08/10/2013

"الحر يشبع بمخلابه"

لا زلت اذكر اول مقال نشرته حوالي العام 1975، وكان عن "الرق". وقد ولدت فكرته خلال قراءتي لمادة حول الموضوع كتبتها كما اظن د. عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطيء). صيغت هذه المادة ومعظم مثيلاتها بلغة اعتذارية. فقد كان استمرار نظام الرق في بلاد المسلمين حتى منتصف القرن العشرين ، امرا مؤرقا للمفكرين الاصلاحيين ، الذين ارادوا تقديم الاسلام في صورة اجمل وأقرب لهموم العصر. 
عائشة عبد الرحمن .. بنت الشاطئ
د. عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطيء)

مسالة العبودية كانت بين ابرز الاشكالات التي واجهها اولئك المفكرون. فكل من خاض هذا المضمار يعرف ان قيمة الحرية في مفهومها المعاصر  ليست راسخة في تراث المسلمين. هذا يرجع في ظني الى اختلاف هذا المفهوم عن ذلك الذي عرفه اسلافنا.
هذا حديث لايهم المجتمعات التي مارست الحرية واعتادت العيش في ظلها. لكنه ضروري لمثل مجتمعنا الذي لازال حديث عهد بفضيلة الحرية.
وجدت في مطالعاتي للموضوع ثلاثة مفاهيم عن الحرية ، رائجة في التراث الثقافي الذي ورثناه من الاسلاف:
1-    الحرية كنقيض للعبودية ، الفرد الحر هو الذي لا يملكه فرد آخر. وهو الشائع بين الفقهاء.
2-  الحرية في معنى التحرر من سيطرة الغرائز (الانا السفلى) . الانسان الكامل هو الذي تحرر من شهواته واخضعها لاملاءات عقله. وهو الشائع بين الفلاسفة والاخلاقيين
3-  الحرية في معنى القوة الشخصية ، البدنية او الروحية ، التي تقي الفرد من الخضوع لاملاءات الاخرين. وهذا المفهوم رائج في الثقافة الشعبية المحكية. ويطلق على الصقر القوي اسم "الحر" ويتغنى الناس ببيت شعر ذهب مثلا "الحر يشبع بمخلابه" في وصف الانسان القوي الشامخ الانف.
واضح ان ايا من هذه المعاني لا تطابق مفهوم الحرية الذي نعرفه اليوم ونطالب به. ابسط تعريف للحرية في المفهوم الجديد هو "عدم تدخل الاخرين اعتباطيا في حياتك". هذا التعريف يشير الى المستوى الاولي للحرية ، او ما يسمى بالحريات الطبيعية التي لا تكتمل انسانية الانسان ولا تتحقق كرامته الا بها ، مثل حرية الرأي والتعبير والعقيدة والعبادة والتملك والتنقل. هذا المستوى سابق للقانون وحاكم عليه. بمعنى ان اي قانون لا يعتبر عادلا اذا خرق ايا من هذه الحريات.
مجتمعنا حديث عهد بفكرة الحرية. ولهذا فهو قد يتساهل مع الخرق المتكرر والاعتباطي للحريات الاولية ، سيما اذا صدر من جهات تتلبس رداء الدين او المصلحة العامة.  وقد اردت تنبيه هؤلاء واولئك الى ان تدخلاتهم في حياة الناس ، بغي بدون حق وظلم صريح ، مهما كانت مبرراته. الدعوة للدين وصيانة الاخلاق وحماية امن الوطن وردع الفاسدين ، مطالب عادلة وشريفة ، فيجب ان تتوسل بوسائل عادلة وشريفة مثلها. فاذا توسلت بالظلم ، كما يتجلى في خرق حريات الناس ، انقلبت الى عكس مقصودها ، فاستحالت ظلما وعدوانا على الناس.

01/10/2013

حول تطوير الفهم الديني للعالم


لا أظننا قادرين على تطوير رؤية إسلامية تستوعب حاجات الاجتماع السياسي المعاصر، ما لم نعد النظر في فهمنا للعلاقة بين الإنسان والدين. هذا ينصرف إلى أربع مهمات:

الأولى: إعادة تشكيل المنهج المعتمد في الاجتهاد وقراءة النص الديني، على نحو يجعل النص القرآني كله ــ وليس فقط آيات الأحكام ــ مصدرا للفكرة الدينية. آيات الأحكام التي يدور حولها عمل الفقهاء أقل من 500 آية من مجموع النص القرآني.

عالم واحد ..طريق واحد .. مصير واحد

الثانية: إعادة تشكيل العلاقة بين الإنسان والدين، بحيث لا يعود المسلم شريكا سلبيا، منفعلا بأقوال قدامى الفقهاء وقرائهم من المعاصرين. يجب أن يكون المسلم في كل عصر شريكا في صوغ الفكرة الدينية، ونمط التدين المتناسب مع حاجات مجتمعه. لا يصح البحث عن أجوبة لأسئلة اليوم في كتب السابقين. زمن السؤال وظرفه جزء من معناه ومقصوده، وجوابه ينبغي أن ينبعث من هذا الزمن والظرف وحاجاته. يجب أن نتخلص من الشعور بالذنب إذا تركنا آراء الأسلاف، فليسوا مقدسين ولا كان علمهم نهاية العلم.

الثالثة: النظر إلى الدين كطريق ومنهج للحياة، لا قيدا عليها. هذا يتطلب إعادة الاعتبار إلى القيم الإنسانية المستقلة السابقة للدين، مثل العدل والحرية والنظام، باعتبارها معايير حاكمة على جميع الأحكام، الدينية والعرفية، ولا سيما تلك المتعلقة باستعمال الوسائل الجبرية، في التعامل مع الأفراد، وفي العلاقات الداخلية للمجتمع السياسي.

الرابعة: الإيمان بأن عالمية الدين لا تعني فقط الوجه الفاعلي، أي كونه رسالة لجميع الناس، بل أيضا الوجه التفاعلي، أي شراكة جميع البشر في تطوير الظرف الأنسب للحياة في الكون وعمران الأرض. هذا يعني احترام تجارب البشر في أي مكان كانوا، وبأي دين أو مذهب دانوا. كل من هذه التجارب لبنة في عمران الأرض، وكل فرد من سكان الكوكب شريك فيها. بعبارة أخرى فإن التفكير في الدين كرسالة كونية متفاعلة مع الناس جميعا، يعني أن الأفكار والآراء التي توصل إليها البشر خلال تاريخ الإنسانية الطويل، لا ينبغي أن تعامل كشيء ''أجنبي'' عن الدين أو غريب. بل باعتبارها ثمرة لتطور الوعي الإنساني في الكون ونظامه، وهذا تمهيد لا غنى عنه لفهم فكرة ''تسخير'' الطبيعة، التي عرضها القرآن الكريم كواحدة من أعظم نعم الخالق ــ سبحانه ــ وكضرورة لعمران الأرض والارتقاء بحياة البشر. احترام تجارب البشر ونتائجها، يعني القبول بإدراجها ضمن نسيج القيم التي تحظى بمكانة دينية، أو تقدير لا ينفك عن تقدير الضرورات الحياتية وما ينتجه الإنسان على أرضية الدين. لا عيب في الأخذ بأي مبدأ أو منتج فكري أو تقني، طالما كان يجسد أو يخدم القيم العليا التي أقرها الدين أو جاء بها.


الاقتصادية 1 اكتوبر 2013

مقالات ذات علاقة

 الحداثة كحاجة دينية  (النص الكامل للكتاب(




رحلة البحث عن الذات

  قلت في الاسبوع الماضي ان كتاب الاستاذ اياد مدني " حكاية سعودية " ليس سيرة ذاتية بالمعنى الدقيق ، وان بدا هكذا. وسألت نفسي حينئذ...