11/10/2017

الخيارات المتاحة بعد استفتاء كردستان


العراقيون والاتراك والايرانيون يحذرون من "اسرائيل ثانية" اذا تحولت كردستان العراق الى دولة مستقلة. وهذا حكم لا يخلو من مبالغة. لو أردنا وضع كل الاحتمالات على الطاولة ، فمن الممكن ان تصبح كردستان اكثر خطورة من اسرائيل. ان قيام "اسرائيل ثانية" محتمل فقط اذا تناسى السياسيون الحكمة الضرورية في ادارة الازمة. ان قيام دولة كردية وسط عداء شديد في المحيط الاقليمي ، سيجعلها مصدر تأزيم للهويات القومية والمذهبية ، قد يشعل صراعات تعصف بالخرائط السياسية ، ليس في الشرق الأوسط فحسب ، بل في وسط آسيا أيضا. وليس من المستبعد ان يتغير مشهد الصراع العربي – الاسرائيلي على نحو دراماتيكي غير مسبوق.
يمكن ان نعتبر هذا الاحتمال سيناريو اسوأ الاحتمالات. وهو ممكن اذا قرر الجيران ، سيما تركيا وايران ، حل المشكلة بالتدخل العسكري المباشر. لكنه ليس الاحتمال الوحيد ولا هو الأقرب للمعطيات المتوفرة اقليميا ودوليا.
السيناريو الآخر ، الذي يمكن اعتباره احسن الاحتمالات ، ينطوي على عملية سياسية تحقق ما أظنه الهدف المركزي للنخبة السياسية الكردية ، اي تحويل الوضع القانوني لكردستان العراق من اقليم فيدرالي الى كونفدرالي. الكونفدرالية اتحاد بين دولتين مستقلتين من حيث المبدأ ، يتمتع كل منهما بتمثيل دولي واستقلال مالي وإداري. حدود الاستقلال وموضوعاته يمكن ان تتقرر في اتفاق ثنائي ، مدعوم بضمانات دولية.
تمثل الدولة الكردية المستقلة حلما عزيزا وقديما نسبيا لكافة الأكراد ، بمختلف انتماءاتهم ومواطنهم. وترجع أولى التجليات السياسية لهذا الحلم الى معاهدة سيفر في 1920 حين أقرت تركيا والدول الأوروبية بحق الاكراد في استفتاء لتقرير مصيرهم. وقدم الوفد الكردي الى تلك المحادثات ، ما أظنه أول خريطة للحلم الكردي ، تشمل الاقاليم الكردية في ايران وتركيا والعراق وسوريا.
https://c1.staticflickr.com/4/3116/2636365078_8009bcec55.jpg
صحيح ان تلك المعاهدة قد الغيت ، وتم تجاهل الوعد المقدم للاكراد. لكن المهم في المسألة ان الحلم والهوية ، قد وجدت أرضا محددة تتجلى فيها. الارض المرتبطة بالحلم هي العتبة الفاصلة بين التاريخ والسياسة ، بين الثقافة والصراع ، هي نقطة انقلاب الهوية الى مضمون ومحرك لقضية سياسية.
لا شك ان إصرار السيد مسعود البرزاني على الاستفتاء قد رفع مكانته من زعيم لبعض أكراد العراق ، الى ممثل للحلم القومي لجميع الأكراد. وكان لافتا ان جميع معارضيه قد أعلنوا تأييدهم للاستفتاء ، لأنهم ببساطة يعلمون ان معارضة الاستفتاء تساوي الانتحار السياسي.
زبدة القول ان مواجهة الدعوة للاستقلال بالتهديد والوعيد والخنق الاقتصادي ،  كما يجري الآن ،  قد تفلح في تحسين شروط التفاوض مع حكومة الاقليم. لكن المفاوضات لن تعيد عقارب الزمن الى ما قبل 25 سبتمبر. سيحصل أكراد العراق دون أدنى شك على وضع قانوني افضل مما لديهم اليوم.
ومع الأخذ بعين الاعتبار ما أظنه حقيقة جيوبوليتكية في طور التشكل ، فان الطريق الاكثر عقلانية لحكومة العراق ، هو وضع مخطط للتفاوض يستهدف الوصول الى نقطة متوسطة بين الفيدرالية والكونفدرالية. وأعتقد ان المجتمع الدولي يميل الى خيار كهذا وليس أدنى منه ولا أعلى. 
أما تركيا وايران وسوريا ، فهي بحاجة الى معالجة عاجلة وجذرية لوضع محافظاتها ذات الاكثرية الكردية ، باتجاه منحها نوعا من الحكم الذاتي وتعزيز التنمية الاقتصادية ، لتحييد المطالبة بالانفصال.
ما جرى ليس حدثا بسيطا ولا يصح التساهل فيه.  كما أن الظرف لا يسمح بحلول خشنة. مع ان جميع الخيارات المتوفرة مريرة جدا.
الشرق الاوسط الأربعاء - 21 محرم 1439 هـ - 11 أكتوبر 2017 مـ رقم العدد [14197]
https://aawsat.com/home/article/1048696/

04/10/2017

حاشية على سجال قديم


السجال الذي شهدته المملكة قبل وبعد قرار السماح للنساء بقيادة السيارات ، يؤكد حاجتنا لحسم سؤال ، أظنه اكثر الاسئلة أهمية في الجدل الطويل حول دور الدين في المجال العام.
يمكن صياغة السؤال على النحو التالي: هل يريد الاسلام تثبيت الأعراف والقيم الاجتماعية التي ورثناها ، ام يعتبرها واقعا قائما ، لا ينكره ، لكنه يسعى لاصلاحه أو ربما تغييره الى مستوى أرقىى وأقرب للقيم العليا؟.
يحتمل السؤال جوابا من اثنين ، يعبر كل منهما عن رؤية أوسع في فلسفة الدين وأغراضه. وهما رؤيتان متعارضتان لا يمكن الجمع بينهما. تنظر الرؤية الأولى الى الدين كقوة تواصل روحي/قيمي مع الماضي ، ومن هنا فهو يهتم بتثبيت وترسيخ الواقع الاجتماعي الموروث ، بما فيه من قيم وأعراف وعلائق ، وتسليمه كاملا الى الأجيال التالية.
أما الرؤية الثانية فترى في الدين قوة تغيير ، يتبنى في الأساس نماذج قيمية وسلوكية رفيعة ، لكنه لا يفرضها على الناس قبل ان يصبحوا جاهزين لتطبيق مقتضياتها. ومن هنا فهو يتعامل مع الوقائع والقيم والاعراف والنظم الاجتماعية القائمة ، باعتبارها ظروفا تاريخية ، ويلقي عليها قيمة مؤقتة او انتقالية. لكنه في الوقت نفسه يدعو المجتمع لتجاوزها الى الظرف الأعلى ، اي الاقرب للمثال والنموذج. 
http://knowledge.wharton.upenn.edu/wp-content/uploads/2016/03/Bohnetbook1-copy.jpg
المثال المناسب للجدل السابق الذكر هو مبدأ المساواة ، وهو جوهر قيمة العدالة ، التي نعلم ان الرسالات السماوية نزلت من أجل إقامتها واقرارها أساسا للحياة والتعامل بين الناس. الحوادث والسجالات التي شهدناها في السنوات الاخيرة ، تؤكد ان مبدأ المساواة ليس راسخا في ثقافة المجتمعات المسلمة ولا سيما العربية. التفاوت في الحقوق والمكانة بين الرجل والمرأة هو أحد الأمثلة. وثمة امثلة كثيرة من قصة تكافؤ النسب بين القبائل ، الى عدم المساواة بين اتباع الاديان والمذاهب ، الى التمييز العرقي والعنصري. ولكل من هذه شواهد وتطبيقات عديدة في المجتمع ، وبعضها مدعوم بأعراف اجتماعية أو آراء فقهية.
الاخذ بالجواب الأول ، أي القول بأن الدين قوة تواصل وتثبيت للواقع ، يعني اعتبار الحالة القائمة سليمة ومشروعة. وهذا يستدعي بالضرورة القول بان الاسلام ضد مبدأ المساواة ، أو ان لديه مفهوما للمساواة يخالف ما نعرفه من أن بني آدم جميعا سواسية في القيمة والمكانة والحقوق.
اما الاخذ بالجواب الثاني ، أي اعتبار الدين قوة تغيير للواقع ، فهو يعني ان الظرف القائم أمامنا مؤقت ، وأن السعي لتغييره هو الأصل الصحيح وهو الأقرب الى روح الدين. وفحوى هذا الخيار ان وضع المرأة في مجتمعنا لايزال دون الصورة المثلى التي يريدها الدين. ولذا فان السعي لتغييرها باتجاه نموذج المساواة الكاملة في الحقوق والواجبات ، هو العمل الاقرب الى مرادات الشريعة وأهدافها.
من المناسب هنا الاشارة الى ان سر نهضة اوروبا يكمن في تخلي المفكرين منذ القرن السابع عشر عن النظريات السكونية ، سيما نظرية ارسطو حول النظام الطبيعي ، وفحواها ان النظام الكوني هو النموذج الأمثل لتنظيم وادارة المجتمع. تخلى الاوروبيون عن هذه الرؤية الى أخرى جديدة ، فحواها  أن النظام الاجتماعي ليس وضعية سكونية او نهائية ، بل هو نتاج لفعل البشر وتعبير عن مستواهم الثقافي وحاجاتهم في زمن محدد ، ولهذا يستطيعون تغييره بما يستجيب لتحديات مستقبلهم ويتلاءم مع القيم العليا.
لو سألت عامة المسلمين عن الرؤية التي يعتقدونها أليق بروح الدين الحنيف ، فهل سيختارون الأولى؟.
الشرق الاوسط الأربعاء - 14 محرم 1439 هـ - 04 أكتوبر 2017 مـ رقم العدد [14190]
http://aawsat.com/node/1041786

27/09/2017

"الوطن" ليس مسألة دينية


احتفال المملكة العربية السعودية  بيومها الوطني كان مختلفا هذا العام عن كل الاعوام السابقة. التعبيرات الاحتفالية كانت واضحة جدا في الشوارع والاماكن العامة. يبدو الامر كما لو ان السعوديين جميعا قرروا فجأة التظاهر بالبهجة ، والتخلي عن تحفظهم المعهود إزاء مناسبات من هذا النوع. عدد كبير من المثقفين استثمر المناسبة ، للتأكيد على ضرورة التحرر من الاعباء النفسية والذهنية المرتبطة بحقبة "الصحوة" ، ولاسيما في اتجاه ترسيخ مفهوم "الوطن" في الثقافة المحلية.
لعل المجتمع السعودي هو الوحيد في العالم الذي كان – حتى سنوات قليلة - يتحفظ ازاء الاحتفال باليوم الوطني. ويرجع السبب الى التقابل الذي اصطنعه بعض الدعاة والحركيين بين مفهومي الامة والوطن. ويذكر كثير منا الاسئلة التي كانت توجه لعلماء الدين حول جواز اتخاذ "أعياد" جديدة ، أو حول التراتب بين الولاء لوطنهم والولاء لأمة الاسلام. وأمثال ذلك من الاسئلة التي كانت تستحلب فتاوى ذات اتجاه محدد ، خلاصته ان الاحتفاء بالوطن مزاحم للولاء الديني وانه يجرح كمال الايمان. 
https://al-marsd.com/wp-content/uploads/2017/09/%E2%80%8F%D9%84%D9%82%D8%B7%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%A7%D8%B4%D8%A9-%D9%A2%D9%A0%D9%A1%D9%A7-%D9%A0%D9%A9-%D9%A2%D9%A4-%D9%81%D9%8A-%D9%A2%E2%80%8E.%D9%A0%D9%A2%E2%80%8E.%D9%A0%D9%A0-%D8%B5.png
قبل العام 2005  كان الاسبوع الاخير من سبتمبر مناسبة معهودة للبيانات والفتاوى التي تؤكد حرمة الاحتفال ، ولا تغفل رجم الداعين لاعلاء الهوية الوطنية وقيمة الوطن ، بأوصاف مثل الانخداع بالغرب والتحلل من الدين وأشباهها.
بذلت وزارة التعليم جهودا عظيمة في معالجة هذا الفهم الغريب. ومثلها فعلت اجهزة الاعلام والصحافة المحلية. لكن المعالجة اتخذت على الدوام منحى اعتذاريا أو تبريريا. فكان يقال مثلا ان حب الوطن لا يتعارض مع الدين. وان تراثنا يحوي بعض الاشارات التي تدل على ان النبي صلوات الله عليه وصحابته ، كانوا يحنون لأوطانهم او يمتدحونها. وان في هذا دليل على ان الاحتفاء بالوطن لايتعارض مع التعاليم الدينية.
والذي يظهر لي ان هذا الاسلوب في المعالجة لم يكن مفيدا ، وانه بحاجة الى تغيير. نعلم ان الوطن كمفهوم معياري ، جديد في الثقافة العالمية وفي ثقافتنا ايضا. وهو يرتبط بظهور ما يعرف في علم السياسة بالدولة القومية او دولة الأمة ، ويرجع الى ما بعد صلح وستفاليا الشهير في 1648 ، حين أقرت حكومات اوربا الحدود القائمة كنطاق نهائي لسيادة كل منها ، وأن السكان داخل هذا النطاق يتبعون الحكومة القائمة ، أيا كانت اديانهم او قومياتهم. مفهوم الدولة القومية يقول ببساطة ان كل من يحمل جنسية الدولة المعترف بحدودها فهو من مواطنيها وشريك في ملكية ترابها ، وهو اجنبي بالنسبة للدول الاخرى ، ولو كان يتبع دينها او يرجع عرقا او نسبا الى أهلها.
لم يعرف اسلافنا مفهوما معياريا من هذا النوع. وليس في التراث الديني القديم تكييف لمفهوم الوطن او مبدأ المواطنة او احكامهما. الحقل الذي يعالج هذا المفهوم هو القانون والفلسفة السياسية ، وليس الفقه او العقيدة.
الجدل الديني في مفهوم الوطن تكلف لا ضرورة له ، وقد يكون مضرا بالدين. ليس للشرع الشريف مصلحة في اثقاله بمسائل وجدالات  من خارجه. وليس لعلماء الدين منفعة في تكلف البحث عن قضايا خارج اختصاصهم. كما لا يضير الدين ولا ينتقص كماله القول بأن هذي المسألة او تلك ترجع لعرف أهل البلد ويحكم فيها عقلاؤهم وأهل الرأي منهم.
ترسيخ قيمة الوطن والهوية الوطنية ومبدأ المواطنة المتساوية ، لا ينبغي ان يكون موضوعا للجدل. فهو مضمون الرابطة التي تشد ابناء البلد الى بعضهم ، وهو السقف الذي ينتهي اليه كل اختلاف في الرأي أو تعارض في المصالح.
الشرق الاوسط الأربعاء - 7 محرم 1439 هـ - 27 سبتمبر 2017 مـ رقم العدد [14183]
http://aawsat.com/node/1034866

المواطن "الممتاز" والمواطن "العادي"

سألتني السيدة ميره ، وهي مثقفة من دولة الامارات الشقيقة ، عن علاقة المواطنين ببعضهم وعلاقتهم بوطنهم: هل نكتفي بمضمونها القانوني ، ام نحتا...