انشاء
وزارة للثقافة في المملكة يشير لاهتمام مستجد بهذا الحقل واعتباره مجال عمل مستقلا. وخلال الاسبوعين الماضيين عرض العديد من
المثقفين السعوديين رؤاهم فيما يخص الدور الذي يأملون ان تضطلع به الوزارة
الجديدة. في السياق نفسه ، تدعو هذه المقالة للتركيز على دور محدد ، يناسب ما يراه
الكاتب ايمانا مستجدا بين السعوديين ، بالقدرة على خوض تجربة النهضة ، بل والرغبة
الشديدة فيها.
تتغير
هموم المجتمع واهتماماته الرئيسية بين زمن وآخر ، كامتداد لتغير مسارات الحياة فيه
، أو كانعكاس لتحولات مماثلة تجري في المحيط ، وتخلف آثارا على رؤية المجتمع
لقضاياه او تعاملاته او تفكيره في مستقبله.
عدا
عن تحولات الاقتصاد ، شهد المجتمع السعودي في السنوات القليلة الماضية تحولا في
المفاهيم ، ناتجا عن تغير اتجاهات التعليم ، والاتساع الهائل في شبكات الاتصال ومصادر
المعلومات. يتفق دارسو علم الاجتماع على ان اي حراك جديد في جانب من حياة المجتمع
، كالاقتصاد والتعليم مثلا ، يهز البنى المستقرة في جوانب الحياة الأخرى. وهذا وذاك يسهمان في تغيير السلوكيات الفردية والقيم
والتطلعات.
تحولات
المجتمع السعودي في هذه الحقبة ، لا تقتصر على "وسائل الحياة" كما حصل
في فترات سابقة. فهي أوسع نطاقا واعمق تاثيرا ، وتمتد الى القانون والثقافة العامة
والعلاقات الداخلية. حين تنظر في مواقع التواصل الاجتماعي ، التي تكشف انطباعات
عامة الناس عما يرون ويعملون في حياتهم اليومية ، وعما يتطلعون اليه ويأملون فيه ،
سترى نوعا من الاجماع الضمني على مفهوم "نحن قادرون". وفحواه ان مشاعر السعوديين
متحدة في الايمان بقدرتهم كمجتمع ، على خوض غمار نهضة واسعة ، تعيد تشكيل صورة
بلادهم وموقعها على خريطة العالم الجديد.
في
اوائل العقد الجاري تبنى مجموعة من الشبان الدارسين في الخارج هذه الفكرة ،
واختاروا لها عنوان "الا_نقدر". وبذلوا جهدا طيبا لنشرها. لكن يبدو انها
جاءت قبل أوانها فتعثرت. نستذكر هذه المحاولة الطيبة للتأكيد على ان ما أراده نفر
قليل يومذاك ، اصبح اليوم مورد انشغال لعامة السعوديين ونخبتهم وحكومتهم معا. وهو
يؤكد ان المبادرات القيمة لا تضيع هباء ، وان تأثيرها سيظهر ولو بعد حين.
انتقال
المجتمع من الشك الى الايمان بامكانية النهضة وقدرته على حمل اثقالها ، يولد حاجات
جديدة ، أهمها الحاجة لتوجيه هذا الايمان نحو الاولويات التي تستحق العناء ، وهي
في اعتقادي ثلاث:
أ) التحول من الاقتصاد الريعي الى اقتصاد انتاجي ذي قاعدة واسعة.
ب)
مشاركة المجتمع كله في تحريك عجلة النهضة وحمايتها واستثمار عائدها.
ج)
تموضع العلم في قلب منظومة المعايير والقيم الاجتماعية ، باعتباره هاديا ومرشدا
للحراك الرامي لتشكيل صورة المستقبل.
هذه
الاولويات الثلاث ليست من النوع الذي يتوصل اليه الناس بمجرد التأمل والتفكير في
احوالهم. فهي ليست من القضايا البديهية ، وليست من المسائل المتداولة في النقاشات
العامة. انها تحتاج الى جهد توجيهي واسع ، يركز على لفت الرأي العام الى اهميتها ،
وبيان تفاصيلها وجزئياتها ، وحث الجمهور على ان يكون طرفا فاعلا في النقاش حولها.
اذا نجحنا في هذا ، فسوف يتحول الايمان الاولي بالنهضة الى توجه ذهني عام للمشاركة
فيها. حين يكون المجتمع كله جزء من الحراك النهضوي ، تتحول النهضة من دعوة الى
واقع يمشي على قدمين.
اعتقد
ان هذه هي المهمة الرئيسية التي يجدر بوزارة الثقافة ان تتجه اليها وان تعمل على
انجازها.
الشرق
الاوسط الأربعاء - 29 شهر رمضان 1439 هـ - 13 يونيو 2018 مـ رقم العدد [14442]
http://aawsat.com/node/1298666