخر" الغربي الذي يوصف ايضا بالكافر. اما السبب المباشر لتأزم الهوية فيكمن في عجزنا عن المنافسة ، وهو ليس عجزا عضويا او تكوينيا. ان سببه كما اظن هو عدم الرغبة في دفع الثمن الضروري للتمكن من المنافسة. هذا الثمن هو ببساطة التماثل الاولي والتعلم ثم اعادة انتاج القوة ، تمهيدا لمنافسة الآخر على قدم المساواة وربما تجاوزه.
معظم النزاعات الدائرة حولنا تحمل هوية تناقضية. هذه نزاعات يحركها او يعمقها تناقض هوياتي ، يجري تبريره بمبررات دينية او قومية. ولذا فهي تسهم في تعزيز المفاصلة بين الدين والعصر ، وتشدد على ربط الدين بالماضي بدل الحاضر ، وبالتالي فهي تعزز اغترابنا عن عالمنا الواقعي.
من ملامح الهوية المتأزمة ايضا انها تحمل في داخلها ازدواجية مدمرة. تؤكد بحوث ميدانية ان معظم عرب المشرق يعتبرون "الغرب" سيما امريكا والولايات المتحدة عدوا حضاريا ، او على الاقل ، مصدر تهديد. لكن ارقام المبتعثين السعوديين مثلا تشير الى ان 67 بالمائة منهم اختاروا الدراسة في هذه الدول ، وعلى الخصوص الدول التي شاركت في حرب الخليج (1991) التي اعتبرها بعض الدعاة ذروة الهجوم الغربي (النصراني) على قلب العالم الاسلامي. ومن الطريف ان كثيرا من اولئك الدعاة رحبوا باختيار ابنائهم لتلك الدول بالذات للدراسات العليا. هذه الازدواجية تعني اننا نكره الاخر (الغرب) ونعتبره عدوا ، بل ونرحب بمن يقاتله.  لكننا بموازاة ذلك نحتفي به ونحب ان نكون مثله.
هذا يوضح اننا لا نشكل هويتنا ، اي معرفتنا بذاتنا وتصورنا لذاتنا بطريقة ايجابية تنطلق من الرغبة في ان اكون كما احب او كما يليق بي ، او - على الاقل – ان اكون كما استطيع. على العكس من ذلك فاننا نشكل هويتنا من خلال مناظرة الاخر ، اي في سياق التعارض معه والتباعد عنه ، ولو على المستوى الشعوري ، مع رغبتنا في تقليده على المستوى المادي.
خط التأزم هذا يحيل نقد الغرب الى مجرد كلام للتسلية وتبرير المواقف ، لكنه على اي حال يبقى فعالا في تعطيل التفاعل الايجابي البناء مع الغرب المعرفي والحضاري ، تفاعلا يقود الى التعلم العميق المؤدي للقدرة على المنافسة فالاستقلال.
من الناحية الواقعية لسنا قادرين على مناوأة الغرب ، ولا يوجد بيننا من يعتقد  - جادا – انه قادر على التحرر من الحاجة اليه في المدى المنظور. ومثل هذا الشعور المتناقض يحول التصارع الى جدل مؤرق داخل النفس ، الامر الذي يتطلب تنفيسا من نوع ما. ولسوء حظنا فقد استبدلنا المنازعة الملكلفة مع الغرب بمنازعة تبدو سهلة مع اطراف اخرى في المجتمع ، نختلف معها سياسيا او فكريا. العجز عن مناوأة الغرب يدفع دعاة الصراع الى مناوأة من يصفونها بالنخبة المتغربة او المتاثرين بالغرب اي – بعبارة اخرى – تحويل الصراع الخارجي المكلف الى صراع داخلي يبدو قليل الكلفة.
زبدة القول ان الهوية المتأزمة تفسر العديد من الصراعات الاجتماعية والسياسية ، التي يستعمل فيها الدين اوالقومية كشعار او كمبرر. انها تعبير عن ارادة للتحرر من "آخر" تجاوزنا ، ونشعر بالعجز عن مجاراته. لكن عجزنا عن دفع الثمن الضروري للمنافسة جعلنا ننشغل قاصدين او غافلين ، بصراعات داخلية بديلة ، تشير الى العدو لكنها لا تصل اليه.
الشرق الاوسط -  1 شعبان 1436 هـ - 20 مايو 2015 مـ
http://bit.ly/1LlwrlI

الطريق السريع الى الثروة

  يبدو ان المعلوماتية تتحول بالتدريج الى اسرع القطاعات نموا في الاقتصاد الوطني لكل بلدان العالم تقريبا. (في 2021 بلغت قيمة سوق المعلوماتية ...