‏إظهار الرسائل ذات التسميات التسامح الديني. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات التسامح الديني. إظهار كافة الرسائل

03/10/2018

من القطيعة الى العيش المشترك


حوار الاديان او الحوار بين اتباع الاديان ليس من الشواغل البارزة للناس في هذه الايام. لكن الفكرة بذاتها كامنة في أعماق الغالبية العظمى من جمهور المؤمنين. نعلم طبعا ان بعض المؤمنين يستنكر الفكرة ويرفضها كليا ، لانه يرى في محاورة  الاخرين اقرارا بشرعية دينهم ، وهو ما لا يريده.
لكن هذا خطأ في التقدير. بديهي ان الحوار ينطوي بالضرورة على اقرار بحق الآخر المختلف في الاعتقاد. بديهي أيضا ان الاعتراف بحقوق الناس ، لا يساوي الاقرار بصحة افكارهم او افعالهم.
من يرفض الحوار مع الاديان الاخرى بناء على المبرر المذكور ، يرفض – للسبب ذاته – الحوار مع التيارات والمذاهب التي تشاركه نفس المعتقد ، على الاقل في اركانه الكبرى. ونسمع جميعا بالجدالات المزمنة بين المذاهب الاسلامية ، والجدالات المماثلة بين الكنائس المسيحية. ان كافة الاديان الكبرى منقسمة في داخلها ، تبعا لاختلاف الاجتهادات وتباين التكوينات الاجتماعية. وهذا ينطبق أيضا على المذاهب. فمن النادر ان تجد مذهبا يخلو من انقسامات.
قبل سنوات قليلة شهد العالم الاسلامي دعوات للتقارب بين المذاهب. وعارض فريق منهم هذا التوجه قائلا ان الممكن الوحيد هو التعايش. كنت قد ناقشت هذه المسألة مع المرحوم هاني فحص ، الذي تحل ذكرى رحيله هذه الايام. فاخبرني انه لا يتحدث عن التقارب (بالمعنى النظري المتداول) لانه بلا موضوع. ولا يتحدث عن التعايش ، لانه ينطوي على رسالة سلبية ، فحواها التسالم مع المتاركة. بدلا من ذلك ، يقترح فحص مبدأ العيش المشترك ، الذي يعني الاقرار بوجود مساحة للتعاون في أمور الدنيا. حين تعيش مع بقية خلق الله في بلد واحد او عالم واحد ، فسوف ينشأ بالضرورة مجال مشترك ، يمثل مصلحة لكل الاطراف. ان التعاون على انجاز هذه المصالح ، هو موضوع العيش المشترك. ولا اظن عاقلا ينكر هذه الحقيقة.
استطيع القول ان كل انسان على هذه الارض ، قد اقام في يوم ما مصالح مشتركة ، مع أشخاص من أديان او مذاهب مختلفة عن دينه أو مذهبه. الناس لا يسألون عن دين قائد الطائرة التي تحملهم في الاسفار ، ولا يسألون عن مذهب الطبيب الذي يعالج اطفالهم ، ولا عن البائع في السوبر ماركت الذي يتبضعون منه. كما لا يسألون بطبيعة الحال عن دين او مذهب صانع الاشياء التي يستهلكونها او يستعملونها في اعمالهم ومنازلهم.
ثمة في اعماق النفس الانسانية يقين مستقر ، فحواه ان الحياة لا تسير من دون القبول بهذا المفهوم. ولهذا فان أشد المتعصبين لا يتوانى عن التعامل مع مخالفيه في مثل تلك الامور.
الحقيقة ان كافة الناس يطبقون مبدأ الشراكة في المصالح الدنيوية. لكنهم في الوقت ذاته يتغافلون عن المحتوى الديني للعلاقة التي تقوم في اطاره. لهذا تجد العلاقات بين الناس اعتيادية ، قبل ان تشير الى اي دين او مذهب. فاذا ذكر الدين أو المذهب ، بدأ التعقيد وانفض الجمع بل ربما تحولوا من التعاون الى الخصام.
لدي تفسير لهذا التحول الغريب. ربما اعرضه في وقت آخر. لكني اضع امام القاريء سؤالا بسيطا: لو ارتدى كل منا حجاب الغفلة وفق تعريف جون رولز ، اي تناسى مخاوفه وانتماءه الخاص ، لدقيقة واحدة فقط ، وسأل نفسه: ايهما اقرب الى مراد الخالق سبحانه.. تعاون خلقه وتصافيهم ام تفارقهم وتنازعهم على امور الدنيا؟. وايهما أليق برسالة الدين: المحبة والتراضي بين كافة عباد الله ام الكراهية والخصام؟.  
الشرق الاوسط الأربعاء - 23 محرم 1440 هـ - 03 أكتوبر 2018 مـ رقم العدد [14554]

08/08/2018

في مستشفى الكفار

||التجديد ليس مشروعا محددا ببداية ونهاية. انه برنامج بحث مفتوح يساير الحياة وتحولاتها ويواكب تطوراتها. كل عمل يخدم التجديد هو خطوة في طريق ||
في الثالث من هذا الشهر كتب السيد عبد الرحمن ال شيبان ، على حسابه في تويتر: "صلينا اليوم صلاة الجمعة في مصلى المصحة هنا في التشيك. ما استغربه هو الإمام الذي قدم الى هنا للعلاج. فقد كان يدعو بهلاك واذلال غير المسلمين ، وهو ونحن وجميع من في المصلى ، قدمنا لبلادهم من اجل العلاج ".
هذا مثال من عشرات الامثلة التي تتكرر يوميا ، ويدور جميعها حول محور واحد ، خلاصته اتهام الخطاب الاسلامي المعاصر بالغربة عن واقع الحياة وضروراتها. نعلم طبعا ان خطيب الجمعة لم يأت بشيء من جيبه ، فقد نقل بدقة وأمانة ما وجده ، وما يجده كل باحث ، في تراثنا القديم.
لو اردنا وصف هذه المفارقة بعبارة صريحة ، فسوف نقول ان بعض ما في تراثنا الديني ، متعارض مع عرف العقلاء في هذا الزمان. الاحساس بهذا التعارض هو السر وراء الدعوات المتكررة للاعتدال والملاينة والتسامح وعدم الغلو ، وهو سر الدعوات الكثيرة للتخلي عن القناعات التي تنطوي على عناصر خرافية أو اسطورية. 
ان شريحة واسعة جدا من المسلمين المعاصرين ، يجدون بعض ما ينسب الى الاسلام ، غير معقول ، وغير متناسب مع ضرورات العصر. الشعور بهذه المفارقة ليس قصرا على من يوصفون بالليبراليين ، وليس ثمرة انبهار بالغرب او تأثر بنمط معيشته ، فهي تتكرر أيضا على لسان العديد من علماء الدين والمفكرين وبعض الدعاة.
الذين يدعون لتجديد الفقه ينتمي غالبهم الى شريحة الناشطين في المجال الديني. والدافع الوحيد لدعوتهم ، هو شعورهم بالتفارق المتزايد بين ما يعتقدونه من وعود الاسلام ، وبين عناصر الخطاب المستند الى الموروث الثقافي ، من قبيل ما ذكرناه في مفتتح المقالة.
ثمة من يتساءل: هل افلح دعاة التجديد هؤلاء ، هل قدموا مشروعا يعين على ردم الهوة بين تعاليم الدين وبين حاجات الحياة في هذا الزمان؟.
 سوف اجمل الجواب على هذا في نقطتين. اولاهما ان التجديد ليس مشروعا محددا ببداية ونهاية. انه اقرب الى برنامج بحث مفتوح يساير الحياة وتحولاتها ويواكب تطوراتها. كل عمل يخدم التجديد هو خطوة في طريق ، لا نستطيع تحديد نهايته. لان نهايته هي نهاية الحياة التي لا تتوقف عن التحول.
اما النقطة الثانية فان مفهوم التجديد يحتمل معاني شتى. بعض الناس يصرف هذا المفهوم الى استنباط احكام جديدة. وبعضهم يصرفه الى تيسير بعض ما يرونه عسيرا من الاحكام. وغيرهم يقصره على استعمال التقنيات الحديثة ، تقنيات اللغة او ادوات التواصل او الثقافة ، دون نظر جوهري في مضمون الخطاب.
والذي أرى ان تجديد الفقه والخطاب الديني بشكل عام ، لا يكون مؤثرا ما لم ينطلق من مراجعة لارضيته الفلسفية ، ولاسيما اعادة الاعتبار لدور العقل كمصدر للتشريع مواز للنص. ان الميل الغالب لعقلاء العالم إلى أمر ، يجعله حقيقة أو شبه حقيقة في وقته. مع علمنا بأنه محتمل التغيير بعد زمن. اعتقادنا بقدرة الشريعة على مواكبة التحولات التاريخية ، معناه على وجه التحديد ، هو تقبل وجود معيار خارجي ، تقاس عليه صلاحية احكام الشريعة ، وقابليتها للاستمرار او ضرورة تغييرها. هذا المعيار الخارجي ليس سوى عرف العقلاء ، الذي قد نسميه ضرورات الحياة او المصلحة ، او غير ذلك من الاسماء التي ترجع في نهاية المطاف الى تقدير عقلاء العصر لما يناسب وما لا يناسب.
الشرق الاوسط الأربعاء - 27 ذو القعدة 1439 هـ - 08 أغسطس 2018 مـ رقم العدد [14498]

04/01/2017

في علاقة التعليم بالتوتر الاجتماعي


بداية العام الجديد تدعونا للتوقف قليلا لتقييم ما شهدناه في العام المنصرم. لارغبة في ادانة أحد ، بل محاولة لفهم أسباب الفوضى الضاربة في المجتمعات العربية. وسوف أخصص هذه المساحة لبيان الحاجة الى مراجعة الفلسفة العامة للتعليم ، سيما ذلك الذي يتكفل بتشكيل ذهنية الطالب وهويته ، اي مناهج العلوم الانسانية.
لا ينتقل الناس من حال الوئام الى الشقاق والتنازع ، لأن سحرا قد مسهم فغير طبائعهم وقلب اخلاقياتهم.  لا تنعدم الثقة بين الناس ، ولا تنبت العداوة في نفوسهم بين ليلة وضحاها. انما تتفتح بذورها وتمتد جذورها على مدى زمني طويل ، يدركه المتأمل البعيد النظر ، الذي يرى نهاية المسار فور ان يضع الناس أقدامهم على أوله. 
 لطالما أثار اعجابي المستوى الرفيع للمناهج الدراسية في العراق وسوريا. لكن هذين البلدين بالتحديد ، ابتليا في السنوات الماضية بصراع أهلي جسد الكراهية والتوحش على نحو نادر المثال. بطبيعة الحال ليس ثمة رابط بين جودة المناهج وتفاقم الكراهية. انما العيب في المنهج الموازي الذي يربط الوطنية بالعدوان ، ويقرن التفوق بالغلبة وهزيمة الاخر المختلف ، ويصور التنافس الطبيعي على مصالح الدنيا ، كحرب وجود بين أمتنا والأمم الأخرى.
مثل كل الاحزاب الشمولية ، سعى حزب البعث الذي هيمن على السلطة في البلدين الى اعادة كتابة التاريخ ، من خلال تصوير الصراعات التي مرت على المنطقة ، طوال القرون العشرة الماضية ، كمحاولات أجنبية للقضاء على الأمة العربية. الهزائم صورت كمؤامرات ، والانتصارات صورت كبراهين على تمايز الدم العربي عن غيره. وجرى تصوير العربي باعتباره شجاعا وصادقا وصاحب حق لا جدل فيه ، والاجنبي طامعا وجبانا ومحتالا. وجرى تصوير الدين باعتباره منتجا قوميا ، يؤكد تمايز العرب وكونهم شهودا على البشر كافة.
التضخيم المبالغ فيه للهوية القومية ، استلزم التضحية بثلاث هويات ، اولاها الهوية الدينية العامة التي تشكل رابطا بين الفرد وسائر الناس وقناة لتفريغ الاحتقانات وتسكين الجراح. والثانية الهوية الوطنية التي تجمع العربي الى مواطنيه غير العرب. واخيرا الهوية الفردية التي تشير لاستقلال الانسان وتمايزه ، وكونه متحكما في مصيره الخاص.
تتماثل الايديولوجيات السياسية الشمولية ، في انها جميعا تسعى لصياغة هوية المواطن ، على نحو يحوله من شخص طبيعي الى جندي ، في خدمة الاهداف الكبرى لتلك الايديولوجيا والنظام السياسي الذي تقيمه أو تدعو اليه. ولهذا السبب فهي تعمل على تغييب العاطفة ، وتحتقر المصالح الشخصية ، وتركز على مثال الانسان الذائب في الجماعة ، الانسان الذي ينسى مراداته الخاصة وحقوقه الفردية ، وبالطبع حقوق الاخرين الفردية أيضا.
لقد رأينا الان عواقب هذه التربية. وجدير بنا ان نعيد توجيه التعليم العام على نحو يسمح لشبابنا بتشكيل شخصياتهم وفق ثقافة سياسية تفاعلية ، يدرك صاحبها قيمة ذاته واستقلالها ، كما يدرك في الوقت نفسه قيمة القانون والنظام الاجتماعي الذي يعيش فيه. ثقافة تدفع الفرد لاصلاح حياته والاسهام في اصلاح بيئته عبر القانون ، وبالتعاون مع مواطنيه ، وليس بالخروج على النظام العام وقسر الاخرين على اتباع مراداته.
لايوجد كتاب عنوانه "كيف تتمرد على النظام الاجتماعي". لكن مضمون كتاب كهذا ، قد يكون موزعا في العديد من الكتب والمناهج والممارسات التعليمية ، فضلا عن التربية الاجتماعية. وهو يسهم في تشكيل شخصية انفعالية ، تميل الى الاتباع لا الابداع. شخصية جاهزة دائما للولاء وتحويل الولاء بحسب الانفعالات والميول الظرفية.  
الشرق الاوسط 4 يناير 2017

http://aawsat.com/node/822051

24/11/2015

سؤال التسامح الساذج: ماذا يعني ان تكون متسامحا؟

||التسامح ببساطة هو ايمانك الداخلي بأن كل انسان له حق مطلق في اختيار طريق سعادته في الدنيا ونجاته في الآخرة. انت اخترت ما يناسبك من عقائد وغيرك اختار ما يناسبه. وعند الله تجتمع الخصوم||
ماذا يعني ان تكون متسامحا؟. سؤال كهذا قد يبدو مغاليا في السذاجة. لكني أجد احيانا أن مانراه بديهيا هو بالتحديد ما يحتاج الى توقف وتأمل. الحقيقة اني جربت توجيه هذا السؤال في وقت سابق الى عدد من الشبان ، فوجدتهم جميعا يشرحونه في معنى اللين والتلطف في معاملة الآخرين. وهو ذات المعنى الذي شرحه ثلاثة خطباء استمعت اليهم في أوقات مختلفة. وكانت أحاديثهم في سياق نقض الاتهام الموجه للدين الاسلامي بأنه يشجع العنف والشدة.
واقع الأمر ان التسامح في معناه العميق ، سيما المعنى الذي نتداوله في الجدالات السياسية ، شيء مختلف تماما. فهو المعيار الناظم للمواقف العامة والعلاقة مع المخالفين لك والمختلفين معك. التسامح يعني ببساطة ايمانك الداخلي بأن كل انسان ، انت وغيرك ، له حق مطلق في اختيار الطريق الذي يراه كفيلا بتحقيق سعادته في الدنيا ونجاته في الآخرة. انت اخترت ما رايته مناسبا لشخصك من أفكار او عقائد او نمط عيش او دائرة مصالح او موقف سياسي او رؤية للمستقبل. اختارها عقلك ، أو ارتاحت لها نفسك حين وجدتها شائعة في محيطك ، أو ورثتها عن أبويك.
غيرك أيضا مثلك. يختارون طريقة حياتهم ، ديانتهم ، مواقفهم السياسية والاجتماعية ، بحسب ما تمليه عليهم عقولهم ، أو بحسب ما تطمئن اليه نفوسهم ، وهم يتحملون المسؤولية الكاملة عن خياراتهم. ليس لك حق في منعهم من الاختيار ، كما لم يكن لهم حق في منعك. ولن تحمل أوزارهم ، كما لم يحملوا وزرك.
مبدا الاختيار الفردي الحر يرتبط بجذر عميق في حياة البشر هو الايمان بعقلانية الانسان وحريته ، وكونه – لهذا السبب - قادرا على التقدير المسبق لعواقب قراراته وافعاله. لأن الانسان عاقل وحر ، فهو مسؤول عن أفعاله. ولو كان مجبرا على أي شيء ، فليس من العدل ان يتحمل مسؤوليته او يثاب او يعاقب عليه.
كل انسان يرى نفسه محقا في اختيار مبادئه ومعتقداته ومواقفه. ولولا هذه القناعة لما تبنى ايا منها. هذا هو الأمر الطبيعي. لكن الناس يختلفون في الموقف من خيارات الآخرين. فبعضهم يراها باطلة تماما وربما مثيرة للسخرية. وبعضهم يراها مبررا لقمع حاملها وحرمانه من بعض حقوقه ، بل ربما قتله. آخر النماذج التي رأيناها من مثل هذا النوع هو تنظيم داعش الارهابي الذي سبى النساء في سنجار لأنهن كافرات ، وجلد المسلمات في الرقة لأن حجابهن غير مطابق لما يراه سنة صحيحة ، وقتل المصلين في الكويت لانهم مبتدعة ، وقتل ابناء عشيرة البونمر في الانبار لانهم خونة ، وقتل عشرات المدنيين في بيروت وباريس لأن حكومتهم معادية. بعبارة أخرى ، فهو نموذج عن شريحة من المجتمع تريدك نسخة طبق الأصل عن النموذج الذي يرضاه التنظيم ، والا فأنت عدو أو ربما قتيل.
كي نتخلص من هذه المسارات الحرجة فعلينا ان نؤمن بأن ما توصلت اليه عقولنا هو احد احتمالات الحق ، وان ما توصلت اليه عقول الاخرين هو احتمال آخر للحق. أن نؤمن بأن الطريق الى الله ليس زقاقا ضيقا مثل ازقة قرانا القديمة ، بل هو شارع عريض يتسع لكل خلق الله.
مما تعلمناه في "أصول الفقه" ان الفقه هوالظن الغالب. فما يتوصل اليه الفقيه باجتهاده ، رأي علمي وليس بالضرورة مراد الخالق. ولذا فقد يتراجع الفقيه عن هذا الرأي ويستبدله بغيره في وقت لاحق ، او قد يخالفه غيره من الفقهاء وأهل النظر. في مناسبة سأل احدهم العلامة محمد حسين النائيني عن معنى هذا التغيير: هل هو انتقال من الحق الى الباطل او من الباطل الى الحق؟. فأجابه العلامة ببساطة: انه انتقال من أحد معاني الحق الى معنى آخر. بعبارة أخرى فان الحق ليس له صورة واحدة هي الصورة التي في ذهنك او في ذهني.
اذا آمنا بهذه الحقيقة ، فعلينا ان نراجع ما في انفسنا من استعلاء على الغير ، قائم على قناعة بأن غيرنا على باطل. ذلك ان ما عندنا قد يكون صورة من صور الحق ، وما عند غيرنا صورة أخرى ، قد تبدو لنا مناقضة او غريبة أو بعيدة الاحتمال. لكن هذه هي طبيعة العقل الذي يريك ما لا يري غيرك ، ويري غيرك ما لا يريك. واقع الأمر ان كل ما نعرفه وما نؤمن به من اعتقادات واراء ومواقف ، هي اجتهادات لبشر أمثالنا ، تقبلناها لاننا الفناها او تعلمناها ، فاستقرت في عقولنا او اطمأنت اليها نفوسنا. وهي قد تكون حقا كاملا او ناقصا.
جوهر التسامح ان تؤمن بحق الآخرين في مخالفتك ، مثلما أعطيت لنفسك الحق في مخالفتهم.
"النهار" الكويتية 24 نوفمبر 2015

20/09/2015

التسامح وفتح المجال العام كعلاج للتطرف

يمكن للدين ان يبرر الكراهية مثلما يبرر المحبة. لكن خطاب الكراهية بذاته خطاب مستقل ، يظهر في هذا الظرف او ذاك ، فيحتاج الى تبرير ايديولوجي كي يمسي مقبولا بين الناس. في العراق مثلا لم يرجع حزب البعث الى مبررات دينية قبل قصف القرى الكردية بالسلاح الكيمياوي خلال حملة الانفال. وفي المانيا استند خطاب الكراهية النازي على ايديولوجيا قومية وليس مبررات دينية. مثلما استند خطاب الكراهية في مجموعات الكوكلوكس كلان الامريكية الى دعاوى عنصرية ، اعتبرها اصحابها ايديولوجيا قائمة بذاتها. وجرى مثل هذا في جنوب افريقيا وغيرها.
الكراهية كسلوك او كمشاعر تشكل منظومة مستقلة ، تستعين بالمبرر المناسب في كل ظرف. نعلم ان اتجاهات الرأي العام تتباين من ظرف لآخر. لكن ما يهم دعاة الكراهية ومستثمروها هو اقناع عامة الناس بان هذا السلوك غير المقبول ، طبيعي او ربما ضروري.
على اي حال فان المشكلة التي نواجهها اليوم هي الجماعات التي تربط بين الكراهية والدين. ولهذا نحتاج الى التركيز على العوامل الدينية التي يمكن ان تبرر او تغذي مشاعر الكراهية او تحمي المصالح المرتبطة بنشر الكراهية.
في هذه المساحة الصغيرة سوف اقترح نوعين من العلاج ، هما تعزيز قيمة التسامح وفتح المجال الديني:
أ) نقصد بقيمة التسامح معناها الفلسفي ، اي اعتبار تعددية الحق ، وحق الانسان في اختيار المعتقد ونمط الحياة الذي يريد. ومحاربة الفكرة القائلة بان طريق الحق واحد ، او ان احدا من البشر مخول بجبر الآخرين على هذا الطريق. يجب تحويل هذا المفهوم الى عنصر رئيس في التربية المدرسية ، وفي التوجيه العام. هذا لا يعالج – بالضرورة – المشكلة الراهنة ، لكنه يساعد على تفكيك الذهنية التي تسمح بولادة خطاب الكراهية او تفاقمه. نحن – بعبارة اخرى – نوفر وقاية للاجيال الجديدة التي نخشى ان يجرفها تيار الكراهية والعنف.
ب) شهدت العقود الثلاثة الماضية ما يمكن اعتباره افراطا في توحيد المجال الديني ، ادى الى انقسامات مركزية. نحن اليوم نتحدث عن خمسة او ستة تيارات دينية تقتسم معظم الساحات. وجميع هذه التيارات تستثمر الموروث التاريخي في تعزيز مشروعيتها. ولهذا فهي تزداد انغلاقا مع مرور الزمن. وزاد في الوضع سوءا ان هذا العدد القليل من التيارات ، نجح – لاسباب مختلفة – في الاستيلاء على المجال السياسي الأهلي ، فاختلط الديني الذي طبيعته الثبات والاستمرار بالسياسي الذي طبيعته التحول والتنوع. ونتيجة لهذا اصبح الفضاء السياسي العام في اكثر من دولة عربية ، مغلقا او ضيقا على كل من يبحث عن خيارات بديلة او مختلفة.
في معظم الدول العربية ، ثمة صراع ظاهر او مكتوم بين فريقين: الدولة والتيار الديني ، الذي يتبنى في الغالب المقولات التقليدية الموروثة. هذا تعارض لا يمكن حله بادماج المجالين ، الرسمي والاهلي ، ولا بتحالف الدولة مع التيار الديني التقليدي، فهما عالمان متناقضان جوهريا.

الحل الصحيح هو فتح المجال امام حياة سياسية اعتيادية ، تساعد على ظهور خيارات بديلة للجمهور ، ومن بينها خصوصا خيارات دينية بديلة. اعتقد ان التعددية السياسية الحرة (اي غير التوافقية او المضبوطة بضوابط حكومية او دينية) يمكن ان تشكل أداة فعالة لاحتواء الطامحين والباحثين عن أدوار ، وهو المقدمة الضرورية لاصلاح خطوط الانكسار الاجتماعي والسياسي ، او على الاقل تلافي انعكاساتها الخطرة ، سيما تفاقم حالات الاحباط بين الاجيال الجديدة ، وهي الارضية التي تسمح بظهور الاتجاهات الراديكالية او تبرير الكراهية والعنف.

"القبس" الكويتية 20/09/2015 
http://www.alqabas.com.kw/Articles.aspx?ArticleID=1091015&CatID=323

المواطن "الممتاز" والمواطن "العادي"

سألتني السيدة ميره ، وهي مثقفة من دولة الامارات الشقيقة ، عن علاقة المواطنين ببعضهم وعلاقتهم بوطنهم: هل نكتفي بمضمونها القانوني ، ام نحتا...