22/11/2017

الحق اولا

|| سألت نفسي كثيرا: لماذا لم يخبرني ابي عن حقوقي عليه وعلى مجتمعي. ولماذا لم يخبرني معلمي عن حقوقي على المدرسة والدولة. ولماذا لم يخبرني شيخي عن حقوقي على ربي وعلى ديني ||

فكرة هذا المقال جدلية وقد لا تكون صحيحة. لكنها على أي حال تستحق التأمل. وخلاصتها ان معرفة الانسان بحقوقه تمكنه من ادراك حقوق الآخرين ، ولذا فهي تمهيد لازم لتقديرها واحترامها. إذا صحت هذه الدعوى ، فانه ينبغي التأكيد على معرفة أبنائنا لحقوقهم الشخصية والمدنية ، كي نضمن احترام كل منهم لحقوق الآخرين ، ولا سيما الحقوق العامة المشتركة بين جميع الناس.
أحتمل ان بعض القراء سيقول في نفسه: حسنا.. ربما تكون الفكرة صحيحة ، لكن ما الجديد او المهم فيها؟. لطالما سألت نفسي هذا السؤال حين لاحظت ان مفهوم الحق ضعيف وضامر في ثقافتنا العامة.
لتوضيح المسألة أشير أولا للفارق بين مفهومين مختلفين ، أولهما الحق الذي يقابل الباطل ، وهو الاكثر شيوعا في الثقافة الرائجة ، والحق الذي يقابل الواجب. ويعبر عن المعنى الاول بالقول مثلا: انا على حق ، او ان رايي هو الحق. فالقصد هنا انه صحيح ومطابق لمعيار معين. ولا يقتضي بالضرورة ان يكون الراي المقابل باطلا او خطأ ، خاصة عند المؤمنين بتعدد أوجه الحقيقة أو نسبيتها. اما المعنى الثاني فيظهر حين تدعي ان لك حقا على شخص. فانت تقول ضمنيا ان هذا الشخص عليه واجب ، ينبغي ان يؤديه اليك. فالحق هنا يعنى الامتياز او الاختصاص بمنفعة. ومقصودنا كما اتضح الآن هو هذا المعنى وليس الاول.
سألت نفسي كثيرا: لماذا لم يخبرني ابي عن حقوقي عليه وعلى مجتمعي. ولماذا لم يخبرني معلمي عن حقوقي على المدرسة والدولة. ولماذا لم يخبرني شيخي عن حقوقي على ربي وعلى ديني. وفي سنوات سابقة كنت أبحث في هذه المسألة ، فسألت العديد من الناس عما إذا كان أحد قد أخبرهم عن حقوقهم ، فوجدتهم جميعا مثلي.
وحين تأملت في طرق التربية العائلية والمدرسية ، وفي التوجيه الديني والرسمي ، وجدت جميعها يركز على "واجبات" الأفراد ، ولا يتحدث أبدا عن حقوقهم. وحين درست "الاحكام السلطانية" للفقيه الماوردي مثلا ، وجدته يتحدث عن "حقوق الناس" كجمع ، ولا يتحدث عن حقوق الأفراد. ووجدت بحوثا مطولة لفقهاء واصوليين معاصرين حول مفهومي الحق والتكليف ، انتهت الى ان التكاليف لها اولوية مطلقة ان اراد الانسان النجاة في الآخرة. وهذا الاستنتاج يعني ان الحق متأخر عن الواجب او متفرع عنه ، أو ربما غير ضروري أصلا. وجدت أيضا اننا نعتبر الولد مهذبا اذا كان مطيعا حسن الاستماع ، أما الذي يكثر النقاش او يلح في طلب حقه ، فقد نعتبره "شين وقوي عين".
زبدة القول ان معادلة الحق - الواجب مختلة في تربيتنا العائلية والمدرسية ، ولهذا فهي مختلة أيضا في ثقافتنا العامة. وأحتمل ان قلة اكتراثنا بتعليم الابناء حقوقهم ، وتدريبهم على السبل الصحيحة لتنجيزها ، تسبب في اختلال معادلات العلاقة بين اعضاء المجتمع. بعضنا يخجل من المطالبة بحقه كي لا يوصف بانه "شين وقوي عين" ، وبعضنا يقول صراحة "قم بواجباتك قبل الحديث عن حقك". وكلنا نتحدث عن واجباتنا الدينية والوطنية ، لكنا لا نتحدث أبدا عن حقوقنا على الدين والوطن.
الصحيح ان نبدأ دائما بتقرير حق الفرد ثم واجباته. فاذا فهمها ، فهم أيضا ان كل شخص آخر له حق مماثل وعليه واجبات مماثلة. وهذا في ظني هو الطريق السليم كي نفهم بعضنا بصورة أفضل ، ونقيم علاقات اكثر توازنا واعتدالا.
الشرق الاوسط 4  ربيع الأول 1439 هـ - 22 نوفمبر 2017 م

http://aawsat.com/node/1090871

مقالات ذات علاقة 

ان تكون عبدا لغيرك

ان تكون مساويا لغيرك

حدود الحرية .. حدود القانون

الحريات العامة كوسيلة لتفكيك ايديولوجيا الارهاب

الحرية التي يحميها القانون والحرية التي يحددها الق...

الحرية المنضبطة والشرعية: مفهوم الحرية في مجتمع تقليدي...

الحرية بين مفهومين

الحرية والنظام العام

الحرية وحدودها القانونية

الحق أولا

حقوق الانسان : قراءة معاصرة لتراث قديم

 حقوق الانسان في المدرسة

دعاة الحرية وأعداء الحرية

السعادة الجبرية: البس ثوبنا أو انتظر رصاصنا

سيادة القانون ورضا العامة

الشراكة في الوطن كارضية لحقوق المواطن

حرية التعبير ليست حقا لاحد

صيانة الوطن في سيادة القانون

الطريق الليبرالي 

عن الحرية والاغـتراب

عن الليبرالية وتوق الانسان للتحرر: اجابات

في بيان ان حقوق المواطنة اعلى من قانون الدولة

كيف يضمن القانون حرية المواطن ؟

مجتمع الاحرار

مجتمع الأحرار.. ومفهوم الحرية

مجتمع العبيد

معنى ان تكون حرا ، اراء قديمة وجديدة

مفهوم الحق ومصادره

من يتحدث حول الحرية.. وماذا يقول ؟

واتس اب (1/2) أغراض القانون

واتس اب (2/2) عتبة البيت

 

15/11/2017

مكافحة الفساد بدء من المدرسة


|| الثقافة التي توجه اللوم الى صاحب السيارة بدل السارق ، تنطوي على قابلية أكبر للفساد وتبرير الفساد||
أتفق تماما مع الوزير د. احمد العيسى في ان القطاع التعليمي له دور هام في مكافحة الفساد. بعض من قرأ تصريح الوزير بهذا الشأن ، ظنه يشير لعزم وزارة التعليم على فحص شبهات الفساد في معاملاتها المالية. لكني اريد القول ان التعليم بما هو اعداد للأجيال الجديدة ، يمكن ان يسهم في تأسيس مجتمع نظيف يقاوم الفساد.
قلت هذه الفكرة لصديق في نهاية الاسبوع ، فأجابني ان "المال السائب يدعو للسرقة". وهذا مثل متداول في بلادنا ، فحواه ان الفساد يستشري حين يكثر المال وتغيب المحاسبة. والمعنى الباطني للمثل هو ان دواعي الفساد ليست في المجتمع ، بل في الاجراءات الخاصة بحماية المال.
هذا الاعتقاد شائع جدا ، يتداوله أكثر الناس. ربما لأنه يقدم تفسيرا بسيطا ، والناس تميل بطبعها للتفسيرات البسيطة والاحادية ، سيما تلك التي ترمي المسؤولية على جهات بعيدة ، فلا يضطر المجتمع معها الى محاسبة نفسه او التنديد ببعض اعضائه.
أميل للظن بان القابلية للفساد لها جذر عميق في ثقافة المجتمع. واشير خصوصا الى تقدير الثقافة السائدة لقيمة "الحق" وما يقابله من مسؤوليات.
المثل الذي عرضته سابقا "المال السائب يدعو للسرقة" يقول ضمنيا ان العدوان على مال الغير ليس جرما بذاته ، ما لم يكن المال مصونا ومحميا. وهذا يعني – ضمنيا أيضا – ان خرق الحماية هو موضوع التجريم والعتب ، وليس العدوان على حق الغير. لتوضيح الفارق بين الاثنين سنفترض ان شخصا رأى سيارة مفتوحة فسرقها ، وآخر رأى سيارة مغلقة ، فكسر قفلها كي يسرقها. السيارة الاولى مال غير محمي والثانية مال محمي. فهل يصح القول ان الملام في السرقة الاولى هو صاحب السيارة الذي تركها مفتوحة؟.
الثقافة التي توجه اللوم الى صاحب السيارة بدل السارق ، تنطوي على قابلية أكبر للفساد وتبرير الفساد. لأن المقابل الصحيح هو القول بأنه لايجوز لك ان تمد يدك الى مال غيرك ، سواء كان محميا او سائبا ، لانه ليس حقك. ومثلما تتوقع ان يحترم الاخرون حقك ، فان واجبك هو احترام حقوقهم ، سواء كانت محمية ام لا.
ونشاهد في المجتمع شكلا آخر من أشكال القابلية للفساد الذي يرجع للثقافة ، ومحوره التساهل ازاء العدوان على المال العام. ويتراوح هذا بين صور مثيرة كالاستيلاء على املاك عامة ، وصور صغيرة كالغياب المتكرر عن الدوام الرسمي (وهو استيلاء على الاجر المرصود للوظيفة دون القيام بها). وقد تعارف الناس على مساندة الاشخاص الذين تتعرض املاكهم للغصب ، لكنهم اقل اكتراثا اذا تعلق التفريط بمال عام.
قلة اكتراث المجتمع بالعدوان على المال العام سببه رؤية مغرقة في الفردية ، تربط الملكية بالقدرة على التصرف وليس بالثمرة الكلية للمال. بعبارة اخرى فان الفرد لا يهتم بالمال العام ، لانه في عهدة الدولة وليس في يد شخص بعينه.
يمكن للتعليم ان يسهم في انشاء ثقافة بديلة ، ترسخ قيمة الحقوق الفردية والعامة على السواء. يجب ان نربي ابناءنا على انهم يملكون وطنهم ، وان المال العام كالمال الشخصي ملك لهم ، بصفتهم أعضاء في المجتمع الوطني ، وان صونه وتنميته ضمان لمستقبلهم الخاص.
يعرف جميعنا ان اكثر القيم رسوخا في ذهنية الفرد ، هي تلك التي يتلقاها في مراهقته. ونعلم ان المدرسة تشكل في هذه المرحلة ، الجزء الاهم من عالم الفرد ونشاطه الحيوي.
الشرق الاوسط 26 صفر 1439 هـ - 15 نوفمبر 2017

http://aawsat.com/node/1084066

08/11/2017

قصة "كائنا من كان"



معظم الاخبار تثير التشاؤم. لكن اصدقاء كثيرين اخبروني انهم سهروا طيلة ليل الاحد الماضي "لأن الأخبار السارة تحلو طازجة". مساء الرابع من نوفمبر2017 لم يكن اعتياديا في المملكة. القرارت الملكية الخاصة بمكافحة الفساد ، اطاحت بالسد العالي الذي ظننا ان بلوغه مستحيل. دعنا نعود قليلا الى الوراء ، الى العام 2011 حين أعلن المرحوم الملك عبد الله عن تأسيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد "نزاهة". يومها قال الملك ان الهيئة ستراجع شبهات الفساد في كل القطاعات الحكومية ، ولن تستثني من ذلك احدا "كائنا من كان".
يعرف السعوديون "كائنا من كان" ويعرفون ان الامساك به ليس سهلا كالحديث عنه. لكن السعوديين متفائلون بطبعهم ، ولذا ظنوا ان الأمر لم يعد في عداد المستحيلات.

في العام 2013 رافقت عددا من رجالات البلد الى اجتماع برئيس "نزاهة" الاستاذ محمد الشريف ، غرضه البحث في دعم المجتمع لجهود الهيئة. وجدت الشريف متفائلا ومشجعا ، وطرح العديد من الافكار القيمة. لكن رفاقي شعروا في نهاية الاجتماع ان "كائنا من كان" لا زال بعيد المنال. وتساءلنا: هل يمكن تنظيف السلم من أسفله؟.
مرت الأيام ، وبدأنا نرى ما يشير الى ان "كائنا من كان" لم يعد محميا بشكل مطلق. لكن الاشارات تبقى اشارات ، تخبرك عن اتجاه الطريق ولا تذهب اليه. ليلة الرابع من نوفمبر علمنا ان "كائنا من كان" بات خبرا. تذكرت وقتها قصة الاسكندر المقدوني ، الذي طلب من مساعديه تفكيك العقد الكثيرة في حمائل سيفه. فقضوا ساعات يحاولون من دون نتيجة. عندها أخذ الاسكندر خنجرا وضرب العقدة ، فشقها وانهى المهمة التي أعجزت الآخرين.
لم تكن المهمة اذن مستحيلة كما ظننا. لكنها – على أي حال – احتاجت الى مبادرة من فوق. وهذا ما حصل في تلك الليلة التي لن تنسى.
حسنا.. لقد بدانا في المسار الصحيح ، اي تنظيف السلم من فوق. لكن الفساد ليس حالة ساكنة ولا حدثا معزولا. نعرف من الابحاث ومن التجربة الفعلية في بلادنا وغيرها ، ان الفساد لا ينتهي بقرار ، وان الفاسدين لن يموتوا فجأة. ولهذا فالقوانين والاجراءات والمؤسسات التي تستهدف الفساد لا تدعي انها ستنهيه تماما. بل تركز على تضييق سبله وجعله مكلفا جدا لأصحابه ، كما تسعى لاشراك المجتمع في الحرب عليه.
المنظور الحديث لمكافحة الفساد جزء من مفهوم "الحكم الرشيد" الذي يهتم بالاجراءات المعيقة للفساد ، وليس الوعظ والتوجيه. وتندرج هذه الاجراءات تحت العناوين التالية:
1-     الحاكمية المطلقة للقانون ، حيث لا يمكن لموظف رسمي ان يفعل شيئا دون الاستناد لقانون معلن. وحيث يتساوى الناس جميعا في الخضوع لنفس القانون. إضافة الى الحماية القانونية للموظفين والاشخاص الذين يأبون المشاركة فيما يظنونه فسادا او يكشفون عن شبهات الفساد.
2-     الشفافية ، حيث يجب السماح دائما بالاطلاع على البيانات الخاصة بالتعاملات الرسمية لفحص احتمالات الفساد.
3-     اعتبار الفساد جريمة شخصية ومحاسبة كل موظف للتستر او الاهمال المؤدي للفساد.
4-     مشاركة المجتمع ولاسيما الصحافة في مراجعة التعاملات التي تجريها الهيئات الرسمية ، وحمايتها من المساءلة او الايذاء او التمييز السلبي حين تكشف عن شبهات الفساد.
زبدة القول اننا نسير الآن في الطريق الصحيح. لكن مكافحة الفساد ليست مهمة مقطوعة ، بل عمل متواصل ، يتوقف انجازه على ترسيخ القواعد القانونية والمؤسسية التي تجعل الطريق اليه ضيقا ومكلفا ومكشوفا أمام الجميع.
الشرق الاوسط الأربعاء - 19 صفر 1439 هـ - 08 نوفمبر 2017 مـ رقم العدد [14225]

مقالات ذات علاقة


المواطن "الممتاز" والمواطن "العادي"

سألتني السيدة ميره ، وهي مثقفة من دولة الامارات الشقيقة ، عن علاقة المواطنين ببعضهم وعلاقتهم بوطنهم: هل نكتفي بمضمونها القانوني ، ام نحتا...