‏إظهار الرسائل ذات التسميات الحداثة. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الحداثة. إظهار كافة الرسائل

14/01/2014

عن العالم المحبوب


ذكرت في مقال الأسبوع الماضي أن البرمجة القسرية للجيل الجديد، سبب رئيس لتأخر المجتمع وضيق مساحة الإبداع. الفرد الذي يتربى منذ الطفولة على "الاستسلام" لإرادة الغير، سيكون أميل الى التملق والمجاملة والعيش وفق المتاح، بدل التألق والمكابدة والسعي وراء المغامرة الذهنية والحياتية
.
يخبرنا التاريخ أن المغامرات الذهنية والحياتية للأفراد، هي التي أعطت البشرية أعظم المبتكرات وأرست قواعد المدنية، منذ قديم الزمان وحتى اليوم. هذا صحيح في السياسة، وصحيح في الحياة الاجتماعية، كما أنه صحيح في العلم والاقتصاد.
البديل الذي ندعو إليه هو تمكين الفرد من أن يكون كما يشاء، أن يفكر كما يريد، أن يعيش حياته متصالحا مع ذاته، منتميا لتطلعاته وطموحاته الخاصة، قادرا على صناعة حاضره ومستقبله بحسب ما يراه صالحا لشخصه، سواء تناغم مع المجتمع أو خالفه، وسواء قبل بأعراف وتقاليد الجماعة أو تمرد عليها. المصالحة مع الذات تعني تمكين الفرد من إعلان ما يستبطن وما يسر في نفسه، بدل العيش بوجهين.
لكن هذا مستحيل دون تحول جوهري وعميق في الثقافة العامة. في الوقت الحاضر، يتربى الفرد على أن المصلحة المحترمة هي مصلحة غيره: مجتمعا كان أو بلدا أو أمة أو حزبا أو قبيلة أو طائفة. لو اتفق أكثر الناس على رأي أو تصور للمصلحة المشتركة وخالفها فرد أو بضعة أفراد، فلن ينظر أحد في احتمال أن يكون رأي هذا الفرد أو ذاك، هو الصواب، ورأي الجماعة هو الخطأ. المعيار الوحيد لقبول الرأي أو رفضه، هو موقف الجماعة منه، بغض النظر عن محتواه.
يتوقف الفرد أحيانا عند هذه المعضلة، ويتساءل: لماذا يجب عليه أن يتبنى مصلحة غيره ويضحي بمصلحته الخاصة؟ ينصرف هذا السؤال إلى سؤال آخر أعمق، فحواه: لماذا أصبحت قيمتي كفرد، مرهونة بانتمائي للجماعة ومداهنتي لها واستسلامي لنظام حياتها؟
واقع الأمر أن مجتمعنا مثل سائر المجتمعات العربية، لا يعترف بوجود مستقل للفرد. تتحدد قيمة الفرد ومكانته والفرص المتاحة له، بناء على وصفه العائلي أو السياسي أو الاجتماعي، وليس كفاءته الشخصية. سؤال "وش ترجع"، أي: إلى أي اطار اجتماعي تنتمي، يلخص هذه الحقيقة.
استسلام الفرد لهذا الواقع يثمر عن قيام عالمين: عالم ثقيل على نفسه، يعيشه حين يكون وسط الناس، وعالم محبوب يعيشه حين يغلق باب داره، أو حين يسافر خارج بلده. كل منا يعيش حياة مزدوجة كهذه، وكل منا يشعر بثقلها على نفسه، سيما حين يجرب السفر خارج البلد، أي حين يتحرر من رقابة المجتمع. فهل نريد المحافظة على هذه الحياة الثقيلة؟ وهل نريد توريثها لأبنائنا؟

07/01/2014

اعادة انتاج التخلف


إبراهيم البليهي واحد من المفكرين الذين حملوا السلم بالعرض كما يقال. لسنوات طويلة ألح البليهي على أن أهم عوائق النهضة هو البرمجة الذهنية، التي يمارسها المجتمع على أجياله الجديدة من خلال التربية والتعليم، فيحولهم إلى نسخ مكررة عن الماضين.

 الجانب الموجع في هذا السلوك هو اقتناع معظم الناس بأن علاقة القسر هذه ضرورية وأنها ضمان للفضيلة. ولا يخلو الأمر من مفارقات. ستجد مثقفا يسخر ممن يقلد غيره في فكرة أو رأي. لكنه هو ذاته يتغنى بالمقولة المشهورة "الاتباع لا الابتداع"، ويعمل على إقناع الناس بالتزام الآراء والأفكار والتقاليد التي ورثناها من الأسلاف.

قسطنطين زريق (1909-2000)

البديل الذي يدعو إليه البليهي هو "التلقائية"، بمعنى أن تكون كما تريد، ولو خالفت جميع الناس، أن تطلق خيالك إلى أبعد مدى يمكن أن يقاربه، ولو أوصلك إلى أفكار غريبة أو مستنكرة، أن تنظر إلى نفسك ككينونة مستقلة، ولو كنت مؤمنا بالإطار الاجتماعي الذي تنتمي إليه، أن تدافع عما تظنه مصلحة خاصة لك، ولو تعارضت مع تصور الآخرين للمصلحة العامة أو حقوق الجماعة.

مجتمعنا الذي يشكل الشباب نحو ثلثي أعضائه يتعرض للشيخوخة المبكرة، لأننا نقسر الشباب على تقليد نمط الحياة والقيم التي ورثناها أو صنعناها وألفتها نفوسنا، رغم سعة الفاصل الثقافي بيننا وبينهم. إني أستمع للشباب يتحدثون اليوم عن أفكار وتطلعات لم أعرفها، بل لم يصل إليها خيالي حين كنت في مثل عمرهم.

كتب المرحوم د. قسطنطين زريق أن المعرفة المتوفرة في العالم كانت تتضاعف - في منتصف السبعينات - مرة كل 30 عاما. وأظن اليوم أن المعرفة المتاحة لعامة الناس، ولا سيما الشباب، تتضاعف مرة على الأقل كل عامين أو ثلاثة. أي أن المجال الذي يفكر فيه شبابنا ويصنعون من خلاله تطلعاتهم وتصورهم لمستقبلهم، أوسع من مجالنا بما لا يقل عن 20 ضعفا. هم أعلم منا بحياة اليوم، وهم أقدر على الوصول إلى المعارف الجديدة والفرص الجديدة. فكيف نقسرهم على الانحصار في القليل الذي عرفناه في الماضي؟ 

القسر الذي نتحدث عنه، هو ببساطة تربية الجيل الجديد على اتباع الموروث، فكرة كان أو عرفا أو أسلوب حياة، وتقديمه لهم كإطار وحيد للفضيلة. هذا يؤدي ـــ بالضرورة ــــ إلى تجريد الأفكار الجديدة من أي قيمة، وربما اعتبارها "بدعة". لا خير في ذلك الموروث ولا فائدة، ولو كان خيرا لما صرنا أضعف الأمم وأقلها إنتاجا على كل صعيد.

إذا واصلنا "ضخ" تلك الأعراف والتقاليد والأفكار المتخلفة في عقول أبنائنا، فلن يكونوا غير صور مكررة عنا، وسيبقون أسرى لماضينا المتخلف وسيواجهون كل الإخفاقات وأصناف الفشل التي اختبرناها.

الاقتصادية 7 يناير 2014   https://www.aleqt.com/2014/01/07/article_814055.html?page=12

16/01/2013

في كمال الاسلام وشموله


"مقتطف من كتاب الحداثة كحاجة دينية"

قال لي صاحبي: الذين دعوا بتلك الدعوات ، انطلقوا من حمية دينية وحرص على الدين. وهم يقيمون دعواهم على قاعدة ان الدين كامل شامل ، وان كتاب الله سبحانه قد احاط بكل شيء ، وما ترك شيئا الا بينه واوضحه ، قال تعالى (ما فرطنا في الكتاب من شيء – الانعام 38).
قلت لصاحبي: سؤالك هذا يقودنا الى مناقشات كثيرة ، غير ما نحن بصدده. لكني اجيبك على سبيل الاختصار الشديد على فكرة كمال الدين وشموله. فالذي نتفق عليه هو كمال الدين. والكمال وصف للكيف "الكمال يقابل النقص". فلا شك ان الاسلام ليس بناقص.
اما الشمول فهو وصف كمي. ولو افترضنا ان شمول الاسلام منصرف الى معنى ان فيه حكما لكل شأن من شؤون الحياة ، فلا شك ان هذا غير صحيح. اذا لا يطلب منا اسلامنا ان نعود اليه في كل صغيرة وكبيرة من شؤون الحياة. الا ترى اننا نقوم يوميا بعشرات من الاعمال التي لا نرجع فيها الى الفقيه ، بل الى عقولنا او الى اهل الاختصاص ، كالمهندس والطبيب وغيرهم. فهذه الامور ليست ضمن مجالات اشتغال الدين ، بل هي امور عقلية لا تكليف فيها ولا الزام ، ولا تدخل ضمن دائرة الثواب والعقاب او الواجب والمحرم.
 وبالمناسبة فهذا النقاش ليس جديدا ، فقد تطرق اليه بعض قدامى الفقهاء. وقد احتج بنفس المقولة الشيخ يوسف البحراني (ت-1772م) ، مستدلا بالاية السابقة وبقوله تعالى (ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين-النحل 89)، ورد عليه الشيخ احمد النراقي (ت-1828م) بان المقصود هو ما يقتضي شأنه ووظيفته بيانه ، لا كل شيء على نحو الاطلاق. فالبديهي ان كثيرا من الامور لم تبين في الكتاب ، سواء الكتاب في معنى القرآن او في معنى الشريعة. وذلك لانها ليست مما هو مطلوب من الكتاب بيانه. كما ان عدم البيان لا يوجب الظن بالنقص فعدم بيان ما ليس مطلوبا ليس مظنة نقص. بل لعل بيان غير المطلوب يعد تكلفا. والتكلف مما يعاب على الكامل [1]. اما حمية اولئك الدعاة وحرصهم على دينهم ، فهي شعور مشكور ودليل على صلاح نيتهم ، ونسأل الله ان يثيبهم عليها. لكن صلاح النية شيء وصلاح العمل شيء اخر. الا ترى ان بعض الاباء يضربون ابناءهم بقصد التهذيب ، فيؤدي ذلك الى كراهية الابناء للاباء. بل الا ترى ان تشدد بعض قومنا في الزام غيرهم بطريقة تدينهم الخاصة ، قد ادى الى نفور هؤلاء من الدين كليا. فهذا وذاك دليل على ان النية الصالحة غير العمل الصالح. وقد كان حديثنا عن العمل وليس عن النية.

وعطفا على حديثنا السابق. اقول ان ذلك التكلف في ربط كل شيء بالاسلام ، قد عمق التفارق بين العلم والهوية الذي اشرنا اليه. كل مسلم في هذا اليوم ، يريد المحافظة على هويته ، ويريد في الوقت نفسه الحصول على العلوم الحديثة التي تطورت عند الغرب. نحن نعلم ان لا سبيل للحصول على العلم سوى بالتعلم من اهله. لكن بالنظر لما قلنا من تفارق ، فقد اصبحنا نعيش حياة مزدوجة: نرغب في ان نكون مثل الغرب في علمه وتقدمه وقوة مجتمعه ، وفي الوقت نفسه نعتبرها غير سليمة وغير مشروعة. وقد ادت هذه الازدواجية ، الى التضحية بجوهر مطلبنا ، اي التعلم واعادة انتاج العلم ، واستبدالها باستهلاك منتجات ذلك العلم. ترى دعاتنا مثلا ، بل جميع قومنا ، يتبارون في استخدام احدث التجهيزات التي انتجها العلم الغربي في كل مجال من مجالات الحياة. لكنهم لا يتوقفون عن شتم الغرب الذي انتج لهم هذه الاشياء.
ولو اقتصر الامر على الشتيمة لهان الامر.  لكن وراء هذا التركيز على التمايز والعداوة يكمن خلط رهيب بين فكرتين مختلفتين تماما: فكرة الاستقلال عن الغرب ، وفكرة الانفصال عنه. وقد كان الجدير بهم ان يركزوا على الاولى. اما الثانية فمستحيلة ، ومآلها تكريس الحاجة الى الغرب ، والبقاء متكلين عليه. 
فكرة الاستقلال تعني بالضبط: السعي للاكتفاء الذاتي في كل مجال ، في العلوم والاقتصاد والثفافة وغيرها. واول هذا السعي هو الانفتاح على الغرب للتعلم منه ، ثم اعادة انتاج ما تعلمناه ضمن اطارنا الثقافي الخاص. فاذا نجحنا في هذا المسعى ، فسوف نكون اندادا للغرب ، قادرين على الاستقلال عنه. ولا يضيرنا يومئذ الاتصال به او التعاون معه ، لان القوي والمكتفي لا يتاثر سلبيا بالتعاون مع منافسيه.
 اما فكرة الانفصال فان تطبيقها الفعلي هو التناكر مع الغرب ، اي الغاء القيمة المعنوية للعلم الذي نحصل عليه منه. ومآل هذا هو كسر السلسلة الطبيعية المفترضة لتطور العلم ، اي الانتقال من التعلم الى اعادة انتاج العلم ، ضمن الاطار الثقافي الخاص. وهذا ما نجده اليوم واقعا يمشى على قدمين. لقد تعلم عشرات الالاف من المسلمين في الغرب. لكن تلك العلوم لا تحصل على التقدير والقيمة التي تليق بها بين قومهم. ولهذا فان الاغلبية الساحقة من هؤلاء المتعلمين ، تكتفي بما تعلمته ولا تسعى الى تطويره ، اي لا تتعامل مع المرحلة الاولى كبداية لسلسلة ، بل هي بالنسبة اليها بداية ونهاية.





[1] قال البحراني بان الاخبار مستفيضة في ان كل حكم مبين في الكتاب والسنة حتى ارش الخدش. يوسف البحراني: الحدائق الناضرة (بيروت 1993) ، دار الاضواء ، ج. 24 ، ص. 382.  وعقد الكليني بابا خاصا عنوانه (باب الرد إلى الكتاب والسنة وانه ليس شيء من الحلال والحرام وجميع ما يحتاج الناس اليه إلا وقد جاء فيه كتاب أو سنة) انظر الكليني : الكافي 1/113.
وهوّن النراقي من شأن الروايات الواردة بهذا الشأن واصفا اياها باخبار الاحاد ، وقال ان معناها بالتحديد هو ان ما كان فيه حكم ، فقد بين القرآن أو السنة ذلك الحكم ، لا انهما قد بينا الحكم في كل موضوع. احمد النراقي: عوائد الايام ، (قم 1408) ، مكتبة بصيرتي، ص. 123
ومن المحتمل ان راي النراقي كان يستهدف التاكيد على وجود دائرة من الاعمال خارج حدود التكليف ، ضمن الجدل القائم حول تعريف الاباحة وما اذا كانت حكما ام لا ، ومن المتفق عليه ان هناك موضوعات كثيرة لم ترد فيها احكام في القرآن والسنة ، وابرزها الموضوعات التي ظهرت بعد انتهاء عصر النص ، لكن البعض يجادل في ان هذه الموضوعات قابلة للتكييف ضمن احد الاطارات التي تندرج تحت القواعد الشرعية العامة ، واقترح المرحوم الصدر دائرة موضوعية للمستجدات اطلق عليها اسم منطقة الفراغ التشريعي ، وذهب إلى ان كثيرا من احكامها يستنبط استنادا إلى القواعد العامة والترجيح بين المصالح.

الطريق السريع الى الثروة

  يبدو ان المعلوماتية تتحول بالتدريج الى اسرع القطاعات نموا في الاقتصاد الوطني لكل بلدان العالم تقريبا. (في 2021 بلغت قيمة سوق المعلوماتية ...