20/09/2010

عدد النساء في وزارة العمل


بطالة النساء هي التحدي الكبير الذي يواجهه وزير العمل الجديد. طبقا لتقديرات مصلحة الإحصاءات العامة فإن نسبة العاطلات عن العمل تصل إلى 27 في المائة. وأعرف ويعرف غيري أن العدد الحقيقي يزيد على ضعف هذه النسبة. إن مقارنة الأرقام الخام لعدد العاملات وطالبات العمل مع إجمالي النساء في سن العمل تكشف عن الحقيقة التي تخفيها النسب والتقديرات غير المحايدة. لكن حتى لو افترضنا أن هذه النسبة «معقولة» فإنها تشكل تحديا محرجا.
بذلت الوزارة في السنوات الماضية جهدا ليس بالقليل لمعالجة موضوع البطالة، لكن تلك الجهود تبقى موضع جدل لجهة الفلسفة التي قامت عليها والنتائج الفعلية التي أسفرت عنها. ومن المؤكد أن لدى مسؤولي الوزارة الكثير من المبررات والتفسيرات، قد نتفهم بعضها، لكنها لا تغير شيئا من الوقائع التي نراها على الأرض.
يمكن للوزارة أن تحدث اختراقا استراتيجيا إذا بدأت من النقطة الصحيحة، وأعني بها كادر الوزارة نفسها، ثم بقية دوائر الدولة. أقترح على الوزير أن يسأل مساعديه: كم تبلغ نسبة النساء بين مجموع موظفي الوزارة؟. وسيسمع الجواب الذي لا يتمناه: أقل من «5» في المائة.
تقول مصلحة الإحصاءات العامة إن عدد العاملات في القطاع الحكومي يبلغ الآن 275 ألفا، من أصل 900 ألف موظف، أي 30 في المائة، وقبل ثلاث سنوات كانت هذه النسبة 33 في المائة.
 بعبارة أخرى فإننا قد تراجعنا بدل أن نتقدم أو على الأقل نحافظ على نفس المستوى الضعيف. هذا بطبيعة الحال لا يعكس صورة دقيقة عن موقع المرأة في سوق العمل، لسببين:
 أولهما: أن معظم هذه النسبة مركز في وزارتين فقط هما التربية والصحة،
 والثاني: لأن القطاع الخاص شبه مغلق أمام النساء. طبقا لأرقام وزارة العمل فإن نسبة العاملات في القطاع الخاص قد ارتفعت بنسبة واحد في المائة فقط خلال ثلاث سنوات «من 6% عام 2006 إلى 7% عام 2009»، هذا يعني أن الوظيفة الحكومية تمثل فرصة وحيدة للنساء لأسباب معروفة.
من هنا فإني أدعو الوزارة إلى التركيز على هذه النقطة بالتحديد، أي منح النساء فرصا مضاعفة في القطاع الحكومي. وهذا ينبغي أن يبدأ من كادر وزارة العمل نفسها كي تكون نموذجا وأمثولة للوزارات الأخرى. ليس من المعقول أن تطالب الوزارة القطاع الخاص بتوظيف النساء وتنسى نفسها، مع أن ظروف العمل في القطاع الحكومي أنسب للنساء وأقل إثارة للجدل. في كل وزارة هناك الآلاف من الوظائف التي لا تستدعي اختلاطا ولا مواجهة مع الجمهور، وهي كلها تمثل فرصا طبيعية لمن يبحث عن حلول للمشكلة.
ترى هل تستطيع وزارة العمل وضع برنامج لإحلال النساء في 50 بالمائة من وظائفها خلال خمس سنوات؟.
خطوة كهذه ستشكل إشارة انطلاق لبرنامج أوسع يستهدف إلزام الدوائر الحكومية بتحديد نسبة إلزامية «كوتا» للوظائف التي تشغلها النساء في كل وزارة، لا تقل عن 20 في المائة على المستوى الوطني، و35 في المائة للإدارات التي تمثل بيئة تفضيلية للنساء، أي تلك التي يمثل العمل المكتبي نسبة كبيرة من وظائفها.
سمعت قبل أيام عن اعتزام وزارة التربية تأنيث قطاع تعليم البنات بشكل كامل، وإذا صح وجود استراتيجية لهذا الغرض فيجب أن ترفق ببرنامج زمني معقول. وهي على أية حال بادرة طيبة. لكن الأمر مطلوب أيضا من الوزارات الأخرى مثل الشؤون الاجتماعية والصحة والمالية والتجارة ومؤسسة النقد والتعليم العالي..
اشتغال النساء ليس ضرورة اقتصادية فقط، بل هو أيضا ضروري لإصلاح اختلالات ثقافية واجتماعية عميقة يعاني منها بلدنا بسبب هيمنة نمط ثقافي تقليدي عاجز عن استيعاب الحاجات الواقعية للناس والتغير الفعلي في نظام القيم والمصالح في السنوات الأخيرة. ربما لا يدرك التقليديون أن كثيرا من التوترات والأمراض الاجتماعية وحالات العنف والسخط ترجع إلى انعدام التوازن في بنية الإنتاج والدخل ومصادر المعيشة. ومن هنا فإنهم يسهمون غفلة أو تغافلا في تعميق تلك الاختلالات بمعارضتهم للتوسع في اشتغال النساء. يمكن لوزارة العمل أن تقدم خدمة عظيمة للبلاد إذا ساهمت في حل هذا المشكل. لكن عليها أن تبدأ بنفسها أولا.

21/08/2010

لا تتوقفوا في منتصف الطريق


ثمة قدر معقول من الحيوية في المشهد الثقافي السعودي ، لكن الطريق الى حياة ثقافية ناضجة لا زال طويلا.  كي نصل الى هذه الغاية فاننا بحاجة الى طرح قضايا جديدة او قضايا محورية تساعد على شق الطريق امام مناقشات جديدة. خلال السنوات الثلاث التي مضت دار جدل كثير حول القيم والاعراف السائدة في المجتمع السعودي وحول مراكز النفوذ الثقافي وعوائق النشاط الثقافي . وقد اثمرت هذه النقاشات عن فهم مختلف نوعا ما لقواعد التنظيم الاجتماعي والمعايير الثقافية. لكننا لم نصل بعد الى اقرار نهائي بهذه المعايير. نحن لا نزال في اول الطريق .

 في الاسبوع المنصرم نشر ملحق الرسالة بجريدة المدينة مناقشة حول حرية التعبير ، لاحظت ان طابعه العام اعتذاري او تبريري. الحديث عن حرية التفكير وحرية التعبير ينبغي ان يكون تقريريا او تفسيريا. الاتجاه الاعتذاري او التبريري ينبيء عادة عن قلق من الحرية اكثر مما يشير الى ايمان بها. ملحق الرسالة يعبر في العادة عن اتجاه ديني معتدل . واظن ان الموقف العام للتيار الديني من مسألة الحرية موقف مرتبك. التقليديون في هذا التيار يخشون من انهيار القيم والاعراف اذا قبلوا بالحرية كمبدأ وقيمة عليا ، والمعتدلون يشعرون في داخلهم بان حرية التفكير والتعبير هي المقدمة الضرورية لتجديد الفكر الديني. وهم يعبرون عن هذا صراحة احيانا وبين السطور في معظم الاحيان. لكن هذه القناعة لا تزال فيما يبدو بكرا لم تنضج ولم تصارع الاشكالات. مسألة الحرية ولا سيما حرية التفكير والتعبير هي مثال على القضايا التي طرقنا سطحها ولم نذهب في النقاش حولها الى العمق.

اضافة الى مسالة الحرية ، هناك الكثير من المسائل الحرجة التي يمثل البحث فيها مفتاحا لتطوير الثقافة العامة. من ذلك مثلا مسألة القانون ، سيادة القانون ، عدالة القانون ، والمساواة امام القانون. هذه المسالة قد تبدو بعيدة عن هموم معظم المشتغلين بالثقافة في بلادنا ، رغم انها جوهرية مثل حرية التفكير والتعبير. نحن نتحدث عن الثقافة العامة في معناها الواسع الذي يتضمن فهم الفرد لنفسه ودوره وعلاقته بالسلطة والنظام الاجتماعي واعضاء المجتمع ومؤسساته. هي مهمة بصورة خاصة في مجتمعنا بسبب هيمنة الجانب الشخصي والعلاقات الشخصية على الاعمال والعلاقات. الشكوى من شيوع الواسطة والمطالبة بتدخل الكبار ونزوع الافراد الى الاستنجاد بروابطهم القبلية والمناطقية والعائلية ، وتصنيف الناس الى اعداء واصدقاء بحسب دوائر انتمائهم ومتبنياتهم ، تشير كلها الى غياب فكرة القانون عن اذهان الناس. القانون ليس سوى المعايير الموحدة لتبادل الحقوق والواجبات بين الافراد والمؤسسات الاجتماعية ، سواء تلك التي تتمتع بسلطة الامر والنهي او تلك المكرسة للخدمة العامة . النقاش في القانون لا ينبغي ان يقتصر على الجانب الدعوي المعتاد ، أي مطالبة الناس بطاعة القانون ، فهذا الامر من البديهيات وهو لا يضيف جديدا. نحتاج الى مناقشة القانون باعتباره اطارا للحرية الفردية والمساواة في الفرص والواجبات وتنظيم التعارض بين المصالح.

اتمنى من كل قلبي ان يبادر الناشطون في التيار الديني الى طرح مثل هذه القضايا على مائدة النقاش ، طرحا يستهدف تطوير الفكرة واستبيان ما تنطوي عليه من امكانات ومن تحديات ، وليس فقط مجادلتها كعدو او كجسر للعدوان. يهمني جدا ان يبادر هؤلاء ، لانها سوف تطرح للنقاش اليوم او غدا ، وحين يطرحها غيرهم فقد يجدون انفسهم – بحسب منطق الصراع – في الطرف المعارض للفكرة . وحينئذ سوف تفوتهم فرصة التامل الواقعي في ما تنطوي عليه من فرص هائلة. اقول هذا بعدما لاحظت انهم قد وقفوا دهرا ضد فكرة التحديث والتجديد والعصرنة ، ثم عادوا لتبني بعض جوانبها على خجل.

 ليس كل التحديات الثقافية نذر عدوان ، وليس كل ما يطالب به الاخرون اجندة غزو. للتيار الديني مصلحة اكيدة في ركوب قطار التجديد لان التجديد هو منطق الزمن. لسنا مخيرين بين التجديد وعدمه ، لكننا مخيرون بين تجديد سطحي استهلاكي وبين تجديد حقيقي ينال العمق. المسار الثاني يتطلب طرح القضايا الاساسية ومناقشتها بتعمق ومن دون قلق. حين تنضج حياتنا الثقافية فسوف نجد كثيرا من الامور ممكنة حتى لو بدت عسيرة او مخيفة في اول الامر.  

المواطن "الممتاز" والمواطن "العادي"

سألتني السيدة ميره ، وهي مثقفة من دولة الامارات الشقيقة ، عن علاقة المواطنين ببعضهم وعلاقتهم بوطنهم: هل نكتفي بمضمونها القانوني ، ام نحتا...