08/01/2013

"اخبرني من اثق به..."


نحن لا نتفق في افكارنا ورؤيتنا للعالم ، لاننا ننظر الى الشيء الواحد بخلفيات متباينة ، فيفهمه كل منا على نحو مختلف. ولهذا السبب ايضا ، فان النقاش بين المنتمين الى تيارات مختلفة ، لايؤدي غالبا الى الاتفاق على نتيجة واحدة ، او تسليم احدهما برأي الاخر مهما قويت ادلته. هذه خلاصة الرؤية التي قدمها المفكر الامريكي توماس كون في نقده للقائلين بان التجربة العملية برهان على سلامة الفكرة او خطئها.

خصص كون كتابه الشهير "بنية الثورات العلمية" لشرح مفهوم النسق=paradigm ، وكيف تتقاطع في داخله القضايا العلمية البحتة مع المصالح الاجتماعية ، التي تحكمها في معظم الاحوال تصورات انطباعية وغير علمية بالمعنى الدقيق.

 

النسق او الباراديم - كما صاغه كون - نظام اطاري شبه مغلق ، يمنح اتباعه هوية جمعية تميزهم عن غيرهم. يتضمن هذا الاطار نظريات ومناهج تفكير وعمل ، وهيكل علاقات وتراتب، يتعامل معها الاعضاء كمسلمات. مجموع هذه الاعتبارات هي اشبه بايديولوجيا ، تقدم نفسها كصورة حقيقية للعالم. كل شيء داخل النسق يعتبره الاعضاء – او الاتباع - صحيحا ومعياريا، وليس موضوعا للنقاش. وبالعكس من ذلك فكل شيء خارج النسق مرفوض، او على الاقل مشكوك وموضع مساءلة.

يستريح الانسان – غريزيا – الى الاشخاص الذين يالفهم ويشاركونه اراءه وميوله ولغته وطريقة عيشه. ويستريح اكثر الى من يتبعونه ويقدرونه ويخدمونه. ولهذا فهو يتعامل مع المعلومات التي ينقلونها اليه بقدر كبير من الثقة ، ويقبلها من دون نقاش. كما يميل الى قول الاراء التي تستجيب لرغباتهم ، وتلبي تطلعاتهم ، وتعزز علاقتهم به. مقولة "اخبرني من اثق به..." مثال واحد على هذا السلوك.

  تقوم هذه العلاقة بين المنتمين الى نسق واحد. وهي اكثر تركيزا بين الاشخاص الذين يطورون رابطة اعمق فيما بينهم ، مثل الانتماء الى تيار سياسي او فكري واحد ، او جماعة نشاط واحدة. حيث يضاف الى الالفة والقرب الاجتماعي ، وحدة الافكار والاهداف والمواقف والهموم. ويصل التوحد الى اعلى درجاته في مرحلة "التنميط"، حين يتفق اولئك الاشخاص على صفة او بصمة تعبر عن مجموعتهم ، واخرى تعبر عن كل فريق من المجموعات  المنافسة.

صراعات الطوائف والاحزاب والمجموعات الدينية ، النشطة حاليا في بلادنا وحولها ، تكشف عن قوة تاثير النسق في سلوك الافراد ، القادة واتباعهم على حد سواء ، الا ما قل وندر.

 تزداد اهمية النسق في ظروف التازم. وتلعب الثقافة دورا جديدا يتمثل في حراسة الجماعة ، حزبا كانت او تيارا او مذهبا. وفي ظرف كهذا ، يصبح الصراع عاملا مؤثرا في فهم المصادر الثقافية ، وبينها الدين.  ولذا نجد اللغة الدينية مستعملة بكثافة في الصراع بين الفرقاء الذين ينتمون جميعا الى دين واحد ، لكنهم يستعملون مصادره بطرق متباينة ، ولاغراض متعارضة .

 الاقتصادية 8 يناير 2013    http://www.aleqt.com/2013/01/08/article_723228.html

01/01/2013

اول الصراع بين دعاة الحداثة وحماة التقاليد

|| راى الحداثيون ان استقلالية الوجود الانساني وحرية الفرد في خياراته الحياتية اساس لمسؤوليته عن تلك الخيارات||.
المنطق الداخلي للثقافة التقليدية قائم على ذات الارضية التي ارساها الفيلسوف اليوناني ارسطو قبل 23 قرنا. وهو منطق اثر بعمق على تفكير قدامى الاسلاميين. وهيمن على التفكير الاوروبي حتى اواخر القرن السابع عشر. تصور ارسطو فردا تصنعه الجماعة، تشكل عقله وشخصيته ومسار حياته.
راى ارسطو ان بلوغ السعادة هو غاية الحياة الانسانية. والسعادة عنده ليست ظرفا سيكولوجيا يستشعره الفرد من خلال تحقيقه لذاته، بل هي وصف لمرحلة في تطور الانسان، تعرف طبقا لمعايير موضوعية لا يشارك الفرد في اختيارها او تشكيلها. الصفات الفاضلة ، الصحيح والخطأ، قيم ثابتة لا يخترعها الافراد. وتبعا لذلك فنحن لا نقرر ما هي السعادة التي نريدها. بل نلتزم بمفهومها وطريقها الذي حدده غيرنا، والا كان مصيرنا السقوط في الهاوية. الفرد اذن صنيعة المجتمع الذي يعيش فيه. هويته، شخصيته، وفضائله، كلها ثمار للعيش في الجماعة والخضوع لنظامها الثقافي.
هذه الرؤية هي الاساس الذي يبرر رفض التقليديين للتعددية الثقافية وحرية الراي والتعبير. المجتمع الفاضل في رايهم هو ذلك الذي تسوده ثقافة واحدة وخيارات محددة ، هي الخيارات التي يرونها فاضلة. ما سوى ذلك قد يشوش اذهان الافراد وقد يحرفهم عن طريق السعادة. وعليه فمن الخير للفرد ان يكون سعيدا ولو على حساب حريته.
لم تعد رؤية ارسطو مقبولة في عالم اليوم. المنطق الداخلي في الفلسفة الاخلاقية المعاصرة يقرر استقلال الفرد بهويته التي تجسد ذاته ، والتي تبقى حية حتى لو اندمج في مجتمع او تبنى عقيدة. وحسب تعبير كولين موريس فان جوهر الفردانية يكمن في التجربة النفسية التي أشعر معها بانه لا احد غيري هو انا، ولا احد غيري يرى الاشياء كما اراها.
راى الحداثيون ان استقلالية الوجود الانساني وحرية الفرد في خياراته الحياتية اساس لمسؤوليته عن تلك الخيارات. طبقا لهذه الرؤية فان فهم الانسان لعالمه يسير في اتجاهين متفاعلين : يتاثر الفرد بمحيطه، لكنه في نهاية المطاف يتخذ قراره بعقله المستقل عن المحيط. صحيح ان محيطي يؤثر في فهمي للاشياء ، كما يؤثر على قدراتي وافعالي. لكن قبولي بالانسياق مع المحيط او الاستقلال عنه هو ايضا قرار اتخذه باختياري واتحمل تبعاته بمفردي. طالما قبلنا بكون الفرد عاقلا، حرا، ومستقلا ، فان قراره يعكس ذاته الخاصة وليس تاثير الاخرين.
هذه الرؤية وتلك تتبناها تيارات تتصارع في مجتمعنا وفي غيره. ويتجلى الصراع في قضايا مثل الحريات الفردية والعامة، وفي تعريف "الضوابط" المسموحة ومستوى الضبط. في كل الاحوال فان جوهر الجدل يتناول موقع الفرد: هل هو مستقل مسؤول عن خياراته ، ام تابع للجماعة ، ذائب في بحرها.
مقالات ذات علاقة

تلاميذ ارسطو

شرطة من دون شهوات

كلمة السر: كن مثلي والا..!

المدينة الفاضلة

مدينة الفضائل

من محاسن المكيافيلية القبيحة

الموت حلال المشكلات

نافذة على فلسفة كارل بوبر

نفوسنا المنقسمة بين عصرين

الازمان الفاسدة والناس الفاسدون

هكذا انتهى زمن الفضائل

الهندسة وسخرية الاقدار

الاقتصادية 1-1-2013
http://www.aleqt.com/2013/01/01/article_721390.html

المواطن "الممتاز" والمواطن "العادي"

سألتني السيدة ميره ، وهي مثقفة من دولة الامارات الشقيقة ، عن علاقة المواطنين ببعضهم وعلاقتهم بوطنهم: هل نكتفي بمضمونها القانوني ، ام نحتا...