تقول وزارة العمل إنها استطاعت تصحيح 40 في المائة من المخالفات الخاصة بالعمالة الأجنبية. ويحق للوزارة أن تفخر بهذا الإنجاز
الذي تحقق خلال 90 يوما. لكن ما يهمنا فعلا هو قراءة هذه التجربة ودروسها. وأهم
تلك الدروس في ظني هو ''أثر اللين والملاينة في التزام المجتمع بالقانون''.
يعرف الذين أقاموا في الدول الصناعية أن الناس
لا يضطرون إلى مراجعة الدوائر الحكومية والمصارف، وحتى الشركات الخاصة، إلا في
أضيق الحدود، لأن جميع المعاملات تتم بالبريد والهاتف.
أما في بلدنا فيستحيل إنجاز معاملة دون مراجعة
عديد من الدوائر. الأسبوع الماضي أمضيت أربعة أيام لاستخراج شهادة زكاة. قلت
لأحد الإداريين هناك إننا نضيع هذا الوقت الطويل كي ''ندفع'' المال للحكومة، فكم
من الوقت سنصرفه لو احتجنا لقبض مال منها؟
الفارق بيننا وبين الدول المتقدمة يكمن في
الأساس الفلسفي للقانون. تبنت تلك الدول فلسفة متفائلة إزاء الطبيعة الإنسانية،
فحواها أن أكثرية الناس خيرون يريدون العيش في إطار القانون، ولذا يوضع القانون
بهدف مساعدتهم وتسهيل أمورهم.
أما في المجتمعات التقليدية مثل مجتمعنا فتسود
فلسفة متشائمة إزاء الطبيعة الإنسانية، فحواها أن الناس لو تركوا من دون ضابط أو
رقيب، فسيعبثون ويفسدون. ولهذا يميل واضع القانون إلى التشدد في نصوصه، كي يجبر
الجميع على الانضباط ويضيق الخناق على العابثين.
بعبارة أخرى فإن القانون في الحالة الأولى يوضع
لمساعدة الأكثرية الطيبة، ولو أدى إلى تمكين الأقلية العابثة من الإساءة. أما في حالتنا
فيوضع لردع الأقلية العابثة، ولو أدى إلى تعسير الحياة على الأكثرية المطيعة
للقانون.
تجربة التسعين يوما التي أمر بها الملك لتصحيح
أوضاع الوافدين أثبتت أن الأكثرية الساحقة من الناس تريد العيش في ظل القانون،
وإنها ستسعى لذلك حين تجد القانون يسيرا ومساعدا.
ينبغي للحكومة أن تسأل نفسها: لماذا عجزنا عن حل
هذا المشكل طيلة ثلاثة عقود، بينما نجحنا في حل 40 في المائة منه خلال ثلاثة أشهر؟
الفارق الوحيد هو أن الحكومة يسرت الإجراءات،
وخففت من القيود القانونية الثقيلة التي كانت مفروضة في الماضي. ألا يكفي هذا
للتدليل على أن عسر القانون هو أبرز أسباب التهرب منه، وأن يسر القانون هو الطريق
الوحيد لتشجيع الناس على طاعته وتكييف حياتهم ضمن إطاره؟
زبدة القول أن القانون الضيق الشديد يدفع الناس
قسرا للقفز فوقه، بينما القانون اليسير السهل يدفع الناس تطوعا لطاعته والانسجام
معه. نحن في حاجة إلى تغيير الفلسفة التي يوضع النظام على أرضيتها. دعونا نثق
بالإنسان، بطبيعته الخيرة، وأن نضع القانون على هذا الأساس، حتى لو أدى إلى منح
100 مخالف فرصة للعبث. لا ينبغي أن نعسر حياة ملايين الناس من أجل عشرة أو 100 أو
حتى ألف عابث.
مقالات ذات علاقة