16/11/2010

قراءة في كتاب "حدود الديمقراطية الدينية"


بقلم : أنس زاهد

من أجمل وأهم الكتب التي وقعت بين يدي مؤخرًا، كتاب (حدود الديمقراطية الدينية) للباحث والمفكر السياسي السعودي الدكتور توفيق السيف. الكتاب عبارة عن بحث مطول وتفصيلي لمسألة الحداثة ، ومسيرتها في إيران منذ العهد الشاهنشاهي وحتى الآن.
وتكمن أهمية الكتاب ليس فقط في كون البلد موضوع البحث هو أحد أكبر البلاد الإسلامية، ولكن لأن مسيرة الحداثة والتنمية بطبيعتها تتعرض لنفس العقبات، وتواجه ذات الصعوبات، لدى معظم البلاد الإسلامية.

الكتاب تطرق بالبحث لمسيرة الحداثة في عهد الشاه، وناقش أسباب فشلها، ثم تعرض لمرحلة صعود الفكر الثوري التي جاءت كنتيجة لمحاولات التجديد الديني.

وفي هذا الشق بالتحديد بذل الباحث مجهودًا كبيرًا للوصول إلى الجذور التاريخية للفكر التجديدي، وهو ما يتضح بجلاء من خلال مئات المصادر التي اعتمد عليها المؤلف لتوثيق بحثه.

الكتاب لم يكتفِ بذلك، بل قام عبر باقي فصوله برصد مسيرة الحداثة التي راوحت بين التقدم والتراجع، بعد نجاح الثورة واستلامها مقاليد الحكم. ولأن الهدف من وراء تأليف الكتاب لم يكن يتعلق بالرصد والتوثيق لمرحلة تاريخية معينة، فقد ناقش الباحث أسباب النجاحات التي وصلت إليها التجربة والعثرات التي عرقلتها، وأخّرت مسيرتها وأوصلتها في بعض الأحيان إلى مرحلة هي أشبه بالنكوص منها بالفشل.

وللوقوف على حقيقة الأسباب المختلفة التي أدت إلى تحقيق النجاحات وظهور الإخفاقات، قام المؤلف بدراسة عميقة لفكر التيارات الفاعلة على الساحة، وركز على استجلاء مواطن الاختلاف العميق في فكر كل تيار من هذه التيارات مع التيارات الأخرى.

الباحث استخدم مصطلحي (المحافظون)، و(الإصلاحيون) للإشارة إلى التيارين السائدين في إيران اليوم.  وهو مصطلح معروف عالميًّا، لكن الباحث وضع يده على الفروق الأيديولوجية واختلاف المرجعيات والمنطلقات الفكرية لكل فريق، ولم يكتفِ كما يفعل معظم المهتمين بالشأن الإيراني، بإظهار الفروق على مستوى الطرح والأداء السياسي لكلا الفريقين. أمّا أسلوب التناول فقد تميّز بصبغة أكاديمية واضحة، والمهم فعلاً أن الطرح الأكاديمي لم يحل بين الكاتب وبين التدفق في طرح أفكاره التي اتسمت بالحيوية والخصوبة.

(حدود الديمقراطية الدينية) كتاب يستحق أن يُقرأ أكثر من مرة.

جريدة المدينة     16/11/2010

11/11/2010

قليل من صور الفساد: الادارة الشخصية




القضاء على الفساد الاداري يتوقف على التخلص كليا ونهائيا من نظام الادارة الشخصية التي تربط كل عمل ومعاملة وقرار بموافقة شخص المدير. هذا النظام يوفر بيئة خصبة لظهور الفساد الاداري في معناه الاوسع اي ذلك الذي يشمل الرشوة والمحسوبية ، كما يشمل تعطيل الاعمال وزيادة كلف الاستثمار ، كما يشمل الانفراد بالراي في تقرير المصالح العامة .Survival Guide for Millennial Managers — The Bossy Times
في هذا النظام تشيع المحسوبية . اذا كنت صديقا للمدير او جارا لاخيه او قريبا لزوجته فحقك محفوظ . فان لم تكن كذلك فسوف تضطر للبحث عن وسيط او شفيع يقنع المدير الهمام ، بالشيمة او بالقيمة كما يقول قومنا . في حادثة من الحوادث دفع احدهم عشرين الف ريال لسائق المدير كي يضمن لابنته كرسيا في الجامعة . وفي حادثة اخرى حاول رجل اعمال دفع بضعة ملايين للحصول على ترخيص تجاري استثنائي . وهذه وغيرها من الامثلة تنشرها الجرائد ويعرفها عامة الناس. والسبب فيها جميعا ان "راي" سعادة المدير هو قفل العمل ومفتاحه معا .
تأخير المعاملات هو صورة اخرى من صور الفساد الاداري المعتادة في ظل نظام الادارة الشخصية. بعض المعاملات تستغرق خمس دقائق على ابعد تقدير ، لكن انتظار توقيع المدير يجمدها شهرا او شهرين او ربما اكثر . بعض المعاملات يستدعي دفع غرامات على التاخير ، لكنهم لا يهتمون بهذا. الادارة ليست مسؤولة عن وقت الناس ، وهي اساسا لا تعتبر ان للزمن قيمة حتى تستعجل الامور ، فكل شيء قابل للانتظار حتى تنتهي اجتماعات المدير او حتى يعود من الاجازة .. الخ.
الوقت له ثمن اقتصادي يعرفه جميع المحترفين ورجال الاعمال ، الساعة لها قيمة والدقيقة لها قيمة ، يمكن استثمارها في زيادة الانتاج او انفاقها في تعبئة اوراق مكررة والجري وراء هذا الموظف او ذاك او انتظار فراغ المدير او او .. الخ. اذا كنت ستبدأ استثمارا في وقت معين ثم تاخرت البداية سنة او اقل او اكثر فانت تخسر بما يعادل الدخل المتوقع خلال هذه الفترة . لو كنت ستربح في هذا العام مئة الف ، فان المئة الف هي خسارة سببها الوحيد هو تعطيل المعاملة.
 المدير الذي رايه محور الادارة ، يرضى ويغضب ، فاذا رضي سهل معاملات الناس ، وخفف من الاجراءات اللازمة للموافقة عليها . واذا صادف ان غاضب زوجته او عاكسه صبي بسيارته او علم بخسارته في سوق الاسهم ، فياويل الناس ويا سواد ليلهم . سوف يقرر المدير في هذا اليوم وضع العشرات من القيود والتعليمات والاجراءت كي لا تمر معاملة الا بعد ان يلج الجمل في سم الخياط.
اخيرا فان الادارة الشخصية توفر بيئة للتمييز بين الناس في الفرص والتكاليف . فالقريب او المقرب يحصل على حقه وزيادة ، والبعيد لا يحصل على حقه الا بعد ان يدفع مالا او وقتا او كرامة من خلال التوسل بهذا وذاك او التملق لهذا وذاك.

اذا شاع الفساد في اي من صوره ، رشوة كان او تعطيلا ، او ارهاقا للجسم والكرامة ، فان ضحيته الاولى ستكون هيبة القانون وهيبة السلطة ، ورضى العامة الذي هو اساس الاستقرار والتقدم . نحن لا نستطيع وضع رقيب على كل موظف ، لكننا نستطيع اقرار قانون يلغي الحاجة الى راي المدير وتوقيعه . نستطيع اقرار قانون ينظم تظلم الناس من تصرفات المدراء والموظفين ، نستطيع اقرار قانون يفرض على الدائرة الحكومية دفع المقابل المادي لتعطيل العمل . عندئذ سنجد اشكال الفساد هذه تتراجع الى حدها الادنى.

هذا ما يسمونه في علم السياسة بالمسؤولية  او المحاسبة. القانون هو الاطار الصحيح للعلاقة بين المجتمع والادارة الرسمية ، وسيادة القانون تعني توفير اليات للتظلم ومحاسبة الاشخاص الذين يحولون الادارة الرسمية من وعاء لتطبيق القانون الى مجلس لانفاذ ارائهم الشخصية والتعبير عن ميولهم ونزعاتهم الخاصة او الحكم كما يحلو لهم.

مقالات ذات علاقة

يا ملقوف ايش دخلك

رحلة البحث عن الذات

  قلت في الاسبوع الماضي ان كتاب الاستاذ اياد مدني " حكاية سعودية " ليس سيرة ذاتية بالمعنى الدقيق ، وان بدا هكذا. وسألت نفسي حينئذ...