15/10/2013

هيبة القانون على المحك


اسوأ ما يحدث لبلد هو تراجع هيبة القانون. خير لنا ان يكون نظامنا القانوني مرنا وذكيا وقابلا للتكيف ، بحيث يستوعب التحديات الجديدة ، قبل ان  تمسي عامل هدم للقيم والنظام الاجتماعي.
لا أشك ان النساء السعوديات سيقدن سياراتهن في المستقبل القريب. وسيحدث هذا في اطار القانون او خارجه.  ولهذا ادعو حكومتنا الى التعجيل في فتح هذا الباب ، بشكل قانوني ، كي لا يضطر الناس الى خرق القانون. لقد طال الجدل حول الموضوع نحو ربع قرن. ولم تصدر الحكومة – بشكل اصولي - اي قانون يصرح بمنع النساء من قيادة السيارة.  هناك فقط تصريحات لمسؤولين ، وهناك تحذيرات من دعاة ومشايخ ، وهناك – وهذا هو الاهم – رغبة لدى عامة الناس لاحترام العرف القائم ، واحترام هيبة الدولة ، التي اتخذت موقفا ضبابيا : لم تمنع بشكل قانوني ولم تسمح بشكل قانوني.
اشعر ان الناس انتظروا طويلا توضيح الموقف الرسمي من هذه المسألة الحيوية. لكنهم لم يسمعوا اي جواب. هذا هو بالتحديد الظرف الذي يدفع الناس الى القفز على اسوار القانون. حين تبرز الحاجة الى تاطير قانوني لما يعتبره الناس ضرورة لحياتهم ، ثم يرون حكومتهم متراخية في الاستجابة ، من دون تبرير مقنع ، ساعتها سيفكر بعضهم ان الخروج على القانون امر مقبول. وقد شهدنا خلال الايام القليلة الماضية عشرات من النساء اللاتي قدن سياراتهن ، رغم علمهن بانه لازال في المنطقة الرمادية ، بين الممنوع والمسموح.
كل سيدة قادت سيارتها ، وكل من عرف بهذا الحدث ، سوف يستشعر في داخل نفسه ان ما يجري خرق للقانون ، وسيراه ايضا اعتياديا او مقبولا ، بل ربما اعتبره تطورا طيبا.
استذكر الان مناسبات سابقة ، اصدرت الحكومة فيها تعليمات "شخصية نوعا ما" ، فلم يلتزم بها احد ، وجرى خرقها دون ان يشعر احد بانه يفعل خطأ. كلنا نذكر قرار منع جوال الكاميرا واطباق استقبال القنوات الفضائية ، وكلاهما لم يلتزم به احد يوما واحدا.
معرفة الناس بان ما يفعلونه خرق للقانون ، هو تطبيق أولي ، يقود تدريجيا الى تراخي هيبة القانون. ما أخشاه حقا ليس قيادة المراة للسيارة ، فقد كنت ولا ازال ادعو لها. الذي أخشاه هو تأخر الحكومة في اقرار هذه الحاجة. لانها يومئذ ستكون كمن يدفع الناس دفعا الى التمرد على القانون. وهذا امر له تبعات سيئة في اماكن اخرى وموضوعات اكثر خطورة. ادعو حكومتنا الى السماح للنساء بقيادة السيارة اليوم وليس غدا ، كي يشعر الناس جميعا بان نظامنا القانوني ليس متكلسا ولا جامدا ، وانه قابل لاستيعاب الحاجات والتحديات. عندئذ سيجدون انفسهم قادرين على تحقيق مراداتهم في اطار القانون وليس بالتمرد عليه.
http://www.aleqt.com/2013/10/15/article_793035.html

08/10/2013

"الحر يشبع بمخلابه"

لا زلت اذكر اول مقال نشرته حوالي العام 1975، وكان عن "الرق". وقد ولدت فكرته خلال قراءتي لمادة حول الموضوع كتبتها كما اظن د. عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطيء). صيغت هذه المادة ومعظم مثيلاتها بلغة اعتذارية. فقد كان استمرار نظام الرق في بلاد المسلمين حتى منتصف القرن العشرين ، امرا مؤرقا للمفكرين الاصلاحيين ، الذين ارادوا تقديم الاسلام في صورة اجمل وأقرب لهموم العصر. 
عائشة عبد الرحمن .. بنت الشاطئ
د. عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطيء)

مسالة العبودية كانت بين ابرز الاشكالات التي واجهها اولئك المفكرون. فكل من خاض هذا المضمار يعرف ان قيمة الحرية في مفهومها المعاصر  ليست راسخة في تراث المسلمين. هذا يرجع في ظني الى اختلاف هذا المفهوم عن ذلك الذي عرفه اسلافنا.
هذا حديث لايهم المجتمعات التي مارست الحرية واعتادت العيش في ظلها. لكنه ضروري لمثل مجتمعنا الذي لازال حديث عهد بفضيلة الحرية.
وجدت في مطالعاتي للموضوع ثلاثة مفاهيم عن الحرية ، رائجة في التراث الثقافي الذي ورثناه من الاسلاف:
1-    الحرية كنقيض للعبودية ، الفرد الحر هو الذي لا يملكه فرد آخر. وهو الشائع بين الفقهاء.
2-  الحرية في معنى التحرر من سيطرة الغرائز (الانا السفلى) . الانسان الكامل هو الذي تحرر من شهواته واخضعها لاملاءات عقله. وهو الشائع بين الفلاسفة والاخلاقيين
3-  الحرية في معنى القوة الشخصية ، البدنية او الروحية ، التي تقي الفرد من الخضوع لاملاءات الاخرين. وهذا المفهوم رائج في الثقافة الشعبية المحكية. ويطلق على الصقر القوي اسم "الحر" ويتغنى الناس ببيت شعر ذهب مثلا "الحر يشبع بمخلابه" في وصف الانسان القوي الشامخ الانف.
واضح ان ايا من هذه المعاني لا تطابق مفهوم الحرية الذي نعرفه اليوم ونطالب به. ابسط تعريف للحرية في المفهوم الجديد هو "عدم تدخل الاخرين اعتباطيا في حياتك". هذا التعريف يشير الى المستوى الاولي للحرية ، او ما يسمى بالحريات الطبيعية التي لا تكتمل انسانية الانسان ولا تتحقق كرامته الا بها ، مثل حرية الرأي والتعبير والعقيدة والعبادة والتملك والتنقل. هذا المستوى سابق للقانون وحاكم عليه. بمعنى ان اي قانون لا يعتبر عادلا اذا خرق ايا من هذه الحريات.
مجتمعنا حديث عهد بفكرة الحرية. ولهذا فهو قد يتساهل مع الخرق المتكرر والاعتباطي للحريات الاولية ، سيما اذا صدر من جهات تتلبس رداء الدين او المصلحة العامة.  وقد اردت تنبيه هؤلاء واولئك الى ان تدخلاتهم في حياة الناس ، بغي بدون حق وظلم صريح ، مهما كانت مبرراته. الدعوة للدين وصيانة الاخلاق وحماية امن الوطن وردع الفاسدين ، مطالب عادلة وشريفة ، فيجب ان تتوسل بوسائل عادلة وشريفة مثلها. فاذا توسلت بالظلم ، كما يتجلى في خرق حريات الناس ، انقلبت الى عكس مقصودها ، فاستحالت ظلما وعدوانا على الناس.

الطريق السريع الى الثروة

  يبدو ان المعلوماتية تتحول بالتدريج الى اسرع القطاعات نموا في الاقتصاد الوطني لكل بلدان العالم تقريبا. (في 2021 بلغت قيمة سوق المعلوماتية ...