15/04/2014

بين العسكرة وهيبة القانون


فكرة اعتماد رجال الجوازات في المطار اللباس المدني شجعت الزميل محمد البكر على اقتراح تمديد التجربة الى المدن. فهو يرى ان الظهور المكثف للعسكر وسياراتهم في المنتزهات والمرافق العامة يثير القلق بين الناس.
لعل بعض الناس يخالف الزميل البكر ، من زاوية ان حضور العسكريين يؤكد هيبة الدولة. لكني ممن يرى ان كثافة الحضور العسكري لا تصنع امنا. لطالما تأملت في سورة قريش ، سيما الاية المباركة "فليعبدوا رب هذا البيت الذي اطعمهم من جوع وآمنهم من خوف". ويلفت نظري خصوصا تعريف الامن كنقيض للخوف ، وعطف الامن على التحرر من الجوع.
كان ارسطو ، الفيلسوف اليوناني يرى ان الناس يلتزمون بالقانون لانهم يخشون العقوبات المقررة فيه لا لانهم يحبون النظام. وقد تاثر معظم قدامى الاسلاميين بهذا الراي ، فركزوا على فكرة "النظام العام" كمبرر منفرد للحكم. ولهذا تقبلوا فكرة التغلب ولو اقترنت بالعسف. وهي الفكرة السائدة في الثقافة العربية.
لكن النظريات الحديثة تميل بمجموعها للتاكيد على "رضا العامة" كأرضية للسلم الاهلي. وذهب جميع المفكرين تقريبا ، ماركسيين وليبراليين ، الى ان تحقيق مستوى معقول من العدالة الاجتماعية شرط لرسوخ النظام العام.
تحقيق العدالة الاجتماعية عند الماركسيين منوط بحصول كافة المواطنين على الحد الادنى من مقومات العيش الكريم ، من تعليم وصحة وسكن وعمل. بينما أخذ الليبراليون بفكرة مسؤولية الدولة عن ضمان تساوي الفرص بين الناس كأرضية لتحقيق العدالة.
وعند الفريقين فان اقتناع الناس بانهم يحصلون على نصيب عادل او فرص عادلة سوف يجعلهم اصحاب مصلحة في الحفاظ على النظام العام الذي منحهم هذه الفرصة. ولهذا سيميلون بشكل عفوي الى عزل اولئك الذين يحاولون تخريب النظام او الاضرار به.
تخبرنا تجربة العديد من البلدان المبتلاة بالفوضى ان كثرة السلاح وحملته لا تأتي بالامن ، قدر ما تأتي بالخوف. كان اشقاؤنا اليمنيون يفخرون بان كل بيت فيه كلاشنكوف ويعتبرون هذا رمزا لاعتزاز الناس بانفسهم. ونعلم ان مستويات الاستثمار في اليمن بين الادنى اقليميا لان المستثمرين غير مطمئنين. وانها – لهذا السبب – عاجزة عن استثمار ثرواتها الطبيعية الضخمة. بعبارة اخرى فان اتساع المظاهر العسكرية وكثرة السلاح وحامليه لا تأتي بالامن بل تأتي بالخوف.
زبدة القول ان مجتمعنا بحاجة لاستشعار هيبة القانون وليس الخوف من العسكر وسلاحهم. هيبة القانون تتأتى من عاملين: اولهما شعور الناس بانهم يحصلون على حقهم في اطار معاملة منصفة. والثاني هو قناعتهم بان يد القانون العادل سوف تطال كل خارج عليه مهما علا شأنه. هذا يتأتى من جدية المؤسسة الامنية في تعقب الجرائم وعرض مرتكبيها على قضاء يوفر ضمانات العدالة.
العسف المجرد لا يأتي بالامن قدر ما يصنع الخوف ، والفرق بين الاثنين واضح لكل ذي لب.
الاقتصادية 15  ابريل 2014
http://www.aleqt.com/2014/04/15/article_841323.html
مقالات ذات علاقة

08/04/2014

حين تكون في "الجماعة" وحين تصبح خارجها


"تنوع" ليس اول مشروع شارك فيه ياسر الغرباوي. فقبلها كان عضوا فاعلا في الجماعات الطلابية الاسلامية التي تنظم نشاطات محورها التثقيف الديني واقناع الطلبة بالتزام احكام الشريعة ، فضلا عن مصارعة التيارات الاخرى المنافسة - سياسيا او اجتماعيا - للتيار الديني الحركي. خلال هذه السنوات حصد ياسر ورفاقه مكاسب كثيرة ، كما واجهوا اخفاقات عديدة. وفي نهاية المطاف ، حين عاد للتأمل في مسيرته ، وجد انه ورفاقه لم يفعلوا شيئا سوى تكرار ما يفعله الجميع. هذا اشبه بزرع شجرة جديدة وسط الغابة او سكب سطل ماء في النهر. سأل ياسر نفسه: هل هذا هو الامل العظيم الذي راود نفسه التائقة للابداع والمشاركة في تغيير العالم؟.
هذه الاسئلة فتحت ذهنه على الخيارات البديلة ، اي الواقع المتنوع خارج "الجماعة".

حين حرر ذهنه من ذلك الاطار ، اكتشف قضايا في مصر اكثر اهمية ومشكلات اكثر حرجا ، لم تطرح ابدا وسط "الجماعة" ، ولا وردت في ادبياتهم ، ولم يعتبرها احدهم موضوعا يستحق التوقف ، مثل الفقر والفساد والطبقية والبطالة والاحباط الخ.
سأل ياسر نفسه: هل ستنتهي هذه المشكلات لو اصبح الناس اكثر تدينا؟.
لكن السؤال الذي الح على نفسه اكثر هو: اي من مشكلات البلاد يمكن لشاب مثله ان يشارك في حله؟.
في هذه المرحلة تعرف ياسر على المسألة الطائفية. رغم اقرار الدستور المصري بالحقوق المتساوية للمواطنين ، الا انه اكتشف للمرة الاولى ان الاقباط لا يعاملون – من جانب الحكومة – كمواطنين طبيعيين. ثمة تمييز مقنن ومكتوب ، وثمة تمييز متعارف عليه لكنه غير مكتوب ، يمارس ضد المواطن المسيحي فيما يتعلق بمكان عبادته وفي فرصته للمنافسة على الوظائف العامة وفي تعبيره عن رايه ومعتقده. في احدى المناسبات – يقول ياسر – قررت ان ارى كيف يعيش جيراني الاقباط. دخلت كنيسة. اخبرني القسيس انه كان قائدا لاحدى الكتائب التي اقتحمت خط بارليف في حرب اكتوبر 1973 ، بعد نهاية الحرب كوفيء جميع ضباط الفرقة التي تتبعها الكتيبة بوسام الشجاعة ونجمة اكتوبر ، عدا الضباط الاقباط وهو احدهم. حينها فهم ان كونه مصريا شجاعا لا يكفي كي يعامل مثل زملائه المسلمين. يومئذ قرر ترك الجيش والعمل قسيسا.
اسس ياسر وعدد من رفاقه مركز "تنوع" من اجل كشف واقع التمييز وفضح تجار الكراهية ، الذين يستعملون الدين لتفريق الناس وتبرير التمييز ضدهم. شارك في المركز شبان وشابات ، مسيحيون ومسلمون ، عملوا معا للتشهير بالكتاب والخطباء والشيوخ والقساوسة الذين يروجون الكراهية الدينية ، ومسؤولي الدولة الذين يمارسون التمييز الطائفي ، في الجانب القبطي والمسلم على السواء.
منذ تاسيسه قبل بضع سنوات ، انضم لمركز "تنوع" مئات من الشباب ، وتعاون معه الاف غيرهم. هذا النشاط نموذج على ان الجيل الجديد قادر على المساهمة في تغيير عالمه حين يحسن الاختيار.
الاقتصادية 8 ابريل 2014
http://www.aleqt.com/2014/04/08/article_839514.html
مقالات ذات علاقة


رحلة البحث عن الذات

  قلت في الاسبوع الماضي ان كتاب الاستاذ اياد مدني " حكاية سعودية " ليس سيرة ذاتية بالمعنى الدقيق ، وان بدا هكذا. وسألت نفسي حينئذ...