31/12/2008

حيثما كنت ، غول العنف في انتظارك


غول الارهاب يتربص بالجميع . كل فرد هو هدف لهذا الغول السياسي الذي يتمظهر حينا على شكل عصابات مسلحة ، ويتمظهر حينا اخر على شكل مجموعات تدعو للتطرف الديني وتعمل على تفكيك المجتع الى فسطاطين : فسطاط اهل الحق ، وفسطاط اهل الضلال . سواء كنت سعوديا او كنت عراقيا ، سواء كنت مسلما او مسيحيا ، سواء كنت عسكريا يشارك في حماية امن الناس او عاملا يكدح من اجل قوت عياله ، وسواء اكنت ممن يقاوم العنف او كنت عابر سبيل .
 ايا كنت ، في اي  مكان كنت ، اي مذهب اتبعت ، واي طريقة من الحياة اخترت ، فانت مستهدف بالعنف الاعمى الذي يحصد الارواح ويدمر الممتلكات . الاسبوع الاول من رمضان حصد ارهاب القاعدة تسعين عاملا القت بهم اقدارهم الى شارع ما في بغداد. منتصف رمضان سيارة مفخخة دمرت نصف البيوت في قرية فلاحية صغيرة في شمال العراق . لم يكن هناك عسكر ولا امريكان ولا رجال دولة ، كان هناك فقط فلاحون وفلاحات فقراء يستقبلون نهارهم بالعمل او البحث عن عمل.

في زمان الجاهلية كانت العرب تمتنع عن الحرب في الاشهر الحرم ، وفي كل ازمان المسلمين كان المتحاربون يتقون القتل في المساجد . وفي كل انحاء العالم ثمة اتفاق ضمني على عدم استهداف القادة والشخصيات العامة التي لها قيمة رمزية او وطنية . عرب الجاهلية ويهود ونصارى هذا العصر التزموا – بدافع اخلاقي بحت – باحترام كرامة عدوهم لانه ، مهما كان سبب عداوته ، انسان مثلهم. وقد نهى الشرع الاسلامي قبل قرون من معاهدة جنيف التي تحمي حقوق المتقاتلين عن التمثيل بالقتيل وتدمير مصادر الحياة ووسائلها ، والعف عن الضعيف والعاجز . تلك هي تجربة الانسان وتراث الانسانية الذي ميزها عن الحيوان حتى في العدوان والحرب .

اما وقد وصلنا الى "زمن القاعدة" فان تراث الاديان وتراث الانسانية لا يعني شيئا ، فحربهم قائمة في كل زمان وفي كل مكان وعلى كل انسان . القتل عندهم مثل الصلاة ومثل شرب الشاي . الكلام في القتل مثل السؤال عن الصحة والاحوال. 

المسدس مثل سكين الفاكهة والقنبلة مثل التفاحة والبشر الذين يموتون في الانفجارات مثل اضاحي العيد ، تذبح ثم تروى القصص ويتبارى المتحدثون في استذكر الطرائف التي حدثت اثناءها . لا شيء في القتل يبعث على الرهبة ولا مشهد الدم الحرام يثير الاسئلة ولا صرخات الجرحى والمكلومين تحث على التعوذ والاسترجاع . كل شيء مباح ما دام طريقه متاحا.
لم تعد القاعدة واخواتها وتيارها مجرد تنظيم سياسي يسعى لاغراض محددة معلومة . منشوراتهم لا تذكر اهدافا وانصارهم لا يعرضون غايات محددة كي يناقشهم الاخرون في سلامة الوسائل التي يتوسلون بها . فكأن القتل اصبح غاية بذاته ، وكان ارهاب الناس وتخويفهم اصبح مقصدا بذاته .

ما الذي اوصل جماعة انطلقت من دوافع دينية الى هذا التفريط المريع في قيم الانسانية وحدود الدين ؟. اهو الدين نفسه ، ام تراكم القهر ، ام الشحن الايديولوجي المبالغ فيه ، ام الاحباط المطلق والياس من كل وسيلة انسانية ؟

ربما يحتاج الامر الى دراسات معمقة ونقاشات طويلة حتى نتبين السبب الذي اوصلنا الى هذا الحال . لكن دعونا نتامل في اقوال المتراجعين من انصار القاعدة والسائرين على خطها الذين اصدروا ما وصف بمراجعات ، وقد راينا امثلة عن هؤلاء بين من عادوا من افغانستان وبين الجهاديين المصريين والجزائريين والليبيين . هؤلاء جميعا يتحدثون عن الطريق الذي قادهم الى طريق العنف . ذلك الطريق هو التطرف الديني او الغلو في الدين او ما شئت فسمه . اي بعبارة اخرى الشحن الايديولوجي الذي يساوي بين الصفاء الديني وبين الخروج على المجتمع واستهدافه بالحرب.

تبدا المسالة بنقاط بسيطة حيث يقوم دعاة مؤدلجون بتصوير الصراع بين التيار الديني وتيارات المجتمع الاخرى على انها حرب وجود بين الاسلام والكفر : اذا اردت للاسلام ان يبقى فيجب ان تستأصل جميع معارضي التيار الديني . وهم لا يقصدون بالتيار الديني الملتزمين بالشعائر الدينية ولا يقصدون الدعاة ولا يقصدون النشطين في الحقل العام العاملين لرفعة مجتمع المسلمين ، بل يقصدون على وجه التحديد اعضاء الجماعة الخاصة التي تتبع منهجا معينا منفردا في لغته واستهدافاته وهمومه. يجري اقناع الافراد بان جميع الناس – خارج الجماعة - منحرفون او مبتدعون او جاهلون او  ضالون ، وان الدولة واجهزتها ومؤسساتها والعاملين فيها اعوان للضلال او متسامحون فيه او ساكتون عنه . يؤدي اقتناع الفرد بهذه الرؤية الى جعله يائسا من كل وسيلة للاصلاح تتوسل بالقانون او اعراف المجتمع او العلاقات الانسانية .

 وياتي بعد ذلك التصوير الايديولوجي للدعوة الدينية التي قامت – حسب تلك الرؤية - وانتشرت وغلبت بقوة السلاح لا بقوة الحجة والمنطق. ويقال  للفرد حينئذ : اذا اردت طريق الجاهلية فالقانون والمجتمع يقودك اليها ، واذا اردت طريق الرسول فالبندقية اول الطريق.

اذا كان التطرف هو احد مداخل العنف ، فدعونا نفكر في صور التطرف المنتشرة في مجتمعنا ، دعونا نفكر في انعكاساتها على هذه المسألة بالذات. لقد سكتنا طويلا عن مشكلة العنف وقد حان الوقت الان كي نتكلم او على الاقل كي نفكر بصوت عال . سنوات طويلة ونحن نحاول الفرز بين التطرف الديني والارهاب الاعمى المغطى بدوافع دينية . من الواضح الان ان المتطرفين ومن يحمونهم ويمولونهم ويشجعونهم يمثلون الخط الثاني والثالث في حملة الارهاب المتواصلة .

 وقد حان الوقت لرفع الصوت ضد هؤلاء سواء كانوا يلبسون عباءة الدين او يعملون في اجهزة الدولة او يحتمون بمتراس الاحزاب السياسية . كل المتطرفين شركاء في جريمة الارهاب الاعمى ويجب ان نقول لهم بصراحة اننا نفهم العلاقة التي تربطهم بالارهاب ، سواء كانت مباشرة او غير مباشرة ، وسواء كانت خفية ام ظاهرة.

29/12/2008

ملاحظات هامشية: مناقشة لفكرة الحداثة الدينية


بقلم د. احمد البغدادي  
في مقاله القيّم حول "الحداثة كحاجة دينية "، قام الدكتور عبد الحميد الأنصاري بوضع الداء أو المشكلة، ولم يقدم للقارئ الدواء. والمقال في الواقع يطرح قضية مهمة جداً يحاول المسلمون تجاوزها بالإنكار أو الرفض، في حين يدعو الأخ الدكتور توفيق السيف، الكاتب الإسلامي إلى محاولة دمج الحداثة بالدين، من خلال اقتناعه بإمكانية حدوث مثل هذا التمازج بين نقيضين أو خطين متوازيين. ولكن ما يعيب المحاولة حقاً أنها لا تصمد أمام الواقع الذي يعيشه المسلمون اليوم. ربما سيكون للدعوة صدى لو أنها ظهرت في عصر المأمون العباسي، مؤسس العصر العظيم لترجمة الفكر الفلسفي اليوناني، حيث سادت العقلانية وانزوى الفكر الديني، وما ترتب على هذه الخطوة العلمية العقلانية الجبارة من تسيّد العقل الإسلامي على الساحة الفلسفية. كان من الممكن لهذه المحاولة، الدمج بين الدين والحداثة أن تنجز نسبياً لو أنها جاءت في عصر المفكر ابن رشد، بل كان من الممكن أن تتم ولو جزئياً، في عصر ما بعد استقلال الدولة العربية في منتصف الخمسينات. لكن الفكر الديني النصيّ ممثلاً بالأزهر، وأد محاولات طه حسين وعلي عبدالرازق الهشة التي وقفت عند تخوم الحداثة، ولم يُكتب لهذه المحاولة النجاح بسبب الفكر الديني.

 قبل الحديث عن إمكانية التمازج الفكري بين الدين والحداثة، لابدّ أن نعرف موقع الدين لدى الحداثة، لابدّ من مواجهة الحقيقة القائلة بأن تأسيس الحداثة ما كان له أن يقوم لولا الدعوة الصارمة لقطع العلاقة القائمة في العصر الوسيط بين الدين، ممثلاً بالكنيسة الكاثوليكية والإنسان المسيحي، إضافة إلى الدعوة للتخلص من أسر الحكم المطلق، وهو ليس بذي أهمية بالنسبة لموضوعنا الخاص بالعلاقة بين الدين والحداثة.

جوهر الحداثة المتمركز حول تخليص الإنسان من أسر الهيمنة الدينية الكاثوليكية، أصبح جوهر كل دعوة للحداثة، أو لأي مجتمع يريد الأخذ بهذه الحداثة، بغض النظر عن نوع الدين القائم، الهندوسية أو الإسلام أم البوذية، لا فرق من حيث المبدأ، ولا مجال لاستفراد الفكر الديني الإسلامي بقضية غير قائمة أصلاً في أذهان صانعي الحداثة الغربية. لقد أصبحت الحداثة ظاهرة غربية عالمية لابد من الأخذ بها إذا أراد المجتمع تحقيق التطور والتقدم الفكري والحضاري. والمجتمع المسلم ليس استثناء من القاعدة.

حين نقول إنه لا مجال للمزاوجة بين الدين الإسلامي والحداثة، لا ننطلق من موقع التشاؤم، بل من منطلق معرفة الواقع الديني القائم في العالم العربي- الإسلامي. وهو واقع رافض للحداثة من حيث المبدأ. ألا ترون تسمية "الأصالة" في مواجهة "الحداثة "، وحيث يتم تثبيت الجوهر الديني لهذه الأصالة. فالفكر الديني، وليس فقط العقيدة، يرفض الحداثة، ومن يرى ذلك محق. وإذا ما حاول البعض مثل الدكتور توفيق السيف، من السعودية السعي لتحقيق عملية المزج بين الحداثة والدين، سيصطدم ولاشك، بصلادة العقيدة الدينية والفكر الديني الذي يصنعه الفقهاء.

الحداثة، احتواء وتغييب للسلطة الدينية، في حين أن الدين مجال قائم بذاته ولذاته. كيف يمكن الجمع بين موضوعين نابذين لكل منهما؟ هذا هو المستحيل بعينه. ولذلك أعتبر مثل هذه المحاولات مضيعة للوقت وفيما لا طائل من ورائه، مع الاحترام التام لمن يدعو لهذه المحاولة، لكن لو وقفوا لحظة تفكير مع أنفسهم ومن واقع الهيمنة الدينية القائم اليوم في مجتمعنا العربي، لوجدوا أن الأمر أصعب مما يتصورون. ولابد من الاعتراف بأن هذه الموضوعات شائكة فكرياً واجتماعياً في مجتمع يكاد يحبو في ساحة الفلسفة والفكر.


جريدة الاتحاد 29 ديسمبر 2008

المواطن "الممتاز" والمواطن "العادي"

سألتني السيدة ميره ، وهي مثقفة من دولة الامارات الشقيقة ، عن علاقة المواطنين ببعضهم وعلاقتهم بوطنهم: هل نكتفي بمضمونها القانوني ، ام نحتا...