03/01/2005

الازمان الفاسدة والناس الفاسدون

في الاسابيع الماضية انتقد عدد من الكتاب توسع بعض اهل الفقه في اصدار فتاوى التحريم ، ووجدوا انهم لا يستندون الى أدلة متينة بل الى اعادة تفسير لتلك الادلة او اغراق في السماح بتسلسل الحكم الى موضوعات تتجاوز – واحيانا تختلف ذاتيا وعلائقيا – عن موضوع الحكم الاول . وقد وجدت ان كثيرا من تلك الفتاوى تستند الى قاعدة ثانوية من القواعد المعمول بها في اصول الفقه هي قاعدة "سد الذرائع" . والمقصود بسد الذرائع هو منع الافعال التي يظن ان الاخذ بها مؤد في الغالب الى الفساد حتى لو لم يكن الفعل بذاته ممنوعا في الشريعة . وعلى هذا الاساس صدرت الفتوى في سياقة المرأة للسيارة وكثير من الفتاوى المماثلة.
في قديم الايام كان خطيب المنبر يعلمنا قولا من المأثورات "اذا حسن الزمان فظن بالناس خيرا واذا فسد الزمان فظن بهم شرا" وكانت الاشارة الى ان الزمان يتجه الى الفساد . وكبر الولد الصغير وتحولت محفوظاته الى اسئلة: متى يحسن الزمان ومتى يفسد؟ ، وما هي حدود الفساد وما هي حدود الظن؟. حين شب الولد ودرس اصول الفقه ، تعلم ان من القواعد الراسخة في منهج الاجتهاد هي قاعدة "بناء العقلاء" ، وهو ما يساوي في لغة اليوم الرجوع الى العرف العام باعتباره توافقا ضمنيا بين العقلاء ، وقاعدة "حمل عمل المسلم على الصحة" وهي تساوي اعتبار قصد الاحسان في عمل الغير حتى لو لم تعرف دوافعه . ثم تقادمت الايام فتعلم الولد التفريق بين الصور الذهنية عن الاشياء والحقيقة الواقعية لتلك الاشياء ، وفي التطبيق وجد ان الصورة الذهنية لعامة الناس في الادب المدرسي هي اعادة انتاج للفكر اليوناني القديم.

طبقا لراي افلاطون فان الانسان لو ترك وشانه لكان اميل الى الفساد منه الى الصلاح ، وان اجتماع الناس بذاته مولد للفساد ، ولهذا فانه نظر الى السلطة باعتبارها اداة ردع للفساد في المقام الاول . وقد تأثر بهذا الاتجاه معظم العلماء المؤسسين للتراث الاسلامي الذين حفظ الزمان نتاجاتهم ، ولا سيما علماء القرن العاشر الميلادي ، وتاثر بها الطوسي والغزالي والماوردي وابن سينا وغيرهم . وانتقل منهم الينا عبر قراء التراث المعاصرين. والحقيقة انه قد اثر ايضا على مساحة واسعة من الفكر الاوربي فانتج ما يعرف اليوم بالتيار المحافظ الذي تجده في السياسة والفلسفة والسوق وفي كل مجال.
من ابرز سمات التيار المحافظ السياسي هو تعظيمه من شأن النخبة وتهوينه من شأن عامة الناس وتركيزه على فكرة الردع باعتبارها مضمونا بارزا للسلطة . فكرة الحاكم المطلق التي دعا اليها المفكر المعروف توماس هوبز هي نتاج للوهم الانثروبولوجي الذي اسماه بمجتمع الحالة الطبيعية الذي يتقاتل فيه الافراد على المصالح والرغبات حتى يصل الى حالة الحرب الاهلية بين الافراد. الصورة التي يقدمها هوبز لمجتمع الانسان ، هي ذاتها التي عول عليها افلاطون ومن تاثر به .
التساهل في التحريم والميل الى اساليب الردع قد يكون ثمرة لتلك الخلفية الثقافية التي تنظر الى الناس كمادة للفساد ، ولا سيما في الازمان الفاسدة . والمشكلة انه لا توجد اي وسيلة معيارية لقياس ما يوصف بالفساد او الصلاح ، كما ان السائرين على منهج التجريم لا يظهرون عناية كبيرة بالقواعد الاصولية الراسخة ، مثل "حمل عمل المسلم على الصحة" و"بناء العقلاء" وما يماثلها من الامارات المعتبرة من قبيل الرجوع الى العرف العام في تقرير المصالح والمفاسد. وفي ظني ان المدارس الدينية هي الان اكثر ميلا الى اعتبار الزمان الحاضر زمان فساد ، ويرجح عندي ان هذا التصور هو احد انعكاسات ما يسميه الاجتماعيون المعاصرون بالصدمة الثفافية التي نجمت عن الانفتاح على المدنية الغربية ، وما اثمر عنه ذلك من تفكيك واسع لبنى المجتمع التقليدي ، الثقافية والاقتصادية والعلائقية ، الامر الذي ادى الى انهيار منظومات القيم ومعايير السلوك المتعارفة في المجتمع القديم او انكماشها الى نطاقات ضيقة تنكمش بالتدريج.
ضمن هذا الاطار الموسع نسبيا ، فاننا نفهم الميل الى تجريم العامة والتساهل في تحريم الافعال ، باعتباره نوعا من الرفض الذهني للتغيير القسري في الحياة الاجتماعية . وهو رفض يقف عند حدود التمرد على هذا الواقع لكنه لا يقدم بديلا افضل منه ، ولهذا فانه سرعان ما يتلاشى ويصبح مجرد خبر . هذا هو المصير  الذي آلت اليه محاولات مماثلة في اوقات سابقة ، مثل تحريم تعليم البنات ، وتحريم بعض العلوم مثل الجغرافيا واللغات الاجنبية ، وتحريم العمل في بعض القطاعات مثل البنوك والجمارك ، وتحريم السفر الى بلاد الاجانب ، ووو.. الخ

25/12/2004

الكلفة السياسية لفواتير الهاتف


 طبقا لتقارير الصحافة المحلية فان شركة الاتصالات السعودية قادرة على منع اي مواطن او مقيم من السفر اذا كان مديونا لها ، وتقول الشركة ان هذا ينطبق على المديونيات التي تتجاوز العشرة الاف ، لكن مواطنين افادوا بانهم او مكفوليهم منعوا من السفر من اجل خمسة عشر ريالا فقط . والمبلغ الاخير يقل بالتاكيد عن كلفة المحاسبة وفرض قرار المنع وتنفيذه اذا اردنا ان نحسب كلفة العمل الذي تقوم به الشركة او جهة التنفيذ . هذه الكلف في المجموع تمثل اهلاكا لعوامل الانتاج ، ولو جرى احتساب مجموع الكلفة التي تقع على جميع المتضررين ، فلربما تصل الى نسبة مؤثرة من الناتج الوطني العام .

الكلفة المادية على اهميتها قد تكون هينة بالقياس الى الكلفة السياسية والاجتماعية لمثل هذا النوع من الاجراءات. من الناحية القانونية فان شركة الاتصالات لا تختلف عن اي بقال في السوق ، فكلاهما يعتبر – قانونيا – وحدة تجارية خاصة غرضها الربح ، وبالتالي فان علاقتها مع المواطن من جهة ومع الدولة من جهة اخرى ، هي علاقة مصلحة مالية بحتة . صحيح ان شركة الاتصالات تقدم خدمة عامة ، لكنها خدمة مقيمة بالكامل على اساس تجاري وغرضها الربح وليس مساعدة المواطنين فلماذا تمنح حقا من نوع منع المواطنين من السفر . دعنا نتصور خطورة المسألة لو ان كل منشأة تجارية اخرى حصلت على حق مشابه ، حينئذ فان البقال الذي يجاور بيتك يستطيع منعك من السفر لانك تأخرت في سداد قيمة مشترياتك ، والبنك سيمنعك من السفر حتى تسدد فاتورة البطاقة الائتمانية ، وشركة الكهرباء لان الشيك لم يصلها في الموعد المقرر ، وصديقك الذي تدين له بعشرين ريالا لانه نسي انك دفعت حقه ، وصاحب التكسي لانه صادف يوما انك ركبت السيارة ولم يكن معك فكة ، وشركة الخطوط لانك حجزت مقعدا ولم تشتر التذكرة ، وو.. الخ . وقبل زمن كانت شرطة المرور تستطيع منعك من السفر اذا لم تسدد مخالفات السير ، ولا ادري ان كان الامر جاريا حتى الان ام لا .

المبالغة في ايقاع عقوبة المنع من السفر على المواطنين لاي سبب ، معقولا او غير معقول له كلفة سياسية كبيرة تتمثل في تعميق شعور الناس بالحصار. اي ان تكون حركة المواطن وعمله وسفره ومعيشته، كلها محكومة بارادة اخرين يتمتعون بقدرة مطلقة وفورية على اعاقته في اي وقت .

من ابرز سمات الدولة الحديثة هو التمييز الحاسم بين الدولة (التي تمثل جميع الناس) والمنشآت التجارية التي تمثل مصالح اصحابها فقط . بموجب هذا التمييز فان القطاع التجاري يمنع بصورة كاملة من الاستفادة من قوى الدولة او صلاحياتها القانونية لتحقيق اغراض تجارية خاصة ، ومن بينها منع التجار من ايقاع اي نوع من العقوبة على المواطنين . ولهذا مثلا فان الدول المتقدمة تمنع على الشركات التي تستفيد من ميزات ترجيحية (من نوع احتكار صناعة الاتصالات الذي تتمتع به شركة الهاتف) من قطع الخدمة الا بعد اخطار قانوني متكرر وتمكين المواطن من الرد والاعتراض امام جهة محايدة .

ما يهم التاجر هو الربح اولا واخيرا ، اما الدولة فينبغي ان تهتم بتحرير المواطن من الضغوط المختلفة ، المعيشية و الاجتماعية وغيرها . المنع من السفر هو حرمان للمواطن من حق طبيعي واصلي يتمتع به بموجب المواطنة وهو عقوبة كبيرة جدا تقارب عقوبة السجن . وطبقا للنظام الاساسي ومواثيق حقوق الانسان التي وقعتها المملكة في اطار الامم المتحدة ، فانه لا يجوز حرمان المواطن من حقوقه الطبيعية الا بموجب قرار من محكمة صالحة وضمن اجراءات التقاضي المعمول بها في البلاد.

في اعتقادي ان منع المواطن من السفر بناء على طلب شركة الاتصالات او المرور او اي منشأة اخرى من دون حكم قضائي متكامل الاركان ، هو مخالفة صريحة للنظام الاساسي الذي هو مرجع القوانين جميعا ، كما انه يزيد في الشعور بالمظلومية والحصار عند المواطنين . وفي مثل الظروف الحالية فاننا بحاجة الى اشاعة الرضى بين المواطنين وليس القهر . اذا ارادت شركة الاتصالات ان تحصل على حقوقها فلتقم دعوى قضائية على من تشاء ، لا ان تخرق الحقوق الثابتة للمواطن.

الدولة هي الجهة الوحيدة التي لها الحق في ايقاع العقوبات وهذا الحق مقيد – بموجب النظام الاساسي- بقرار المحكمة وتوفر ضمانات قضائية متساوية لجميع الاطراف . لهذا فينبغي عدم التوسع في استعمال القرارات الادارية ، سيما تلك التي تنطوي على خرق للحقوق الاساسية للمواطن بالنظر لما تؤدي اليه من تعقيدات في العلاقة بين المواطن والدولة ، وهو مالا يريده اي عاقل لا سيما في مثل الظروف الحالية.

 ( السبت - 13/11/1425هـ ) الموافق  25 / ديسمبر/ 2004  - العدد  1287

18/12/2004

حذام العصر وسياساتها


 كافة الاحزاب التي قررت المشاركة في الانتخابات العراقية ، مثل تلك التي قاطعتها ، تدعي ان لديها برنامجا لاعادة بناء النظام السياسي العراقي الجديد، الا انه يستحيل تقريبا اختبار مصداقية اي من هذه البرامج . كما ان اغلبية الناخبين المفترضين لن يكونوا قادرين على المقارنة بين الطروحات المختلفة والتصويت على اساسها . ولهذا فان تلك البرامج هي اقرب الى الشعارات او الآمال منها الى خطط العمل . في ظني ان الاغلبية الحاسمة من الناخبين سوف تصوت لقائمة معينة بناء على المعرفة الشخصية لواحد او عدد من المرشحين في تلك القائمة ، او بناء على الانطباعات الشخصية عن تلك الاسماء ومن يدعمهم .
في ظل التركيز على الاشخاص او الاسماء ، فانه لا يضير المرشحين ان يعرضوا شعارات متشابهة ، الامر الذي يثير سؤالا مشروعا : اذا كانوا متفقين على كل هذه الامور فما الذي يتنافسون عليه اذن؟. 

اختصار السياسة في الاشخاص هي مشكلة مزمنة في العالم العربي ، وهي ترجع اساسا الى طبيعة العلائق الاجتماعية في المجتمعات التقليدية ، حيث ترتبط الثفة بالتعارف الشخصي او الكاريزما الحقيقية او المصطنعة للافراد الذين يسعون للسلطة سواء على المستوى الاجتماعي او السياسي. الناس في المجتمعات التقليدية لا يهتمون كثيرا بالتحقق من صدقية ما يعد به الشخص ، ولا يحاسبونه فيما بعد على النجاح او الفشل في تحقيق وعوده . ولهذا فانه يسهل دائما تقديم اعظم الوعود حتى لو كانت مستحيلة موضوعيا او عمليا.

تعاني الحركة الدينية من هذه المشكلة بدرجة اكبر من غيرها لاسباب كثيرة ، ابرزها ان فكرة الثقة بالشخص تتحول تدريجيا الى نوع من التسليم لذلك الشخص. نجد ان مقلدي العلماء واتباع القادة الدينيين  ينظرون الى الفقيه او القائد كتجسيد للحق . وفي هذه الحالة فان مقولاته وارائه العلمية تكتسي نوعا من العصمة ولا تقارن باي راي آخر . واذا انتقدها احد فان هذا النقد يفسر فورا على انه اعلان للعداوة او ضلال عن الحق اوانحراف عن الطريق ، الزعيم هو حذام العصر"اذا قالت حذام فصدقوها فان القول ما قالت حذام" .

الحركة الدينية تحتاج بدرجة اكبر من غيرها الى معالجة هذه المشكلة لانها لا تستند الى تجربة في العمل السياسي واضحة المعالم وقادرة على اقناع الاخرين . بعض تجارب الحركات الاسلامية المعاصرة في السلطة مخيبة للامال ، والاخرى مستثناة من جانب الاسلاميين العرب ، لاسباب طائفية او لارتباطها بجدل التقليد/الحداثة . في ظني ان عجز النخبة السياسية العربية – وبينها الاسلامية – عن ابتكار برامج للتحديث منسجمة مع شبكة العلاقات الثقافية الخاصة للمجتمع العربية ، ومتناغمة في الوقت ذاته مع متطلبات المدنية المعاصرة ، هو احد الدواعي المهمة لتركيزها على الاشخاص . كما ان غياب النقاش الحر حول برامج العمل يجعل الجميع مضطرا الى التعويل على الاشخاص .

التركيز على الشخص هو مشكلة للمجتمع والدولة معا ، وهو احد الاسباب التي تحول التنمية الاجتماعية والسياسية من مسار متواصل ومتصاعد الى مراحل متقطعة . ذلك ان التعويل على الشخص بدل المشروع او البرنامج يجعل وجوده على راس المجتمع قدرا لا مفر منه . نحن نعرف ان لكل شخص طاقة معينة ، فكرية او عملية ، ترتبط فائدتها وفاعليتها بمرحلة زمنية خاصة. فاذا تجاوز المجتمع تلك المرحلة ، فان زمام الامور ينبغي ان يتحول الى رجال اخرين اوضح انتماءا للمرحلة الجديدة واقدر على فهم متطلباتها "لكل زمان دولة ورجال" . 

حينما يجري التركيز على الشخص ، ايا كان السبب ، فان ذلك الحراك التنموي الطبيعي سوف يتوقف ، وينكمش معه الحراك الاجتماعي او يتحول الى نوع من التصادم بين القيم والاعراف الموروثة من جهة ومتطلبات التحديث المتواصل من جهة اخرى . في هذه المرحلة فان عدم التغيير سيؤدي بالضرورة الى استهلاك متعاظم للقيم الروحية والاخلاقية لصالح الشخص وتحويلها من آليات نظم للحركة الاجتماعية تحظى بالاجماع الى مبررات لقهر الاجيال الجديدة بواسطة الحرس الاجتماعي القديم.

منتصف ديسمبر 2004 

11/12/2004

اين ينجح الاسلاميون واين يفشلون



المشكلة التي تواجه التيار الاسلامي في العراق هي ذات المشكلة التي تواجه هذا التيار في جميع دول العالم العربي وبعض الدول الاسلامية الاخرى. اي مشكلة الانتقال من شعار "الاسلام هو الحل" الى بيان طبيعة هذا الحل وتفصيلاته .

وفي ظني ان على الاسلاميين العرب دراسة التجربة السياسية لنظرائهم في تركيا وماليزيا . ففي هذين البلدين لم يتردد الاسلاميون في القبول بالنظام السياسي العلماني ما دام يتيح فرصا متساوية للجميع ، الاسلاميين وغيرهم . وفي التجربة التركية بالذات ، فان المجال المتاح للاسلاميين كان ضيقا الى ابعد الحدود لكنهم واصلوا مجاهدة ذاتهم ومجاهدة الغير حتى استطاعوا توسيع ذلك المجال وتحقق لهم ما هو متاح لغيرهم من فرص متساوية .

 في كلا التجربتين ، فقد كان هناك من يدعي ان حزبا اسلاميا لا يستطيع قيادة دولة ذات دستور علماني ، لأن مقتضى ذلك هو التعهد بحماية هذا الدستور والدفاع عنه ، وهو يقتضى ايضا القبول – على مستوى الفعل - بالكثير من السياسات وقواعد العمل المخالفة للشريعة .

وفي المقابل كان هناك من يدعي ان ما لا يدرك كله لا يترك اقله ، وان الاسلاميين لا يستطيعون ان ينصبوا انفسهم بديلا عن الشعب كله ، بل وحتى لو استطاعوا فليس ذلك من حقهم فالدولة هي دولة الشعب اولا واخيرا وليست دولة الجماعة الاسلامية .  بالنسبة لماليزيا مثلا ، فان المسلمين يمثلون اقل من ثلثي السكان وكان التفكير في اقامة نظام اسلامي مدعاة لاستثارة المخاوف العرقية والدينية وربما تفكيك البلاد . لهذا فان المجموعات الاسلامية الرئيسية  ركزت بدلا من ذلك على البرامج التي يسعى اليها جميع الناس ، فهي اوضحت بشكل لا يقبل اللبس انها مع الحريات العامة والتزمت بحماية التعددية الدينية والثقافية واللامركزية في الحكم . وفضلا عن ذلك فقد قدمت برنامجا لتحفيز الاقتصاد الوطني يكفل تحويل البلاد الى دولة صناعية وتوفير مصادر عيش كريم للجميع .

بين بداية السبعينات ونهاية التسعينات الميلادية تحولت ماليزيا فعليا من الاعتماد على صادرات المواد الخام الى اقتصاد متعدد المصادر يعتمد بشكل رئيسي على تصدير المواد المصنعة ولا سيما الالكترونيات . وكان هذا التحول ثمرة لبرنامج طموح قام على تطوير هيكل التعليم والتدريب وتشجيع الاستثمار في قطاع الصناعة . المظهر العام لماليزيا اليوم يعطي صورة عن دولة متقدمة وغنية ذات شعب متدين . لكن في الوقت نفسه لا يتحدث احد عن فرض الدين بالقوة ولا عن تقييد الحريات العقيدية والثقافية ، ولهذا فان الناس لا يرون اي تناقض بين التزامهم باحكام الدين وتمتعهم بحرية كاملة في العمل والسلوك والمظهر والعلاقة مع الغير. بكلمة اخرى فهم يطبقون دينا اختاروه بمحض ارادتهم ولم يفرضه عليهم احد ، ولذلك فهو دين منسجم ومتناغم مع كل ابعد الحياة الاخرى.

التجربة التركية هي الاخرى جديرة بالتامل . فقد وصل الاسلاميون الى السلطة في الوقت الذي كان اقتصاد البلاد على وشك الانهيار، بل ان القطاع المالي كان قد انهار فعلا . في تلك اللحظة لم يضع الحكام الجدد وقتا في الخطب حول مكارم الاخلاق او فضل الالتزام بتعاليم الدين . اعلى القيم الدينية هو توفير فرص العيش الكريم لعامة الناس ، واثبات ان الاسلام اذا اتى فانه ياتي لا يضيق على الناس ما توسعوا فيه . لا زال الوقت مبكرا للحكم على التجربة التركية ، لكن من الواضح حتى الان انها تتقدم بثبات ، فقد تجاوزت البلاد حدود الخطر على المستوى الاقتصادي ، كما ان مساحة الحريات العامة قد اتسعت في ظل الاسلاميين بصورة لم يسبق لها مثيل . التعدد الثقافي والتحول الديمقراطي يتعزز هو الاخر يوما بعد يوم .

ما يحتاجه الاسلاميون العرب ، في ظني ، هو التامل في كلا التجربتين . الاسلاميون العراقيون بشكل خاص بحاجة الى التقليل من انشغالهم المكثف بالخطب والكلام الصحافي والتعبوي ، والتفكر مليا فيما يستطيعون تقديمه للعراقيين ، كل العراقيين ، من برنامج سياسي يعيد تشكيل النظام ، فلربما كان العراق فرصة لاقامة ماليزيا الشرق الاوسط. لا يهم الناس ان يحكمهم رجل يسبق اسمه لقب الدكتور او المهندس او الشيخ ، ولا يهمهم ان يكون الحاكم رجلا او امرأة ، ما يهم في نهاية المطاف ، هو البرنامج الذي سيقوم الحاكم بتطبيقه ، البرنامج الذي ياتي بالحرية والرفاه للجميع ، او ياتي بالكبت والفقر للجميع.

( السبت - 29/10/1425هـ ) الموافق  11 / ديسمبر/ 2004  - العدد  1273

04/12/2004

حدود السياسي وحدود الايديولوجي ، تشابك الخارج والداخل


 في الجدل حول الملف النووي الايراني تركز اهتمام الاعلاميين على المفاوضات الطويلة بين ايران والوكالة الدولية للطاقة النووية  والترويكا الاوربية . هذا المقال لا يتناول تلك المفاوضات على وجه الخصوص ، بل يسعى لاستخلاص العبر القابلة للتعميم الى حالات سياسية اخرى.

واشير هنا الى ثلاث ملاحظات على وجه الخصوص: انقل الاولى عن الاستاذ عبد الرحمن الراشد الذي اشار الى ثلاثة نماذج من السلوك السياسي في هذا النوع من القضايا: نموذج العراق/صدام حسين الذي رفض التفاوض حول برنامج اسلحة الدمار الشامل فانتهى الى تدمير نظامه السياسي كليا ، والنموذج الليبي الذي استسلم دون مفاوضات فخسر ما بناه ولم يربح شيئا ، والنموذج الايراني الذي تمسك بالمفاوضات كسبيل وحيد لحل الخلاف بين ايران والدول الغربية. 

اما الملاحظة الثانية فانقلها عن الاكاديمي الايراني صادق زيبا كلام الذي قارن بين المفاوضات الحالية حول الملف النووي ومفاوضات ايران مع الولايات المتحدة حول ملف الرهائن ، التي انتهت الى اتفاقية الجزائر عام 1982 . ويشير زيبا كلام الى مفارقة جديرة بالاهتمام ، فهو يقول ان المفاوضات الاولى جرت في سرية كاملة ولم يعرف الايرانيون مجرياتها حتى اليوم ، بخلاف المفاوضات حول الملف النووي التي ترافقت مع نقاش واسع في الصحافة الايرانية ،  وكانت محاور الخلاف ومطالبات الجانبين ، الايراني والدولي ، وهامش المناورة المتاح لكل منهما معروفة تماما.

ويرى زيبا كلام ان ايران قد خسرت في مفاوضات الجزائر ، بينما ربحت في المفاوضات النووية ، وهو يرجع السبب الى جو الانفتاح النسبي السائد في البلاد. يقول زيبا كلام ان المفاوضين الاوربيين كانوا واعين لحقيقة ان الحكومة الايرانية لن تستطيع تمرير اي اتفاق تحت الضغط ، لان الشعب ببساطة كان عارفا بما يجري وان اي اتفاق لن يصمد اذا واجه رفضا شعبيا واسعا . هذه النقطة التي خدمت الايرانيين هذه المرة لم تكن موجودة في 1982 ، لان المفاوض الامريكي كان سيقول لنظيره الايراني ببساطة: "حسنا ، لا تعلنوا عن تفاصيل الاتفاق ولن يغضب احد" .

بكلمة اخرى : ان طرح القضايا العامة ، بما فيها تلك الشديدة الحساسية للنقاش العلني العام يعزز موقف البلاد في مفاوضاتها مع الاجانب ، لان المفاوض الاجنبي سيعرف حينئذ ان نظيره لا يستطيع الموافقة على اي عرض . من ناحية اخرى ، فان طرح القضية للنقاش العام سيحمي الحكومة ومفاوضيها من تهمة التفريط في الحقوق الوطنية او الرضوخ لضغط الاجانب ، ان اطلاع الشعب على اطراف القضية منذ البداية سيسلط الضوء على الابعاد المتعددة لها ، مما يجعل التفكير الشعبي فيها اكثر عقلانية .

الملاحظة الثالثة : طبقا لهذا الاتفاق فقد قبلت ايران رسميا وعلنيا بالتخلي عن اي جهد يمكن ان يؤدي الى تسخير برنامجها النووي للاستخدامات العسكرية . وكانت في العادة تنكر هذا الجانب ، لكن الانطباع العام في الشارع الايراني وفي العالم ايضا ، ان الطريق الذي يتخذه المشروع النووي سيؤدي في نهاية المطاف الى تمكين ايران من استخدامه في المجال العسكري. وجاء هذا التراجع الايراني على عكس ما اشتهاه التيار المحافظ ، ولا سيما العسكريون الحاليون او السابقون ، مثل محسن رضائي القائد السابق لحرس الثورة والمرشح الحالي للانتخابات الرئاسية القادمة ، الذي وصف الاتفاق بالخديعة .

 في النهاية فقد اقر الايرانيون بانه ثمة فارق بين ما يريد الانسان وما يستطيع الحصول عليه . وهذا هو الفارق بين الاعلانات الايديولوجية وبين الممارسة السياسية . حينما يعتلي السياسي منبر الخطابه وحين يصدر التصريحات ، فانه يستطيع قول ما يشاء لان احدا لن يعارضه ، لكن حين يفاوض ، ففي جعبة الطرف المقابل رد على كل كلمة وموقف احتياطي  تجاه كل موقف ، وهكذا تجري السياسة في جانبها الواقعي. هذه القضية بشكل عام تكشف عن حقيقة تلاشي الحدود بين السياسة الداخلية والخارجية ، اي عن انحدار مبدا السيادة في ميدان التطبيق ، وتحول العامل الخارجي الى جزء من معادلات الداخل والعكس.
اوائل ديسمبر 2004

27/11/2004

مشكلة الولاء الوطني في الانظمة الجديدة



في مرحلة اعادة بناء النظام السياسي الجديد ، يواجه العراق العديد من التحديات ، من بين ابرزها اعادة بناء فكرة الولاء الوطني . الولاء للوطن هو واحد من المفاهيم التاسيسية لاي مجتمع سياسي ، ويفترض كثيرون انه يتحقق بصورة طبيعية او كانعكاس للعلاقات الجديدة التي تنشأ عن وعي افراد المجتمع بوجود الدولة . خلافا لهذا الاعتقاد ، فان الاحساس بوجود الدولة ليس امرا بديهيا ، فقد ثبت ان هناك  بعض المجتمعات المعزولة – رغم قلتها ومحدودية حجمها – التي لا تشعر بوجود الدولة ، او لا تشعر بها كعامل مهم في حياتها اليومية والعامة .
يبدو للوهلة الاولى ان فكرة الولاء الوطني ، هي من البساطة والعفوية بحيث لا تحتاج الى مناقشة . في حقيقة الامر فانها - مثل كثير من الامور البسيطة الاخرى – ذات ظاهر مخادع ، فما نتصوره بسيطا وعفويا قد لا يكون كذلك . لو تأمل الانسان في كلا الجزئين اللذين يؤلفان الفكرة ، اي الولاء والوطن ، فسوف يندهش من حقيقة ان كلا منهما يفتقر الى تعريف نهائي متفق عليه . نحن نعلم مثلا ان فكرة الوطن في معناه السياسي ليست عميقة الجذور في تراثنا ، ولهذا فقد ظهرت اراء – خلال الستينات والسبعينات خاصة - تقول ان وطن الانسان هو دينه ، واذكر اننا كنا نتعلم في المدرسة الابتدائية نشيدا يقول (اضحى الاسلام لنا دينا وجميع الكون لنا سكنا) وهي تشير بوضوح الى المضمون الاممي للرسالة المحمدية ، وتعكسها في مفهوم سياسي يتعارض بصورة من الصور مع المفهوم الاقليمي الحديث للوطن.  ويعتقد كثير من القوميين العرب ان وطن العرب هو ارض العرب من اقصاها الى ادناها ، وليس الاقليم السياسي الخاص ، كما ان بعض الماركسيين كان يعتقد ان فكرة الوطن رجعية في الاساس ، فالعالم كله وطن لمن ينتج مقومات الحياة . وظهرت في الثمانينات حركة تدعو الى المواطنة الاممية وتنكر جبر الانسان على الارتباط باقليم محدد. هذا كله يظهر ان فكرة الوطن ، رغم ما تبدو عليه من بساطة ، هي فكرة معقدة في حقيقة الامر.

فكرة الولاء ليست بسيطة ايضا . فهي ترتبط بشدة بمفهوم الهوية . اذا كان الانسان يشعر بالانتماء الى قبيلته او طائفته بدرجة اقوى من الانتماء لمجتمعه السياسي ، فان ولاءه المركزي سيكون لتلك الدوائر . وتشتد حدة التمايز بين دوائر الانتماء المختلفة في الاقطار التي تشهد صراعات اهلية او انقسامات واسعة النطاق. لهذا فان من اولى واجبات الحكومة في اي بلد ، هو وضع الاطار المناسب لكي تتداخل الهويات الجزئية في الهوية الوطنية وتصبح جزء من مكوناتها بدلا من ان تكون مقابلا لها او بديلا عنها .

مشكلة الولاء الوطني في العراق هي واحد من الامثلة على تقصير الحكومات المتعاقبة في صياغة الهوية وعلاقة المجتمع بالدولة على نحو مناسب . وقد كشفت الصراعات الدائرة منذ سقوط النظام السابق عن التأزم الكامن في النسيج الاجتماعي ، والناتج في المقام الاول عن التحميل القسري لمفهوم غير صحيح للولاء ، وصياغة منحازة لفكرة الوطن . من بين ابرز الامثلة على ذلك التحميل القسري هو ربط الولاء للوطن بالولاء للنخبة الحاكمة ولشخص الرئيس بصورة خاصة ، وربط مصير البلد بمصيره الشخصي ، كما لو كان الوطن كله ، بارضه وشعبه وتراثه وثروته ، متلخصا في ذلك الشخص. واظن ان على عرب العراق ان يشعروا بالامتنان لاخوانهم الاكراد ، الذين رغم ان النظام السابق واسلافه قد استثنوهم من المعادلة التي تشكل الوطن العراقي ، الا نهم في المقابل تمسكوا بوحدة العراق وانتمائهم اليه.

تحويل الولاء الوطني الى ولاء سياسي للنخبة الحاكمة او شخص الرئيس له اثار كارثية على الوطن ، اذ ان الوطن يتحول من مظلة جامعة وملاذا مشتركا لكل ابنائه الى ما يشبه دائرة من دوائر الدولة . وفي هذه الحالة فان اي فشل او تقصير من جانب الحكومة ينعكس تلقائيا على العلاقة بين المواطن ووطنه . العراق اليوم بحاجة الى اعادة صياغة لمفهوم الوطن ومفهوم الولاء الوطني . والحقيقة ان دخول القوات المسلحة الوطنية في الصراعات الاهلية هو الذي اثار هذا الاشكال . وثمة من يخشى من تكرار تجربة النظام السابق ، حين كان ولاء القوات المسلحة من جيش وشرطة ومخابرات منصرفا الى شخص الرئيس ونخبته المقربة  ، بحيث لا يجد رجال القوات المسلحة حرجا في ان يقفوا ضد مواطنيهم وان يمارسوا القتل والتدمير ، لا لشيء الا لأن فريقا من المجتمع قد عارض الحكومة . الحكومة العراقية الحالية مسؤولة بشكل حاسم عن تغيير هذا المفهوم السقيم . الدولة يجب ان تكون تابعة للمجتمع ، والقوات المسلحة حارسة له لا وسيلة اعتداء عليه.

06/11/2004

الخروج من عصر المماليك

|| رغم اصوات القنابل التي تصم الآذان واخبار القتل اليومي ، بعض اخبار العراق تبعث الامل بانه يسعى لحلول طويلة الامد لمشكلاته المزمنة||


منذ قيام الدولة العراقية بعيد الحرب العالمية الاولى ، ابتلي هذا البلد بمشكلة التمرد المتكرر على السلطة المركزية . جوهر المشكلة يكمن في شعور بعض شرائح المجتمع العراقي بالغبن ازاء تمثيلها في السلطة الوطنية وما يترتب عليه بالضرورة من حرمان من التمتع بسهم منصف من ثروة البلد وحرمان من الفرص التي يفترض ان تتاح للجميع . في نهاية المطاف فان هذا المسار يؤدي الى قيام سلطة اقلية تقهر الاكثرية او سلطة اكثرية تقهر الاقليات.
دخول المجتمع المدني كلاعب مؤثر في الحياة السياسية هو الضمان الاقوى لمستقبل البلد
مشكلة النظام السياسي في بلد كالعراق انه ولد ناقصا مثل الاطفال الذين يولدون قبل الاوان ثم لا تتاح لهم الظروف المناسبة لتعويض ما فاتهم من نمو طبيعي . مسار النمو السياسي لاي نظام جديد يتكون من اربع مراحل : الاولى هي بناء الدولة وجوهرها قيام منظومة عليا تحتكر القرار والقوة. المرحلة الثانية هي بناء الامة وجوهرها توليد اجماع وطني بين مختلف شرائح المجتمع على المفاهيم الاساسية للنظام السياسي : اهدافه ، مصادر شرعيته ، وطرق حل الخلافات بصورة سلمية . المرحلة الثالثة : اشتراك جميع الشرائح الوطنية في صناعة السياسة. اما المرحلة الرابعة فجوهرها هو التوزيع العادل للمكاسب المادية والسياسية المتوفرة على كافة الشرائح .
اعتبر النظام السياسي في معظم الدول النامية ناقص النمو لانه توقف في كثير من الحالات عند اقامة السلطة القاهرة. وخلال الستينات الميلادية ساد اعتقاد بين نخب العالم الثالث بانها قادرة بمفردها على اعادة تصنيع مجتمعاتها . وفي العراق مثلا ، كان يقال ان (العراقي الجيد هو البعثي الجيد) . ومعناه ان من لم يكن بعثيا فان انتماءه الى العراق موضع شك. المشكلة في هذا المفهوم ان الانتماء لحزب البعث يتطلب بالضرورة تحولا ايديولوجيا قد لايطيقه معظم الناس.
نعرف اليوم ان الدولة ليست مسؤولة عن صناعة هوية المجتمع ، بل ولا يجوز لها ان تفرض على المجتمع هوية غير خياره الطبيعي . مسؤولية الدولة هي تمثيل هوية المجتمع العليا ، اي مجموع الهويات الصغرى القابلة للانضمام في اطار جامع يمثله مفهوم الوطن . ان اهمال هذا المفهوم قد ادى فعليا الى تكوين نخب سياسية منفصلة عن مجتمعاتها ، بل – في بعض الاحيان – معادية لمجتمعاتها. هذا التطور دعا المؤرخ الامريكي المعروف ريتشارد بوليت الى وصف هذه النخب بالمماليك الجدد ، مقارنة بمماليك القرن الثامن الهجري الذين اعتمدوا بصورة كلية على القوة العسكرية للحفاظ على سلطانهم .

 النخبة الحاكمة الجديدة في العراق ، يعيبها انها وصلت الى السلطة بدعم مباشر من قوة اجنبية . لكن ربما يشفع لها محاولتها الجادة – كما يظهر حتى الان – في وضع علاج طويل الامد لمشكلات هذا البلد . فهي تتجه الى المرحلة الثانية من بناء النظام السياسي التي ادى اهمالها طوال العقود الماضية الى تمزيق النسيج الوطني. الخطوة الاساسية التي نأمل ان ينجح فيها العراقيون هي توسيع النخبة الحاكمة كي تتمثل فيها كل الشرائح الاجتماعية ، الكبيرة منها والصغيرة . ثم اتفاق هذه النخبة على القواعد الكبرى للنظام السياسي الجديد ، ولا سيما ضمان تمثيل دائم ومنصف للجميع في الحياة السياسية ، واعتبار صناديق الانتخاب هي المرجع لحل الخلافات بين اهل السلطة.
الخطوة التي تثير الامل – رغم انها لم تحظ باهتمام يذكر من جانب وسائل الاعلام ، هي اتفاق النخبة على اقامة الانتخابات البرلمانية المقررة في موعدها المحدد في اول يناير القادم ، والدخول فيها بقائمة موحدة تمثل مختلف الاطياف السياسية العراقية . سيؤدي هذا على الاغلب الى معالجة قلق الضعفاء وتحجيم الرغبة في الاستفراد عند الاقوياء . في ظل اتفاق من هذا النوع سوف تتمكن الشرائح الضعيفة من ضمان موقع مناسب في النظام السياسي ، وسوف يجد الاقوياء – في الوقت نفسه – ان الطريق الاسهل للحصول على المكان المناسب هو الاتفاق مع الاخرين .

نوفمبر 2004

المواطن "الممتاز" والمواطن "العادي"

سألتني السيدة ميره ، وهي مثقفة من دولة الامارات الشقيقة ، عن علاقة المواطنين ببعضهم وعلاقتهم بوطنهم: هل نكتفي بمضمونها القانوني ، ام نحتا...