15/04/2015

مخيم اليرموك


اتفق تماما مع الامير الحسن بن طلال في حاجة العالم العربي لمنظومة جديدة لادارة ازماته. هذه الحاجة ظهرت باجلي ما يكون في ازمة مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين ، التي تفاقمت الاسبوع الماضي بعدما سيطر عليه تنظيم "داعش".
ما حصل في المخيم الواقع جنوب العاصمة السورية مثال واحد على افتقار العالم العربي لأخلاقيات الحرب ، رغم كثرة ما يقال على الورق وفي المنابر من مواعظ اخلاقية.
تشكل اتفاقيات جنيف الاربع لعام 1949 والبروتوكولات الملحقة بها منظومة اخلاقية – قانونية تنظم التعامل مع المدنيين في زمن الحرب. وقد توافق عليها عقلاء العالم بعدما اختبروا الكوارث التي حلت بالبشر والعمران في الحربين العالميتين. وتعتبر هذه الاتفاقيات جزء من القانون الدولي وتعبيرا عن الضمير الانساني واخلاقيات الانسان الطبيعي.
ربما كانت حرب رمضان المجيدة (اكتوبر 1973) الوحيدة خلال نصف القرن الاخير التي تشهد التزاما عربيا بقواعد التعامل الاخلاقي اثناء الحرب. لكن هذا الالتزام لم يظهر ابدا ، او ربما لم يكن واضحا في الحروب التالية.
قصف القرى الكردية بالسلاح الكيمياوي (العراق 1988) وتدمير المطارات ومنشئات البترول الليبية في الاشهر الماضية ، وبينهما فضائع الحرب الاهلية اللبنانية والسودانية والسورية، وصولا الى مأساة مخيم اليرموك الحاضرة ، تدل جميعا على ان حملة السلاح لا يميزون اصلا بين جندي في دبابة وطفل يبحث عن فتات على قارعة الطريق. يستوي في هذا التقدير الحكومات التي تزعم حماية مواطنيها والعصابات المسلحة التي تدعي السعي لتحريرهم. المعركة واحدة عند هؤلاء ، ومن وجدوه في ارضها فهو هدف مشروع لحقدهم ورصاصهم.
قبل 2011 كان مخيم اليرموك يحتضن 100 الف لاجيء فلسطيني ، يكدحون ويكافحون ويتغنون بالعودة الى قراهم السليبة ، وكانوا جميعا - كسائر فقراء العالم – طيبين ، رغم مخزون الالم في قلوبهم. كان حديثهم الوحيد هو فلسطين ، آمالهم ونزاعاتهم وأيامهم تدور حولها. لم يتخيل احدهم يوما انه سيوجه بندقية الى جيرانه او يلقي قنبلة على سطحهم.
تبدل الامر كليا مع انحياز حركة حماس الى المعارضة السورية ، فأصبح المخيم جزء من الحرب الاهلية. وبالتدريج تحولت شوارعه وازقته الى مقرات او ممرات للمقاتلين والجنود ومعهم العصابات المسلحة وتجار الحرب والمغامرون والحمقى ونهازوا الفرص والمساكين.
لم يكن النظام رحيما بالمخيم ، ولا كانت الجماعات المسلحة رحيمة بأهله. شوارعه الضيقة وازقته تحولت الى اطلال وركام يفت القلب منظرها فضلا عن معايشتها. أما اهله فقد تفرقوا شذر مذر ، كثيرهم ضاع ، وقليلهم رحمته الاقدار. لم يعد في المخيم اليوم سوى بضعة الاف ممن عجز عن النجاة بنفسه ، وكأني بكل منهم يتوقع رصاصة من مسلح احمق او ربما يموت  فريسة الجوع والمرض والحزن.
الا نبدو في هذا الحال اكثر الناس كلاما عن الرحمة في الرخاء واكثرهم قسوة ووحشية عند الشدة؟. اترانا نستطيع الفخر بايماننا واخلاقنا وشجاعتنا بينما يقتل المدنيون وتهدم بيوتهم في صراعات على السلطة والفخر بالذات الخائبة وغرور القوة القبيح؟.
نعم. نحن بحاجة الى منظومة قيمية ثقافية قانونية جديدة تجعلنا قادرين على رفض الاقتتال وتدمير العمران وابادة الحرث والنسل من أجل شعار ديني او سياسي او غيره. اسوأ الاشياء ان تحتقن بالألم ، فاذا أنكرت الفضائع ، وجهت اليك اصابع الاتهام بالعجز والانهزام وربما الخيانة والكفر برب العالمين. نحن بحاجة الى اطار قانوني يسمح لنا بادارة ازماتنا وحروبنا على نحو يحصر الخسائر في حدها الأدنى ، ولا يسمح بتدمير ما انفقنا العمر في بنائه حجرا فوق حجر ، كما يفعل الاطفال بعد ان يفرغوا من العابهم الصغيرة. نحن بحاجة الى اطار قانوني – ثقافي يمنع المغامرين وطلاب السلطة والاقوياء من استغلال ارثنا الثقافي ومصادر قوتنا في حروب تهلك البشر والشجر والحجر.
قد لا نستطيع منع الصراعات ، لكننا – مثل سائر عقلاء العالم – قادرون على ادارة ازماتنا على نحو يضمن الحد الادنى من اللوازم الاخلاقية التي تميزنا عن البهائم والوحوش. نحن بحاجة الى تأسيس ثقافي – قيمي يستهدي بما يشبه اتفاقيات جنيف عربية ، كي نتعلم انكار الحرب والدمار ، ايا كانت اطرافه وأهدافه.

 http://goo.gl/tEq9eL

01/04/2015

حرب تلد حلاً



«حرب تلد أخرى» هو عنوان كتاب للإعلامي العراقي سعد البزاز حول حرب الخليج. وأظن كثيرا من الناس يتداولون الفكرة باعتبارها حقيقة. لكن لا شك أن بعض الحروب قد تفتح الباب أمام حلول مرحلية أو طويلة الأمد.
بطبيعة الحال، فإنه لا يوجد حل سحري أو منفرد لأي مشكلة سياسية. لا الحرب وحدها تحل المشكلات ولا المفاوضات. عالم اليوم أكثر تعقيدا وأسرع تغيرا، مما يجعل الدواء الواحد فعالا في حادثة محددة في زمن محدود. ما إن تمر الأيام حتى يبرز جانب آخر للمشكلة، ثم جانب ثالث.. وهكذا.
أزمة اليمن، مثل عشرات الأزمات السياسية التي شهدتها المنطقة، مثال واضح على الطبيعة المتحولة للمشكلات. المبادرة الخليجية التي بدا أنها كانت استراتيجية خروج مناسبة من أزمة اليمن أواخر 2011، سرعان ما استبدلت باتفاق السلم والشراكة في سبتمبر (أيلول) الماضي. لكن هذا الاتفاق انهار بدوره قبل أن يدخل حيز التطبيق. ليس ثمة عيب جوهري في المبادرة، وليس ثمة عيب جوهري في الاتفاق. يكمن العيب في الطبيعة المتحولة للمشكلات مقارنة بالطبيعة الاستاتيكية للحلول.
ربما كانت القمة العربية الأخيرة في شرم الشيخ واحدة من أنجح القمم، لأنها - على الأقل - خلت من الاستقطابات والتنازعات التي كانت سمة ملحوظة في معظم القمم السابقة. وقد اتفق الزعماء العرب على تشكيل قوة عسكرية موحدة، تبدو في إطارها العام شبيهة بتلك التي تشكلت في إطار منظمة الوحدة الأفريقية، ونعرف أنها تدخلت بفاعلية في الصومال.
يمكن اعتبار هذه المبادرة طموحا عاليا بالقياس إلى أوضاع العالم العربي الراهنة، وبالقياس إلى تاريخ طويل من الاتفاقيات الشبيهة التي لم تنجح. ومن هنا فإني أخشى أن تتبدد الفكرة مع مرور الوقت أو ظهور خلافات حول آليات التنفيذ والكلف السياسية الضرورية لإنجاح مشروع طموح من ذلك النوع.
في ظني أن مشروعا شبيها بمنظمة الأمن والتعاون الأوروبي قد يكون أنسب وأسهل منالا. وأعني به تحديدا المرحلة الأولى من حياة هذه المنظمة، أي منذ تأسيسها في 1975 حتى 1990. أنشئت هذه المنظمة في ذروة الحرب الباردة بين موسكو وواشنطن بهدف تخفيف انعكاس هذا الصراع على الأمم الأوروبية، من خلال تشجيع شراكات المصالح بين جزئي أوروبا الشرقي والغربي، والعمل على منع تحول الخلافات الثنائية إلى صراعات محاور، وتبريد نزاعات الحدود المحتملة، وتعزيز اتجاهات التسالم على مستوى القارة.
في المرحلة التالية، سيما بعد 1991 نجحت المنظمة في تعزيز موقعها كوسيط قوي وموثوق في النزاعات الإقليمية والثنائية، وحتى النزاعات التي تنشأ داخل دول القارة. وظهر تأثيرها بوضوح في الصراعات المتنقلة التي نشبت في البلقان بعد تفكك الاتحاد السوفياتي، فأثبتت أنها أكثر مرونة وفاعلية من المنظمة الدولية الأكبر، أي الأمم المتحدة، وأكثر موثوقية من المحاور الأحادية الاتجاه مثل الحلف الأطلسي والاتحاد الأوروبي، رغم أنها استعانت على الدوام بموارد وإمكانات هذه المنظمات.
انطلقت منظمة الأمن والتعاون الأوروبي من مبادئ بسيطة يتفق عليها الجميع، من بينها مثلا اعتبار الحدود القائمة نهائية، وعدم تغييرها بقرارات منفردة، والحيلولة دون الاستعمال المفرط للقوة في حل النزاعات، بما فيها النزاعات الداخلية، واعتبار المشكلات البينية مسؤولية جماعية، والبحث عن بدائل تعويضية - اقتصادية وسياسية - لإغراء الأطراف الخاسرة في النزاعات بعدم اللجوء إلى العنف من جديد.
ظروف أوروبا لحظة قيام المنظمة تشبه من نواح كثيرة ظروف العالم العربي الراهنة. ولهذا لم تقرر أهدافا طموحة ولم تستعجل في وضع ميثاق نهائي. ويذكر أن المفاوضات حول النسخة الأولى من اتفاقية المنظمة استغرقت عامين، وجرى تطويرها على 4 مراحل حتى الآن.
من الناحية السياسية تصنف «عاصفة الحزم» كحرب محدودة الأهداف، إلا أنها فتحت الباب لنقاش جدي حول إمكانية تطوير التعاون العربي في مجالات أوسع وأهداف أكثر. لكن الانتقال إلى مرحلة العمل يتوقف على إعادة صياغة الأهداف المرحلية دون مبالغة في الطموح، وإقامة نظام مؤسسي للإشراف على تنفيذ المشروع. ويبدو لي أن تصميم نموذج شبيه لمنظمة الأمن والتعاون الأوروبي في مرحلتها الأولى قد يكون الأنسب في الظرف العربي الراهن.

المواطن "الممتاز" والمواطن "العادي"

سألتني السيدة ميره ، وهي مثقفة من دولة الامارات الشقيقة ، عن علاقة المواطنين ببعضهم وعلاقتهم بوطنهم: هل نكتفي بمضمونها القانوني ، ام نحتا...