17/04/2012

حرية التعبير ليست حقا لاحد


 تزايد - في السنوات الاخيرة - ميل الاجهزة الرسمية للملاينة وغض النظر في تعاملها مع اصحاب الراي المختلف . وقد اثمر هذا عن تغير ملموس في المناخ الاجتماعي العام. الا ان هذه التحولات تجري من دون تاسيس قانوني ، ولا يمكن لأحد ان يستند اليها كحق مكتسب يمكن المطالبة به.

الوثائق القانونية التي لدينا – وهي قليلة على اي حال – تؤكد جميعا على حرية التعبير والنشر ، لكنها ترهنها باشتراطات غامضة مثل الالتزام بالقوانين والشريعة والمصلحة العامة الخ. غموض هذه الاشتراطات وغياب اللوائح التنفيذية المؤسسة على ارضية "الحقوق قبل التكاليف" جعلت حق التعبير والنشر موضوعا اشكاليا ، يخضع في منحه او حجبه لرأي الاداريين في وزارة الاعلام او غيرها . وشهدنا في الاسبوع الماضي تفسيرات لهذا الحق صدرت عن احد القضاة ، استند في حكمه الى اجتهادات معروفة في الشريعة ، لكنها غير مدونة كجزء من القانون الرسمي للبلد.

القنوات التلفزيونية المحلية هي مثال واضح على ما ذكرناه. طبقا لنظام المطبوعات فانه يمنع اصدار صحف او انشاء اذاعات او محطات بث تلفزيوني دون ترخيص. رغم ذلك فهناك ما يزيد على 40 قناة فضائية يملكها افراد سعوديون (عدا الشبكات الكبيرة مثل MBC, ART, Orbit). من بين تلك القنوات ، هناك 12 قناة على الاقل تعمل وتبث برامجها داخل البلاد. هذه القنوات ليست مرخصة في اطار نظام المطبوعات والنشر القائم. لكنها ايضا ليست ممنوعة. الاجهزة الرسمية تعرف بوجودها وتعرف مقراتها واصحابها ومصادر تمويلها والعاملين فيها ، وهي بالتاكيد تراقب برامجها. وتعلم ايضا – وهذي هي الزبدة – ان ايا من هذه القنوات ليس مرخصا في اطار نظام المطبوعات. مع ذلك فان الوزارة لم تطلب من اصحاب تلك القنوات اغلاق ابوابها – التزاما بالنظام المذكور. بعبارة اخرى ، فان تركها عاملة لسنوات ، يجعلها اشبه بالمرخصة وان لم تحصل على ورقة الترخيص الرسمي. انها اذن في في منطقة رمادية بين المنع والترخيص.

يمكن لوزارة الاعلام اغلاق اي من هذه القنوات في اي وقت تشاء رجوعا الى انها غير مرخصة. وهذا ما فعلته مع قناة الاسرة في سبتمبر 2010 . او يمكن لها ان تواصل الصمت عن عملها حتى حين. في المنطقة الرمادية يغيب الاستقرار والاطمئنان الضروري للاستثمار والتطور. اصحاب تلك القنوات لا يعتبرون وضعهم نهائيا وثابتا ، ولذا فهم لا يميلون الى ضخ استثمارات مكثفة لتطوير برامجهم او توظيف اعداد كبيرة من العاملين.

من الصعب على اي احد اغلاق جميع القنوات التلفزيونية العاملة اليوم ، حتى بحجة عدم الترخيص. لكن – من ناحية اخرى – فان بقاءها في المنطقة الرمادية يضعف من هيبة القانون الوطني. واظن ان الحل المناسب هو الغاء نظام المطبوعات القديم ووضع نظام جديد يسمح بالاعلام الاهلي  المستقل وفق معايير جديدة ، اهمها اعتبار التعبير عن الراي حقا مكتسبا لجميع المواطنين ، يحميه القانون وينظم استعماله.
 جريدة الاقتصادية 17 ابريل 2012

10/04/2012

الواعظ السياسي


كاننا نعيد اكتشاف العجلة ، وكاننا نحاول تفسير معنى الماء. الثورة الشعبية في سوريا ، استهدفت – فقط وفقط – اصلاح نظام سياسي عجز عن اصلاح نفسه. لكن شريحة من الوعاظ والحركيين في بلادنا اختزلوا انتفاضة الشعب السوري وتضحياته في الفارق المذهبي- الطائفي بين الحاكم واغلبية المحكومين.
كأن السوريين لم ينتفضوا من اجل الحرية ، ولا ضحوا بانفسهم من اجل كرامة العيش ، ولا دفعوا  الغالي والنفيس من اجل العودة ببلادهم الى مصاف البلاد المتحضرة. المسألة عند اولئك الوعاظ ابسط كثيرا من الحرية وتقرير الشعب مساره ومصيره ، ابسط من التنمية الشاملة واجتثاث الفساد. المسألة عندهم لا تتعدى نزاعا شخصيا او شبه شخصي بين طرفين يختلفان في المذهب. لكأن الصراع الدامي في سورية مجلس درس فقهي يجادل حضاره في العقائد ، وكأن الصراع الدامي في حمص ودرعا وادلب محاورة شعرية بين ممثلي قبائل يتبادلون الفخر باحسابهم وانسابهم. كأن الذين يتصارعون على الارض السورية جرير والفرزدق ، كل منهما يهجو الاخر بذكر معايب اهله.

الثورة السورية ، مثل نظيرتها في تونس وليبيا ومصر واليمن ، حركة شعبية همها الاول والاخير هو تمكين اهل البلد من اصلاح بلدهم وتقويم اقتصاده وادارته ، وتحريك عجلة النمو التي توقفت او تعثرت بسبب الفساد واستئثار اقلية صغيرة بالقرار والثروة ومصادر القوة. بعبارة اخرى فان الشعب السوري يحاول الانفلات من تاريخ القهر والتفرد والاستبداد. اما وعاظنا الذين ا كتشفوا السياسة من فوق  المنابر ، فان تلك الهموم والاهداف لا تعني لهم شيئا ولا تهمهم. الحرية عندهم انفلات ، ومشاركة المجتمع في تقرير حاضره وغده اقحام للعوام في شغل اهل الحل والعقد. اما مكافحة الفساد فعلاجها خطبة او خطبتين ، وكفى الله المؤمنين القتال.

لا اجد ضرورة للتحفظ حين ادعو الوعاظ والخطباء الى ترك السياسة والحديث فيها ، لانني اجد معظمهم غير مدرك لما يجري ، بسيطا وسطحيا الى حد السذاجة. ولهذا السبب – ربما – يستبدل التوجيه العقلائي للمستمعين بالشحن المذهبي وكيل الشتائم للاشخاص والطوائف ، والمبالغة في اللغة الخشنة والكلام الذي ينبغي ان يعف الانسان عن قوله ، سيما في بيوت الله.

جهل هؤلاء بالسياسة والكلام السياسي هو الذي يؤدي الى تحويل الخطاب الديني من مناصرة الشعب السوري الى اعلان العداوة والكراهية ضد كل من وقف على الحياد او تردد في هذا الموقف او جمعه مع اهل الحكم هناك مذهب او نسب.
العارفون في السياسة يفهمون ان اول الحرب استمالة حلفاء العدو او تحييدهم لتفكيك جبهته واضعافها. اما وعاظنا فاول حربهم هو تقسيم العالم الى فسطاطين: من لا يقف معنا في كل موقف فهو هدف لحربنا. لا مجال عندهم لتدوير الزوايا الحادة، ولا مجال للتفصيل ، لانهم في الاساس ليسوا مشغولين بالسياسة قدر انشغالهم بتدبيج الخطب العصماء وقصائد الفخر والهجاء.

هؤلاء الوعاظ لا ينصرون شعب سوريا ، بل يزرعون الكراهية في اوطانهم ، وهم لا يفهمون الاهداف السامية التي يضحي من اجلها السوريون ، فشغلهم الشاغل هو اعلاء الجدار الفاصل بين الفسطاطين.

جريدة الاقتصادية  11 ابريل 2012

03/04/2012

اللامركزية الادارية ضرورة اليوم وليس غدا


شعر الكثير منا بالاسى حين تابع العام الماضي افتتاح مترو دبي بعد اقل من خمس سنين على اقرار مشروعه ، بينما كنا ننتظر افتتاح مترو الرياض الذي وعدنا به في 2009 ، وتخصيص الخطوط السعودية وفتح سوق النقل الجوي امام ناقلين جدد ، وغير ذلك من المشروعات الضرورية لتيسير المواصلات في المملكة.

خلفية الاهتمام بهذه المشروعات هو ضيق الناس بازدحام العاصمة ومشكلات النقل الجوي والبري وغيرها. معظم المتحدثين في هذا الشأن ينادون بالتوسع في النقل العام بمختلف وسائله. وهو حل لجأت اليه معظم دول العالم في العقود الماضية.
لكن هذه الحلول لن تكون فعالة في المستقبل. لندن التي تتمتع بشبكة قطارات ضخمة وثلاث مطارات دولية لم تنج من الزحام. ومثلها نيويورك وغيرها من المدن الكبرى.
الحل الفعال ، والاقل كلفة ، هو اللامركزية الادارية. التي تعني :
 أ) توزيع الادارات التابعة لوزارة واحدة بين المدن المختلفة.
 ب) نقل شريحة واسعة من اعمال وصلاحيات الادارات المركزية في العاصمة  الى فروعها في المناطق.
ج) الغاء جميع المراجعات الشخصية  التي يمكن استبدالها بالمتابعة عن طريق التلفون والمراسلة.

في الماضي كان البيروقراطيون يبررون تجميع الادارات والموظفين في مكان واحد بالحاجة الى تسريع العمل. وهذه فائدة معقولة مادام عدد الموظفين صغيرا. لكن مع مرور الوقت وتزايد العدد تتلاشى هذه الفائدة. تضم وزارات الدولة اليوم مئات الالاف من الموظفين الذين لا ضرورة لبقائهم في المباني المركزية. اضف الى هذا عشرات الالاف من الناس الذين يراجعون هذه المباني من اجل معاملات صغيرة وكبيرة. ومثلهم من موظفي القطاع الخاص الذي ينفذ اعمالا للوزارات .
هذا يعني ربما ربع مليون سيارة او اكثر تستعمل شوارع العاصمة كل يوم. ويعني ملايين ساعات العمل التي تضيع في زحام الطرق.

اتساءل مثل غيري: ما الذي يستوجب احتفاظ وزارة التربية والاعلام والكهرباء والشؤون الاجتماعية والمالية والتجارة ومؤسسة النقد وعشرات من الادارات الاخرى بمعظم موظفيها في العاصمة. ما هو الضرر الذي سيحدث لو وزعت بعض الادارات ، بين مدن المملكة المختلفة؟

فوائد التوزيع واضحة ، فهو سيقلل كلفة العمل وزحام العاصمة ، وسيرسي ارضية للتخلص من المراجعات الشخصية الكثيرة والمرهقة ، ويستبدلها بالتواصل عبر التلفون او الرسائل. والاهم من هذا وذاك فانه سيدفع عجلة النمو في المدن التي تحتضن المقرات الجديدة ، من خلال زيادة الطلب على السكن  والسوق ، وبالتالي تسريع دورة راس المال المحلي وتحسين مستوى المعيشة.

لقد حان الوقت للتخلص من الثقافة التي تعتبر البلد ملخصا في العاصمة. وقد حان الوقت لتفويض امارات المناطق وفروع الوزارات فيها بجميع صلاحيات المركز ، حتى لا يضطر احد لارسال معاملة الى الرياض فضلا عن السفر اليها للمتابعة الشخصية.

زحام المدن ليس مشكلة مواصلات فقط ، بل هو اهلاك سريع للبنية التحتية ، وتعقيد للحياة الاجتماعية ، وزيادة في التوتر النفسي للافراد ، فضلا عن الامراض الناتجة عن التلوث.
الاقتصادية 3 ابريل 2012

27/03/2012

يا معالي الوزير

أتمنى أن يفرغ كل وزير بضعة أيام من وقته الثمين لمراجعة الأنظمة واللوائح المطبقة في وزارته. ولا سيما تلك التي تنظم علاقات المراجعين، وأن يقيم مكتبا خاصا لتلقي الاعتراضات على تلك الأنظمة واللوائح.
نظريا ، تستهدف الإدارات الرسمية خدمة المواطن، كما يستهدف بعضها المحافظة على هيبة النظام والأملاك العامة. في كلتا الحالتين المقصود النظري هو تمكين المواطنين من حقوقهم، وصون كرامتهم، والارتقاء بمستوى معيشتهم. 
في واقع الأمر، تطبق هذه الأغراض - في كثير من الحالات - على نحو يقود إلى عكس الغرض، أي حجب حقوق المواطن أو هدر كرامته أو زيادة تكلفة المعيشة عليه.
أظن أن التنظيم القانوني يتحمل بعض المسؤولية عن انقلاب الأغراض هذا. أشرت في مقال سابق إلى تلك الشريحة من الأنظمة المؤسسة على أرضية الارتياب في خيرية الإنسان، الأنظمة التي يستهدف واضعوها تضييق السبل على العابثين، لكنها في نهاية المطاف تضيق الطريق على الجميع، على العابثين الذين يشكلون أقلية صغيرة جدا، كما على الأكثرية الساحقة التي تريد العيش بسلام في ظل القانون.
أتمنى أن يراجع الوزراء نظم ولوائح العمل السارية في وزاراتهم واحدا واحدا، ثم يضعون السؤال التالي أمام كل بند من بنودها:
- لماذا نحتاج إلى هذه المادة؟
- هل تيسر أمور المواطنين أم تضيق عليهم؟
- هل نستطيع استبدالها بطريقة أكثر تيسيرا أم نلغيها كليا أم نبقيها كما هي؟
- وإذا أبقينا هذا البند الذي يتسبب في التعسير فما التعويض الذي نقدمه للمواطن مقابل تحميله هذا العسر؟
قبل أيام وجدت أن وزارة الثقافة والإعلام تفرض على من يريد فتح ستوديو تصوير ، رسم ترخيص بقيمة ألف ريال لثلاث سنوات، ولو تأخر في التجديد، تفرض عليه غرامة تعادل 100 ريال عن كل شهر أو جزء من الشهر. سألت الموظف هناك: ما الخدمة التي تقدمها الوزارة لستوديو تصوير مقابل هذه الرسوم؟
- لا شيء في الحقيقة، لا شيء على الإطلاق.
أتساءل اليوم: ما الفرق بين ستوديو تصوير ومحل بقالة؟ لماذا يكتفى في البقالة بترخيص البلدية، بينما يفرض على ستوديو التصوير ترخيص البلدية والإعلام، مع الرسوم المعروفة لكلتيهما؟
هذا مثال واحد على نظام أو لائحة عمل لا ضرورة لها ولا فائدة، علما أن الحصول على ما يسمونه الترخيص الإعلامي ليس مهمة تتم في دقائق أو ساعات، بل تستغرق أياما، وتتطلب أوراقا أكثر من مجرد هوية شخصية للمتقدم.
هل يحتاج تنظيم أمر البلد إلى هذه الأشياء كلها؟ هل تقدم الوزارة خدمة تستحق هذه الرسوم؟ ما المصلحة التي تريد الوزارة المحافظة عليها من وراء تكليف المواطن بالرسوم والأوراق والمراجعات؟ هذا مثال واحد أعرضه لأني عرفته عن قرب، وثمة عشرات من الأمثلة المشابهة.
أتمنى بصدق أن يفرغ كل وزير بضعة أيام من وقته الثمين لمراجعة تلك اللوائح والأنظمة، والتفكير جديا في الغرض منها والفائدة المرجوة وراءها، وانعكاسها على المواطن، تيسيرها لحياته أو تعسيرها، تخفيف تكلفة معيشته أو زيادتها.

الطريق السريع الى الثروة

  يبدو ان المعلوماتية تتحول بالتدريج الى اسرع القطاعات نموا في الاقتصاد الوطني لكل بلدان العالم تقريبا. (في 2021 بلغت قيمة سوق المعلوماتية ...