01/06/2009

جائزة القطيف للانجاز

مساء الجمعة احتفلت القطيف بجائزة الانجاز لعام 2009. فاز بالجائزة 13 شابا وشابة بين 115 مرشحا في مجالات الهندسة والادب والطب والفنون . من نافل القول ان المجتمع بحاجة الى تشجيع الابداع والابتكار كتمهيد ضروري للاقلاع من مستنقع الجمود والاستهلاك الطفولي لمنتجات الاخرين . ثمة نواقص كثيرة في مجتمعنا ، بعضها قابل للعلاج بجهد اهلي وبعضها عسير . واظن ان غياب العقل العلمي والتفكير العلمي هو واحد من ابرز النواقص واشدها تاثيرا . لكن علاجه لم يعد اليوم صعبا كما كان في الماضي ، كما لم يعد صعبا على المجتمع اتخاذ مبادرات لتشجيع المبدعين والمبتكرين وحث الاجيال الجديدة على السير في هذا الطريق الطيب.

سعيد الخباز

جائزة القطيف للانجاز هي مثال على هذا النوع من المبادرات التي تؤكد قدرة المجتمع على معالجة التاخر عن ركب العلم وانتشار التفكير الخرافي والاسطوري والتعامل الساذج مع منتجات الحضارة. بدأت الفكرة بمبادرة شخص واحد هو الاستاذ سعيد الخباز . لكنها اثارت اهتمام الكثير من الناشطين من الرجال والنساء الذين ارادوا ان يقدموا لمجتمعهم شيئا جديدا . شيئا لا يخصهم  كاشخاص ولا يفيدهم بشكل مباشر ، لكنهم يعبرون من خلاله عن رغبة المجتمع الاهلي في ان يفعل شيئا لنفسه ، يحل مشكلاته ، او يعالج عيوبه ، او يدفع بقاطرته خطوة الى الامام .

في كل قرية ومدينة على امتداد المملكة ، ثمة جيل جديد يفكر بصورة مختلفة عما اعتدنا ، جيل منفتح على مصادر المعرفة وقادر على النفوذ اليها بطرق لم نعرفها ابدا . وسط هذا الجيل مئات من الشباب والشابات الذين تجاوزوا حدود استهلاك المعرفة الى نقدها واعادة انتاجها او تطوير جوانب منها . نحن لا نعرف الكثير من هؤلاء لان معظمهم لا يظهرون في وسائل الاعلام . ولان الامر على هذا النحو فانهم لا يحصلون على التشجيع الضروري كي يطوروا معارفهم وابداعاتهم .

 العلوم الجديدة والابداع فيها لم يحصل على المكانة الملائمة في منظومة القيم الاجتماعية . ولهذا تجد الناس يحتفون بتاجر يكدس الاموال ، او شاعر يجيد القاء قصيدة ، بينما يتجاهلون عالما يعرض نظرية جديدة او يبتكر علاجا لمرض او حلا لمشكلة تقنية .

قبل بضع سنوات تشكلت في القطيف لجنة لتكريم العاملين في المجال الاجتماعي ، كرمت في احتفالاتها السنوية الماضية علماء وشعراء وناشطين وروادا للنشاط الخيري . وكانت تلك اول مبادرة منتظمة تركز على تكريم المتميزين وخدام المجتمع. لكن فكرة التكريم ارتبطت في هذه المبادرة بالتجربة الكاملة للشخص المكرم. ولهذا فقد كان التقدم في العمر هو الصفة المشتركة بين الذين حصلوا على التكريم في السنوات الماضية .

في المقابل فان جائزة الانجاز تركز على الجيل الجديد بصورة خاصة ، فهي تشترط ان لا يتجاوز عمر المرشح 40 عاما. بعبارة اخرى فان التكريم سيكون هنا للشباب ، على انجازات محددة ، وليس لمجمل التجربة الحياتية للشخص. كما ان اختيار الفائزين يعتمد في المرحلة الاولى على مبادرة المبدع نفسه . افتتحت لجنة الجائزة موقعا الكترونيا يترشح من خلاله من يرى نفسه متصفا بالمواصفات المقررة ، ويعرض اعماله ، ثم تقوم لجنة تحكيم محايدة بتحديد الفائز. ومن العناصر الجديدة في هذه المبادرة هو تخصيص نصف عدد الجوائز للنساء . وتقديمها مع جوائز الرجال في احتفال واحد ، الامر الذي يعالجة مشكلة التمييز الجنسي ، وهي مشكلة لا زالت تعرقل التوازن في النمو الاجتماعي .

هذه مبادرة تستحق التقدير ويستحق اصحابها الشكر ، وهي تغريني بدعوة باقي المواطنين لتكرارها في كل مدينة وقرية من مدن البلاد كي نرسخ قيمة الابتكار وكي نعطي لشبابنا املا في انفسهم ودافعا لانتخاب الخيارات التي تخدم البلد ككل. كما اتمنى ان يؤخذ بالنموذج المتقدم الذي اعتمده القائمون على جائزة القطيف للانجاز ، اي التركيز على الشباب ، والمساواة بين الجنسين وجعله عملا اهليا مدنيا بالكامل.

عكاظ 1 يونيو 2009
https://www.okaz.com.sa/article/266548

12/05/2009

الوحدة الوطنية والسلم الاهلي هو الغاية



تشهد الساحة الثقافية السعودية نقاشات جادة حول التعدد والتنوع الثقافي والاجتماعي . وهو موضوع يتضمن بالضرورة التنوع المذهبي والاشكاليات الخاصة بهذه المسالة في المجتمع السعودي . حتى سنوات قليلة كانت السعودية تقدم نفسها كمجتمع احادي الهوية على كل المستويات . والحقيقة ان كثيرا من السعوديين لم يدركوا حقيقة التنوع الذي يزخر به مجتمعهم . وكان ثمة من يعتقد ان الحديث عن اطياف عديدة يجرح مفهوم الوحدة الوطنية او الصفاء الديني . لكن منذ مؤتمر الحوار الوطني الذي رعاه الملك عبد الله في 2003 ، فقد تزايد الميل الى الاقرار بالتعددية الثقافية وما يترتب عليها سياسيا . على الرغم من ذلك فقد ظلت الصحافة متحفظة على الكلام عن العلاقة بين المجموعات المذهبية التي يضمها المجتمع السعودي . وهو تحفظ يستند الى توجيهات رسمية او توجهات في داخل الدور الصحفية نفسها . المناقشة التي تدور هذه الايام عن العلاقة بين الشيعة والسنة تعتبر حدثا فريدا ، وتشكل بداية طيبة لعرض قضايا البلاد حتى الحساسة منها للنقاش العام.
 طبقا لراي الزميل الاستاذ خالد المشوح (الوطن السعودية 1 مايو) فان التقارب السني – الشيعي وهم لا ينبغي الركض وراءه . ثمة في المذهبين قضايا يستحيل التخلي عنها ، وهي بذاتها مانع للتقارب . والدليل على ذلك هو السجل التاريخي المليء بالالام . البديل اذن هو التعايش كما يرى الزميل المشوح .
لن اجادل في مقولة الوهم والاستحالة . ولن اجادل في محتويات التاريخ ولا محتويات المذاهب . ثمة دائما فرص لاستدلالات عديدة على هذا الراي وعلى الراي الاخر . كما ان الغرض من هذا النقاش ليس اثبات صحة راي او خطأ الاخر ، بل هو محاولة لاستكشاف طريق نسير فيه .
دعنا ابتداء نقرر فرضيتين تمثلان بوابة النقاش: اولاهما : اننا نناقش المسالة في الاطار الوطني السعودي وليس في الاطار الدولي . نحن نسعى لطي صفحة الجدل المذهبي والتاكيد على الهوية الوطنية الجامعة لكل اطياف المجتمع السعودي واصنافه وانتماءاته ، وصولا الى تعزيز الوحدة الوطنية والسلام الاهلي وعلاقة الود والاخوة حتى لو بقينا مختلفين في افكارنا او معتقداتنا . ليس مهمتنا اطفاء حرائق العالم ولا نستطيع ذلك . ما يهمنا في الاول والاخير هو حماية بلدنا وتحصينه ورفعته وكرامة اهله .
الفرضية الثانية : كل مذهب يحوى في داخله عوامل تدعو للتقارب واخرى للتباعد ، وثمة اشخاص في كل طائفة يسعون وراء التقارب او يسعون وراء الفرقة . ولكل دوافع اما ثقافية او عقيدية او مصلحية . التركيز على عناصر الفرقة او عناصر التقارب يتاثر بالظروف السياسية التي تتغير بين حين واخر وبين مكان وآخر . ولعل ما جرى في العراق هو اكبر دليل على تعدد العناصر واختلاف الاستعمالات . حين يسود الاتجاه الى التقارب يتزايد استعمال عناصره وحين تثور الازمة تتركز الانظار على عناصر الفرقة.
اذا افترضنا ان التقارب مشروط بالعناصر العقيدية او الثقافة في داخل المذهب ، فينبغي الرجوع الى القادة الدينيين للمذهب ، الذين يعول على قراءتهم للتراث المكتوب ورايهم في تطبيقه. واود احالة الاستاذ خالد على مقالة الشيخ سليمان المنيع ( الوطن 29-4) التي تقرر بوضوح امكانية التقارب . وثمة كثير من التعبيرات المماثلة في كلا الجانبين . وهناك بالطبع من يطبخ على نار الفرقة والفتنة . لكن المهم هو بيان الامكانية النظرية للتقارب ، اي عدم استحالتها على المستوى الفكري .
اما على المستوى العملي ، فقد نتحدث عن تقارب او نتحدث عن تعايش . كلا الامرين له نفس المؤدى ، على الاقل بالنسبة لما نسعى اليه ، وهو كما قلت سابقا تعزيز الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي. نستطيع المقارنة بالعلاقة بين المسلمين والمسيحيين مثلا ، او بينهم وبين الهندوس او غيرهم من اتباع الديانات. لدينا في المملكة ما يقرب من مليون وافد مسيحي او هندوسي ، ويعرف القراء جميعا انه لا توجد فتنة او صراع بينهم وبين السكان المسلمين . ويعرفون ايضا ان الفوارق بين المسلمين وبينهم اكثر عمقا واوسع مساحة . لكننا نتعايش معهم على ارضية القيم الانسانية الجامعة والمصالح المشتركة .
ما نبغيه من التقارب او التعايش السني الشيعي ليس اكثر من هذا : البناء على القيم الانسانية والمصالح المشتركة في العلاقة بين المواطنين ، من اجل حياة كريمة وسلام شامل يسود وطنا يحتضن الجميع. هذا هو مفهوم التعدد في اطار الوحدة ، او مفهوم الاندماج الوطني الذي توصل اليه كل عقلاء العالم شرقا وغربا كطريق لتحسين الكفاءة السياسية والادارية وتعزيز التنمية الشاملة في البلدان التي تنطوي على تعدد قومي او مذهبي او اثني .
الاندماج الوطني يحتاج الى ارادة عامة او اجماع وطني ، يقوده المثقفون او يقوده السياسيون . ويحتاج الى اطار قانوني ومؤسسي يقوم على ارضية شراكة الجميع في خير الوطن وفي المسؤولية عنه. واعتقد ان الغالبية العظمى من السعوديين (تلك التي لا تظهر عادة وراء الاسماء المستعارة في مواقع الانترنت) تميل الى هذا التوجه وترغب فيه . ولعل الامر يستدعي من اصحاب الاقلام مثل كاتب هذه السطور ومثل الزميل خالد بذل جهد اكبر لكشف هذه الارادة وتفصيحها ومساندة السعي الخير على المستوى الاجتماعي والسياسي لنشر قيم التسامح وتعزيز وحدة الوطن وسلامه.

04/05/2009

التعايش أو التقارب.. طريق واحد

طبقا لرأي الزميل الاستاذ خالد المشوح فإن التقارب السني – الشيعي وهم لا ينبغي الركض وراءه. ثمة في المذهبين قضايا يستحيل التخلي عنها، وهي بذاتها مانع للتقارب. والدليل على ذلك هو السجل التاريخي المليء بالآلام. البديل إذن هو التعايش كما يرى الزميل المشوح.

لن أجادل في مقولة الوهم والاستحالة. ولن أجادل في محتويات التاريخ ولا محتويات المذاهب. ثمة دائما فرص لاستدلالات عديدة على هذا الرأي وعلى الرأي الآخر. كما أن الغرض من هذا النقاش ليس إثبات صحة رأي أو خطأ الآخر، بل هو محاولة لاستكشاف طريق نسير فيه.

دعنا ابتداء نقرر فرضيتين تمثلان بوابة النقاش:
 أولاهما: أننا نناقش المسألة في الإطار الوطني السعودي وليس في الإطار الدولي. نحن نسعى لطي صفحة الجدل المذهبي والتأكيد على الهوية الوطنية الجامعة لكل أطياف المجتمع السعودي وأصنافه وانتماءاته، وصولا إلى تعزيز الوحدة الوطنية والسلام الأهلي وعلاقة الود والأخوة حتى لو بقينا مختلفين في أفكارنا أو معتقداتنا. ليس مهمتنا إطفاء حرائق العالم ولا نستطيع ذلك. ما يهمنا في الأول والأخير هو حماية بلدنا وتحصينه ورفعته وكرامة أهله.
الفرضية الثانية: كل مذهب يحوي في داخله عوامل تدعو للتقارب وأخرى للتباعد، وثمة أشخاص في كل طائفة يسعون وراء التقارب أو يسعون وراء الفرقة. ولكل دوافع إما ثقافية أو عقدية أو مصلحية. التركيز على عناصر الفرقة أو عناصر التقارب يتأثر بالظروف التي تتغير بين حين واخر وبين مكان وآخر. ولعل ما جرى في العراق هو أكبر دليل على تعدد العناصر واختلاف الاستعمالات. حين يسود الاتجاه إلى التقارب يتزايد استعمال عناصره وحين تثور الأزمة تتركز الأنظار على عناصر الفرقة.
إذا افترضنا أن التقارب مشروط بالعناصر العقدية أو الثقافية في داخل المذهب، فينبغي الرجوع إلى القادة الدينيين للمذهب، الذين يعول على قراءتهم للتراث المكتوب ورأيهم في تطبيقه. وأود إحالة الأستاذ خالد على مقالة الشيخ سليمان المنيع (الوطن 29-4) التي تقرر بوضوح إمكانية التقارب. وثمة كثير من التعبيرات المماثلة في كلا الجانبين. وهناك بالطبع من يطبخ على نار الفرقة والفتنة. لكن المهم هو بيان الإمكانية النظرية للتقارب، أي عدم استحالتها على المستوى الفكري.
أما على المستوى العملي، فقد نتحدث عن تقارب أو نتحدث عن تعايش. كلا الأمرين له نفس المؤدى، على الأقل بالنسبة لما نسعى إليه، وهو كما قلت سابقا تعزيز الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي. نستطيع المقارنة بالعلاقة بين المسلمين والمسيحيين مثلا، أو بينهم وبين الهندوس أو غيرهم من اتباع الديانات.
 لدينا في المملكة ما يقرب من مليون وافد مسيحي أو هندوسي، ويعرف القراء جميعا أنه لا توجد فتنة أو صراع بينهم وبين السكان المسلمين. ويعرفون أيضا أن الفوارق بين المسلمين وبينهم أكثر عمقا وأوسع مساحة. لكننا نتعايش معهم على أرضية القيم الإنسانية الجامعة والمصالح المشتركة.
ما نبغيه من التقارب أو التعايش السني الشيعي ليس أكثر من هذا: البناء على القيم الإنسانية والمصالح المشتركة في العلاقة بين المواطنين، من أجل حياة كريمة وسلام شامل يسود وطنا يحتضن الجميع. هذا هو مفهوم التعدد في إطار الوحدة، أو مفهوم الاندماج الوطني الذي توصل إليه كل عقلاء العالم شرقا وغربا كطريق لتحسين الكفاءة السياسية والإدارية وتعزيز التنمية الشاملة في البلدان التي تنطوي على تعدد قومي أو مذهبي أو اثني.
الاندماج الوطني يحتاج إلى إرادة عامة أو إجماع وطني، يقوده المثقفون ويقوم على أرضية شراكة الجميع في خير الوطن وفي المسؤولية عنه. وأعتقد أن الغالبية العظمى (تلك التي لا تظهر عادة وراء الأسماء المستعارة في مواقع الإنترنت) تميل إلى هذا التوجه وترغب فيه. ولعل الأمر يستدعي من أصحاب الأقلام مثل كاتب هذه السطور ومثل الزميل خالد بذل جهد أكبر لكشف هذه الإرادة ومساندة السعي الخير على المستوى الاجتماعي والفكري لنشر قيم التسامح وتعزيز وحدة الوطن وسلامه.

27/04/2009

بل التقارب قائم ومتواصل بين السنة والشيعة

اختار الزميل خالد المشوح عنوان «لا يوجد تقارب سني شيعي» لمقاله في الوطن يوم الجمعة الماضي. وتوقعت أن يخبرنا بشيء جديد، لكن معظم المقال دار حول السياسة الإيرانية، وخصص كلمات قليلة للعلاقة بين الانتماء الوطني والديني الذي رأى أن الشيعة منقسمون حوله. وكان المفترض أن يركز على هذه النقطة التي هي جوهر الموضوع.

رغم رياح السموم الطائفية التي تهب اليوم، فإني أدعي أن العلاقة بين السنة والشيعة هي أفضل في هذا اليوم من أي زمن مضى، بما فيها تلك الأزمان التي أشار إليها الزميل. هذا الانطباع لا يمكن الحصول عليه من متابعة الصحف.

في ماضي الزمان كان التنازع الطائفي قليلا، لأن العلاقة بين الأطياف الاجتماعية المختلفة كانت نادرة. الشخص الذي لا تراه لا تختلف معه. الاتفاق والاختلاف هو في الجوهر عملية تعيين لخطوط الوصل أو القطع بينك وبين الآخر. حين ترى شخصا أو تسمع به فإن أول ما يقفز إلى ذهنك هو تعريف هذا الشخص لتحديد المسافة التي تفصلك عنه.

إذا كنا نقصد بالتقارب معناه الثقافي أو العاطفي أو العملي، فإنه يأتي في آخر الطريق، أما أوله فهو اكتشاف المختلف ثم الإقرار بوجوده وحقه في أن يكون مختلفا، ثم التعرف عليه، ثم صياغة خطوط الوصل وخطوط الفصل معه، وفي نهاية المطاف يقترب فريق من فريق ويتبعهم بعض الناس، أقلهم أو أكثرهم.

في المملكة نحن الآن في منتصف الطريق، وعلى وجه التحديد في نقطة وسطى بين الإقرار بالحق في الاختلاف والتعرف على المختلف. وأريد هنا الإشادة بالمساهمة الهامة لمؤتمر الحوار الوطني الثاني الذي رعاه خادم الحرمين الشريفين عام 2003. أسس هذا المؤتمر لمنهج جديد في تعريف الذات وساعد المجتمع السعودي على فهم حقيقته كمجتمع متنوع ثقافيا ومذهبيا.

لقد قطعنا شوطا طويلا. لأننا اكتشفنا أننا لا نشبه بعضنا كما يشبه الولد أباه، ولأن كثيرا منا يتبنى اليوم مفهوم التعدد والتنوع في إطار الوحدة، بدل المفهوم القديم الذي يربط الوحدة بتخلي المختلف عن ذاته الخاصة، وتلاشي كل الأطياف والألوان في لون واحد.

أما العلاقة بين الانتماء الوطني والانتماء الديني فليست مسألة مذهبية على الإطلاق، بل هي مسألة وطنية. ولعلي أحيل الزميل المشوح على النقاشات التي دارت في السنوات الماضية حول مناهج التعليم ومدى خدمتها لمفهوم الهوية الوطنية. الأمر لا يزال ملتبسا عند كثير منا، ونحن بحاجة إلى خطة محددة تستخدم العمل التربوي والثقافي والإعلامي لإزالة الالتباس بين الانتماء الديني والوطني.

العلاقة بين الأطياف في المملكة كانت تترواح في الماضي بين إنكار وجود التعدد وتجاهله. أما اليوم فإننا جميعا نقر بوجوده ونريد التوصل إلى صيغة متينة تعزز وحدة الوطن واستقراره وسلامه الاجتماعي وتحمي نسيجه من اهواء الداخل وتدخلات الخارج. وفي هذا السياق بذلت جهود خيرة لا زالت مستمرة، ويشارك فيها رجال ونساء يتمتعون بالكفاءة الذهنية والعملية، فضلا عن احترام المجتمع وثقته.

اطلاعي المباشر على هذه الجهود وعلى ردود الفعل في الوسط الاجتماعي يسمح لي بالتفاؤل بالمستقبل، فيما يخص هذا الجانب على وجه الخصوص. لكن لا ينبغي التهوين من شأن القلق الذي يعبر عنه مختلف الفرقاء، القلق من فائدة التقارب وواقعيته وفرص نجاحه. كما لا ينبغي إغفال أن أي جهد من هذا النوع له معارضون. هذه هي طبيعة الأمور. وما يهمنا هو أن المسار قد انطلق فعلا وانه يحقق نتائج صغيرة أو كبيرة.

20/04/2009

تكون الهوية الفردية




نظرية اريك اريكسون حول تكون الهوية الفردية هي واحدة من أعمق المساهمات في هذا الموضوع. وقد توصل إليها من خلال بحوث إكلينيكية طالت ثلاثة عقود. والحقيقة أن اريكسون يمثل بذاته نموذجا للدراسة فقد حملته ظروفه من بلد إلى آخر وعاش في عائلة متنوعة قوميا، وعاصر صراعات أوروبا زمن الحرب وما بعدها. ولهذا كانت حياته موضوعا لدراسة مسارات التفاعل بين الفرد ومحيطه، في كل مرحلة من مراحلة حياته.
اريك اريكسون (1902-1994)
عالج اريكسون مسألة الهوية من زاوية سيكولوجية بحتة. النقطة المركزية في نظرية اريكسون هي أن الهوية لا تتشكل بتأثير المحيط الاجتماعي فقط، وبالتالي فقد شكك في النظريات التي تفترض إمكانية خلق هويات صناعية جديدة تماما عبر جهد مخطط. كما شكك في الرؤية الفردانية القائلة بأن الفرد قادر على فصل نفسه عن المحيط واختلاق هوية جديدة مستقلة تماما.
طبقا لأريكسون فإن هوية الفرد تتشكل خلال كفاح طويل يبدأ في مرحلة المراهقة، ويتركز على تركيب عنصرين: أولهما هو اكتساب القدرة على الإنتاج والعلاقة مع المحيط، وثانيهما هو الإحساس بالاندماج في عالم معنوي مناسب.
العنصر الأول ضروري لأن الفرد يحتاج إلى تعريف نفسه للمجتمع المحيط به. حين يسألنا الناس من نحن، فإنهم لا يقصدون عادة الاسم الذي نحمله، بل موقعنا في شبكة العلاقات الاجتماعية، أي الدائرة الصغيرة التي ننتمي إليها ضمن الدائرة الاجتماعية الكبرى، والوظيفة التي نقوم بها ضمن هذه الدائرة. ولذلك لا يكتفي الفرد بذكر اسمه الأول بل يضيف اليه اسم العائلة، ثم يلحقه بما يفترض أنه تعريف وظيفي، يشير إلى المهنة أو الهواية أو المكانة. حين يعرف الإنسان نفسه فإنه يقدم وصفا يتوقع قبوله من جانب المحيط، كتمهيد للاندماج فيه. وهذا يقودنا إلى العنصر الثاني وهو حاجة الفرد إلى عالم ذي معنى يتيح له التمتع بقدراته والحصول على المكافأة المناسبة ازاء ما يفعل.
يمكن للإنسان أن يعيش منعزلا، لكنه لن يتمتع بحياته. ولهذا يسعى جميع الناس إلى مد جسور العلاقة مع جماعة ما. لأن الجانب الأعظم من متعة الحياة، أو السعادة، إنما يتحقق في ظرف التفاعل بين الفرد والآخرين. لا يستطيع الفرد الشعور بالسعادة إذا كان منعزلا. بقدر ما يتسع المحيط الذي يتفاعل معه الفرد، تتعاظم سعادته واستمتاعه بحياته. ومن هنا قيل بأن من يستغني عن الناس يفقد الشعور بجمال الحياة، لأنه في حقيقة الأمر يفقد الحاجة إلى التحدي اليومي الذي يفرضه التفاعل المادي والمعنوي بين الفرد ومحيطه. الحاجة للاندماج هي التي تفرض على الفرد نمطا من الخيارات والأوصاف الشخصية قد لا تكون بالضرورة الأفضل عنده، لكنها ضرورية لشق طريقه وسط الجماعة.
من ناحية اخرى فإن الجماعات قد تتفاوت في قابليتها لاندماج الأفراد الجدد. بمعنى أنها قد تضع شروطا عسيرة أو تفرض على الفرد التخلي عن خياراته الخاصة مقابل التمتع بفضائل العيش الاجتماعي، أو أنها ببساطة ترفض اندماج أي فرد جديد ما لم يكن متماثلا بالكامل معها. ويشير كثير من الباحثين إلى أن المجتمعات القروية تتسم عادة بعسر في هذا الجانب، بينما تتسم المجتمعات المدينية بليونة اكبر في التعامل مع الأفراد الجدد. ويذكر الأستاذ سعيد الغامدي في دراسته الفريدة «البناء القبلي والتحضر» مثالا عن الطريقة التي عومل بها وافدون جدد إلى مجتمع قروي لم يسبق أن عاش فيها «أجنبي». وقد جرت تلك الأحداث في ظرف الانتقال من اقتصاد الكفاف الزراعي إلى الاقتصاد النقدي الذي فرض انفتاحا وانتقالا لبعض أنماط الحياة المدينية إلى الريف.
يوفر البحث في مسالة الهوية فرصا كبيرة لفهم العلاقة بين أطياف المجتمع والشرائح التي يمثل كل منها نمطا حياتيا أو ثقافيا مختلفا. وهي قد تشكل مدخلا ضروريا لتخطيط النظام الاجتماعي والتربية على نحو يسهل الاندماج والتفاعل وإقامة الوحدة على قاعدة التنوع، بدل الربط المتكلف بين الوحدة والتماثل.

عكاظ 20 ابريل 2009
https://www.okaz.com.sa/article/257214

الطريق السريع الى الثروة

  يبدو ان المعلوماتية تتحول بالتدريج الى اسرع القطاعات نموا في الاقتصاد الوطني لكل بلدان العالم تقريبا. (في 2021 بلغت قيمة سوق المعلوماتية ...