‏إظهار الرسائل ذات التسميات الدين والمعرفة الدينية. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الدين والمعرفة الدينية. إظهار كافة الرسائل

26/05/2021

التجديد القديم واخوه العصراني

 

وصلتني من احد الأصدقاء الأعزاء رسالة طويلة ، أرادها ردا على مقال الأسبوع الماضي. وخلاصة الحجج التي ساقها الصديق ، هي ان الدعوة لتجديد الدين ليست جديدة. وقد كتب عنها عشرات الكتب والرسائل. اما الكتابات الجديدة ، فلا تخلو من شائبة الانبهار بالفكر والمدنية الغربية ، فلا يؤمن الخطر من جانبها.

والحق ان ما قاله الصديق لايبعد عن الواقع. ويظهر ان اقدم ما وصلنا من كتابات الاسلاف في هذا الموضوع ، هو رسالة "التنبئة بمن يبعثه الله على رأس كل مائة" لجلال الدين السيوطي (1445-1505م) وقد حققها وطبعها المرحوم عبد الحميد شانوحة (1947-2020) وله عليها تعليقات لا تقل قيمة عن متن الرسالة ان لم تزد. واقتصرت الرسالة على مراجعة الروايات المختلفة لحديث النبي (ص) الذي فحواه ان الله يبعث للأمة على رأس كل قرن من يجدد لها دينها ، والنصوص التي جرت مجراه ، ثم الاقوال المختلفة في تعيين من ينطبق عليه وصف "المجدد" في كل قرن من القرون السابقة.

السير سيد احمد خان 1817م-1898م

واطلعت أيضا على كتاب طريف في هذا الباب ، هو "مفهوم تجديد الدين" لبسطامي محمد سعيد ، الذي خصص مايزيد عن ثلثي صفحاته لنقد "المفهوم العصراني للتجديد" أي النقاشات الحديثة في الفكر الديني ، الصادرة من خارج المدارس التقليدية ، او التي من داخلها لكنها تأخذ منحى نقديا لمناهجها وثقافتها. وقد سمى تحت هذا الوصف جملة مفكرين ، أولهم سيد أحمد خان ، المفكر الهندي ، ثم محمد اقبال ، الفيلسوف والشاعر الباكستاني ، ثم الشيخ محمد عبده وعلي عبد الرازق ومحمد اسد وعبد الله العلايلي وآخرون.

أقول ان هذا الكتاب طريف ، لأنه اتخذ معيارا وحيدا تقريبا في نقده لما اسماه بالمفهوم العصراني ، هذا المعيار هو خروج الفقيه أو المفكر عن القواعد الموروثة في علوم الدين. بعبارة أخرى ، فهو يعتبر تجديدهم باطلا ، لأنهم أرادوا الانعتاق من التفسيرات القديمة والأفكار القديمة ، أي انهم سعوا للتجديد الفعلي. هذا الكتاب اقرب الى مرافعة ضد الحداثة ، مما هو حول التجديد.

والمشهور بين الدعاة وعامة الناس ، ان جوهر التجديد هو الرجوع لما يسمونه الاصول الصافية ، اي القرآن الكريم والسنة النبوية. وهم يرون ان المشكل هو "علم الدين" اي الشروح والتفاسير والاجتهادات ، التي اعطيناها مرتبة تماثل الدين. فالتجديد عندهم هو ترك تلك الاراء والعودة للأصل.

لكن هذا يقودنا الى مشكل آخر: هل سيكون لكل العلماء المعاصرين حق متساو في العودة للنص والاجتهاد فيه ، ام ان هذا الحق محصور في اشخاص بعينهم او مدرسة بعينها؟.

اذا فتح الباب للجميع (وهو الاكثر معقولية) فكل ما ينتجه المفكرون والعلماء سواء في القيمة ، من أخذ بهذا الاتجاه ومن أخذ بنقيضه ، من اعتمد مناهج البحث القديمة او أخذ بتلك التي تطورت في اوربا. واذا قلنا بان الباب مقصور على العلماء الراسخين في علم الشريعة ، بمعنى ان تفكيرهم الديني بني وتطور في اطار علم الشريعة الموروث ، فسوف يكون العلم الذي يحملونه ، هو العلم الذي نتوقع منهم ان يتخلوا عنه! ، فهل هذا ممكن واقعيا؟.

اردت القول ان مفهوم التجديد هذا ، غير مفيد ولايثمر عن تجديد حقيقي. التجديد بمعنى المزامنة والمعاصرة ، مشروط باجراء مطالعة نقدية في الاصول نفسها ، لاستكشاف الفاصل بين الافق التاريخي للنص ورسالته الداخلية. ولعلنا نعود لهذه الفكرة في قادم الأيام.

الشرق الأوسط الأربعاء - 14 شوال 1442 هـ - 26 مايو 2021 مـ رقم العدد [15520]

https://aawsat.com/node/2992456/

مقالات ذات علاقة

 تأملات في حدود الديني والعرفي

تجديد الخطاب الديني: رؤية مختلفة

ثوب فقهي لمعركة سياسية

الحداثة باعتبارها حاجة دينيّة وواجباً أخلاقياً "عرض لكتاب "الحداثة كحاجة دينية"

الحداثة تجديد الحياة

الحداثة كحاجة دينية

 الحداثة كحاجة دينية (النص الكامل للكتاب)

حول الحاجة الى فقه سياسي جديد

حول تطوير الفهم الديني للعالم

دعوة لمقاربة فقهية جديدة

دور الفقيه ، وجدلية العلم والحكم

عن الحاجة إلى تجديد الفقه الإسلامي

فتاوى متغيرة : جدل المعاصرة في التيار الديني

فتوى الجمهور لا فتوى الفقيه

فقه جــديد لعصر جـديد

قراءة أهـل الشك

مرة اخرى : جدل الدين والحداثة

نظرة على علم اصول الفقه

نفوسنا المنقسمة بين عصرين

نقد التجربة الدينية

هيمنة الاتجاه الاخباري على الفقه

هيمنة النهج الفقهي على التفكير الديني

12/09/2018

حول المسافة بين الدين والمؤمنين

د. مسفر القحطاني
د. مسفر القحطاني
الصديق د. مسفر القحطاني من أكثر علماء السعودية اهتماما بفقه المقاصد. وله في هذا الباب عدة كتب وعشرات المقالات ، التي تؤكد اهتمامه العميق بتجديد الفكر الديني ، وتمرسه في البحث والاستدلال.
وقد لفت نظري في مقالته المعنونة "المتحدثون باسم الدين وهيبة الاوهام (الحياة 1سبتمبر 2018) ما ظننته الحاحا على الفصل بين الدين والتدين ، بين النص المقدس وتطبيقاته في حياة المؤمنين. ركز القحطاني نقده على ما أسماه "المتاجرة بالمقدسات". وقال ان كل الاديان عانت من هذا. لكنه ميز بين الاديان القديمة التي ضاعت نصوصها الاصلية او تغيرت ، بسبب اجتهادات مفرطة ،  أدت لاستثمار المقدس في قضايا دنيوية بحتة ، وبين الاسلام الذي احتفظ بنصه الاصلي ، رغم ان الافهام والاجتهادات التي قامت حوله ، قد ذهبت به كل مذهب.
المؤكد ان كلا منا قد قرأ او سمع يوما ، القول الذي فحواه ان الاسلام ليس مسؤولا عن اخطاء المسلمين ، وأن ما يعاب عليه ، ينصرف الى فهم المسلمين له وتطبيقهم الناقص لتعاليمه.
لاخلاف من حيث المبدأ على وجود مسافة بين النص الديني ، وبين فهم الناس له. هذا الفهم هو خلاصة العوامل المؤثرة في تفكير البشر في لحظته. وتتضمن مستخلصات تجربتهم الثقافية ، ظرفهم السياسي والاقتصادي ، توقعاتهم ورغباتهم ومخاوفهم. وهي تندرج جميعا تحت ما اسماه  الفيلسوف المعاصر هانس جورج غادامر بالافق التاريخي.
نحن إذن نتفهم حقيقة وجود مستويين: نص مجرد وسابق على كل فهم ، ونص تحول الى مفهوم وتطبيق في الحياة اليومية للمؤمنين ، ونسميه عادة "التدين" لتمييزه عن "الدين" ، الذي ننسبه الى المستوى الاول.
لطالما سألت نفسي عن صحة الربط بين هذه الحقيقة ، وبين الالحاح على اتخاذها مبررا لكل عيب ، كلما اثير نقاش حول حكم شرعي ، او صحة رواية ، أو ملاءمة اجتهاد ما لمعايير العقل أو مستخلصات العلم. هذا التبرير ينطوي ضمنيا على ادعائين ، كلاهما مشكل: الأول ان فهم وتطبيق التعاليم الدينية جانب الصواب في احيان كثيرة ، بل ربما وصل في بعض الاحيان الى المتاجرة بالمقدس ، كما أشار د. مسفر. أما الادعاء الثاني فهو ان كثرة الخطأ في فهم الدين وتطبيقه ، ربما يشير الى انه في الاساس غير قابل للفهم والتطبيق الكامل.
أقول ان كلا الادعائين مشكل. لأن القبول بالاول يجرد حياة المؤمنين من أي قيمة ، ويضعهم على الدوام في الطرف المقابل لدينهم. اما القبول بالثاني فيجرد الدين من دوره كدليل لحياة اتباعه ، ويحوله الى يوتوبيا يستحيل انجازها في الحياة الدنيا مهما اجتهدنا.
ليس لدي حل معقول لهذا الاشكال. لكني لاحظت ان دعوى الفصل بين الدين والمتدينين ، تتكرر غالبا في سياق الانكار على من جادل نصا او أنكر صحته او اعترض على فهمه او سلامة الاعتماد عليه في وضع احكام شرعية. ونعلم ان لدينا الكثير من النصوص التي تعارض عرف العقلاء او نتائج العلم او نتائج التجربة التاريخية.
والذي أرى ان علينا تقبل النقاش في النص ، بدل الافراط في احالة المشكلات الى اخطاء المؤمنين او فهمهم الناقص. مجادلة النص لاتعني بالضرورة نقضه او رفضه. فقد يكون من ثمارها استنباط مفهوم جديد او رؤية مختلفة ، لم تتضح سابقا. وفي كل الاحوال فان آراء الناس وافهامهم محترمة كرأي علمي مرهون بزمنه. لكن احترامها لا يرفعها الى مستوى المقدس أو اليقيني.
الشرق الاوسط الأربعاء - 2 محرم 1440 هـ - 12 سبتمبر 2018 مـ رقم العدد [14533]
http://aawsat.com/node/1392606

23/05/2018

حلم العودة الى منبع النهر

 

من حيث المبدأ ، تتألف الفكرة الدينية من قيم ومعايير مجردة ، متعالية على الواقع. لكن الدين لا يريد البقاء فكرة مجردة ، بل يدعو لتطبيق قيمه في واقع الحياة. دين الله نور يشق ظلمات الحياة. ولا قيمة للنور ما لم يكن ثمة مستنير ، انسان يبحث عن طريق وسط الظلام. لهذا السبب اهتمت الاديان بانشاء منظومة تفسيرات وأحكام تنظم الحياة اليومية وما تشهده من وقائع. ونظرا لاتصالها المباشر بوقائع الحياة ، فهي تشبه ما نسميه اليوم "لوائح تنفيذية" تحدد ما ينبغي للمكلف ان يفعل او يترك.

ربط القيم مع الوقائع يؤدي – بالضرورة – الى تغيير صورتها التي عرفتها يوم كانت فكرة مجردة. ويبدا هذا الربط بالاحكام المتصلة مباشرة بالسلوكيات الفردية ونواظم العلاقة بين الافراد. ثم يتمدد تدريجيا ، ليشمل المثاليات والمجردات ، فيمسي كل شيء في الدين متجسدا في صورة مادية او شبه مادية ، على شكل تطبيق لحكم او تفسير لقيمة او توليد لمعنى محدد ، عملي او نظري. وهكذا لا يعود للقيم والمعايير النظرية اي وجود مستقل او متعال على الوقائع.

لتوضيح الفكرة السابقة ، نشير الى الجدل الدائم حول الفرق بين الدين والمعرفة الدينية ، او بين الدين والتدين. ولا بد ان كلا منا قد قرأ او سمع يوما بالدعوى الرائجة ، التي ملخصها ان الاسلام لا يتحمل وزر  تخلف المسلمين او تقصيرهم. فهذا القول يشير – ضمنيا – الى تقبل اصحابه ، واظنهم الشريحة الاوسع ، لفكرة وجود نسختين من الدين مختلفتين: نسخة اصلية سابقة للتجربة الحياتية ، ونسخة تشكلت بعد اختلاط القيم الدينية بمؤثرات الحياة الاجتماعية وأفهام الناس ، وهي لا تطابق – بالضرورة – مثاليات الدين وصورته المتعالية.

نعلم من تجربة البشر ، ان فهمهم للاشياء يتغير باستمرار ، نتيجة لتطور معارفهم الشخصية او امتدادا لتغير الوسط الاجتماعي. ويترتب على هذا تغير رؤيتهم لقيمة تلك الاحكام ، والمعاني التي  تولدها ، وموقعها في خريطة حياتهم.

زبدة القول ، ان تطبيق الفكرة الدينية ، حكما كانت او قيمة او تفسيرا ، يجري ضمن سيرورة تفاعلية ، بين الفكرة والفاعل وعناصر الواقع الذي يجري فيه التطبيق. هذا التفاعل متعدد الاتجاهات بالضرورة. تطبيق الحكم يحدث تغييرا في الواقع ، كما ان شروط الواقع والزاماته ، تحدد نطاق عمل الحكم ومفهومه ، وموقعه في النسيج الثقافي للجماعة. ومثل هذا يقال أيضا عن فهم الفاعل/المكلف للفكرة ، فهو يحدد معناها النهائي وطبيعة المعنى الذي تولده ، وبالتالي رتبتها المقارنة مع القيم الموازية.

تبعا لهذا التحليل ، نستطيع القول ان الاحكام والقيم الدينية التي نعرفها اليوم ، ليست هي ذاتها التي كانت قائمة في الازمان السابقة. فقد مرت بتحولات في الفهم والتطبيق ، شبيهة للتحولات التي عاشتها الاجيال التي فهمتها وطبقتها ثم اورثتها لمن جاء بعدها.

معظم العاملين في الدراسات الدينية يعرفون هذا. ولهذا قرر بعضهم اغفال الفاصل التاريخي ، والذهاب مباشرة إلى النص الحامل للقيمة او الحكم.

يعتقد كثير من الناس ان الحل موجود في منبع النهر. "العودة للكتاب والسنة" ستوفر فرصة افضل لفهم الدين ، كما كان في الاصل عند المنبع.

لكن هذه المحاولة التي تبدو جذابة ، تواجه سؤالا جديا خلاصته: هل يستطيع الباحث ان يغادر زمنه الثقافي فيتحرر من ادوات الفهم التي تشكل عقله ، كي يقفز الى مرحلة سابقة لها ، فينظر فيها بعقل متجرد؟. هل هذا ممكن في الواقع ام هو مجرد حلم؟.

الشرق الاوسط الأربعاء - 8 شهر رمضان 1439 هـ - 23 مايو 2018 مـ رقم العدد [14421]https://aawsat.com/node/1277051

 

مقالات ذات علاقة 

 

الاسلام الجديد

الاسلام في ساحة السياسة: متطلبات العرض والتطبيق

اصلاح المجال الديني

نسبية المعرفة الدينية

التدين الجديد

حزب النهضة الجديد

حول طبيعة السؤال الديني

داخل الدين.. خارج الدين

الغنوشي المثير للجدل

في رثاء د. طه جابر

في معنى الوصف الديني

ما ينبغي للتيار الديني ان يخشاه

المعنى الدنيوي لتجديد الدين

نقد التجربة الدينية

 

الطريق السريع الى الثروة

  يبدو ان المعلوماتية تتحول بالتدريج الى اسرع القطاعات نموا في الاقتصاد الوطني لكل بلدان العالم تقريبا. (في 2021 بلغت قيمة سوق المعلوماتية ...