07/09/2009

تفكيك التطرف لتفكيك الإرهاب-1


أتفق تماما مع الأستاذ مشاري الذايدي بأننا لم نفعل ما يكفي لتحييد التطرف الذي يوفر المدد البشري والفكري لشبكات الإرهاب. المحاولة الفاشلة لاغتيال سمو الأمير محمد بن نايف أعادت التذكير بأن المملكة لا زالت هدفا لشبكات العنف الذي ظننا أنه قد تراجع في العامين الماضيين. المؤكد أن معظم السعوديين متفقون على إدانة التوسل بالعنف المسلح لأي غرض سياسي أو ديني أو اجتماعي.
الحوادث الأخيرة كشفت عن حقيقة مؤلمة ربما أغفلناها طوال الأشهر الماضية، وهي أن هناك من يعمل بقصد أو بجهالة على تغذية اتجاهات العنف في المجتمع، من خلال تصوير المنافسين كأعداء للدين أو تصوير الصراع الفكري والسياسي الطبيعي كمعركة حياة أو موت بين الاتجاه الديني التقليدي والاتجاهات المنافسة. ذلك الشخص الذي يقول على شاشات التلفزيون إنه لو التقى بالدكتور تركي الحمد لبصق في وجهه، وذلك الذي يتحدث عن القتل والقتال والردة كما لو كان الأمر يتعلق بعنز في سوق المواشي، وذلك الذي يدعو الشباب إلى التصدي بأيديهم لكل من خالف تقاليده أو متبنياته الدينية، وذلك الذي يبرر قتل الناس في دول أخرى لأن مذهبهم باطل أو لأن دينهم محرف.
كل هؤلاء ينفخون في شراع الإرهاب عن وعي أو عن جهالة. فهم يصورون العنف كتعبير وحيد عن صفاء العقيدة، وهم يهونون من قيمة الدم الحرام حتى تتحول إراقة الدم إلى حلم يلح على ذهن الشاب البسيط الذي يريد إن يكتشف ذاته إو يجسد رجولته إو يفي بدينه تجاه ربه إو تجاه شيخه. 
نحن لا نتحدث عن حالات فردية. لقد تحول التطرف الديني إلى غول يأخذ بخناق البلاد، وتراه أمامك في كل يوم، في المساجد والمدارس والتلفزيون والصحف والإنترنت. هذا الغول أدرك اللعبة السياسية وأجادها، في مثل هذه الأيام تراه ساكتا خامدا، حتى إذا تراخى اهتمام الناس بحوادث العنف السياسي، نهض من بياته محاربا هذا وشاتما ذاك. يعمل هذا الغول السياسي على استغلال كل قضية لتجنيد الناس ونفخ ثقافة العدوان فيهم وتعزيز الكراهية بينهم وبث اليأس والارتياب في نفوسهم. وهو يضع كل عمل من هذه الأعمال في قالب ديني، فكأنه صاحب الشريعة أو ممثلها الوحيد، وكأنه الناطق بالحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
يحرص الشباب جميعا على دينهم وسلامة مجتمعهم. هذه المشاعر النبيلة تمثل مدخلا لتعزيز شعورهم بالمسؤولية وحماستهم لتنمية ذواتهم والمساهمة في إنماء مجتمعهم. لكن دعاة التطرف يستثمرونها في زرع الإحباط والشعور بالمهانة عند الشباب. وهم يوجهون هذه المشاعر السلبية نحو منافسيهم السياسيين أو الاجتماعيين، أي جميع شرائح المجتمع عدا الفئة التي تدور حولهم وتردد أقوالهم. ينظر أولئك المتطرفون إلى كل إنسان باعتباره عدوا فعليا أو عدوا محتملا. أما لأنه يتبع منهجا دينيا منفتحا، أو لأنه يركز على قضايا الإصلاح الاجتماعي والثقافي، أو لأنه يتطلع إلى أسلوب حياة مختلف، أو لأنه يعبر عن آراء غير تلك التي تحمل ختم «الفرقة الناجية»، أو لعشرات الأسباب غير هذه وتلك. في كل الأحوال فإن يوميات دعاة التطرف هؤلاء مكرسة للبحث عن أعداء أو اصطناع أعداء أو وصف أعداء . كتاباتهم وخطاباتهم ومجالسهم مكرسة في معظمها للحديث عن «الآخرين» أي الأعداء الفعليين أو الأعداء المحتملين.
الشاب الذي ساقته أقداره إلى حلقات هؤلاء المتطرفين سوف ينزلق بالتدريج إلى حمأة العداوة، سوف ينشغل ذهنه بالتخلص من الأعداء الواقعيين والمتخيلين بدل انشغاله بتطوير كفاءاته وبناء حياته. نموذج الحياة الفاضلة الذي يرنو إليه سوف يتجسد في الانتصار على أولئك الأعداء المفترضين، بدل الانعتاق من الجهل والخرافة والفقر.
التطرف والتطرف الاجتماعي والثقافي هو الذي يبرر العنف ويجعله اعتياديا، مقبولا، بل ومحبذا. ولهذا فإن تجفيف منابع الإرهاب ، يتطلب إيضا كسر شوكة التطرف وإعادة المتطرفين إلى مكانهم الطبيعي، بعدما تحولوا إلى غول يسعى للهيمنة على حياة البلاد الثقافية والفكرية والاجتماعية.

صحيفة عكاظ   7 سبتمبر 2009م - 
http://www.okaz.com.sa/new/Issues/20090907/Con20090907303172.htm

مقالات ذات علاقة

جرائم امن الدولة : وجهة نظر اخرى

الحريات العامة كوسيلة لتفكيك ايديولوجيا الارهاب

إشارات على انهيار النفوذ الاجتماعي للقاعدة

اعلام القاعدة في تظاهرات عربية

تحولات التيار الديني – 5 السلام مع الذات والسلام مع العالم

عن طقوس الطائفية وحماسة الاتباع

فلان المتشدد

خديعة الثقافة وحفلات الموت

ما الذي نريد: دين يستوعبنا جميعاً أم دين يبرر الفتنة

اتجاهات في تحليل التطرف

ابعد من تماثيل بوذا

ثقافة الكراهية

تجريم الكراهية

تجارة الخوف

في انتظار الفتنة

كي لا نصبح لقمة في فم الغول

تفكيك التطرف لتفكيك الإرهاب-1

تفكيك التطرف لتفكيك الارهاب-2

العامل السعودي

غلو .. ام بحث عن هوية

04/09/2009

دعوة لاستقالة المرأة



يعتزم عدد من النساء السعوديات تنظيم حملة بعنوان "ولي امري ادرى بامري". وخلفية الحملة كما تقول السيدات الفاضلات هو مقاومة التيار التغريبي الذي بدأ يؤثر بقوة في المجتمع السعودي ، تاثيرا يزاحم التقاليد المقيدة لحركة النساء ، ولا سيما تلك التقاليد المحمية بالقانون . ولم يثر هذا الاعلان حماسا كبيرا في الشارع السعودي ، حتى بين اولئك المصنفين عادة ضمن الفريق التقليدي الذي يتبنى عادة مثل هذه الافكار.

وأظن ان معظم الناس سوف ينظر باستهجان الى هذه المبادرة ، لانها تأتي في الاتجاه المعاكس تماما لتطلعات المجتمع ولا سيما نصفه النسائي. في كل دول العالم تتمتع المرأة بحد ادنى من الحقوق مثل الاعتراف بوجودها المستقل وتساويها مع الرجال في حقوق التملك والتعليم والوظيفة واختيار شريك الحياة. لكن بالنسبة للمجتمع السعودي فان هذه الحقوق الاولية ليست منجزة . ثمة شريحة واسعة من التقاليد والاعراف الموروثة تشدد على تبعية المرأة للرجل ورهن حصولها على حقوقها بموافقته .

وقعت المملكة على عدد من الاتفاقيات الدولية الضامنة لحقوق النساء واهمها ربما هو "العهد الدولي لازالة كل اشكال التمييز ضد المرأة" المعروف اختصارا باسم "سيداو". كما ان الحكومة اقرت في اوقات مختلفة اجراءات يفترض ان تسهل للنساء التمتع بتلك الحقوق الاولية . لكن معظم تلك الالتزامات بقيت حبرا على ورق بسبب مقاومة فريق من التقليديين المتشددين الذين يخشون من ان اي تنازل مهما كان صغيرا سوف يتحول الى سيل لا يمكن مقاومته .
وقبل عامين قرر وزير العمل الزام المتاجر التي تبيع ملابس نسائية داخلية بتوظيف سيدات ، وكان متوقعا لهذا القرار ان يسعد التقليديين الذين يشكون من تفشي الاختلاط في الاسواق . لكن على خلاف المتوقع ، قاوم هؤلاء قرار الوزير بشدة حتى اوقفوا تنفيذه . وقيل يومئذ انهم استندوا الى تحالف غير معلن مع التجار الذين يرفضون تحميلهم اعباء جديدة . المبرر الوحيد الذي طرحه اولئك هو ان قرار وزير العمل سوف يشجع النساء على الخروج من بيوتهن للعمل ، وهذا يخالف تفسيرهم للاية المباركة "وقرن في بيوتكن".

يمكن النظر الى حملة "ولي امري ادرى بامري" من زاويتين متعاكستين . من الزاوية الاولى يمكن ان ترى فيها تبريرا اضافيا لحرمان المرأة من حقوقها الاولية ودعما للاتجاه التقليدي الذي يقاوم كل تحرك في الاتجاه الايجابي ، حتى ضمن المستويات البسيطة التي تطالب بها النساء السعوديات مثل حق التملك واختيار التخصص العلمي والوظيفة والسفر. لكن يمكن النظر اليه من زاوية معاكسة تتمثل في كونه مبادرة نسائية ربما تستنهض مبادرات موازية في نفس الاتجاه او في الاتجاه المعاكس.

في الوقت الحاضر لا تشارك المرأة السعودية في اي من النشاطات التي تصنف ضمن مفهوم "المجتمع المدني" ، ولهذا فان اي مبادرة او نشاط نسائي سوف يكون موضع ترحيب لانه سيكون امثولة ونموذجا واقعيا يشجع السيدات اللاتي يرغبن في التعبير عن رايهن والمشاركة في النقاشات والنشاطات الاجتماعية . حتى الان فشلت كل المحاولات لاطلاق حركة نسائية على المستوى الوطني بسبب صعوبة البداية وقلة النماذج التي تشير الى جدوى مثل هذا العمل . من هذه الزاوية فقط فان تلك المبادرة ، مهما كان رأينا فيها ، تستحق الاهتمام والتشجيع ، لانها تقدم نموذجا للاخريات عن امكانية قيام النساء باطلاق حركة تعبر عن تطلعاتهن . طالما قام احد بهذا العمل فان الاخريات يستطعن القيام بمثله .

الفكرة التي تطرحها الحملة هي تاكيد على استقالة المرأة من مسؤولياتها ، تحت مبرر انها عاجزة عن ادارة حياتها بمفردها . انها – حسب راي اولئك السيدات – لا تدري عن امرها ، ربما لا تملك القدرة الذهنية او الروحية التي تتيح لها انتخاب الخيارات المناسبة لحياتها . وبالتالي فمن الافضل الاستمرار في التقاليد الحالية التي تؤكد على ان الرجل ، سواء كان ابا او زوجا او اخا ، هو المخول بالتفكير واتخاذ القرار فيما يخص حياتها .

هذه بطبيعة الحال دعوى قديمة وسخيفة ، واظن ان كل من تامل فيها سيقابلها باستهجان وربما يسخر ممن اطلقها . لكنها على اي حال فكرة مطروحة ويدافع عنها فريق في المجتمع يستند الى اعراف راسخة وتفسيرات لنصوص دينية او اراء لعلماء . ولهذا فانها تستحق النقاش.
الايام  4 سبتمبر 2009

رحلة البحث عن الذات

  قلت في الاسبوع الماضي ان كتاب الاستاذ اياد مدني " حكاية سعودية " ليس سيرة ذاتية بالمعنى الدقيق ، وان بدا هكذا. وسألت نفسي حينئذ...