في السنة الأولى لتأسيس مجلس
الشورى, شبهه احد المسؤولين بلجنة علمية تقدم المشورة إلى مجلس الوزراء. اليوم,
وبعد مرور ما يزيد عن عقد على تلك المناسبة, فان المجلس يتحول تدريجيا إلى قطب في
العملية السياسية على المستوى الوطني.
هذا التطور هو ثمرة لتحولات
اجتماعية وثقافية عميقة جرت في المجتمع, ولا سيما في السنوات الثلاث الأولى من هذا
العقد. يمكن ببساطة التعرف على حجم هذا التحول بقليل من التأمل في التعبيرات
السياسية والاجتماعية كما تتجلى في الصحافة والانترنت, وفي التلفزيون والمنابر,
وفي المجالس والملتقيات الاجتماعية, ومقارنتها بنظائرها في عقد الثمانينات
والتسعينات مثلا. ومنذ زمن طويل نسبيا كتب الفيلسوف الألماني هانس جورج غادامر
قائلا «ان الاستيعاب السليم لأي فكرة أو مفهوم أو تعبير, يتوقف على معرفة الأفق التاريخي
الذي ولدت فيه».
الأفكار والمؤسسات, ادوات
الخطاب واطارات التعبير, هي بصورة أو باخرى انعكاسات لحاجات قائمة أو مصالح مبتغاة
أو هموم يراد اظهارها. مع تلك التحولات المشهودة فقد اصبح من الممكن القول ان
المجتمع السعودي يشهد ما يمكن وصفه بحياة سياسية اهلية. تتمايز الحياة السياسية
الأهلية عن نظيرتها الرسمية بما تحتويه من نشاط وحركية في المجتمع غير مقولبة في
اطارات مؤسسية ثابتة, ولا هي موحدة الأغراض والهموم وادوات التعبير كما هو شأن
نظيرتها الرسمية.
الانتخابات البلدية الأخيرة
كشفت جانبا من عناصر هذه الحياة. والحقيقة ان هذه الانتخابات بالشكل الذي جرت فيه,
كانت مجرد اقرار رسمي بوجود هذا التطور, شأنها في ذلك شأن المؤتمر الوطني للحوار,
ولا سيما في دورتيه الأولى والثانية. رغم ان القوانين التي تنظم عمل المجلس لم
تتغير كثيرا عما كانت عليه يوم تأسيسه, الا ان الظرف العام (او الأفق التاريخي)
الذي بدأت في ظله الدورة الجديدة تختلف كثيرا عما كان عليه يومئذ, وهو اختلاف لا
بد ان يؤثر على مسار العمل في المجلس. ان استيعاب هذا التغيير والبناء عليه هو ما
يجعل المجلس مواكبا للمجتمع والحقائق التي استجدت فيه, كما ان اهمال هذا الفارق سوف
يؤدي حتما إلى تفارق بين زمن المجلس وزمن المجتمع, فيكون هذا في واد وذاك في واد.
ثمة قضايا كثيرة يمكن ان تشكل عناصر ربط بين المجلس والمجتمع, اشير هنا إلى واحدة
منها, وهي الانتقال من صورة «اللجنة العلمية» إلى صورة «تمثيل المجتمع».
نعرف ان التمثيل يرتبط - من
حيث مصدره - بالانتخاب, لكن يمكن التجاوز عن ذلك والانتقال إلى فكرة التمثيل كعمل
فعلي, كما هو الحال في وجهاء القرى والأحياء والقبائل الذين يمثلون - بصورة من
الصور - مجتمعهم الخاص. وفي ظني ان تطوير علاقة تمثيل بين كل عضو وابناء مجتمعه
سوف يسهم في تطوير الحياة السياسية التي اشرنا اليها وجعلها مواكبة للعمل الرسمي,
ويحقق بالتالي نوعا من التفاعل النشط بين المجتمع والدولة, ربما يؤدي إلى ظهور ما
يمكن وصفه باجماع جديد على المستوى السياسي. ثمة خطورة في تطور حياة سياسية اهلية
معزولة تماما عن الاطار الرسمي, تقابلها خطورة مماثلة في انفصال هموم الرسميين عن
مجتمعهم. وفي ظني ان هذه المشكلة الكامنة لا تعالج الا عبر تطوير نوع من التمثيل
المشار اليه.
الخطوة الأولى للوصول إلى
هذا الحل هو قيام تواصل منظم بين الأعضاء وبين المجتمعات التي جاؤوا منها, وهذا
يتطلب التزام كل عضو بدوام فعلي مرة كل اسبوع أو مرة كل اسبوعين في مكتب معروف في
مدينته للالتقاء بالناس وتلقي شكاواهم والتعرف على توجهاتهم ومناقشة الأمور العامة
معهم. بالنسبة للدولة, سيكون هذا افضل تمهيد لضبط ايقاع الانتخابات النيابية التي
ستأتي بعد سنوات قليلة -حسب التصريحات الرسمية السابقة -. ان معايشة اعضاء المجلس
لمواطنيهم وسعيهم للتعبير عن همومهم, سوف تسهم اولا في عقلنة تلك الهموم والمطالب,
وسوف تسهم ثانيا في اظهارهم بصورة الممثلين الطبيعيين لتلك المجتمعات, بدلا من
انتظار مفاجآت مثل التي جاءت بها الانتخابات البلدية.
« صحيفة عكاظ » - 30 / 4 / 2005م