‏إظهار الرسائل ذات التسميات العنف السياسي. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات العنف السياسي. إظهار كافة الرسائل

07/09/2009

تفكيك التطرف لتفكيك الإرهاب-1


أتفق تماما مع الأستاذ مشاري الذايدي بأننا لم نفعل ما يكفي لتحييد التطرف الذي يوفر المدد البشري والفكري لشبكات الإرهاب. المحاولة الفاشلة لاغتيال سمو الأمير محمد بن نايف أعادت التذكير بأن المملكة لا زالت هدفا لشبكات العنف الذي ظننا أنه قد تراجع في العامين الماضيين. المؤكد أن معظم السعوديين متفقون على إدانة التوسل بالعنف المسلح لأي غرض سياسي أو ديني أو اجتماعي.
الحوادث الأخيرة كشفت عن حقيقة مؤلمة ربما أغفلناها طوال الأشهر الماضية، وهي أن هناك من يعمل بقصد أو بجهالة على تغذية اتجاهات العنف في المجتمع، من خلال تصوير المنافسين كأعداء للدين أو تصوير الصراع الفكري والسياسي الطبيعي كمعركة حياة أو موت بين الاتجاه الديني التقليدي والاتجاهات المنافسة. ذلك الشخص الذي يقول على شاشات التلفزيون إنه لو التقى بالدكتور تركي الحمد لبصق في وجهه، وذلك الذي يتحدث عن القتل والقتال والردة كما لو كان الأمر يتعلق بعنز في سوق المواشي، وذلك الذي يدعو الشباب إلى التصدي بأيديهم لكل من خالف تقاليده أو متبنياته الدينية، وذلك الذي يبرر قتل الناس في دول أخرى لأن مذهبهم باطل أو لأن دينهم محرف.
كل هؤلاء ينفخون في شراع الإرهاب عن وعي أو عن جهالة. فهم يصورون العنف كتعبير وحيد عن صفاء العقيدة، وهم يهونون من قيمة الدم الحرام حتى تتحول إراقة الدم إلى حلم يلح على ذهن الشاب البسيط الذي يريد إن يكتشف ذاته إو يجسد رجولته إو يفي بدينه تجاه ربه إو تجاه شيخه. 
نحن لا نتحدث عن حالات فردية. لقد تحول التطرف الديني إلى غول يأخذ بخناق البلاد، وتراه أمامك في كل يوم، في المساجد والمدارس والتلفزيون والصحف والإنترنت. هذا الغول أدرك اللعبة السياسية وأجادها، في مثل هذه الأيام تراه ساكتا خامدا، حتى إذا تراخى اهتمام الناس بحوادث العنف السياسي، نهض من بياته محاربا هذا وشاتما ذاك. يعمل هذا الغول السياسي على استغلال كل قضية لتجنيد الناس ونفخ ثقافة العدوان فيهم وتعزيز الكراهية بينهم وبث اليأس والارتياب في نفوسهم. وهو يضع كل عمل من هذه الأعمال في قالب ديني، فكأنه صاحب الشريعة أو ممثلها الوحيد، وكأنه الناطق بالحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
يحرص الشباب جميعا على دينهم وسلامة مجتمعهم. هذه المشاعر النبيلة تمثل مدخلا لتعزيز شعورهم بالمسؤولية وحماستهم لتنمية ذواتهم والمساهمة في إنماء مجتمعهم. لكن دعاة التطرف يستثمرونها في زرع الإحباط والشعور بالمهانة عند الشباب. وهم يوجهون هذه المشاعر السلبية نحو منافسيهم السياسيين أو الاجتماعيين، أي جميع شرائح المجتمع عدا الفئة التي تدور حولهم وتردد أقوالهم. ينظر أولئك المتطرفون إلى كل إنسان باعتباره عدوا فعليا أو عدوا محتملا. أما لأنه يتبع منهجا دينيا منفتحا، أو لأنه يركز على قضايا الإصلاح الاجتماعي والثقافي، أو لأنه يتطلع إلى أسلوب حياة مختلف، أو لأنه يعبر عن آراء غير تلك التي تحمل ختم «الفرقة الناجية»، أو لعشرات الأسباب غير هذه وتلك. في كل الأحوال فإن يوميات دعاة التطرف هؤلاء مكرسة للبحث عن أعداء أو اصطناع أعداء أو وصف أعداء . كتاباتهم وخطاباتهم ومجالسهم مكرسة في معظمها للحديث عن «الآخرين» أي الأعداء الفعليين أو الأعداء المحتملين.
الشاب الذي ساقته أقداره إلى حلقات هؤلاء المتطرفين سوف ينزلق بالتدريج إلى حمأة العداوة، سوف ينشغل ذهنه بالتخلص من الأعداء الواقعيين والمتخيلين بدل انشغاله بتطوير كفاءاته وبناء حياته. نموذج الحياة الفاضلة الذي يرنو إليه سوف يتجسد في الانتصار على أولئك الأعداء المفترضين، بدل الانعتاق من الجهل والخرافة والفقر.
التطرف والتطرف الاجتماعي والثقافي هو الذي يبرر العنف ويجعله اعتياديا، مقبولا، بل ومحبذا. ولهذا فإن تجفيف منابع الإرهاب ، يتطلب إيضا كسر شوكة التطرف وإعادة المتطرفين إلى مكانهم الطبيعي، بعدما تحولوا إلى غول يسعى للهيمنة على حياة البلاد الثقافية والفكرية والاجتماعية.

صحيفة عكاظ   7 سبتمبر 2009م - 
http://www.okaz.com.sa/new/Issues/20090907/Con20090907303172.htm

مقالات ذات علاقة

جرائم امن الدولة : وجهة نظر اخرى

الحريات العامة كوسيلة لتفكيك ايديولوجيا الارهاب

إشارات على انهيار النفوذ الاجتماعي للقاعدة

اعلام القاعدة في تظاهرات عربية

تحولات التيار الديني – 5 السلام مع الذات والسلام مع العالم

عن طقوس الطائفية وحماسة الاتباع

فلان المتشدد

خديعة الثقافة وحفلات الموت

ما الذي نريد: دين يستوعبنا جميعاً أم دين يبرر الفتنة

اتجاهات في تحليل التطرف

ابعد من تماثيل بوذا

ثقافة الكراهية

تجريم الكراهية

تجارة الخوف

في انتظار الفتنة

كي لا نصبح لقمة في فم الغول

تفكيك التطرف لتفكيك الإرهاب-1

تفكيك التطرف لتفكيك الارهاب-2

العامل السعودي

غلو .. ام بحث عن هوية

31/12/2008

حيثما كنت ، غول العنف في انتظارك


غول الارهاب يتربص بالجميع . كل فرد هو هدف لهذا الغول السياسي الذي يتمظهر حينا على شكل عصابات مسلحة ، ويتمظهر حينا اخر على شكل مجموعات تدعو للتطرف الديني وتعمل على تفكيك المجتع الى فسطاطين : فسطاط اهل الحق ، وفسطاط اهل الضلال . سواء كنت سعوديا او كنت عراقيا ، سواء كنت مسلما او مسيحيا ، سواء كنت عسكريا يشارك في حماية امن الناس او عاملا يكدح من اجل قوت عياله ، وسواء اكنت ممن يقاوم العنف او كنت عابر سبيل .
 ايا كنت ، في اي  مكان كنت ، اي مذهب اتبعت ، واي طريقة من الحياة اخترت ، فانت مستهدف بالعنف الاعمى الذي يحصد الارواح ويدمر الممتلكات . الاسبوع الاول من رمضان حصد ارهاب القاعدة تسعين عاملا القت بهم اقدارهم الى شارع ما في بغداد. منتصف رمضان سيارة مفخخة دمرت نصف البيوت في قرية فلاحية صغيرة في شمال العراق . لم يكن هناك عسكر ولا امريكان ولا رجال دولة ، كان هناك فقط فلاحون وفلاحات فقراء يستقبلون نهارهم بالعمل او البحث عن عمل.

في زمان الجاهلية كانت العرب تمتنع عن الحرب في الاشهر الحرم ، وفي كل ازمان المسلمين كان المتحاربون يتقون القتل في المساجد . وفي كل انحاء العالم ثمة اتفاق ضمني على عدم استهداف القادة والشخصيات العامة التي لها قيمة رمزية او وطنية . عرب الجاهلية ويهود ونصارى هذا العصر التزموا – بدافع اخلاقي بحت – باحترام كرامة عدوهم لانه ، مهما كان سبب عداوته ، انسان مثلهم. وقد نهى الشرع الاسلامي قبل قرون من معاهدة جنيف التي تحمي حقوق المتقاتلين عن التمثيل بالقتيل وتدمير مصادر الحياة ووسائلها ، والعف عن الضعيف والعاجز . تلك هي تجربة الانسان وتراث الانسانية الذي ميزها عن الحيوان حتى في العدوان والحرب .

اما وقد وصلنا الى "زمن القاعدة" فان تراث الاديان وتراث الانسانية لا يعني شيئا ، فحربهم قائمة في كل زمان وفي كل مكان وعلى كل انسان . القتل عندهم مثل الصلاة ومثل شرب الشاي . الكلام في القتل مثل السؤال عن الصحة والاحوال. 

المسدس مثل سكين الفاكهة والقنبلة مثل التفاحة والبشر الذين يموتون في الانفجارات مثل اضاحي العيد ، تذبح ثم تروى القصص ويتبارى المتحدثون في استذكر الطرائف التي حدثت اثناءها . لا شيء في القتل يبعث على الرهبة ولا مشهد الدم الحرام يثير الاسئلة ولا صرخات الجرحى والمكلومين تحث على التعوذ والاسترجاع . كل شيء مباح ما دام طريقه متاحا.
لم تعد القاعدة واخواتها وتيارها مجرد تنظيم سياسي يسعى لاغراض محددة معلومة . منشوراتهم لا تذكر اهدافا وانصارهم لا يعرضون غايات محددة كي يناقشهم الاخرون في سلامة الوسائل التي يتوسلون بها . فكأن القتل اصبح غاية بذاته ، وكان ارهاب الناس وتخويفهم اصبح مقصدا بذاته .

ما الذي اوصل جماعة انطلقت من دوافع دينية الى هذا التفريط المريع في قيم الانسانية وحدود الدين ؟. اهو الدين نفسه ، ام تراكم القهر ، ام الشحن الايديولوجي المبالغ فيه ، ام الاحباط المطلق والياس من كل وسيلة انسانية ؟

ربما يحتاج الامر الى دراسات معمقة ونقاشات طويلة حتى نتبين السبب الذي اوصلنا الى هذا الحال . لكن دعونا نتامل في اقوال المتراجعين من انصار القاعدة والسائرين على خطها الذين اصدروا ما وصف بمراجعات ، وقد راينا امثلة عن هؤلاء بين من عادوا من افغانستان وبين الجهاديين المصريين والجزائريين والليبيين . هؤلاء جميعا يتحدثون عن الطريق الذي قادهم الى طريق العنف . ذلك الطريق هو التطرف الديني او الغلو في الدين او ما شئت فسمه . اي بعبارة اخرى الشحن الايديولوجي الذي يساوي بين الصفاء الديني وبين الخروج على المجتمع واستهدافه بالحرب.

تبدا المسالة بنقاط بسيطة حيث يقوم دعاة مؤدلجون بتصوير الصراع بين التيار الديني وتيارات المجتمع الاخرى على انها حرب وجود بين الاسلام والكفر : اذا اردت للاسلام ان يبقى فيجب ان تستأصل جميع معارضي التيار الديني . وهم لا يقصدون بالتيار الديني الملتزمين بالشعائر الدينية ولا يقصدون الدعاة ولا يقصدون النشطين في الحقل العام العاملين لرفعة مجتمع المسلمين ، بل يقصدون على وجه التحديد اعضاء الجماعة الخاصة التي تتبع منهجا معينا منفردا في لغته واستهدافاته وهمومه. يجري اقناع الافراد بان جميع الناس – خارج الجماعة - منحرفون او مبتدعون او جاهلون او  ضالون ، وان الدولة واجهزتها ومؤسساتها والعاملين فيها اعوان للضلال او متسامحون فيه او ساكتون عنه . يؤدي اقتناع الفرد بهذه الرؤية الى جعله يائسا من كل وسيلة للاصلاح تتوسل بالقانون او اعراف المجتمع او العلاقات الانسانية .

 وياتي بعد ذلك التصوير الايديولوجي للدعوة الدينية التي قامت – حسب تلك الرؤية - وانتشرت وغلبت بقوة السلاح لا بقوة الحجة والمنطق. ويقال  للفرد حينئذ : اذا اردت طريق الجاهلية فالقانون والمجتمع يقودك اليها ، واذا اردت طريق الرسول فالبندقية اول الطريق.

اذا كان التطرف هو احد مداخل العنف ، فدعونا نفكر في صور التطرف المنتشرة في مجتمعنا ، دعونا نفكر في انعكاساتها على هذه المسألة بالذات. لقد سكتنا طويلا عن مشكلة العنف وقد حان الوقت الان كي نتكلم او على الاقل كي نفكر بصوت عال . سنوات طويلة ونحن نحاول الفرز بين التطرف الديني والارهاب الاعمى المغطى بدوافع دينية . من الواضح الان ان المتطرفين ومن يحمونهم ويمولونهم ويشجعونهم يمثلون الخط الثاني والثالث في حملة الارهاب المتواصلة .

 وقد حان الوقت لرفع الصوت ضد هؤلاء سواء كانوا يلبسون عباءة الدين او يعملون في اجهزة الدولة او يحتمون بمتراس الاحزاب السياسية . كل المتطرفين شركاء في جريمة الارهاب الاعمى ويجب ان نقول لهم بصراحة اننا نفهم العلاقة التي تربطهم بالارهاب ، سواء كانت مباشرة او غير مباشرة ، وسواء كانت خفية ام ظاهرة.

18/07/2007

العامل السعودي


اظن ان سفيرنا في اسلام اباد كان اشد الناس قلقا وهو يتابع بيانات الجيش الباكستاني عن عملياته حول المسجد الاحمر.  في العاصمة اسلام اباد. ربما لم نصرف قرشا على هذا المسجد او المدرسة الملحقة به، وربما لم نعرف احدا من القائمين عليه او الدارسين فيه. لكن ايدينا كانت على قلوبنا حين سمعنا بانفجار الصراع. وكذلك الحال كلما حدث تمرد في شرق الارض او غربها، خوفا من ظهور «العامل السعودي». 
المسجد الاحمر-لال مسجد
اظن ان كثيرين منا تابعوا الصراع على المسجد الاحمر، ليس اشفاقا على من فيه، بل خشية ان يظهر بينهم احد منا. بل ان بعض القنوات الاعلامية قد تبرع ابتداء بالقول ان «العامل السعودي» موجود، ظاهرا او خفيا في هذه المسألة، مثل كل مسألة اخرى مماثلة، من الفلبين الى افغانستان وكينيا والعراق الى اوروبا وامريكا مرورا بلبنان والاردن وغيرها.

فيما مضى من السنين كنا نأمل ان تكون المشكلة فردية : عشرة او عشرين رجلا سئموا الحياة هنا فبحثوا عن مغامرة يعيدون من خلالها اكتشاف ذواتهم وقدراتهم. لكن الحدث تكرر مرات ورأينا دماء شبابنا تسيل في بلاد لم نعرفها، لقضايا لم نسمع بها من قبل. في اواخر القرن الثامن عشر شهدت مجتمعات اوروبية شيئا قريبا من هذا: شعر مئات من الشباب بضيق الحياة في بلادهم وقرروا الهجرة لاكتشاف العالم. وقد اثمرت تلك الهجرات الفردية عن معظم ما يعرفه العالم اليوم عن البلاد البعيدة، من غابات الامازون الى مجاهل اسيا الشرقية، فضلا عن الصحارى العربية وغيرها.
وفي الربع الاخير من القرن العشرين ذهب عشرات من الشباب العرب، ومنهم سعوديون وخليجيون الى دول افريقيا الفقيرة يحفرون آبار المياه ويقيمون المدارس ويقدمون المساعدة، معتقدين أنهم –بهذا الاسلوب– ينشرون الدين الحنيف او يحققون اغراضه النبيلة. 
نعرف من هذه التجارب وغيرها ان الضيق بالاهل والوطن ليس شيئا غريبا. وان البحث عن الذات والبحث عن المكانة ليس معيبا. فكثير من الناس لا يحتمل مسارات المجتمع ونظام علاقاته ونظام القيم السائد فيه. وبعضهم لا يشعر بالقدرة على ان يكون شيئا ذا بال في ظل هذه المسارات والمعادلات، والشجاع منهم هو الذي يقرر التخفف من كل هذه القيود والسدود.
لكن ما الذي حدث حتى تركزت هجرات شبابنا على الحرب ولم يعد احدهم يرضى بغير ان يثير حربا او يكون وقودا في حروب الآخرين؟. معظم الذين كتبوا خلال الايام الماضية عن «العامل السعودي» في معركة نهر البارد بشمال لبنان، والذين علقوا على ما قاله عسكري امريكي عن «عدة آلاف» من السعوديين في العراق، اشاروا باصبع الاتهام الى مناهج التعليم في المملكة كسبب اول للمشكلة. واظن ان معظم الكتاب لديهم اسباب اخرى لكنهم ربما ترددوا في التصريح عنها. السنوات الطويلة التي مضت منذ اتضاح هذه الظاهرة، كشفت عن مكونات جديدة في البيئة التي تفرخ التشدد والارهاب، وكل منها جدير بالنقاش.
خلال الاسابيع الماضية سمعت تحليلات مثيرة للانتباه، لكنها للاسف لا تظهر في الصحافة. ضيق النظام الاجتماعي الذي يدفع بالافراد خارجه، ليس بذاته سببا بل هو خلاصة مكثفة لاسباب اخرى، لعل من ابرزها عدم اتضاح الهوية الفردية للمواطن السعودي كمقابل لهويته الاجتماعية. وربما يكون من اسبابها الخلط السائد في مفهوم العدالة الاجتماعية وتطبيقاته. ويجب ان لا ننسى بطبيعة الحال ضآلة اطارات النشاط العام التي تسمح للفرد بالتعبير عن همومه وتطلعاته بشكل فعال لكن ضمن اطار القانون.
 استطيع القول من دون تردد ان المشكلة اكبر من الحلول الامنية، واكبر من التنظيرات الفردية والاحكام المسبقة. صحيح اننا نراها على فترات متباعدة، وقد ننساها او نتغافل عنها فور ان ينشغل الاعلام بغيرها، وهو ما حدث حتى الان للاسف. لكن المشكلة موجودة في بيئتنا، وهي ربما تتفاقم من دون ان نشعر. ولهذا فاننا بحاجة الى رفع القيود الواقعية او الافتراضية على النقاش في مشكلة العنف وتفريخ العنف. ونحن بحاجة الى تشجيع هؤلاء الشباب على الكلام بصراحة وفي العلن، لعلنا نستطيع استنباط بدائل او حلول. ربما نستطيع تحويل «العامل السعودي» الى مسار اكثر ايجابية، مسار بناء في بلادنا وفي العالم، بدل ان يبقى مقترنا بتصدير العنف او تحريك العنف او المشاركة في العنف كما هو الحال اليوم.
عكاظ 18  يوليو 2007  العدد : 2222 
http://www.okaz.com.sa/okaz/osf/20070718/Con20070718125906.htm

لمعلومات عن احداث المسجد الاحمر في يوليو 2007، انظر الجزيرة.نت 
http://www.aljazeera.net/home/Getpage/f6451603-4dff-4ca1-9c10-122741d17432/f1b9bf1c-a2a1-4459-8ac9-2c869f2b4ef2


مقالات ذات علاقة

إشارات على انهيار النفوذ الاجتماعي للقاعدة

اعلام القاعدة في تظاهرات عربية

تحولات التيار الديني – 5 السلام مع الذات والسلام مع العالم

عن طقوس الطائفية وحماسة الاتباع

فلان المتشدد

خديعة الثقافة وحفلات الموت

ما الذي نريد: دين يستوعبنا جميعاً أم دين يبرر الفتنة

اتجاهات في تحليل التطرف

ابعد من تماثيل بوذا

ثقافة الكراهية

تجريم الكراهية

تجارة الخوف

في انتظار الفتنة

كي لا نصبح لقمة في فم الغول

تفكيك التطرف لتفكيك الإرهاب-1

تفكيك التطرف لتفكيك الارهاب-2

الحريات العامة كوسيلة لتفكيك ايديولوجيا الارهاب

العامل السعودي

31/01/2007

تجربة التعامل مع العنف بين العلم والسياسة


يبدو ان موجة العنف التي شهدتها البلاد في السنوات القليلة الماضية قد انحسرت واصبح بالامكان دراستها وتوثيقها كتجربة تنطوي على كثير من الدروس. بعض الذين درسوا تلك الموجة اعتبروها حدثا عارضا لا علاقة له باي عامل فعلي في النظام الاجتماعي او استراتيجيات العمل السائدة. وعلى هذا الاساس فهم يصنفون اعمال العنف تلك كحوادث فردية، فهناك دائما احتمال ان يقدم فرد ما على عمل غير متوقع لاسباب او دوافع تخصه وحده ولا يمكن التنبؤ بها.
ثمة رأي اخر يميل الى اعتبارها انعكاسا كاملا لتطورات خارجية، فهي لا تستمد وجودها من أي عامل محلي، ولا يمكن ان تستمر في الحياة من دون ذلك العامل الخارجي. الذين يقولون بهذا الراي يخلصون الى ان الوسيلة الوحيدة لمعالجة هذه المشكلة تكمن في الردع الفوري على المستوى الداخلي والعمل الدبلوماسي لتحييد العوامل الخارجية. الرأي الثالث الذي تبناه كثير من الكتاب في البلاد ينسب تلك الموجة الى تركيب من العوامل المحلية والخارجية، كما يميز بين البيئة المنتجة للعنف وبين عوامل فردية تجعل شخصا بعينه مرشحا للمشاركة فيه دون بقية الناس.

على أي حال فهذه الاراء وكثير من الاراء الاخرى التي طرحت خلال السنوات القليلة الماضية، وكذلك السياسات والاجراءات الحكومية، والمبادرات الاهلية، تشكل في مجموعها ارضية مناسبة لتحويل مسألة العنف الى موضوع للبحث العلمي بغرض اكتشاف جميع العوامل التي انتجته او يمكن ان تنتجه في المستقبل، العوامل المتوفرة فعلا او المحتملة. وكذلك اكتشاف البيئة او البيئات الاجتماعية الاكثر اهلية لتوفير القوة البشرية لجماعات العنف. واخيرا دراسة الوسائل الكفيلة بالتصدي له كحدث طارئ ثم معالجته كمظهر لعلة او مرض ذي جذور، وهذا يتضمن دراسة السياسات الرسمية المكرسة للتعامل مع هذا النوع من الاحداث وتوجيه المجتمع ومؤسساته، ومساعدتها في ابداع وسائل العمل الاهلية الضرورية لاستيعاب وتحييد هذه المشكلة فور وقوعها

ثمة سببان وراء هذه الدعوة، سبب علمي وسبب سياسي. بالنسبة لبلد نام مثل المملكة فان تطوير الانتاج العلمي يتخذ في المقام الاول صيغة «اعادة انتاج العلم ضمن شروط البيئة المحلية» ويتحقق هذا من خلال التطبيق النقدي للمقولات النظرية العامة او المستخلصة من تجارب سابقة محلية او اجنبية على الحدث او الظاهرة بغرض اكتشاف صحة او خطأ تلك المقولات، ومدى ملاءمتها لهذه المشكلة او هذه البيئة بالذات، الامر الذي سيقود بالضرورة الى تعديلها او استبدالها بغيرها او ابتكار مفاهيم وقواعد نظرية جديدة كليا.

 في هذا الاطار فان عددا كبيرا من الباحثين سيعالجون مختلف الجوانب التي تشترك في تشكيل الحالة او الظاهرة، كل من زاوية اختصاصه او بناء على المدرسة النظرية التي يميل اليها. وبالنظر الى خلفيتهم الثقافية والاطار الاجتماعي الذي تدرس فيه المسألة فان الناتج العلمي سيكون محليا لكنه متواصل مع النتاج العلمي المتوفر في العالم. مثل هذه التجربة ستكون من غير شك اضافة بارزة الى البحث العلمي المحلي وقد تشكل منطلقا للعديد من البحوث في مجالات مقاربة

اما السبب السياسي، فهو يشير الى حاجتنا لوضع سيناريوهات عمل مسبقة التجهيز. سيناريو العمل هو عبارة عن اجراءات محددة تستند الى دراسات موضعية تربط بين النظرية المجردة وظروف العمل المتوفرة في الواقع، أي الامكانات المادية وغير المادية والحدود القصوى لما يمكن فعله ضمن اطار اجتماعي او سياسي محدد. ما يفرق بين سيناريوهات العمل وبين البحوث العلمية البحتة هو اهتمام الاولى بالتطبيق الفعلي، مقابل تركيز الثانية على فهم الحالة او الظاهرة بغض النظر عن الامكانيات المتاحة لعلاجها.

نحن بحاجة الى وضع سيناريوهات مختلفة للتعامل مع الظروف الطارئة لاسباب كثيرة، من ابرزها حاجتنا الى احتساب الكلفة التفصيلية للتعامل مع تلك الحالات. من المفهوم ان التخطيط العام يستهدف دائما تحديد المشروعات المراد القيام بها سلفا لتوفير الاموال والقوى البشرية والاطار القانوني والتمهيد الاعلامي والاجتماعي وغير ذلك مما يحتاجه المشروع لضمان انجازه في الوقت المحدد. يمثل التنبؤ ووضع الاحتمالات وسيناريوهات العمل المقابلة لها مرحلة متقدمة في مجال التخطيط، اذ انه يدرس حالة غير قائمة او مقررة بالفعل، لكنه – من خلال هذه الدراسة – يحولها من مجهول الى معلوم، فيتعامل معها عند وقوعها باستعداد كامل كما لو كانت حدثا معروفا، محددا ومنتظرا.

مثل هذا المستوى من التخطيط سوف يوفر على الادارة الحكومية والمجتمع مؤونة التجريب وربما اللجوء الى حلول غير مدروسة، بما تنطوي عليه من كلف غير ضرورية.
زبدة القول ان تجربة المجتمع السعودي مع العنف تمثل موضوعا جديرا بدراسات اوسع مما جرى حتى الان، واملي ان يتحول الى منطلق لتطوير اساسي في حقل البحوث الاجتماعية، وهو حقل لا يزال فقيرا في بلادنا.

عكاظ 31  يناير 2007  العدد : 2054

17/01/2007

عن طقوس الطائفية وحماسة الاتباع


يقول لي كثير من الناس ان الفتنة المذهبية في العراق سوف تؤدي الى كثير من النتائج الوخيمة. لكني لا اشك ان اسوأ تلك النتائج سوف يكون تراجع الايمان الديني في نفوس الناس. بل قد لا يكون من ضروب المبالغة القول بان هذا التراجع قد بدأ فعلا، رغم ما يظهر على السطح من تضخم في التيار الديني– السياسي وتضخم في ممارسة الطقوس ذات اللون الديني من جانب الجمهور. كثير من الدعاة غافل عن هذه المفارقة، أي تضخم التيار وممارسة الطقوس من جهة وتراجع الايمان من جهة أخرى. وسبب الغفلة هو التباس الايمان الديني بالتدين الطائفي، وتحول الانتماء الديني الى انتماء طائفي.
 ثمة علامات واضحة تسهل التمييز بين الايمان الديني والتدين الطائفي، فالايمان قرين التواضع والمسالمة والمحبة والصبر والايثار، بينما الطائفية قرين الترفع والكبر والكراهية والوجل والاستئثار. المؤمن محب لخير الناس متعاطف معهم في مصابهم ولو كانوا بعيدين عنه او مخالفين له. اما المتدين الطائفي فهو محب لنفسه منحاز لقومه حين يصيبون وحين يخطئون. والمؤمن منشغل بحياة الروح وصيانة جمالها، اما الطائفي فهو منشغل بحسابات الربح والخسارة المادية الدنيوية. من كل هذه الصفات نستطيع التمييز اذن بين دعاة الطائفية ودعاة الإيمان ، فدعوة الطائفيين محورها الصراع مع الغير، وهم لا يرون الدين الا منابذا للغير، اما دعاة الايمان فمحور اهتمامهم هو المسالمة والتقارب والمحبة والحوار.

 في تسعينات القرن المنصرم، اهرق الكتاب والخطباء المسلمون انهارا من الحبر وساعات طويلة من الكلام في تفنيد نظرية المفكر الامريكي صمويل هنتينجتون عن صدام الحضارات، وهاهم اليوم يتفرجون على انهار من دماء المسلمين تراق في سبيل مقعد اضافي في الحكومة، او مكسب هنا او هناك. والغريب في هذه المقارنة ان متفرجي اليوم لا يسألون انفسهم عما اذا كان الدين الذي خافوا عليه عندما نشر هينتنجتون نظريته المشهورة هو دين الله الذي يجمع المسلمين كافة، وهو رسالة الرحمة والمحبة لجميع البشر – كما هو المفهوم في العموم-، ام هو الدين الشخصي (او المدني حسب وصف جان جاك روسو) الذي لا يتجاوز حدود الفرد والجماعة الخاصة التي ينتمي اليها.

 يتبارى دعاة الطائفية في تحليل مكاسب وخسائر الصراع الطائفي في العراق وغير العراق، ويستدلون بكل منها على وجوب تشديد النكير على الغريم (أي المسلم من الطائفة الاخرى) والتنكيل به والمبالغة في النيل منه، ويكيلون الشتائم ضد الداعين الى السلام ونبذ العداوة والكف عن العدوان. جميع هؤلاء يعرفون تجاوز اصحابهم لحدود الله بقتل الآمنين وتدمير دورهم ومصادر رزقهم ونيلهم من الضعيف والمسكين، لكنهم يغضون الطرف عن هذا وذاك بينما يضخمون ما فعل الغريم ولو كان تافها او صغيرا، ويصحّ عندهم قول من قال «قتل امرئ في غابة جريمة لا تغتفر وقتل شعب كامل مسألة فيها نظر».

 حين يسيطر الطائفيون على ساحة الفعل يتوارى دعاة الفضيلة والايمان. فاذا سمعت قعقعة السلاح، واذا سمعت الاصوات العالية المنادية بالويل والثبور وعظائم الامور، فاعلم ان الايمان قد انحسر. يُروى في الاثر ان الله عز اسمه قد اوحى الى احد انبيائه عليهم وعلى نبينا افضل الصلاة والسلام «تجدني عند المنكسرة قلوبهم»، فأين انكسار القلب عند من يدعو الى القتل والتدمير او يبرر القتل والتدمير؟.

 الايمان مثل النسيم يهب على النفوس فينعش فيها الامل و الرغبة في البناء والكمال. والطائفية مثل النار تشعل القلوب والنفوس اينما حلت. وفي مثل هذا العصر الذي تجاور اهله واتصلت اطرافهم وتواصلت احوالهم، فان اندلاع النار الطائفية في أي بلد حري بان يوقظ مخاوف الاباعد فضلا عن اهل الجوار. وحري بنا نحن جيران العراق ان نتبادر الى اطفاء هذه النار قبل امتدادها. ثمة من قومنا من ترك هموم العالم كله وفرغ نفسه كي يستثمر ما يجري في العراق وغير العراق في شحن النفوس بالعداوة والبغضاء لهذه الطائفة او تلك.

اولا يخشى هذا وامثاله من امتداد تلك النار، ام انه لا يفرق بين صراع من اجل الدين وصراع من اجل الطائفة؟، او لعله نسي ما يمتاز به الدين الحنيف من دعوة الى المسالمة والرحمة والحوار والاخوة، مع الابعدين فضلا عن الاقارب. لقد كنا نقارع الذين اتهموا ديننا بالارهاب وتبرير الارهاب بحجج من مثل ان الاسلام الحنيف يحض على السلام وانه دين السلام، فاين هذا الكلام من الخطب النارية التي نسمعها اليوم في بعض المساجد او نقرأها في بعض الصحف ومواقع الانترنت والمجالس من تهجم على بعض طوائف المسلمين وسخرية بمعتقداتهم ونيل من اشخاصهم وتحريض للاتباع والجهال عليهم ؟.

 اول العقل هو التمييز، والعاقل هو من يميز بين الاشياء المختلفة فيضع كلا منها في موضعه، خلافا للجاهل الذي يخلط بين الشيء ونقيضه. بدأ الخصام في العراق بين احزاب وجماعات سياسية يسعى كل منها للحصول على حصة الاسد من الغنيمة وهذا طبع السياسة، واستثمر كل منها بيئته الاجتماعية للوصول الى اغرضه. وقد اثمر هذا عما نعرفه اليوم من اصطفاف طائفي وقبلي يوشك ان يقود الى تقسيم العراق.

وسط هذا الموج المظلم نسي الكثير من الناس ضرورات الايمان وحلت في انفسهم ضرورات القبيلة والطائفة. يفهم العاقل ان هذا شأن يخص العراقيين، وليس له من علاقة ضرورية بمعتقدات او قناعات. انه بعبارة اخرى حراك اجتماعي مرتبط بالشروط الاجتماعية الخاصة بالعراق لا بعقائد اهله. 
ومن العقل حينئذ ان لا نخلط بين هذا وذاك، فضلا عن ان نتلبس بأوصاف لا تخصنا ولا مبرر لها في بلدنا، وهي ليست من الطيبات كي نتشبه بأهلها، وليس اهلها قدوة لنا كي نفعل ما فعلوا.

 بدل نقل النار الى ثيابنا، دعونا نسعى في اطفائها، فهذا خير واقرب لرضا الله من ذاك. واذا لم نسع في اصلاح ذات البين فان الدين سيكون الخاسر الاكبر. ربما يزيد الاتباع ويشتد حماسهم، وربما تتضخم الممارسات الطقوسية، لكن ايا منها لا يدل على ارتقاء الايمان بل هيمنة الطائفية، والفارق بين الطائفية والايمان مثل الفارق بين النار والنسيم.

عكاظ 17 يناير 2007     

الطريق السريع الى الثروة

  يبدو ان المعلوماتية تتحول بالتدريج الى اسرع القطاعات نموا في الاقتصاد الوطني لكل بلدان العالم تقريبا. (في 2021 بلغت قيمة سوق المعلوماتية ...