يعتذر بعض قومنا عن تباطؤ الحراك السياسي بتجارب الامم الاخرى التي احتاجت عشرات من السنين كي تنزع عنها رداء التقاليد. والفكرة ليست غريبة على اي حال فقانون اصلاح التعليم الذي غير وجه المجتمع البريطاني صدر في اواخر القرن التاسع عشر ، اما الجدل حول البدائل السياسية للنظام التقليدي فيرجع الى القرن السابق. هذا الكلام الذي يبدو متماسكا ، باطل في الجملة والتفصيل. نتفهم طبعا ان الحال لا يتغير في يومين او ثلاثة ، لكن هذا لا يعني بالضرورة ان الامر يحتاج الى عشرات من السنين .
الكلام السابق باطل في
الجملة لانه يطابق بين وضعيتين مختلفتين تماما . فالتغيير في اوربا بدأ فعليا
باقرار مباديء للحراك السياسي تحولت الى قاعدة تفاهم بين القوى الاجتماعية
والسياسية ، وشكلت من ثم فلسفة عمل مرجعية يستند اليها الجدل حول موضوعات الاصلاح
. وبالمقارنة مع الوضع القائم في البلاد العربية ، فالواضح ان مثل هذه المرجعية
مفقودة . معظم الناس في السلطة وفي المجتمع يتحدثون عن الاصلاح باعتباره من
المسلمات ، لكن طرف السلطة وطرف المجتمع ليسا متفقين على المراد بالاصلاح وحدوده.
ذلك الكلام باطل في التفصيل
ايضا ، لان المسار الاصلاحي الذي اتبعته الامم الاوربية كان غير مسبوق ، ولهذا
اتسم بالنزعة التجريبية والتعلم من الاخطاء . لكن الاقطار التي اخذت بهذا النهج في
وقت لاحق لم تحتج ابدا الى اعادة التجربة ، فقد استفادت من تجارب من سبقها ، وتلك
هي الحكمة في النظر الى تجارب البشر باعتبارها مصدرا للحكمة المتجددة. اسبانيا
والبرتغال مثلا تحولت من انظمة عسكرية الى ديمقراطيات برلمانية في ظرف ثلاث سنوات
فحسب. اما اليابان فقد انتقلت السلطة من الامبراطور الذي كان يعد في تقاليدهم ابنا
للالهة ومالكا للارض والرقاب الى برلمان منتخب في ظرف اشهر معدودة . ولم يكن هناك
اي تمهيدات ذات شان ، بل جرى التحول بقرار اتخذه الجنرال ماك ارثر قائد القوات
الامريكية التي احتلت البلاد في نهاية الحرب العالمية الثانية.
خلاصة القول ان التحول
السياسي يتطلب وقتا ، لكنه بالتاكيد ليس عشرات السنين . عناوين التحول ، فلسفته ،
اهدافه ، ادواته والقيم الناظمة له ، لم تعد اسرارا ولا الغازا تحتاج الى عباقرة
لحلها ، فتجارب العالم مكتوبة بالتفصيل وجرت حولها دراسات وابحاث ، وكشفت نقاط
قوتها وضعفها ، ونوقشت نقاط التلاقي والاختلاف بين مختلف التجارب . وهذه كلها
اصبحت علما قائما بذاته عنوانه التنمية السياسية او التنمية الشاملة اذا اريد تعميمها
على الجوانب غير السياسية ايضا . وبهذا فلم نعد بحاجة الى اعادة اختراع العجلة او
تعريف الماء .
يبدو مثل هذا الكلام تحصيل
حاصل ، فما الداعي الى قوله اذن ؟
خلال الاشهر القليلة الماضية
كانت هناك مبادرات جيدة جدا وكانت هناك اخفاقات للحراك الاصلاحي. وليس من العسير
اكتشاف اهمية بعض المبادرات الجديدة على الحياة السياسية في البلاد ، مثل نشر
نتائج التحقيق في حريق سجن الحائر وما ترتب عليه من اقالة المسؤولين عنه ، وتشكيل
جمعية حقوق الانسان وجمعية الصحفيين . وكانت بموازاة هذا بعض الاخفاقات التي ليس
متاحا لنا الحديث عنها وان كانت معروفة للجميع .
الامر الذي يستحق الاهتمام
هنا ، هو ان الحراك الاصلاحي الذي تتفق الغالبية على عنوانه العريض ، جسد خلال
السنوات الاخيرة املا لشرائح واسعة جدا من المجتمع ، او نقطة ضوء اعادت اليهم
الثقة بوجود مستقبل افضل يمكن صناعته من الداخل وبادوات داخلية . هذا الامل بحاجة
الى تعزيز وتركيز ، فوق انه بحاجة الى شحن بالمصداقية ، كي لا يقتله توالي
الاخفاقات.
من اجل تعزيز الامل ، فاننا
بحاجة الى التخلي عن الخطابات الجوفاء حول تجارب الامم التي استغرقت عشرات السنين
. لكننا بحاجة في المقام الاول الى تطوير الحراك الاصلاحي من تصريحات صحافية الى
جدول زمني محدد لتطبيق الاصلاحات المنشودة. مثل هذا الجدول سوف ينهي الشكوك في
جدية التحرك نحو الاصلاح ويحول الامل من عاطفة او رغبة الى هدف عملي مرسوم.
www.okaz.com.sa/okaz/Data/2004/4/10/Art_92891.XML
( السبت - 20/2/1425هـ ) الموافق 10 / ابريل/ 2004 - العدد
1028
مقالات ذات علاقة