‏إظهار الرسائل ذات التسميات ايران. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات ايران. إظهار كافة الرسائل

01/11/2009

حدود الديمقراطية الدينية - عرض كتاب

عرض كتاب
 حدود الديمقراطية الدينية: دراسة في تجربة إيران منذ ١٩٧٩
تأليف : توفيق السيف
عدد الصفحات: ٤٠٧
الطبعة: الأولى/ ٢٠٠٨
تشرين الثاني  2009
 شغلت إشكالية العلاقة بين الظاهرة الدينية والظاهرة السياسية أذهان المفكرين على مدار تطور الفكر  السياسي. ومن أهم تجليات هذه الإشكالية في العصر الحديث علاقة الدين أو الإسلام تحديدا بالديمقراطية، وما يرتبط بها أو يتفرع عنها من إشكاليات فرعية نظرية وتطبيقية، والتي لا يكاد الجدل يخمد بشأنها حتى يثور من جديد.
وفي العقود الأخيرة، ولاسيما بعد أحداث ١١ سبتمبر ٢٠٠١ ، احتدمت المناظرة حول مدى الانسجام والتنافر بين الإسلام والديمقراطية، وافترق المتناظرون إلى عدة تيارات. فهناك من يقطع بالتناقض المتأصل بين الإسلام والديمقراطية؛ كون الأول يمثل عقبة كؤودا أمام القيم والممارسة الديمقراطية. وثمة من يبشر  بديمقراطية الإسلام؛ على أساس أن جوهر الديمقراطية من صميم الشريعة الإسلامية، وأن ادعاء التنافي بينهما خطيئة. أما التيار الثالث، فيركز على البعد الإجرائي للديمقراطية ويعطيها الأولوية على باقي الأبعاد الفكرية، ويحاجج تبعا لذلك أن التقاليد السياسية الديمقراطية ليست غريبة عن التاريخ السياسي الإسلامي. وأخيرا، هناك من يجادل أن في الإسلام ديمقراطية خاصة؛ تخالف غيرها في نشأتها ومرجعيتها وغايتها ونطاقها...إلخ. 
ومن هنا تنبع أهمية الكتاب الذي بين أيدينا، والذي يبحث في إمكانية تطوير نموذج مختلف للعلاقة بين الدين والدولة الحديثة يعزز المشاركة السياسية، أو تصميم "نموذج ديمقراطي محلي" قادر على التفاعل مع الهوية والقيم الدينية للمجتمعات الإسلامية. ومن النظرية إلى التطبيق، يستقرئ مؤلفه الدكتور توفيق السيف- الباحث والكاتب المتخصص في العلوم السياسية والفقه الشيعي- تجربة إيران بعد الثورة، وبصفة خاصة التجربة الاصلاحية (1997-2004)، التي شهدت اشتغالا جزئيا أو كليا للدين في الحياة السياسية والاجتماعية، لاختبار فرضياته.
وليس ثمة أفضل من هذا التوقيت لمراجعة كتاب حول حدود الديمقراطية الدينية في إيران؛ فالانتخابات الرئاسية الإيرانية (يونيو ٢٠٠٩ ) على بعد أسابيع عدة، حيث يتصاعد التنافس والصراع بين المحافظين،    وعلى رأسهم الرئيس أحمدي نجاد، والإصلاحيين، ويمثلهم رئيس الوزراء الأسبق مير حسين موسوي، لكسب أصوات الناخبين، وينخرطون في نفس المناظرات المسطرة على صفحات هذا الكتاب. كما أن تجربة إيران توفر للقارئ فهما أفضل لإمكانات عملية التحول الديمقراطي في الدول الإسلامية وصعوباتها وحدودها، وفرصة فريدة لمراقبة تطبيقات الإسلام السياسي واختبارها.
وقبل الولوج في أغوار التجربة الإيرانية، يقدم د. السيف تحليلا لتطور إشكالية السلطة في الفكر السياسي الشيعي منذ القرن الثامن حتى المرحلة المعاصرة. ثم يناقش دور آية الله الخميني في تجسير الفجوة بين التشيع التاريخي والفكر السياسي المعاصر، وذلك بفضل التعديلات التي أدخلها على المعتقدات الشيعية الخاصة بالإمامة والسلطة، والصيغة التي قدمها للتوفيق بين مصدري الشرعية السياسية الديني والشعبي، والولاية العامة للفقيه في نظام جمهوري.
بعد ذلك، يدلف الكاتب إلى مناقشة التحولات في البنية الاجتماعية في إيران، وانعكاساتها على الخطاب الديني. ومن ثم، ينشغل بقراءة أبعاد التغير في الاقتصاد والعلاقات الاجتماعية في السنوات التي أعقبت قيام الجمهورية الإسلامية، وتأثيرها في الثقافة السياسية والتنظيم الاجتماعي والمفاهيم الناظمة للعلاقة بين الدولة والمجتمع.
وفي فصلين متتابعين، يُقدم د. السيف صورة مقارنة عن أيديولوجية التيار الديني المحافظ ونظيرتها الإصلاحية، ويعرض لأبعاد التباينات الحادة بينهما، ولاسيما فيما يتعلق بمفاهيم الجمهورية، ومصدر الشرعية السياسية، ودور الشعب، وسيادة القانون، وعلاقة الدين بالدولة، ونموذج التنمية الأفضل ، وغيرها. كما يناقش الأطر المرجعية التي يستند إليها كل من التيارين المحافظ والإصلاحي في أطروحاته، وكذلك التفسيرات الجديدة التي يعرضها الإصلاحيون للعلمانية. يتلو ذلك عرض للأحزاب الرئيسة الفاعلة في إيران؛ بغرض استقراء واقع القوى السياسية التي تدعم كلا من الخطاب المحافظ ونظيره الإصلاحي، ومدى فاعليتها في استمرار زخمه. ويختتم الكاتب مناقشته بتحليل ظاهرة المحافظين الجدد في السياسة الإيرانية، وتفسيرها تفسيرا بنيويا.
في محاولته تطوير نموذج ديمقراطي محلي أو إسلامي، أثبت د. السيف صحة الفرضية المتعلقة بقابلية القيم وقواعد العمل الدينية، ولاسيما المتعلقة منها بالشأن العام، للتكيف مع متطلبات الحياة المتغيرة. فضلا على ذلك، اتضح من دراسة خبرة المجتمع الشيعي أن انفتاح الفكر الديني على التطورات السياسية، أو انغلاقه دونها، ارتبط دائما بدرجة انخراط المجتمع في السياسة. لكن الأهم، يجادل السيف، هو أن انخراط الدين في العملية السياسية يمثل عاملا حاسما في تطور الفكر السياسي الديني؛ بمعنى أن هذا الانخراط من شأنه أن يجعل الفكر الديني أكثر تقبلا لضرورات الدولة الحديثة ومتطلباتها، الأمر الذي سيقود، بالضرورة، إلى تخليه  عن المفاهيم التي ظهرت أو تطورت في ظل الدولة ما قبل الحديثة، وبقيت جزءا من التراث الديني حتى اليوم. أما اتجاه هذا التطور (دعم الديمقراطية أو تسويغ الاستبداد)، فإنه يتحدد في ضوء عوامل أخرى، ولاسيما توازنات القوة في البيئة الاجتماعية، الثقافة السياسية السائدة، إضافة إلى الاتجاه العام في النظام الدولي بالنسبة لعملية التحول الديمقراطي.
في هذا الخصوص، أكدت الخبرة الإيرانية، كما يبرهن الكاتب، أن الدين يمكن أن يلعب دورا محوريا في تشكيل إجماع وطني على النظام السياسي، وتجسير الهوة التي تفصل المجتمع عن الدولة، وبالتالي تشجيع مشاركة المواطنين في الحياة العامة. ومن ثم، فإن العلمانية، برأي د. السيف، ليست جوابا مفيدا لمشكلة العلاقة بين الدين والديمقراطية، ولن تكون عاملا مساعدا على التحول الديمقراطي في إيران، بل قد تعوق ظهور ثقافة سياسية محلية جديدة قادرة على تسويغ المشاركة الشعبية.
يُقسم الكاتب مسار المصالحة بين الإسلام والديمقراطية في الخبرة الإيرانية إلى مرحلتين: المرحلة الأولى التي أعقبت انتصار الثورة، واستهدفت في المقام الأول إدماج الدين في مؤسسة الدولة، وإلغاء التباين بين الاثنين. وقد أثمر ذلك فتح الطريق أمام تعديل مواز في الأحكام وقواعد العمل الخاصة بكل من الدين والدولة؛ لجهة إزالة التعارضات وتسهيل استجابة كل من الطرفين لضرورات الآخر. واستهدفت المرحلة الثانية، أو مرحلة ما بعد الخميني، مصالحة الدين مع الديمقراطية، من خلال تعديلات واسعة في المفاهيم الدينية المتعلقة بدور الشعب وحاكمية القانون من جهة، وتعديل مفهوم الدولة المركزية من جهة ثانية.
يرى د. السيف أن صعود التيار الإصلاحي كان ثمرة فشل النموذج الثوري-التقليدي في التعامل مع التغيرات الجذرية التي شهدتها إيران والعالم، في تسعينيات القرن المنصرم؛ لدرجة أن هناك من وصف انتصار محمد خاتمي في انتخابات ١٩٩٧ الرئاسية بأنه ثورة ثانية. ومن خلال الفحص الموضوعي لتجربة الإصلاحيين في الحكم وأيديولوجيتهم، يلخص الكاتب خصائص الخطاب الإصلاحي بأنه خطاب يجمع بين الأساس الديني والمفاهيم الديمقراطية-الليبرالية واقتصاد السوق الحر، ويتبنى عددا من المعالجات النظرية التي تمثل اختراقات في جدل الدين-الحداثة، وتتعلق بمسائل جوهرية مثل الطبيعة الدينية للدولة، ومصدر السلطة والسيادة، ودور الشعب وغيرها. وقد عالج المفكرون الإصلاحيون هذه المسائل من منطلقات دينية أصيلة، لكن تفسيراتهم الجديدة مكنتهم من التوصل إلى صياغات قريبة جدا من تلك المعروفة في الأدبيات السياسية الحديثة.
يستنتج الكاتب أنه في حين فشل التيار الإصلاحي في إحداث تغيير كبير في بنية السلطة أو المحافظة على دوره السياسي، فقد نجح في تغيير البيئة السياسية في إيران، وإرساء حزمة مهمة من الإصلاحات في البنية السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وبصفة خاصة في علاقة الدولة بالمجتمع. ولا شك في أنها، ضمن هذه الحدود على الأقل، يزعم الكاتب، جعلت إيران أقرب إلى الديمقراطية مما كانت عليه قبل عشر سنوات.
بعبارة أخرى، تمثل تجربة الإصلاحيين الفكرية والسياسية نموذجا يثير الاهتمام في تجسير الفجوة بين الدين والديمقراطية، ويقدم مفكرو هذا التيار حلولا جديدة للكثير من المسائل التي ما زالت تثير الجدل في الشرق الأوسط حول إمكان التوصل إلى نموذج ديمقراطي محلي.
يستحق د. السيف الإشادة على تحليله لظاهرة المحافظين الجدد، وهم جيل جديد من المحافظين (تحالف التنمية "آباد كران")، يتمثل في الرئيس احمدي نجاد ومعاونيه؛ فهو موضوع لم ينل حقه من اهتمام الباحثين في المناظرة الدولية الراهنة حول الوضع الإيراني. وينطوي هذا التطور، في رأي الكاتب، على تحول هيكلي في النخبة السياسية الإيرانية، المحافظة بخاصة، يتجسد في انتقال السلطة الروحية، وتبعا السياسية، من كبار الروحانيين والجيل التقليدي بشكل عام، إلى جيل جديد ينتمي إلى الطبقة الوسطى الحديثة، ويتكون أساسا من الشباب والتكنوقراط. أما دلالات صعود المحافظين الجدد، فيشير الكاتب إلى تزايد الاتجاه نحو التشدد في إيران، وتمكن مرشد الجمهورية من استكمال سيطرته على خيوط السلطة (حيث يقف شخصيا وراء هذا التحول)، وتصاعد دور العسكريين في العملية السياسية.
ينحو خطاب النخبة المحافظة الجديدة، كما يشرح الكاتب، منحى تقليديا في الأمور المتعلقة بالدين والممارسة السياسية، ويتخذ في الوقت نفسه مسلكا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا يميل إلى تدخل الدولة في شؤون المجتمع، ويحبذ، بصفة خاصة، النموذج الصيني في التنمية من دون أن يكون جاهزا تماما للتعامل مع متطلباته وتحدياته، ويميل إلى تشديد الانقسام في الساحة الداخلية. وينظم التصور الخارجي للمحافظين الجدد مبدأ "أمة قوية تفرض احترامها"، لكنه في التطبيق العملي أفضى إلى وضع يقترب من العزلة الدولية.
ويخلص الكاتب إلى أن سياسات الرئيس نجاد أثمرت عددا من النتائج السلبية اقتصاديا وسياسيا، داخليا وخارجيا.
وبعد، فإن الكتاب يقدم مساهمة معتبرة إلى المناظرة الراهنة حول العلاقة بين الإسلام والديمقراطية في النظرية
 والتطبيق. في هذا المجال، يستخلص الكاتب أن تطور الفكر السياسي الشيعي في الخبرة الإيرانية بعد الثورة يشير إلى أن قيام نظام ديمقراطي على أرضية دينية هو احتمال واقعي وقابل للتحقيق. ويمكن لمثل هذا النموذج أن يوفر بديلا عمليا للمحاولات المتعثرة للتحول الديمقراطي في العديد من المجتمعات الإسلامية، ولاسيما تلك التي يرتبط تعثرها بالعجز عن ترسيخ الديمقراطية في الثقافة المحلية، واستنهاض المواطنين للمشاركة في التغيير.
كما يوفر هذا التحليل نافذة جديدة تطل بنا على الفكر السياسي الشيعي، والمسائل الكبرى التي انشغل بها مفكروه، مثل الإمامة أو الخلافة، والشورى، والسلطة، سواء من حيث مصدرها وطبيعتها ووظائفها، أو من حيث شرعيتها وحدودها، ومن ثم العلاقة بين الحاكم والمحكوم.
علاوة على ذلك، يتميز الكتاب بمصادره الغنية العديدة والمتنوعة بين مصادر أولية وأخرى ثانوية وبحوث ميدانية. وقد وظف الدكتور توفيق السيف إطارا نظريا ملائما، استقاه من عدة نظريات سوسيولوجية (ماكس فيبر، ألموند  ، كون ، وجون رولز) لتفسير العلاقة بين الدولة والمجتمع، وفهم مدى التغيير الممكن في الفكر الديني كنتيجة لانخراط الدين في السياسة. كما استفاد من نظريات الثقافة السياسية لتفسير الحراك الديمقراطي في إيران. وعلى الرغم من بعض الهنات هنا وهناك، وبصفة خاصة ما يبدو أنه بعض التحيز ضد المحافظين، فإننا بصدد تحليل متميز ومبتكر لعلاقة الدين بالسياسة، ولمفهوم الديمقراطية الدينية أو الثيوقراطية وحدوده، وللخبرة الإيرانية بعد الثورة، وهو يشكل إضافة للمكتبة العربية.

29/06/2009

الانتخابات الايرانية وعالم السياسة المتغير



الاحتجاجات التي اعقبت اعلان نتائج الانتخابات الايرانية التي عرفت باسم جنبش سبز=الحركة الخضراء) تكشف عن حقيقة السياسة كعالم متغير : كل خطوة فيها تولد نقيضها واسباب نهايتها المنتظرة .
في هذه الانتخابات سجل المحافظون هدفهم الاهم فاحتفظوا بالرئاسة . لكنهم دفعوا ثمنا غاليا جدا ، ربما ستظهر انعكاساته في الانتخابات النيابية بعد عامين . 
يتألف التيار المحافظ بشكل رئيسي من فريقين ينتميان الى تصنيف طبقي – سياسي مختلف ، اي مصادر نفوذ مختلفة واحيانا متعارضة . جاء الرئيس نجاد من جناح غالبه من متوسطي العمر ينتسب الى الطبقة الوسطى ، وتبلورت تجربته السياسية من خلال العمل الاداري في مؤسسات الدولة . اما الجناح الاخر الذي يوصف بانه تقليدي فقد تبلورت تجربته السياسية من خلال العمل الاهلي في مؤسسات دينية او في السوق ويستمد قوته من نفوذه في الشارع ومن دعم الهيئات الدينية. تاريخيا كان الفريقان على طرفي نقيض ، فالاداريون يميلون الى توسيع نفوذ الدولة وضبط المؤسسات الاهلية ، وهذه تمثل بذاتها مصدرالقلق الرئيس عند الفريق التقليدي الذي يميل بشدة الى الاستقلال عن الدولة وانظمتها الضيقة .
رغم التفارق السياسي والاجتماعي ، يحمل الجناحان المحافظان ايديولوجيا سياسية متماثلة الى حد كبير. عنصر الاجماع هذا هو الذي وحد انشغالاتهم بعدما اكتسح الاصلاحيون الشارع بين 1997 الى 2005.  يحمل الاصلاحيون ايديولوجيا سياسية مختلفة تماما ويسعون الى اهداف يعتبرها المحافظون عائقا امام نموذج الدولة التي يحلمون بالوصول اليها . في العام 2003 وحد المحافظون صفوفهم ونجحوا في ثلاث جولات انتخابية كبرى ، بدأت بالانتخابات النيابية ثم المحلية وتوجت بفوز مرشحهم بالرئاسة ، احمدي نجاد ، في 2005. لكن السياسة ابت ان تغادر طبيعتها كعالم متغير ، فكل نجاح حمل معه تناقضات اضافية اعادت تفكيك التيار الذي نجح بعد لاي في توحيد صفوفه .

 ويبدو لي ان الفوز الاخير هو ايضا نهاية التشكيل الكلاسيكي للتيار المحافظ. خلال الحملة الانتخابية شن الرئيس المرشح احمدي نجاد وانصاره حملة شرسة على عدد من زعماء المحافظين ابرزهم ناطق نوري الذي ادار عملية توحيد الاجنحة المحافظة في 2003 وكان قبل ذلك مرشح التيار للرئاسة في 1997 ، كما شملت الحملة هاشمي رفسنجاني الذي يقف في منتصف الطريق بين المحافظين والاصلاحيين لكنه يعتبر حليفا اساسيا للمحافظين التقليديين.

كان المتوقع بعد فوز احمدي نجاد بالرئاسة ان يبادر الجميع الى الاحتفال ، لكننا لاحظنا ان ابرز زعماء المؤسسة الدينية في مدينة قم قد تجاهلوا الامر بشكل مثير للانتباه ، فلم يبادر اي منهم بتهنئة الرئيس الجديد ولا اعلنوا تاييدهم لاجراءات الحكومة في مواجهة غضب الاصلاحيين. كما ان رئيس المجلس النيابي ونوابه قاطعوا الاحتفال الذي اقامه الرئيس احمدي نجاد لمناسبة فوزه. 

ثمة انباء عن جهود يبذلها الرئيس السابق رفسنجاني ورئيس المجلس النيابي علي لاريجاني للتوصل الى تسوية . ويسعى رفسنجاني الى ضمان دعم المراجع الدينية في قم فضلا عن اقطاب الجناح التقليدي. واذا نجح هذا المسعى  فهو سيكون بالضرورة على حساب المحافظين الشباب والرئيس المنتخب . فالمفهوم ان هذه المحاولة لا تستهدف دعم الرئيس بل استعادة المحافظين التقليديين للمبادرة ، وبالنظر لما يشهده الشارع من احتجاجات وغليان فان حصة الاصلاحيين في الحل المنتظر ستكون بالتاكيد معيارا لقبول او رفض هذا الحل. فالقلق الذي ولدته الاحتجاجات لا يتعلق بدور الجناح التقليدي بل بمطالب الاصلاحيين . في الحقيقة فان كل مسعى للحل بحاجة الى استثمار الغضب الذي عبر عنه انصار الاصلاحيين كي يبلغ غايته.

الحل الذي يسعى اليه رفسنجاني هو تشكيل حكومة ائتلافية برئاسة نجاد تضم اصلاحيين ومحافظين تقليديين . لكن هذا مستبعد في ظني اذا لم تتغير التوازنات الحالية ، اي اذا لم يجد مرشح الجمهورية سلطته ومكانته مهددة بشكل جدي . مرشد  الجمهورية لا يفضل مثل ذلك الحل لانه سئم من السياسيين المحترفين (بمن فيهم رفسنجاني ولاريجاني)، وهو يميل الى حكومة تكنوقراط يلعب فيها الوزير دور مدير اعلى لا دور رجل سياسة . لكن في كل الاحوال فان الموقف المعترض للتقليديين ، والموقف المعارض للاصلاحيين سوف يلقي ظلالا قاتمة على مكانة وعمل الرئيس في السنوات الاربع القادمة. ومن المؤكد انه سيكون اقل قوة واندفاعا مما كان عليه خلال الفترة الرئاسية الاولى.

عكاظ 29 يونيو 2009

22/06/2009

الانتخابات الايرانية : صراع بين منطقين

الجدلالذي رافق الاعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية في ايران يكشف عن منطقين يتنازعان الراي العام : منطق يرى ان المجتمع هو وعاء السلطة ومصدر الشرعية السياسية. وبالتالي فان الرئيس الصالح هو ذلك الذي يحمله الجمهور الى سدة الحكم . بينما يرى المنطق الثاني ان الحكم وظيفة خاصة باصلح الناس وافضلهم. وان اهل الحل والعقد ، اي اقطاب النظام الاجتماعي ، هم الاقدر على تحديد الشخص المؤهل لاعتلاء سدة الحكم.

يقوم المنطق الاول على ارضية فلسفية تطورت صورها الحديثة ضمن الاطار المعرفي الاوربي ، ويلخصها مبدأ العقد الاجتماعي . وفقا لهذا المبدأ فان السياسة لا تعرف مفهومي الحق والباطل (بالمعنى المتداول في الثقافة العربية) ، بل تدور قيمة الفعل السياسي بين الصواب والخطأ . الصواب والخطأ ضمن هذا الاطار ليست مفاهيم مجردة او موضوعية ، بل هي تعريفات عقلائية لوقائع قائمة على الارض ، وهي تتغير بين ظرف واخر . فالصحيح هو ما اثبته العرف العام في البلد ، والخطا هو ما اعرض عنه العرف.

الرجوع الى العرف العام يستند الى تراث ضخم من التجارب الانسانية منذ ظهور التفكير السياسي حتى اليوم . وقد ناقشه الاصوليون المسلمون ضمن بحوثهم حول دور العرف في التشريع ، والادلة العقلية ، ولا سيما في جواز الرجوع الى بناء العقلاء ، والحسن والقبح العقليين ، وهي من المباحث المشهورة في اصول الفقه.

اما في اوربا فقد تطور المبدأ بعدما تخلى المفكرون عن التفسيرات الفلسفية القديمة للعلاقة بين المجتمع والسلطة ، وبينها خصوصا الكاثوليكية التي تتحدث عن سياسة تستند الى معايير سماوية معرفة ومحددة مسبقا ، وتلك التي ترجع الى الفلسفة اليونانية القديمة ولا سيما فلسفة سقراط وتلاميذه التي فكرت في السياسة من خلال مفهوم غاية الخلق وغرضه ، ونظرت الى السلطة باعتبارها مكانا لاعلم الناس الذين يتولون تربية المجتمع وهدايته الى طريق الكمال.

يرجع المنطق الثاني ، اي سلطة الافضل والامثل ، الى مفهوم "اهل الحل والعقد" الذي تطور في اطار التجربة التاريخية الاسلامية ولا سيما بعد القرن التاسع الميلادي ، وهو يقترب الى حد كبير من التفكير اليوناني المشار اليه ، بل يمكن الجزم انه قد تأثر به بشكل عميق. وهو على اي حال يوافق هوى قويا عند النخبة العلمية ولا سيما في مدارس العلم الشرعي . سوف تجد الربط الشديد بين العلم والسلطة منتشرا عند معظم الفقهاء والمفكرين المسلمين ، ولا سيما في القرنين العاشر والحادي عشر الميلادي ، كما تراه عند من نقل عن اولئك او تاثر باعمالهم من المعاصرين .

وتبدو مبررات هذا الاتجاه مقبولة لدى كثيرين ، فهم يقولون ان السلطة حرفة تحتاج مثل اي حرفة اخرى الى علم ، وهذا العلم موجود في مدارس العلم الشرعي وفي شروح النص الديني وتفسيراته. ولهذا فان اهل هذا العلم هم الاقدر على ممارسة السلطة . كما ان السلطة مظنة للفساد او الاستغلال فيلزم ان تعطى الى العادل الكامل . والعدالة ليست من الصفات الفطرية في الانسان بل هي تنمو مع تربيته وتدريبه على الفضائل وطرق اكتشاف الحقيقة وكسب المعرفة ، وهذا يوجد في الدين وينمو في نفس الانسان حين يكرس حياته لدراسة علومه.

يميل الدستور الايراني الى المنطق الاول اي اعتبار المجتمع وعاء للسلطة ومصدرا للشرعية . بينما تميل النخبة الدينية الايرانية الى المنطق الثاني ، اي اعتبار السلطة السياسية مكانا للامثل والافضل. من الناحية النظرية فان الانتخابات الرئاسية تدور وفقا للاول ، لكن السلطة الحقيقية اديرت – على الاقل خلال العقدين الماضيين – وفقا للثاني.

في الانتخابات الاخيرة حاول الجمهور ، ولا سيما جيل الشباب ، قلب المعادلة والعودة الى روح الدستور . لكن فشلهم يظهر ان مصادر القوة لا تزال في ايدي النخبة ، وانها قادرة على التحكم في اتجاهات التغيير من خلال تحكمها في اتجاه الانتخابات ونتائجها. الجدل حول سلامة الانتخابات سيؤدي بالتاكيد الى استقطاب اجتماعي متزايد بين مؤيدي المنطقين ، واظن انه سيترك تاثيرا كبيرا على التفكير السياسي في الاطار الاسلامي ، لا سيما في الاساس الفلسفي للسلطة والشرعية السياسية.

عكاظ 22 يونيو 2009
https://www.okaz.com.sa/article/271200

16/06/2009

هل تتلاءم الثقافة الإسلامية مع الديموقراطية؟


بقلم توفيق المديني
جريدة المستقبل  - الثلاثاء 16 حزيران 2009 - العدد 3335 - ثقافة و فنون - صفحة 18

الكل في العالم العربي، وفي العالم الغربي، تساءل في نهاية عقد السبعينيات من القرن الماضي، عن التطورات السياسية والإسقاطات السياسية، على ضوء انتصار الثورةالإسلامية في إيران، ومدى تفاعل مجموعة من التغيرات الإيرانية مع المعطيات الإقليمية والدولية في منطقة الشرق الأوسط.
الرئيس السابق محمد خاتمي 
وهناك تساؤل ألقى بثقله على الساحة العربية، منذ انتصار الثورة الإسلامية في إيران، ويتمثل ماهو الأفضل للعالم العربي، أن ينخرط في تجربة الديمقراطية الغربية، حتى وإن عبدت هذه الديمقراطية الطريق لوصول الحركات الإسلامية الأصولية إلى السلطة، أم أن الأمرعلى عكس من ذلك يتطلب الإبقاء على الأنظمة التسلطية عن طريق إجهاض الفوز الانتخابي للإسلاميين بحجة حماية المسار الديمقراطي، والمثل الديمقراطية؟ وفي سؤال جامع، هل حالة الديمقراطية حالة شر تام أم حالة خير للعالم العربي؟

لاتزال ظاهرة الإسلام السياسي على تنوع حركاته وتياراته في العالمين العربي والإسلامي تشغل اهتمام الباحثين والمفكرين العرب. فقد عقدت في السنوات الأخيرة ندوات فكرية عدة، شارك فيها باحثون ومفكرون لهم تجربة غنية بالفكر وخبرة سياسية عملية ومساع ديموقراطية معروفة، ومتحفظون ومعترضون على الديموقراطية، لتقديم مقاربات حول إشكاليات الديموقراطية، بهدف نقل الحوار حول الديموقراطية في البلاد العربية خطوة إلى الأمام على طريق تأسيس أرضية فكرية سياسية مشتركة لتأصيل الديموقراطية في الحياة السياسية العربية دون تعد على ضوابط نظام الحكم الديموقراطي ومبادئه العامة المشتركة، ودون تضحية بثوابت الأمة ومصالحها الحيوية.

وغالباً ما يتساءل بعض الباحثين والمنظرين العرب والأجانب عن العلاقة بين الإسلام والديموقراطية، وهل تتلاءم أو تتعارض الثقافة الإسلامية مع بعض التجربة "الديموقراطية الغربية" أو"الليبرالية"؟.

يقدم لنا الدكتور توفيق السيف في كتابه الجديد "حدود الديمقراطية الدينية" تحليلا سوسيولوجيا معمقا عن النقاش المستجد في منطقة الشرق الأوسط حول العلاقة بين الدين والديمقراطية، متخذا من دراسته لتجربة السلطة في إيران ما بعد الثورة الإسلامية موضوعا لاختبار فرضياته حول إيجاد بناء نموذج ديمقراطي قادر على التفاعل مع الهوية الدينية للمجتمعات المحلية.

ويتألف الكتاب من سبعة فصول وخاتمة، حيث يناقش الفصل الأول: المسار التاريخي الذي تطوّرت خلاله نظرية السلطة الشيعية منذ القرن الثامن الميلادي حتى قيام الثورة الإسلامية في عام 1979. ويناقش الفصل الثاني التعديلات المهمة التي أدخلها آية الله الخميني على نظرية السلطة الشيعية التقليدية، والتي بلغت المقوّمات الأساسية والوظيفية لنموذج السلطة التقليدية. ويناقش الفصل الثالث نموذج السلطة الثوري الذي قام على أرضية النظرية الدينية التقليدية، ويستعرض مكوّناته ومبرّرات قيامه. ويقدّم الفصل الرابع تحليلاً للإيديولوجيا السياسية للتيار المحافظ، بما فيها رؤيته للدولة الاسلامية وموقفه من القضايا موضع الجدل في إيران، مثل مسألة المواطنة وما يتعلق بها من الحقوق السياسية، والشرعية وسيادة القانون، والجمهورية ودور الشعب، فضلاً عن الأساس النظري لتلك الايديولوجيا.

ينطلق توفيق السيف في تحليله لصعود التيار الإصلاحي في السياسة الإيرانية، من نظرية الانقلاب البراديمي (المنظومي) التي طورها الفيلسوف الأميركي توماس كون لتفسير ذلك التطور، ومعانيه بالنسبة إلى التجربة الإيرانية. فهو يقول: "أظهرت المناقشة أن العيوب التي أدت إلى إطاحة الباراديم الثوري تكمن في الأسس التي قام عليها، ولا سيما الافتقار إلى أيديولوجيا سياسية متينة وعدم الانسجام عند النخبة التي اشتركت في إقامة النظام السياسي. واسهم هذان العاملان في تسهيل قيام حكومة شمولية شديدة التخلف. وأظهرت تجربة العقد الأول من عمر النظام فشل البراديم الثوري في احتواء مشكلات البلاد، لا سيما في ظروف الحرب والضغوط الاقتصادية الخارجية" (ص 145).

وقد توسعت جبهة الإصلاحيين مع انتخاب حجة الإسلام الإصلاحي محمد خاتمي رئيساً للجمهورية في أيار/ مايو 1997، الداعي إلى إرساء دولة القانون، والحريات العامة، وحقوق الفرد، والتعددية، والسماح بنشاط جميع الأحزاب شرط موالاتها للدستور حتى لو اعترضت على بعض تدابيره مثل آلية عمل نظام ولاية الفقيه "ويبقى شخص الفقيه خارج دائرة النقد".
ومن خلال الفحص الموضوعي لتجربة الإصلاحيين في الحكم وأيديولوجيتهم، يلخص الكاتب خصائص الخطاب الإصلاحي بأنه خطاب يجمع بين الأساس الديني والمفاهيم الديمقراطية ـ الليبرالية واقتصاد السوق الحر، ويتبنى عدداً من المعالجات النظرية التي تمثل اختراقات في جدل الدين ـ الحداثة، وتتعلق بمسائل جوهرية مثل الطبيعة الدينية للدولة، ومصدر السلطة والسيادة، ودور الشعب وغيرها. وقد عالج المفكرون الإصلاحيون هذه المسائل من منطلقات دينية أصيلة، لكن تفسيراتهم الجديدة مكنتهم من التوصل إلى صياغات قريبة جداً من تلك المعروفة في الأدبيات السياسية الحديثة.

يستنتج الكاتب أنه في حين فشل التيار الإصلاحي في إحداث تغيير كبير في بنية السلطة أو المحافظة على دوره السياسي، فقد نجح في تغيير البيئة السياسية في إيران، وإرساء حزمة مهمة من الإصلاحات في البنية السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وبصفة خاصة في علاقة الدولة بالمجتمع.

وتتمثل المحاور الرئيسة للخطاب الإصلاحي في نقد الأيديولوجيا الرسمية، ولاسيما أرضيتها النظرية (الفقه التقليدي)، والدفاع عن الحداثة، والديمقراطية، والتعددية، وتحديد السلطة. ويقترب المفهوم الإصلاحي للديمقراطية إلى حد كبير من المفهوم الليبرالي. لكنه يخالفه في الموقف من العلمانية، إذ يرفض الإصلاحيون العلمانية كأيديولوجيا لكنهم يعتبرون التحول العلماني (أو المعرفي) نتيجة حتمية لاندماج الدين في الدولة والتحولات الاجتماعية.
ويقدم الخطاب الإصلاحي مثالا قويا على إمكانية المصالحة بين الإسلام والحداثة، لا سيما في الجانب السياسي. فهو يوفر أرضية لتفاعل نشيط بين المعرفة الدينية من جهة والفكر الفلسفي الاجتماعي الحديث من جهة أخرى.

ويعتقد الكاتب أن تجربة الإصلاحيين في السلطة، جعلت إيران أقرب إلى الديمقراطية، إذ تمثل تجربتهم الفكرية والسياسية نموذجاً يثير الاهتمام في تجسير الفجوة بين الدين والديمقراطية، ويقدم المفكرون الإصلاحيون حلولاً جديدة للكثير من المسائل التي ما زالت تثير الجدل في الشرق الأوسط حول إمكان التوصل إلى نموذج ديمقراطي محلي قادر على التفاعل مع الهوية والقيم الدينية للمجتمعات الإسلامية..

ولما جاءت حكومة الرئيس أحمدي نجاد، الممثل القوي للتيار المحافظ المتشدد، فقد كانت مبنيّةٌ على تحالفٍ بين عدّة مجموعات سياسية وعسكرية: أوّلاً فريقٌ دينيّ مُتشدّد يلعب فيه آية الله مصباح يزدي دوراً هامّاً، ويدعو إلى تطبيقٍ كاملٍ لمبدأ "ولاية الفقيه"، بالتحالف مع مرشد الثورة؛ وفصيلٌ من "حرّاس الثورة" يتطلّع إلى جعل إيران قوّةً مُهيمنةً في المنطقة - وقد تمّت مكافأة قادة هذا الفصيل بمناصب اقتصادية وسياسية هامّة. أمّا القسم الآخر من "الباسدران" فقد التحق باللّواء محمد باقر قاليباف، ممثّل الشريحة المُحدّثة، وهو رئيس بلديّة طهران، ومرشّحٌ للإنتخابات الرئاسية.
الشيء المؤكد في إيران، أن التيار المحافظ المتشدد ما زال يتمسك بالمفاصل الأساسية للنظام ويعمل من مواقعه المحصنة على كبح أي إصلاح أو تغيير أو إطلاق حرية التعبير ولو من داخل النظام، نفسه، والقيم نفسها التي انفصلت من أجل الثورة الإسلامية. فالطلاب الذين كانوا رأس الحربة في إسقاط شاه إيران، يوم كان رمزاً للظلم والاستبداد، وناصروا الجمهورية الإسلامية، أصبحوا اليوم يطالبون بالتخلي عن نظرية ولاية الفقيه، التي باتت تفتقر إلى المساندة سواء وسط الطلاب أو أساتذتهم. وهذا بحد ذاته يعتبر تطوراً سياسياً مهماً وخطيراً، بل إنه أهم وأخطر تطور منذ استلام رجال الدين السلطة العام 1979.

ويعتقد بعض المحللين الغربيين أن تبلور التيار الإصلاحي في إيران هي "بداية النهاية" لنظام حكم آيات الله الذي نشأ عام 1979، وتذهب دومينيك برومبرجر، الخبيرة الفرنسية البارزة في الشؤون الدولية إلى الجزم بأن "الثورة الخمينية انتهت في طهران.." بعد أن كسر التيار الإصلاحي "المساكنة على الطريقة الإيرانية" المتميزة بانعدام التوازن البنيوي في المواجهة بين "الفقيه" المطلق مع الشرعية الشعبية.

مرة أخرى، يجد التيار الإصلاحي نفسه في صراع مع الزمن وأن المبادرة التي دخلها في سبيل تحديث النظام السياسي، وخوض معركة الحداثة في إيران، هي في غاية التعقيد، بعد أن ضيع الفرصة الأخيرة عندما كان خاتمي في السلطة، حيث أن هزيمته أدت إلى انحساره، ولو مؤقتا.
ولاشك أن انحسار وفقدان التيار الإصلاحي زمام المبادرة، يخدمان موضوعياً البيروقراطية المحافظة والمتشددة، التي انقضت على المكاسب التي حققها التيار الإصلاحي خلال السنوات القليلة الماضية. ذلك إن نجاح التيار المحافظ المتشدد كان له تأثير كبير في كل العالم الإسلامي.

الكتاب: حدود الديموقراطية الدينية
 الكاتب: توفيق السيف
دار الساقي، بيروت 2009، 407 صفحات من القطع الكبير

جريدة المستقبل  - الثلاثاء 16 حزيران 2009 - العدد 3335 - ثقافة و فنون - صفحة 18
http://almustaqbal.com/storiesprintpreview.aspx?storyid=352688

مقالات مماثلة




28/10/2008

حدود الديمقراطية الدينية : عرض كتاب


حدود الديمقراطية الدينية : عرض بقلم عمر كوش 
تأليف: توفيق السيف
الناشر: دار الساقي، بيروت، 2008

أضحت العلاقة بين الدين والديمقراطية موضوع دراسات ونقاشات عدَّة في البلدان العربية، نظراً لأن الديمقراطية باتت تشكل استحقاقاً لا يحتمل التأجيل، وتفرض نفسها على مختلف البلدان الإسلامية والعربية، إضافة إلى تأثير تيارات وحركات الإسلام السياسي في مجرى الأحداث الراهنة في العالم. وفي هذا السياق ينطلق مؤلف الكتاب من النقاش المستجد في منطقة الشرق الأوسط حول العلاقة بين الدين والديمقراطية، وإمكانية إيجاد نموذج ديمقراطي قادر على التفاعل مع الهوية الدينية للمجتمعات المحلية. ويحدد هدف كتابه في اختبار إمكان تطوير خطاب سياسي من هذا النوع، من خلال اتخاذ مدخل سوسيولوجي يركِّز على مدى التغيير الممكن في الفكر الديني كنتيجة لانخراط الدين في السياسة. ويتخذ من تجربة إيران بعد الثورة الإسلامية كموضوع اختبار لفرضياته، مع التركيز على التجربة السياسية للتيار الإصلاحي بين عامي 1997 و2004، بغية تحديد المبررات الموضوعية لفشل النموذج الديني التقليدي في الحكم، وظهور التيار الإصلاحي الداعي إلى الديمقراطية في السياسة، ونظام السوق الحرة في الاقتصاد.

ويقدم الكتاب كذلك صورة مقارنة عن الأيديولوجيا السياسية للتيار الديني المحافظ، ونظيرتها الإصلاحية التي تجمع بين الأساس الديني والمفاهيم الديمقراطية- الليبرالية. كما يقدم تحليلاً مفصلاً للأسباب التي أدت إلى فشل النموذج الديني التقليدي ومهَّدت لظهور منافسه الإصلاحي، ومحاولة معرفة المواضع التي يمكن للإسلاميين أن ينجحوا في ممارسة السلطة فيها، والمواضع التي يفشلون فيها أيضاً، وذلك من خلال دراسة حالة محددة، تتجسد في كيفية تطبيق مفهوم العدالة الاجتماعية على المستوى الاقتصادي، والعلاقة بين الدولة والمجتمع.

ويعرض الكتاب موجزاً للعوامل التاريخية التي أثرت في تكوين الفكر السياسي الشيعي، ثم يناقش دور الخميني في تجسير الفجوة بين التشيع التاريخي والفكر السياسي المعاصر. كما يقدم صورة عن التحولات في بنية النظام والمجتمع الإيراني وانعكاسها على الثقافة والفكر الديني في السنوات اللاحقة للثورة الإسلامية. ثم يناقش التباينات الأيديولوجية الحادة بين التيارين المتنافسين على السلطة، الإصلاحي والمحافظ، وخلفيتها الاجتماعية والثقافية، وانعكاسها على مفهوم الدولة وممارسة السلطة عند كل منهما. ويعرض كذلك بعض المفاهيم الأساسية التي يدور حولها الجدل بين الفريقين، مثل مفاهيم الجمهورية، ومصادر الشرعية السياسية، ودور الشعب، سيادة القانون، وعلاقة الدين بالدولة. إلى جانب مناقشة التفسيرات التي يعرضها الإصلاحيون للعلمانية، والأرضية المرجعية التي يستند إليها كل من التيارين في أطروحاته، مع تقديم صورة عن الأحزاب الرئيسة الفاعلة في السياسة الإيرانية، بغية الإحاطة بالوضع الإيراني وتقديم قراءة دقيقة للقوة الشعبية التي تدعم الخطابين الإصلاحي والمحافظ، ومدى فاعليتها في المحافظة على زخمه.

ويهتم المدخل السوسيولوجي بالتمظهرات الاجتماعية للأفكار، ويسعى إلى اكتشاف العوامل البنيوية وراء تغيرها وتطورها، انطلاقاً من فرضية مسبقة، تعتبر أن فهم الإطار الاجتماعي الذي ظهرت فيه الفكرة وتطورت ضروري لفهم الفكرة نفسها وتقدير أهميتها ومدى تأثيرها، ذلك أن الأفكار، مثل جميع عناصر الحياة الاجتماعية الأخرى، هي كائنات متفاعلة مع محيطها، تتطور وتتغير بتأثير من مختلف العوامل التي تسهم في تشكيل منظومة الحياة، كما أنها تؤثر في تلك العوامل. ثم يجري الانتقال إلى تطور الفكر السياسي الشيعي، لاسيَّما نظرية السلطة الدينية في إيران خلال ربع القرن الماضي، أي منذ قيام الثورة الإسلامية في العام 1979 حتى العام 2005، والظروف الاجتماعية والسياسية التي جرى في ظلها ذلك التطور، بهدف اختبار العوامل الكامنة وراءه، وما إذا كان ممكناً في ضوئها تطوير خطاب سياسي ديمقراطي على أرضية دينية.

ويرى المؤلف أنه خلافاً للفرضية السائدة التي تقول إن الدين بذاته معوق للديمقراطية، تدلّ الملاحظة الميدانية لتجربة إيران خلال القرن العشرين على أن الدين يمكن أن يلعب هذا الدور أو يلعب نقيضه، حيث يتحدد دور الدين كمساعد للديمقراطية أو معوق لها، بتأثير عوامل خارج إطار الدين نفسه.
وهنالك معادلة خاطئة تجعل من الديمقراطية نداً منافساً للدين وهذا غير صحيح، إنه يشبه أن نسأل: هل نختار الدين أم مكارم الأخلاق؟ لقد بذل كثير من الكتاب المسلمين جهودا كبيرة ليقنعوا الناس أن الديمقراطية ليست من الدين بل هي كفر.. وهذا في الحقيقة ظلم للديمقراطية وتجنٍّ عليها، إن الديمقراطية هي الحل الأمثل للمجتمعات متعددة الأديان والمذاهب والاتجاهات، وهي حال معظم الدول في عصرنا هذا، وهي تشابه حال الدولة التي نشأت في المدينة المنورة بعد هجرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- إليها، فقد أصبح في المدينة أكثرية مسلمة وأقلية يهودية، وكان الحل هو إبرام عقد اجتماعي واقعي عادل ولكي تتم المصالحة بين الدين والديمقراطية، يجب أن يجرى تعديل في الرؤية الدينية وتعديل مواز في مبادئ الديمقراطية. وهذا التعديل المتوازي ضروري للتوصل إلى نموذج حكم يلبي في وقت واحد المعايير الأساسية للديمقراطية والقيم الدينية التي يؤمن بها المجتمع. وليست هذه العملية سهلة أو سريعة بطبيعة الحال، إذ ثمة تعقيدات نظرية وتعقيدات اجتماعية لابد من التعامل معها بأعلى قدر من الحساسية والالتزام كي نصل بالعملية إلى نهايتها السعيدة.

 وبالنسبة إلى التجربة الإيرانية، ورغم ما تنطوي عليه الجدالات الراهنة من وعود وما حققته فعلياً من تقدم على أكثر من صعيد، فإنه من الواضح أنه ما زال على الإيرانيين التوصل إلى حل للعديد من القضايا الإشكالية العسيرة قبل بلوغ الغاية المنشودة، أي صوغ معادلة تحقق التناغم والانسجام الكلي بين الديمقراطية والدين. وتبقى مسائل مثل مصدر السيادة، ووظيفة الدولة فيما يتعلق بالدين، والحقوق الدستورية، وما إلى ذلك، هي جميعاً مسائل جديدة في الفكر الديني.

ويعتبر المؤلف هيمنة الروحانيين على الحياة السياسية والاجتماعية معوقاً رئيساً للتحول الديمقراطي في الجمهورية الإسلامية، لأن الروحانيين يعتبرون أنفسهم أصحاب النظام وأولى الناس باحتلال المناصب الرئيسة في الدولة. وهم لا يكتفون بممارسة الأعمال التي تدخل ضمن نطاق اختصاصهم كطلاب شريعة، بل يتدخلون في كل أمر بصورة مباشرة أو غير مباشرة. وفي بعض الأوقات، يشير بعضهم إلى ضرورة بقاء رئاسة الجمهورية في يد الروحانيين لنصف قرن على الأقل.

وتنطوي هذه المسألة على نوع من التمييز ضد عامة المواطنين، كما تؤسس لمبدأ خاطئ يتمثل في تقديم المكانة على الكفاية. لكن أخطر ما فيها هو إلقاء نوع من العصمة على الحاكمين باعتبارهم متحدثين باسم الله وممثلين رمزيين للإمام المعصوم. وأصبح من الصعب، من الناحية الواقعية، إخضاع الروحانيين للمراقبة والمحاسبة أو تحدي سلطتهم بالوسائل الديمقراطية. أما الديمقراطية فتتجسد أولاً وأخيراً في تحديد سلطات الحاكمين وتمكين الشعب أو ممثليه من مراقبة أعمالهم ومحاسبتهم عليها.
وقد عرفت إيران صعود حركة إصلاحية، تُوِّجت بوصول محمد خاتمي إلى كرسي الرئاسة، ثم ما لبث التيار المحافظ أن عاد إلى تسلم السلطة من جديد.

وهناك أسباب عدَّة أفضت إلى عودة المحافظين بخلفياتهم السياسية والاقتصادية والأيديولوجية. ومن الصعب الحديث عن الديمقراطية في إيران في ظل نظام لا يسمح بالتعددية وحرية التعبير والرأي، مع أن الديمقراطية بالإضافة إلى أنها تقتضي الاحتكام إلى صناديق الاقتراع، فإنها تقوم أيضا على مجموعة من المبادئ السياسية والاقتصادية والأخلاقية والاجتماعية التي تصلح لأن تجتمع عليها أصوات ثلثي الأمة أو أكثر، وهو المقدار الذي يلزم لإجراء تعديل دستوري في أغلب الأنظمة الديمقراطية.
ويحاول بعض المفكرين الإيرانيين البحث عن إمكانية تركيب مفهومي بين الدين والديمقراطية، وفي المجال نفسه يجادل مؤلف الكتاب مفترضاً أن الديمقراطية، بوصفها حكم الشعب، هي نظام ممكن من الناحية الدينية، بل هي نظام أفضل من الناحية الدينية، فيجري توافقاً وتطابقاً بين القبول التوافقي وإجماع الأمة، معتبراً أن القبول التوافقي بالقيم الديمقراطية والحكومة التي تجسدها سوف يوفر ظرفاً أفضل للاعتقاد الحر والممارسة الحرة لمقتضيات الإيمان، وعليه فإن النظام الديمقراطي أكثر إنسانية، كما أنه أكثر دينية من أي نظام استبدادي.

جريدة العرب القطرية 2008-10-26

مقالات ذات صلة:

02/04/2007

خاتمي وفكرة توطين الديمقراطية



لم يختلف الايرانيون حول رجل مثلما اختلفوا حول رئيسهم السابق محمد خاتمي ، ولم يحبوا رئيسا مثلما احبوه . طيلة السنوات الثمان التي قضاها في رئاسة الدولة ، حافظ خاتمي على درجة رفيعة من اخلاقيات الفيلسوف والمفكر التي عرفت عنه قبل الرئاسة. وهي صفات سارت جنبا الى جنب مع عنف فكري وشجاعة في التعبير عن اراء تتناقض كليا او جزئيا مع تلك السائدة بين انداده ونظرائه في النخبة السياسية والمجتمع الديني بشكل عام . ولا شك ان توجهات خاتمي قد اسهمت الى حد بعيد في تغيير البيئة السياسية في ايران ، ولهذا فان فترة رئاسته تشكل علامة فارقة في مسيرة ايران الجمهورية .  
آمن خاتمي بان انعتاق الانسان الروحي وتحرره من سطوة الدولة وهيمنة الخرافة وقيود التقاليد هو الطريق الوحيد للعالم الاسلامي كي يلتحق بركب الحضارة . كما يعتقد ان تراث الاسلاميين السياسي يفتقر الى ارضية فلسفية وفقهية مناسبة لاقامة نظام سياسي يحول دون الاستبداد ويعيد الاعتبار الى الانسان الفرد ، لان المعرفة الدينية لم تتطور في فضاء حر ، بل كانت في معظم الازمان انعكاسا لعلاقة بين المجتمع والدولة ذات طابع استبدادي في المجمل. وينظر الى الديمقراطية كنموذج للعمل السياسي يمثل ارقى ما توصل اليه الانسان .

يتناول الجدل حول الديمقراطية في ايران ثلاثة مجالات . يتعلق الاول بجانبها الوظيفي ، اي كونها نظاما للتمثيل الشعبي ، التداول السلمي للسلطة ، الفصل بين السلطات ، عمومية القانون ، وما اشبه . ويتعلق الثاني بارضيتها الفلسفية ، اي حاكمية الشعب ، المساواة ، الحقوق الطبيعية ، وما اشبه . 

ويتناول الثالث اساسها الايديولوجي ، اي تطورها في الاطار التاريخي - المعرفي الغربي . وينظر المحافظون الى الديمقراطية كجواب خاص للمجتمعات الغربية على الازمات التي واجهتها. وكما ان من السفه استيراد المشكلات من مجتمعات اخرى ، فانه بنفس القدر مخالف للعقل استيراد الحلول الخاصة بتلك المشكلات.  
في مقابل هذا ، يرى الاصلاحيون ان استبداد الدولة واحتكارها للموارد العامة ومصادر القوة طيلة التاريخ الماضي والحديث كان سببا في اذلال الشعب وتشويه شخصيته وثقافته ، والمعيق الابرز لتمدن البلاد وارتقائها . وان الديمقراطية هي وسيلة عملية وفعالة لاصلاح الخلل في موازين القوى ، على وجه يجعل المجتمع سيدا للدولة . ويذهب ايةالله شبستري بالجدال الى مدى ابعد حين يقرر ان الديمقراطية ضرورة للدين مثل ضرورتها للمجتمع ، فالنموذج الديمقراطي الليبرالي هو (الوحيد الذي يوفر الفرصة لتحقيق الغايتين الاعظم من غايات الدين ، اي العدالة وانعتاق الانسان).   
ويتفهم الاصلاحيون حقيقة انه لا يمكن تاسيس نموذج ديمقراطي على ارضية التراث الذي ورثناه من الاجداد . لكن في الوقت نفسه فان خاتمي يندد بالتقليد الطفولي لتجارب المجتمعات الاخرى كما يندد بالرفض الاعمى لنتائج تلك التجارب دونما سبب سوى كونها اجنبية. بدلا من هذا ، فهو يدعو المثقفين المسلمين الى تعامل نقدي مع ما يصفه باعمدة الحضارة المعاصرة مثل الليبرالية ، الفردانية ، الحقوق الطبيعية ، والعقلانية . الحداثة في رايه هي أحد الحلول التي توصل اليها الانسان في كفاحه الدائب للتقدم ،  وهي تنطوي مثل اي منجز انساني آخر على عناصر ايجابية واخرى سلبية ، وهي متغيرة ومتفاعلة وليست نظاما مغلقا تأخذه كله او تتركه كله. ولهذا يدعو الى اعادة انتاج الحداثة ولا سيما جانبها السياسي ، اي الديمقراطية ، في اطار الثقافة المحلية كي تأتي متناغمة مع روحية الشعب وقادرة على استيعاب همومه وتطلعاته .

 "توطين الديمقراطية" يتضمن صيانة عمودها الاساس ، اي حاكمية الشعب ، وفي الوقت نفسه تمكين الشعب من اختيار الطريقة الملائمة لوضع هذا المبدأ موضع التنفيذ. توطين الديمقراطية يعني بصورة محددة جعلها متلائمة مع الدين ، باعتباره المكون الابرز للثقافة والهوية الوطنية.

الطريق السريع الى الثروة

  يبدو ان المعلوماتية تتحول بالتدريج الى اسرع القطاعات نموا في الاقتصاد الوطني لكل بلدان العالم تقريبا. (في 2021 بلغت قيمة سوق المعلوماتية ...