بطالة النساء هي التحدي
الكبير الذي يواجهه وزير العمل الجديد. طبقا لتقديرات مصلحة الإحصاءات العامة فإن
نسبة العاطلات عن العمل تصل إلى 27 في المائة. وأعرف ويعرف غيري أن العدد الحقيقي
يزيد على ضعف هذه النسبة. إن مقارنة الأرقام الخام لعدد العاملات وطالبات العمل مع
إجمالي النساء في سن العمل تكشف عن الحقيقة التي تخفيها النسب والتقديرات غير
المحايدة. لكن حتى لو افترضنا أن هذه النسبة «معقولة» فإنها تشكل تحديا محرجا.
بذلت الوزارة في السنوات
الماضية جهدا ليس بالقليل لمعالجة موضوع البطالة، لكن تلك الجهود تبقى موضع جدل
لجهة الفلسفة التي قامت عليها والنتائج الفعلية التي أسفرت عنها. ومن المؤكد أن
لدى مسؤولي الوزارة الكثير من المبررات والتفسيرات، قد نتفهم بعضها، لكنها لا تغير
شيئا من الوقائع التي نراها على الأرض.
يمكن للوزارة أن تحدث
اختراقا استراتيجيا إذا بدأت من النقطة الصحيحة، وأعني بها كادر الوزارة نفسها، ثم
بقية دوائر الدولة. أقترح على الوزير أن يسأل مساعديه: كم تبلغ نسبة النساء بين
مجموع موظفي الوزارة؟. وسيسمع الجواب الذي لا يتمناه: أقل من «5» في المائة.
تقول مصلحة الإحصاءات العامة
إن عدد العاملات في القطاع الحكومي يبلغ الآن 275 ألفا، من أصل 900 ألف موظف، أي
30 في المائة، وقبل ثلاث سنوات كانت هذه النسبة 33 في المائة.
بعبارة أخرى فإننا
قد تراجعنا بدل أن نتقدم أو على الأقل نحافظ على نفس المستوى الضعيف. هذا بطبيعة
الحال لا يعكس صورة دقيقة عن موقع المرأة في سوق العمل، لسببين:
أولهما: أن معظم
هذه النسبة مركز في وزارتين فقط هما التربية والصحة،
والثاني: لأن القطاع الخاص
شبه مغلق أمام النساء. طبقا لأرقام وزارة العمل فإن نسبة العاملات في القطاع الخاص
قد ارتفعت بنسبة واحد في المائة فقط خلال ثلاث سنوات «من 6% عام 2006 إلى 7% عام
2009»، هذا يعني أن الوظيفة الحكومية تمثل فرصة وحيدة للنساء لأسباب معروفة.
من هنا فإني أدعو الوزارة
إلى التركيز على هذه النقطة بالتحديد، أي منح النساء فرصا مضاعفة في القطاع
الحكومي. وهذا ينبغي أن يبدأ من كادر وزارة العمل نفسها كي تكون نموذجا وأمثولة
للوزارات الأخرى. ليس من المعقول أن تطالب الوزارة القطاع الخاص بتوظيف النساء
وتنسى نفسها، مع أن ظروف العمل في القطاع الحكومي أنسب للنساء وأقل إثارة للجدل.
في كل وزارة هناك الآلاف من الوظائف التي لا تستدعي اختلاطا ولا مواجهة مع
الجمهور، وهي كلها تمثل فرصا طبيعية لمن يبحث عن حلول للمشكلة.
ترى هل تستطيع وزارة العمل
وضع برنامج لإحلال النساء في 50 بالمائة من وظائفها خلال خمس سنوات؟.
خطوة كهذه ستشكل إشارة
انطلاق لبرنامج أوسع يستهدف إلزام الدوائر الحكومية بتحديد نسبة إلزامية «كوتا»
للوظائف التي تشغلها النساء في كل وزارة، لا تقل عن 20 في المائة على المستوى
الوطني، و35 في المائة للإدارات التي تمثل بيئة تفضيلية للنساء، أي تلك التي يمثل
العمل المكتبي نسبة كبيرة من وظائفها.
سمعت قبل أيام عن اعتزام
وزارة التربية تأنيث قطاع تعليم البنات بشكل كامل، وإذا صح وجود استراتيجية لهذا
الغرض فيجب أن ترفق ببرنامج زمني معقول. وهي على أية حال بادرة طيبة. لكن الأمر
مطلوب أيضا من الوزارات الأخرى مثل الشؤون الاجتماعية والصحة والمالية والتجارة ومؤسسة
النقد والتعليم العالي..
اشتغال النساء ليس ضرورة
اقتصادية فقط، بل هو أيضا ضروري لإصلاح اختلالات ثقافية واجتماعية عميقة يعاني
منها بلدنا بسبب هيمنة نمط ثقافي تقليدي عاجز عن استيعاب الحاجات الواقعية للناس
والتغير الفعلي في نظام القيم والمصالح في السنوات الأخيرة. ربما لا يدرك
التقليديون أن كثيرا من التوترات والأمراض الاجتماعية وحالات العنف والسخط ترجع
إلى انعدام التوازن في بنية الإنتاج والدخل ومصادر المعيشة. ومن هنا فإنهم يسهمون
غفلة أو تغافلا في تعميق تلك الاختلالات بمعارضتهم للتوسع في اشتغال النساء. يمكن لوزارة
العمل أن تقدم خدمة عظيمة للبلاد إذا ساهمت في حل هذا المشكل. لكن عليها أن تبدأ
بنفسها أولا.
صحيفة عكاظ - 20 / 9 / 2010م