‏إظهار الرسائل ذات التسميات الليبرالية. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الليبرالية. إظهار كافة الرسائل

18/10/2007

الليبرات والليبرون المكبوتون المخدوعون

هذا تقريض لمقال للاستاذ عبد الكريم عائض نشرته جريدة الوطن السعودية في 15/10/2007 ، وهو نموذج عن الطريقة السائدة في معالجة قضايا السياسة والفلسفة في بلادنا.

وقد بدأ زميلنا البارع مقالته بالتاكيد على انه لا يهتم بالليبرالية ولا يأبه لها ، ولعله بهذا التاكيد اراد تلافي سوء الظن بانه ربما يكون من اولئك الطائشين الذين يهتمون بالليبرالية او يأبهون لها . بل انه استدل على ذلك بدليل يفلق الصخر لو تجلى له ، وهو انه لم يطالع حلقة طاش ما طاش المشهورة عن الليبراليين . وهذا لعمري دليل فات كل عالم .
 
 ثم ان الكاتب الكريم رأف بحالنا نحن الذين ابتلينا بالاهتمام بالليبرالية والبحث عنها ، خاصة بعد سقوط سوق الاسهم ثم ارتفاع اسعار الاغذية ، فعوضنا عن كل ذلك بشرح مختصر عن الليبرالية التي لم يأبه بها ابدا ، فاخبرنا ان اصلها كلمة “ليبر” وانها لاتينية تعني الحر ، وان “ليبراليسم” تعني الحرية (او تعين الحرية حسبما ورد في نص المقال – والله العالم ايهما الصحيح). فجزى الله الكاتب خيرا على هذه الفوائد العظيمة التي كان قراء الجريدة ومثقفو البلاد متعطشين لها ، وايما عطش .

 اخبرنا ايضا زاد الله فوائده ان الحرية كلمة ساحرة وان الدعوة اليها بهرت الكثير من المساكين من اخواننا الذين عانوا قبل سفرهم الى بلاد الله البعيدة من كبت جنسي واسري ومن اذى مطوع الحارة ، فاقبلوا عليها اقبال الطفل على جمرة يظنها حلوى ملونة ولا يخفى على القاريء ان الاستاذ عائض قد توصل في هذا التحليل البارع الى تفسير لم يسبقه به احد من فلاسفة الغرب والشرق ، في قديم الزمان وحديثه ، ولهذا فمن الممكن ان يسجل كرأي مرجعي يأخذ به الفلاسفة والباحثون حين يتحدثون عن الليبرالية واسرار افتتان الناس بجمالها ، خاصة بعدما اعرض كثير من العلماء عن نظرية فرويد المعروفة في التحليل النفسي ولا سيما تركيزه على الباعث الجنسي للافعال والميول الانسانية.

ولم ينس الاستاذ عائض تذكيرنا – جزاه الله خيرا – بان الباحثين واساتذة العلوم السياسية السعوديين وغيرهم من المثقفين الذين قرأوا الفلسفة الغربية وربما كتبوا عن الليبرالية ، لم يفهموا الليبرالية ، بل ربما لم يعرفوا حتى معناها ، ولهذا تفضل علينا – اكرمه الله – بتوضيح ان اصل الليبرالية هي كلمة “ليبر” اليونانية اي الحر وان الليبرالية تعني الحرية ، كما اوضحنا اعلاه.

فلله الحمد على ان اكرمني وغيري من طلبة العلوم السياسية بقراءة مقال الاستاذ عائض ، فعرفنا بعد سنين طويلة اضعناها في الدراسة والبحث والكتابة ، ان اصل الليبرالية هي ليبر وانها يونانية وتعني الرجل الحر وان ليبراليسم معناها الحرية. وربما يسمح لنا الاستاذ عائض باضافة المرأة الحرة ايضا ، خاصة للغربيات واشباههن من نسائنا المسترجلات. فيمكن – اذا سمح الاستاذ – ان نقول لهذه : “ياليبره” على وزن “ياحرمه” الذي نقوله لنسائنا العفيفات اللاتي لم ينخدعن بالليبرالية وبلاويها . كما نقول للرجل المخدوع بالغرب والاعيبه : ” ياليبر” ، على وزن “ياولد” الذي يقوله بعضنا للصبيان حين يغضب عليهم.

ولا تنتهي فوائد مقال الاستاذ عائض عند هذا الحد ، فهو يستثمر المناسبة لاخبارنا ايضا بان مباديء الحرية والاخاء والمساواة هي شعارات خداعة انبهرت بها شخصيات فكرية وسياسية فوقعت في فخاخ الماسونية. وهذا لعمري اكتشاف اعظم من سابقه ، فقد ظننت قبل مقال الاستاذ عائض بان السياسي والمفكر لا ينخدع بسهولة ولا ينبهر بجميل الكلام ، بل يجادل كل فكرة قبل تبنيها .

لكني اهتديت الان الى قلة بضاعتي وجهلي بالامور ، فالمفكرون والسياسيون ، حتى الدهاة منهم ، يقعون في شراك الخديعة ، ربما بصورة اسهل من باعة السمك في سوق القطيف لاني اسمع ان احدا لم ينجح حتى اليوم في مخادعة هؤلاء البائعين ، فلله الحمد والمنة على ان عرفنا قبل فوات الاوان بان باعة سوق السمك احسن من مفكرينا ومثقفينا ، لا سيما حين يتعلق الامر بالقيم الانسانية الرفيعة ، مثل الحرية والمساواة والاخاء .

ولا نكرر ذكر الليبرالية لان الاستاذ عائض قد اخبرنا سابقا بان ليبراليسم معناها الحرية ، والظاهر من المقال ان تلك الحرية هي نفس هذه الحرية التي انخدع بها دهاة السياسيين والمفكرين ووقعوا بسببها في حبائل الماسونية واشباهها.

والحقيقة ان فوائد مقال الاستاذ عائض لا تحصى وربما تحتاج الى مجلدات لشرحها ، ولا سيما تعيينه لمعنى الليبر والليبراليسم ، ثم الاسئلة التي طرحها (وربما لم يهتد اليها احد قبله فضلا عن ان يجيب عليها) ، وتاكيده بان الاجوبة لن تاتي من عند ليبراليينا (كتب في نص المقال “من عند ليبراليونا” ولعله يقصد شخصا او مكانا او اناسا اخرين غير “ليبراليينا” الذين نعرفهم ، او ربما هي شيء اخر غير الجمع العربي لكلمة ليبر- ليبرالي المشار اليها اعلاه).

وخلاصة القول ان الاستاذ عائض وجريدة الوطن قد سجلا هدف الموسم في هذا المقال الذي ارى ان تعاد طباعته في اعداد الجريدة القادمة وان يوزع على المثقفين واساتذة الجامعات والكتاب ، حتى يفهموا معنى الليبر والليبراليسم وما تقود اليه الحرية والمساواة من بلاء الانزلاق في شراك الماسونية.

موقع دروب 18 اكتوبر 2007
http://www.doroob.com/archives/?p=21901د
مقال الاستاذ عائض عبد الكريم "الليبرالية التي لم يفهمها احد" نشر في صحيفة الوطن السعودية  15 اكتوبر 2007 واعيد نشره في العربية. نت في 16 اكتوبر 2007 http://www.alarabiya.net/views/2007/10/16/40384.html

مقالات ذات علاقة



16/05/2007

شراكة التراب وعدالة النظام الاجتماعي

||مفهوم "شراكة التراب" يعني ان جميع اعضاء المجتمع السياسي ، سواء ولدوا فيه او انتموا اليه لاحقا، شركاء في ملكية الارض التي يقوم عليها هذا المجتمع وتخضع لنظامه.||

يتميز النظام الاجتماعي العادل عن غيره بثلاثة اركان اساسية، اولها قيامه على ارضية المساواة والتكافؤ بين الناس. وقد اشرت في مقال الاسبوع الماضي الى انكار عدد من قدامى المفكرين لهذه الفكرة وقبولهم بوجود تمايز عضوي بين الناس، يبرر اقامة نظام اجتماعي على اساس التمييز بين البشر. ونعلم مثلا ان بعض المذاهب السياسية (كالنازية مثلا) اعتبرت اتباعها (ابناء العرق الجرماني) ارقى من سواهم.
Formal Equality vs. Substantive Equality in the Workplace - Video ...
وقد اقامت نظامها السياسي على هذا الاساس. وكذلك الامر في نظام التمييز العنصري الذي اتبعته الولايات المتحدة الامريكية حتى منتصف القرن الماضي. كما ان بعض القبائل العربية مازالت ترى في نسبها القبلي الخاص عنصر امتياز على الغير. ولا بد ان القراء يذكرون حكم احد القضاة قبل شهور بالتفريق بين زوجين بعدما وجد ان الزوجة اعلى نسبا من قرينها. وهو حكم يستند الى مرجعية معروفة في التراث الفقهي، لكن اساسه هو القول بامكانية التفاوت العرقي او الطبيعي بين الناس.
اضافة الى هذا، فهناك من يقر بتكافؤ البشر عند الولادة، لكنه يقبل ايضا بفكرة التفاوت المكتسب. اي التفاوت بين الناس بسبب انتماءاتهم. ونعرف ان بعض الاقطار (ومنها الكويت مثلا) تتبع نظام مواطنة مزدوجا، يقسم الناس الى مواطن درجة اولى وثانية، ويترتب على هذا الفارق تفاوت في بعض حقوق المواطنة. ومن الامور الرائجة في كثير من البلدان التمييز بين المواطنين المنحدرين من اصول محلية وبين المهاجرين. وثمة فقهاء مسلمون يحكمون بنجاسة غير المسلمين عامة، وهناك من يقصر الحكم على المشركين دون اهل الكتاب. وذهب بعض فقهاء العصور السالفة الى اشتراط الاصل العربي في التأهل للخلافة وإمرة المسلمين، واشترط آخرون النسب القرشي دون سائر العرب، وحصرها بعضهم في بني هاشم دون سائر قريش.
هذه الاراء جميعها تنطلق من اساس فكري واحد، خلاصته ان السلطة والموارد العامة هي امتياز تختص به الفئة المميزة، سواء كانت عرقا او قبيلة او دينا او مذهبا سياسيا او غير ذلك. وبناء عليه فانه يمكن تصور النظام الاجتماعي القائم على هذا الاساس كنظام ذي هيكلية مزدوجة يسمح لمختلف الناس ان يعيشوا في ظله، لكن من دون التمتع بالمساواة في الحقوق والامتيازات.
خلافا لهذا فقد ذهبت الفلسفة السياسية المعاصرة (ولا سيما في المدرسة الليبرالية) الى مفهوم مختلف تماما للعلاقة بين ابناء البلد الواحد يقوم على قاعدة «الشراكة في التراب». طبقا لهذا المفهوم فان جميع اعضاء المجتمع، سواء ولدوا فيه او انتموا اليه لاحقا، شركاء في ملكية الارض التي يقوم عليها هذا المجتمع وتخضع لنظامه. ويطابق هذا المفهوم الى حد كبير فكرة «الخراج» المعروفة في الفقه الاسلامي القديم، التي تؤكد على ملكية عامة المسلمين للموارد الطبيعية ملكا مشاعا. 
بناء على هذا المفهوم فان الناس يولدون متساوين متكافئين ويبقون كذلك طيلة حياتهم. لا لأن احدا أقر لهم بهذه الصفة، بل لكونهم شركاء في ملكية النظام الاجتماعي بمجمله. ومن هنا فان اي عضو في هذا النظام لا يستطيع الغاء عضوية الاخر، لأنها ليست منحة بل حق مترتب على ملكية مشروعة.
واجه هذا المفهوم الأولي الكثير من المجادلات في بداية ظهوره، لكنه تطور في اطار الفلسفة الليبرالية، وتحول من ثم الى قاعدة للعمل السياسي في الدول الحديثة. كان اول التمثيلات السياسية لمفهوم الشراكة في التراب، هو نظرية العقد الاجتماعي. ثم اصبح اساسا لفكرة المجتمع المدني التي تعد ابرز اطارات المشاركة السياسية في عالم اليوم. وثمة بين الفلاسفة المعاصرين، من يدعو الى نظرية مماثلة على المستوى الكوني. واخص بالذكر استاذنا البروفسور جون كين الذي يدعو الى نظام عالمي يشترك فيه جميع البشر او من يمثلهم، من اجل تطوير الموارد الكونية ومكافحة التدمير الذي تتعرض له بيئة الارض، لانها ملك للجميع. 
خلاصة القول إذن، ان الركن الاول للنظام الاجتماعي العادل، هو التكافؤ والمساواة بين اعضائه. فالناس جميعا اكفاء لبعضهم ومتساوون منذ ولادتهم وحتى يموتوا. هذا الوصف لا يتوقف على اقرار احد معين، بل هو حق طبيعي مترتب على شراكة اعضاء المجتمع في التراب الذي يقوم عليه النظام الاجتماعي وما ينطوي عليه من موارد.
عكاظ 16 مايو 2007  العدد : 2159  https://www.okaz.com.sa/article/101700
مقالات ذات علاقة 




03/04/2004

الأخ الأكبـــر

كانت احداث العراق فرصة للمحافل العلمية في الغرب – وربما في بعض العالم العربي – لاستعادة النقاش القديم حول طبيعة التحول السياسي في الدول النامية . 
السؤال المحوري في هذه النقاشات يتناول قدرة مجتمعات العالم الثالث على استنباط نموذج للديمقراطية يتناسب مع اوضاعها المختلفة عن اوضاع الدول الصناعية الغربية. ثمة مبررات كثيرة وجدالات حول صحة هذا المنحى ، بعضها مجرد تبرير لاستمرار واقع الحال ، وبعضها يكشف عن حاجة جدية لاعادة تعريف بعض المفاهيم بما يسهل تنسيجها ضمن الثقافة العامة المحلية . لكن لا انوي الدخول في هذه المناقشة حاليا.
 من بين الافكار التي طرحت في الماضي وبعثت من جديد ، مفهوم الديمقراطية الموجهة ، وهو نموذج يبدو انه ينطوي على امكانات تستحق التامل. ولعل اقرب تطبيقاته المعاصرة هو النموذج الروسي . النظام الدستوري في روسيا يقرر انها دولة ديمقراطية ، وهناك انتخابات نيابية ورئاسية ، كما ان الدستور – والممارسة الفعلية – تضمن قدرا كبيرا من الحريات العامة وتعدد المنابر والاراء . لكن ثمة اتفاق بين الباحثين الروس والغربيين على ان توازن القوى ضمن هذا النظام لا يخضع تماما لمعايير الديمقراطية الليبرالية . من ذلك مثلا ان السلطة التنفيذية لا تزال هي الجزء المهيمن على الحياة العامة ، وهي تتحكم الى حد كبير في اللعبة السياسية . ان الرئيس فلاديمير بوتين مثلا لم يكن معروفا كمرشح قوي لرئاسة الدولة ، لكن جرى تظهيره من قبل "المؤسسة" حتى اصبح الرجل الاقوى في البلاد ، ويبدو ان اي رئيس قادم سيكون من انتاج هذه المؤسسة في المقام الاول وليس تعبيرا دقيقا عن توجهات المجتمع ، ويمكن ان يقال الامر نفسه عن المواقع الرئيسية وذات الخطر في النظام السياسي ككل.

تذكر فكرة "المؤسسة" باسطورة الاخ الاكبر التي ابدعها الروائي الانجليزي جورج اورويل ، والتي تلخص قلقا جديا لدى الكثير من الناس بان كل ما يجري في الحياة العامة هو تمظهر لخطة محكمة يدير خيوطها من وراء الستار اشخاص بدون وجوه معروفة. ومع المبالغة المقصودة في مفهوم اورويل للسلطة الشمولية ، وبطبيعة الحال المبالغات الموازية – العفوية غالبا - لتلك الشريحة من المثقفين والعامة الذين يؤمنون بنظرية المؤامرة ، الا ان شيئا قريبا من فكرة "الاخ الاكبر" موجود واقعيا في كل دولة من دول العالم ، ويتعارف عليه بين مراقبي الحياة السياسية بالمؤسسة.
وظيفة "المؤسسة" هي المحافظة على ثوابت النظام السياسي وتوازنات القوى السائدة فيه ، او ادارة تغييرها بصورة تحول دون تفكك الهيكل العام لنظام السياسي . يختلف سلوك المؤسسة في كل بلد باختلاف الفلسفة السياسية السائدة ، لكن فيما يتعلق بالتحرك نحو الديمقراطية ، فان الفلسفة العامة هي فلسفة محافظة تماما وتقوم على فكرة ان التغيير ضروري من اجل الاستمرار.
يمكن اعتبار المفكر والسياسي البريطاني ادموند بيرك (1729-1797) ابرز المنظرين لهذه الفكرة في اواخر القرن الثامن عشر . وخلاصة رايه ان منظومات القيم والمؤسسات التي يقوم عليها النظام السياسي التقليدي لن تستطيع الصمود في وجه تيارات التغيير الليبرالية ما لم تبد مرونة وقابلية للانعطاف . ورأى بيرك ان مصلحة الطبقة التقليدية تكمن في تبني بعض الافكار التي يطرحها الليبراليون ، واعادة انتاجها ضمن الخطاب المحافظ كوسيلة لادارة التغيير وجعله يتحرك ضمن حدود معلومة . وحسب بيرك فان تجاهل التغيير سيؤدي الى انفلات زمام الامور ، وتحول القوى الاساسية في النظام السياسي من قوة فعل الى قوة رد فعل .
خلاصة ما تطرحه النقاشات الحالية هو ان نموذج الديمقراطية الموجهة قد يكون بديلا مناسبا للدول النامية التي تفتقر الى تقاليد عمل سياسي مفتوح . والاقتراح المحدد هو ان تقوم النخبة الحاكمة ، او ما يسمى بالمؤسسة ، بوضع برنامج للتحول نحو الديمقراطية ، يستهدف بصورة خاصة بعث الامل لدى عامة الناس بامكانية التغيير ضمن الاطر القائمة . ينبغي ان يركز برنامج كهذا على الاعمدة الكبرى للاصلاح ، اي حاكمية القانون ، ضمان حرية التعبير ، واعادة استيعاب القوى الاجتماعية المهمشة او المعزولة . اذا تبنت "المؤسسة" فكرة التغيير من اجل الاستمرار ، فسوف تستعيد ثقة الراي العام المتشكك عادة ، كما انها سوف تتحكم - في الوقت نفسه – في حدود وطبيعة وتوقيت التغيير بما يصون جزءا معتبرا من ثوابت النظام وتوازن القوى والمصالح السائدة فيه.







 http://www.okaz.com.sa/okaz/Data/2004/4/3/Art_90597.XML

27/03/2004

الليبرالية ليست خيارا

ثمة فوارق كثيرة بين الايديولوجيا الليبرالية ونظيرتها المحافظة او التقليدية ، في النظام السياسي الذي تدعو اليه كل منهما ، كما في الاقتصاد والفلسفة والمجتمع ..الخ . لكن الفارق الاساس – حسب ظني – هو في رؤية كل من المنهجين لموقع الفرد في الجماعة ، وعلاقته مع مكونات المجتمع الاخرى ، كالعائلة والسلطة والسوق والمدرسة وما الى ذلك.

هذا التصوير يقوم على فلسفة متعارضة تماما. في المنهج المحافظ تعتبر فكرة "الواجب" هي القاعدة الاساس التي يقوم عليها نظام القيم الاجتماعية. وترجع هذه الفكرة الى الفيلسوف اليوناني سقراط ، الذي قرر ان المدينة الفاضلة هي تلك التي "يقوم كل فرد من اعضائها بواجباته". وفي راي سقراط ان الحياة الاجتماعية هي منظومة واجبات متقابلة ، فاذا قام كل فرد بواجبه سارت حياة الجميع على اكمل وجه.

بينما يفترض المنهج الليبرالي ، ان الحياة الاجتماعية صنيعة مجموع ارادات الافراد الذين وجدوا مصلحتهم في العيش معا. وبالتالي فان منظومة القيم التي يقوم عليها السلوك الجمعي ، اي ما نصفه بالهوية الاجتماعية ، هي حصيلة اشتراك مجموع الافراد في تقرير ما هو اصلح لحياتهم.

قبل قيام النظام السياسي كان الناس يعيشون ما يصفه جون لوك بمجتمع الحالة الطبيعية ، حيث يحق للناس ان يفعلوا كل ما ارادوه ان لم يتعارض بشدة مع حقوق الغير.

النظام الاجتماعي اذن ليس بديلا عن مجتمع الحالة الطبيعية ، بل منظم للحرية الكاملة التي تسوده ، وبالتالي فان المجتمع الليبرالي ينظر الى الحريات الفردية كاصل في الحياة الاجتماعية ، كما ينظر الى الانظمة التي يسنها المجتمع كتقييدات على حرية الفرد.

يصنف المجتمع التقليدي الحقوق الفردية كاستثناء من القاعدة ، وعلى العكس من ذلك فان الحقوق والحريات في المجتمع الليبرالي هي الاصل بينما الواجبات هي الاستثناء . لكن لا ينبغي الظن بان المجتمع الاول عدو لحق الفرد ، او ان الثاني عدو للالتزام. في المجتمع التقليدي يحصل الفرد على حريته كمقابل لقيامه بالواجبات المفترضة ، اما في المجتمع الليبرالي فان اداء الواجبات يصنف في اطار المسؤولية التي تترتب على تمتع الفرد بحريته وحقوقه .

ينعكس هذا المعنى ايضا في الجدل بين الفرد والنظام الاجتماعي ، فالمجتمع الاول يميل الى فرض الزامات جديدة على الافراد ، الامر الذي يزيد تدخل السلطة في حياة الفرد ، ويتبع هذا تعدد الاجهزة الخاصة بالتوجية والرقابة والضبط وتضخم حجمها. بينما في المجتمع الثاني ينصب الجهد على تحجيم السلطة وكبح تدخلها في حياة الافراد. ومن هنا يزداد الميل الى تقليص الجهاز البيروقراطي وايكال امر التوجيه والرقابة للهيئات الاهلية التي لا تتمتع بسلطة الردع ، بينما تتخصص اجهزة الردع الرسمية في مكافحة الجريمة والعدوان.

ويبدو ان عالم اليوم يميل بمجمله الى الاخذ بالمنهج الليبرالي ، الذي اظهر – رغم المؤاخذات عليه – انه اقدر على توفير السلام الاجتماعي في المجتمعات المعقدة والكبيرة . يتباين هذا الميل العالمي من المستوى الاولي اي التخلي عن هيمنة الدولة على قطاعات الانتاج الصغيرة الى مستوى اوسع يتمثل في تخليها عن قطاع الخدمات العامة الكبير نسبيا – مثل التعليم والصحة والكهرباء والمواصلات- حتى يصل الى المستوى الاعلى ، اي التحول من فلسفة المجتمع العضوي الى المجتمع التعاقدي . والواضح ان اقطار الخليج العربية تتحرك بين المستويين المتوسط والاعلى ، والمؤمل ان تواصل تطورها في هذا الاتجاه .

يبدو ان التطور المشار اليه يتحقق بصورة طبيعية – وبطيئة الى حد ما - ، لكننا بحاجة في كل الاحوال الى وعي بحقيقة هذا التحول ومعرفة كافية بما يحتاجه وما يترتب عليه ، كي لا نفاجأ بانعكاسات التغيير قبل توقعها او الاستعداد لها. وفي ظني اننا بحاجة الى الكثير من المناقشات العامة لاستيضاح كيفية انعكاس التحول الجاري على ثقافتنا ونظامنا الاجتماعي ، ولا سيما على منظومات القيم والمؤسسات التي نريد الحفاظ عليها او تطويرها كي تناسب حياتنا الجديدة.

 

Okaz ( Saturday 27 March 2004 ) - ISSUE NO 1014 http://www.okaz.com.sa/okaz/Data/2004/3/27/Art_88261.XML



مقالات ذات علاقة 

07/02/2004

جدل الدين والدولة في ايران


  

اذ نظرنا الى الجدل الدائر بين المحافظين والاصلاحيين في ايران من خارج اطاره ، فهو مجرد صراع سياسي يرتبط بالسمات الخاصة للمجتمع والنظام السياسي في هذا البلد . لكن اذا نظرنا الى المكونات الاولية لهذا الجدل ، ولا سيما المقدمات التي اوصلت اليه ، فهو نموذج قابل للمقارنة بنظائر له في مختلف البلدان الاسلامية. من هذا المنظور ، فهو صراع بين القوة السائدة ، او ما يعرف في الادبيات السياسية بالمؤسسة ، وبين تيار يسعى للتغيير، وحينئذ فان كلا من الطرفين هو عنوان لقوة اجتماعية تتبنى منظومة خاصة من المفاهيم والاهداف ، تتعارض جوهريا مع الاخرى.

يتبنى المحافظون فكرة الدولة الدينية المثالية ، ويجادلون بان تطبيق الشريعة في مداه الاقصى يتطلب تدخلا واسعا  من جانب الدولة في حياة الناس . وهذا يترجم عمليا في سيطرة الدولة على وسائل الاعلام ، ومراقبة المطبوعات غير الحكومية ، وفرض معايير خاصة للسلوك الاجتماعي. على المستوى الاقتصادي يسعى المحافظون الى اقتصاد حر تتحكم فيه اليات السوق. ولمعالجة التناقض الظاهر بين فكرة تدخل الدولة سياسيا واجتماعيا وانكماشها على المستوى الاقتصادي ، اقترح محمد جواد لاريجاني ، وهو احد منظري التيار المحافظ ، احتذاء النموذج الصيني. لقد نجحت الصين ، التي اتبعت نظاما يجمع بين التخطيط المركزي وتحرير الاستثمار ، في تحقيق معدلات نمو اقتصادي كبيرة ومنتظمة طوال اكثر من عقد من الزمن ، بلغت احيانا سبعة في المائة ولم تنخفض ابدا عن اربعة في المائة ، في مقابل معدل نمو يدور حول الواحد في المائة في معظم الاقطار الغربية. والاشارة بالطبع هنا الى ان النمو المنتظم في الصين لم يتلازم مع تنمية سياسية موازية ، فلا زالت الصين دولة غير ديمقراطية ولا زالت حقوق الانسان فيها دون الحد الادنى المتعارف في العالم .

يتبنى الاصلاحيون في المقابل نموذج الديمقراطية الليبرالية باعتباره الصورة الامثل لدولة حديثة. وطبقا لآية الله شبستري وهو احد المنظرين الاصلاحيين البارزين ، فان هذا النموذج هو الوحيد الذي يسمح بتحقيق ابرز اهداف الشريعة الاسلامية ، اي كرامة الانسان وانبعاث العقل. وهو يرى ان تحرير ارادة الانسان هو السبيل الوحيد لاقامة مجتمع رشيد ، وتحرير العقل هو السبيل للنهوض العلمي الضروري لاستثمار الامكانات المادية والطبيعية التي لا تستغل فعلا على افضل الوجوه.

 ويريد الاصلاحيون تخصيص الاعلام الحكومي والغاء الرقابة على المطبوعات بشكل كامل. كما يدعون الى دولة صغيرة يقتصر تدخلها في المجتمع على الحد الادنى . وفي رأيهم ان التدين والسلوك الاجتماعي بشكل عام ، ليست من مهمات الدولة ولا اشغالها ، بل ان التدخل في مثل هذه الامور يتناقض نظريا وسياسيا مع فكرة التكامل بين السلطة السياسية والمجتمع التي هي الاساس في نظرية الدولة الحديثة.

على المستوى الاقتصادي لا يختلف الاصلاحيون كثيرا عن منافسيهم المحافظين لكن الربط بين الحريات العامة ، سيادة القانون ، الانفتاح على العالم ، وحرية الاستثمار هو نقطة القوة التي تميز الخطاب الاصلاحي. وخلال السنوات الاربع الماضية حقق الاقتصاد الايراني معدل نمو منتظم ، زاد في العام المنصرم عن سبعة في المائة كما وفر نصف مليون وظيفة جديدة.

وكما هو واضح ، فان خلاف الطرفين يدور حول حدود تدخل الدولة ، ولا سيما علاقة الدين بالدولة . وفي هذا المجال بالخصوص ، فان جوهر الجدل يدور حول ما اذا كان للدولة الحق في اجبار المواطنين على الالتزام بطريقة معينة في التدين ام ترك الامر لهم . بكلمة اخرى ، فان المحافظين يدعون الى استخدام سلطة الدولة وامكاناتها في فرض خطاب ديني محدد ، بينما يرى الاصلاحيون ان المجتمع اقدر من الدولة على ادارة اموره الدينية والاخلاقية . الدولة – بكلمة اخرى – مسؤولة عن دنيا الناس ، اما دين الناس فالناس اولى به وهم المسؤولون عنه.

على المستوى النظري يبدو الامر بسيطا ، لكن على المستوى العملي، فان هذا الاختلاف يتناول حدود الدولة ومدى قانونية تدخلها في حياة الناس وسلوكهم ، وبالتالي حقها في استعمال القوة لفرض نموذج سلوكي معين ، وبهذا المعنى فان الخلاف يتناول فلسفة الدولة والاساس الذي تقوم عليه . المحافظون مع دولة فوق المجتمع وسيدة له ، بينما يدعو الاصلاحيون لدولة تستمد شرعيتها من المجتمع ، فهي خاضعة لارادته تابعة لتوجهاته.


Okaz ( Saturday 7 Feb 2004 ) - ISSUE NO 965

الطريق السريع الى الثروة

  يبدو ان المعلوماتية تتحول بالتدريج الى اسرع القطاعات نموا في الاقتصاد الوطني لكل بلدان العالم تقريبا. (في 2021 بلغت قيمة سوق المعلوماتية ...