اتفق تماما مع الامير الحسن
بن طلال في حاجة العالم العربي لمنظومة جديدة لادارة ازماته. هذه الحاجة ظهرت
باجلي ما يكون في ازمة مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين ، التي تفاقمت الاسبوع
الماضي بعدما سيطر عليه تنظيم "داعش".
ما حصل في المخيم الواقع
جنوب العاصمة السورية مثال واحد على افتقار العالم العربي لأخلاقيات الحرب ، رغم
كثرة ما يقال على الورق وفي المنابر من مواعظ اخلاقية.
تشكل اتفاقيات جنيف الاربع لعام
1949 والبروتوكولات الملحقة بها منظومة اخلاقية – قانونية تنظم التعامل مع
المدنيين في زمن الحرب. وقد توافق عليها عقلاء العالم بعدما اختبروا الكوارث التي
حلت بالبشر والعمران في الحربين العالميتين. وتعتبر هذه الاتفاقيات جزء من القانون
الدولي وتعبيرا عن الضمير الانساني واخلاقيات الانسان الطبيعي.
ربما كانت حرب رمضان
المجيدة (اكتوبر 1973) الوحيدة خلال نصف القرن الاخير التي تشهد التزاما عربيا
بقواعد التعامل الاخلاقي اثناء الحرب. لكن هذا الالتزام لم يظهر ابدا ، او ربما لم
يكن واضحا في الحروب التالية.
قصف القرى الكردية بالسلاح الكيمياوي
(العراق 1988) وتدمير المطارات ومنشئات البترول الليبية في الاشهر الماضية ،
وبينهما فضائع الحرب الاهلية اللبنانية والسودانية والسورية، وصولا الى مأساة مخيم
اليرموك الحاضرة ، تدل جميعا على ان حملة السلاح لا يميزون اصلا بين جندي في دبابة
وطفل يبحث عن فتات على قارعة الطريق. يستوي في هذا التقدير الحكومات التي تزعم
حماية مواطنيها والعصابات المسلحة التي تدعي السعي لتحريرهم. المعركة واحدة عند هؤلاء
، ومن وجدوه في ارضها فهو هدف مشروع لحقدهم ورصاصهم.
قبل 2011 كان مخيم اليرموك
يحتضن 100 الف لاجيء فلسطيني ، يكدحون ويكافحون ويتغنون بالعودة الى قراهم السليبة
، وكانوا جميعا - كسائر فقراء العالم – طيبين ، رغم مخزون الالم في قلوبهم. كان حديثهم
الوحيد هو فلسطين ، آمالهم ونزاعاتهم وأيامهم تدور حولها. لم يتخيل احدهم يوما انه
سيوجه بندقية الى جيرانه او يلقي قنبلة على سطحهم.
تبدل الامر كليا مع انحياز
حركة حماس الى المعارضة السورية ، فأصبح المخيم جزء من الحرب الاهلية. وبالتدريج
تحولت شوارعه وازقته الى مقرات او ممرات للمقاتلين والجنود ومعهم العصابات المسلحة
وتجار الحرب والمغامرون والحمقى ونهازوا الفرص والمساكين.
لم يكن النظام رحيما
بالمخيم ، ولا كانت الجماعات المسلحة رحيمة بأهله. شوارعه الضيقة وازقته تحولت الى
اطلال وركام يفت القلب منظرها فضلا عن معايشتها. أما اهله فقد تفرقوا شذر مذر ،
كثيرهم ضاع ، وقليلهم رحمته الاقدار. لم يعد في المخيم اليوم سوى بضعة الاف ممن
عجز عن النجاة بنفسه ، وكأني بكل منهم يتوقع رصاصة من مسلح احمق او ربما يموت فريسة الجوع والمرض والحزن.
الا نبدو في هذا الحال اكثر
الناس كلاما عن الرحمة في الرخاء واكثرهم قسوة ووحشية عند الشدة؟. اترانا نستطيع
الفخر بايماننا واخلاقنا وشجاعتنا بينما يقتل المدنيون وتهدم بيوتهم في صراعات على
السلطة والفخر بالذات الخائبة وغرور القوة القبيح؟.
نعم. نحن بحاجة الى منظومة
قيمية ثقافية قانونية جديدة تجعلنا قادرين على رفض الاقتتال وتدمير العمران وابادة
الحرث والنسل من أجل شعار ديني او سياسي او غيره. اسوأ الاشياء ان تحتقن بالألم ،
فاذا أنكرت الفضائع ، وجهت اليك اصابع الاتهام بالعجز والانهزام وربما الخيانة
والكفر برب العالمين. نحن بحاجة الى اطار قانوني يسمح لنا بادارة ازماتنا وحروبنا
على نحو يحصر الخسائر في حدها الأدنى ، ولا يسمح بتدمير ما انفقنا العمر في بنائه
حجرا فوق حجر ، كما يفعل الاطفال بعد ان يفرغوا من العابهم الصغيرة. نحن بحاجة الى
اطار قانوني – ثقافي يمنع المغامرين وطلاب السلطة والاقوياء من استغلال ارثنا
الثقافي ومصادر قوتنا في حروب تهلك البشر والشجر والحجر.
قد لا نستطيع منع الصراعات
، لكننا – مثل سائر عقلاء العالم – قادرون على ادارة ازماتنا على نحو يضمن الحد
الادنى من اللوازم الاخلاقية التي تميزنا عن البهائم والوحوش. نحن بحاجة الى تأسيس ثقافي – قيمي يستهدي بما يشبه اتفاقيات جنيف عربية ، كي
نتعلم انكار الحرب والدمار ، ايا كانت اطرافه وأهدافه.
http://goo.gl/tEq9eL