‏إظهار الرسائل ذات التسميات الديمقراطية. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الديمقراطية. إظهار كافة الرسائل

23/01/2007

كي نخرج من علاقة الارتياب


 انعقاد المجلس النيابي هو الخطوة الاولى الضرورية لمأسسة وترسيخ العملية الديمقراطية. لكنه بكل تأكيد ليس خلاصة التحول الديمقراطي، لا سيما في الديمقراطيات الجديدة والناشئة. وكما في تجربة البحرين والكثير من التجارب المماثلة في دول عربية ونامية أخرى، فان انجاز هذه الخطوة يتحقق بعد الكثير من الصعوبات والمماحكات، هي وسيلة كل طرف من اطراف المجتمع السياسي لتحقيق مراداته وتطلعاته من دون تقديم ما يقابلها من تنازلات

من هذه الزاوية فهي تشبه الى حد كبير صفقة ضخمة يجريها تجار في السوق، يحاول كل منهم الحصول على اكبر قدر من المكاسب مقابل اقل قدر من الالتزامات. ونعلم ان افضل الصفقات هي تلك التي يحصل التاجر من ورائها على الغنيمة كلها من دون غرم.

لكننا نعلم ايضا ان هذه الصفقة مستحيلة، بل انها لا تجري في الواقع ابدا. يمكن بطبيعة الحال لرجل قوي ان يستعمل قوته في فرض ما يريد فيحصل عليه لأن الاخرين يهابون قهره او يخشون سطوته. لكن هذا لا يسمى توافقا، نحن لا نتحدث عن حالات مثل هذه، لان الديمقراطية هي في الجوهر عملية مساومة وغرضها التوصل الى عمل يقوم على التفاهم والتوافق، وهذا يتطلب تنازلا من كل طرف عن بعض ما يريد كي يحصل على غيره. واذا لم يقبل اي طرف بالتنازل عن شيء فلن تحصل صفقة. واذا لم تحصل صفقة فلن تكون ديمقراطية بل حكم جبري يقوم على الاستبداد والاستعباد، او فشل كلي يقود الى الاعتزال والتباعد والانقسام.

قبل قرن ونصف تقريبا وضع الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو قاعدة بسيطة توضح اهمية التوافق في الحياة السياسية. هذه القاعدة نسميها اليوم »الشرعية السياسية«. كل عمل انساني ينبغي ان يستند الى مبرر صحيح او مقبول عند العقلاء والا عد عبثا. في هذا السياق فان العمل السياسي ينبغي ان يستند الى قاعدة »الشرعية السياسية« والا عد باطلا او غير عقلائي.

التوافق ضروري للسياسة لانه يوفر شرعية العمل السياسي، وحسب تعبير روسو فان »الاقوى ليس قويا تماما حتى يتقبل الاخرون سلطته باعتبارها حقا وطاعتهم اياه كواجب«. من المفهوم ان هذا الزمان لم يترك فرصة لأحد كي يملي على الناس قناعاتهم او يفرض عليهم الطريقة التي يفكرون بها ويصنعون اراءهم. الطريقة الوحيدة للحصول على تأييد الغير هو الاقناع او التوافق. وكلا الامرين مستحيل من دون مساومة تنطوي على تنازلات.

يجب ان لا ننكر حقيقة ان تأخير الديمقراطية في بلادنا قد تسبب في تعميق الانقسامات الاجتماعية والسياسية، واثمر عن تحويل التنوع الطبيعي في الثقافات والمصالح والهموم الى مطبخ يغذي التنافر والارتياب. والارتياب هو مكمن المرض في التجربة الديمقراطية، ولا سيما في بداياتها.

ينبغي ان لا نتوهم بان جلسة او اثنتين او اكثر سوف تنهي حالة الارتياب، مهما بالغنا في كشف الاوراق والتصارح. فالريبة من الجينات الوراثية الاساسية في السياسة، كل سياسة بلا استثناء، ولهذا قال علماء السياسة بان العلاقة بين الحكومة والمعارضة، محكومة اساسا بالشك وليس بالثقة، بل ان العلاقة بين اطراف الحكومة نفسها، سواء بين السلطات الثلاث، او بين مراتب البيروقراطية المختلفة لا تخلو من قدر من الشك، يزيد او ينقص بحسب درجة التفاهم واختلاف الظروف والاحوال.
ما ينبغي السعي اليه اذن ليس التناغم القلبي والانسجام الكامل، فهو ليس من الامور الضرورية في السياسة.

ما نحتاجه على وجه التحديد هو درجة متقدمة من التفاهم والتوافق على الخطوط الاساسية للسياسة، اي قبول كل من اطراف اللعبة الديمقراطية ببعض مرادات الآخرين كي نتوصل الى صفقة تحقق حدا وسطا بين توازنات القوى الواقعية وحاجات المجتمع السياسي. هذا التوافق يتطلب انفتاحا متبادلا كما يتطلب وضع اوراق اللعبة جميعها فوق الطاولة وليس تحتها، اي جعل السياسة المشتركة شفافة ومكشوفة لجميع اطرافها.

نفهم ان كشف اوراق السياسة ليس من التقاليد الراسخة في مجتمعنا العربي، ونفهم ان التكتم هو صفة ملازمة للعمل السياسي في المجتمعات التقليدية، ولهذا فان دعوتنا هذه لا ترمي الى القفز على الواقع القائم او انكاره، بل التأكيد على الحاجة الى علاج تدريجي يقوم على تفهم كل طرف من اطراف العملية الديمقراطية لحاجات الآخر، كمقدمة لا بد منها للتوصل الى توافقات على السياسة المشتركة التي تحظى بالمشروعية ودعم الجميع.

ليس من الصحيح مطالبة طرف واحد بتقديم تنازلات كاملة دون مقابل، وليس من الصحيح دعوته للانقلاع الفوري من تقاليد مترسخة، بل ان مثل هذه المطالبات قد تعزز الارتياب الذي نطمح الى الخلاص منه. الصحيح في اعتقادنا هو الاقرار بالمشكلة والعمل على تفكيكها تدريجيا، خطوة مقابل خطوة، وتنازلا مقابل تنازل. من نافل القول ان الوصول الى حياة ديمقراطية كاملة ليس قرارا ينفذ بين يوم وليلة، بل عملية طويلة يحتاج اولها الى قرار، لكنها في جميع المراحل تحتاج الى عزم كما تحتاج الى صبر.
صحيفة الأيام البحرينية      23 / 1 / 2007م

15/01/2005

الانتخابات البلدية باعتبارها تدريباً على السياسة


الذين يحلمون بأن تؤدي الانتخابات البلدية الى تغيير فوري في الحياة السياسية واهمون، والذين يرون انها بلا فائدة واهمون ايضا. المجالس البلدية التي ستسفر عنها تلك الانتخابات ليست معنية بالامور السياسية بالمعنى الفني. ولهذا فلا ينبغي تقييمها من هذه الزاوية. من الافضل التفكير فيها باعتبارها خطوة في طريق, وانها اختبار لقدرة النخبة السياسية والنخب التي تتمتع بشيء من المكانة والنفوذ في المجتمع على التعامل مع نتائجها وانعكاساتها على هيكلية العلاقات الاجتماعية. منذ عقد من الزمن تقريبا تبنى برنامج الامم المتحدة للتنمية البشرية مفهوما معدلا للتنمية السياسية يركز على ان مهمة الحكومات هي ايجاد البيئة المساعدة للتطور الديمقراطي. فكرة البيئة المساعدة تبلورت بعد دراسات كثيرة لتجارب التنمية السياسية في المجتمعات النامية والاسباب المحتملة لتعثر او انعدام الحراك النشط باتجاه الديمقراطية. قدمت تلك الدراسات مفهوما جديدا يربط بين التنمية المستديمة وبين قابلية المجتمع المحلي للتعامل الايجابي مع انعكاساتها، ولهذا ايضا جرى استبعاد المفهوم القديم الذي يقلل من اهمية الدور الذي تلعبه الثقافة المحلية في تاسيس او تطوير المنظومات القيمية والعملية الضرورية للتحول الديمقراطي. على ضوء الفهم الجديد فان الحكومات يجب ان تتخلى عن نمط الادارة المركزية وان تحول ما امكن من صلاحياتها وسلطاتها الى الادارات المحلية التي تمثل الاهالي بشكل مباشر، حيث تمثل المجالس البلدية، وفي مستوى اعلى مجالس الحكم المحلي المنتخبة، الصيغة المثلى لتحقيق هذه الفكرة. ضمن هذا الاطار ينظر الى الانتخابات المحلية باعتبارها وسيلة لتدريب المجتمع على الحياة السياسية الحديثة وكقناة لتطوير نخبة جديدة يؤدي دخولها في هذا الميدان الى توسيع تدريجي لدائرة اصحاب القرار في البلد.
معارضو التطور الديمقراطي في أي من مجتمعات العالم النامي يطرحون الكثير من الحجج، من ابرزها تمسك المجتمع بالمنظومات التقليدية كمرجع في تقرير خياراته. وفي مثل هذا الحال فان الديمقراطية لن تكون تعبيرا عن انتقال الى الحداثة بل اعادة انتاج للمرحلة التقليدية في المضمون ولو تغير الشكل والاطار الخارجي. ثمة حجة تشكك في تطابق الديمقراطية مع تعاليم الدين الحنيف، وثالثة تخشى من تنامي دور الطبقات الجديدة، ولا سيما الشباب والطبقة الوسطى، وما يتركه ذلك من تاثير على منظومات الضبط الاجتماعي. هذه الاحتجاجات قد تكون صحيحة وقد تكون مجرد اوهام، لكن ليس في الامكان اختبار مصداقيتها الا من خلال التجربة الفعلية.
لكي تكون الانتخابات البلدية خطوة صحيحة في الطريق الى ايجاد البيئة المساعدة للنمو السياسي والاجتماعي، فمن الضروري ان يكون التمهيد لها ثم اجراؤها مثالا على الروحية الجديدة التي نريد سيادتها بعد هذه الانتخابات. اذا جرت العملية على نحو روتيني يفتقر الى الحماسة, ويشارك فيها عدد قليل من الناس فإنها ستكون شهادة على فشل هذا المسار، في هذا الوقت على الاقل. والحقيقة ان ثمة دواعي جدية للقلق من هذا الاحتمال ففي وقت سابق شكا عدد من الكتّاب من ان الاقبال على التسجيل في قوائم الانتخاب كان ضعيفاً كما حدث في الرياض مثلا, وبرره أحدهم بأن المجتمع لا يريد المشاركة، وهذا اغرب دليل يمكن ان يسوقه كاتب. وفي ظني ان الادارات المسؤولة عن هذه العملية بحاجة الى التوقف جديا عند هذه الظاهرة. بالمقارنة بين المدن التي سجلت نسب اقبال اعلى وتلك التي تدنت فيها هذه النسب, كان الفارق ناتجا عن حجم الجهد الأهلي الذي بُذل للتعريف بأهمية الانتخابات لكي نعقد انتخابات تعزز شرعية النظام الاجتماعي وتمتص الاشكالات او تعالجها، فاننا بحاجة الى استنهاض كافة مكونات المجتمع من الشباب والشخصيات العامة والموجهين وذوي النفوذ، بل وحتى طلاب المدارس كي يتفهموا طبيعة هذا التحول ويشاركوا في توضيحه لبقية الناس. نحن بحاجة الى تشجيع الناس على النقاش الجماعي الحر, المنظم وغير المنظم, حول هذه الانتخابات. يجب ان نتعامل بمرونة مع من يُعارضها أو يُشكك في فوائدها لان النقاش الحر هو ما يجعل الانتخابات جدية ومهمة للجميع. ليس من الصحيح ان ندعو الناس الى المشاركة في انتخابات حرة ولا نُشجّع على عقد الاجتماعات التي تستهدف مناقشة هذه الانتخابات.

عكاظ 15-1-2005

10/04/2004

تعـزيــز الامــل


يعتذر بعض قومنا عن تباطؤ الحراك السياسي بتجارب الامم الاخرى التي احتاجت عشرات من السنين كي تنزع عنها رداء التقاليد. والفكرة ليست غريبة على اي حال فقانون اصلاح التعليم الذي غير وجه المجتمع البريطاني صدر في اواخر القرن التاسع عشر ، اما الجدل حول البدائل السياسية للنظام التقليدي فيرجع الى القرن السابق. هذا الكلام الذي يبدو متماسكا ، باطل في الجملة والتفصيل.  نتفهم طبعا ان الحال لا يتغير في يومين او ثلاثة ، لكن هذا لا يعني بالضرورة ان الامر يحتاج الى عشرات من السنين .


الكلام السابق باطل في الجملة لانه يطابق بين وضعيتين مختلفتين تماما . فالتغيير في اوربا بدأ فعليا باقرار مباديء للحراك السياسي تحولت الى قاعدة تفاهم بين القوى الاجتماعية والسياسية ، وشكلت من ثم فلسفة عمل مرجعية يستند اليها الجدل حول موضوعات الاصلاح . وبالمقارنة مع الوضع القائم في البلاد العربية ، فالواضح ان مثل هذه المرجعية مفقودة . معظم الناس في السلطة وفي المجتمع يتحدثون عن الاصلاح باعتباره من المسلمات ، لكن طرف السلطة وطرف المجتمع ليسا متفقين على المراد بالاصلاح وحدوده.

ذلك الكلام باطل في التفصيل ايضا ، لان المسار الاصلاحي الذي اتبعته الامم الاوربية كان غير مسبوق ، ولهذا اتسم بالنزعة التجريبية والتعلم من الاخطاء . لكن الاقطار التي اخذت بهذا النهج في وقت لاحق لم تحتج ابدا الى اعادة التجربة ، فقد استفادت من تجارب من سبقها ، وتلك هي الحكمة في النظر الى تجارب البشر باعتبارها مصدرا للحكمة المتجددة. اسبانيا والبرتغال مثلا تحولت من انظمة عسكرية الى ديمقراطيات برلمانية في ظرف ثلاث سنوات فحسب. اما اليابان فقد انتقلت السلطة من الامبراطور الذي كان يعد في تقاليدهم ابنا للالهة ومالكا للارض والرقاب الى برلمان منتخب في ظرف اشهر معدودة . ولم يكن هناك اي تمهيدات ذات شان ، بل جرى التحول بقرار اتخذه الجنرال ماك ارثر قائد القوات الامريكية التي احتلت البلاد في نهاية الحرب العالمية الثانية.

خلاصة القول ان التحول السياسي يتطلب وقتا ، لكنه بالتاكيد ليس عشرات السنين . عناوين التحول ، فلسفته ، اهدافه ، ادواته والقيم الناظمة له ، لم تعد اسرارا ولا الغازا تحتاج الى عباقرة لحلها ، فتجارب العالم مكتوبة بالتفصيل وجرت حولها دراسات وابحاث ، وكشفت نقاط قوتها وضعفها ، ونوقشت نقاط التلاقي والاختلاف بين مختلف التجارب . وهذه كلها اصبحت علما قائما بذاته عنوانه التنمية السياسية او التنمية الشاملة اذا اريد تعميمها على الجوانب غير السياسية ايضا . وبهذا فلم نعد بحاجة الى اعادة اختراع العجلة او تعريف الماء .

يبدو مثل هذا الكلام تحصيل حاصل ، فما الداعي الى قوله اذن ؟

خلال الاشهر القليلة الماضية كانت هناك مبادرات جيدة جدا وكانت هناك اخفاقات للحراك الاصلاحي. وليس من العسير اكتشاف اهمية بعض المبادرات الجديدة على الحياة السياسية في البلاد ، مثل نشر نتائج التحقيق في حريق سجن الحائر وما ترتب عليه من اقالة المسؤولين عنه ، وتشكيل جمعية حقوق الانسان وجمعية الصحفيين . وكانت بموازاة هذا بعض الاخفاقات التي ليس متاحا لنا الحديث عنها وان كانت معروفة للجميع .

الامر الذي يستحق الاهتمام هنا ، هو ان الحراك الاصلاحي الذي تتفق الغالبية على عنوانه العريض ، جسد خلال السنوات الاخيرة املا لشرائح واسعة جدا من المجتمع ، او نقطة ضوء اعادت اليهم الثقة بوجود مستقبل افضل يمكن صناعته من الداخل وبادوات داخلية . هذا الامل بحاجة الى تعزيز وتركيز ، فوق انه بحاجة الى شحن بالمصداقية ، كي لا يقتله توالي الاخفاقات.

من اجل تعزيز الامل ، فاننا بحاجة الى التخلي عن الخطابات الجوفاء حول تجارب الامم التي استغرقت عشرات السنين . لكننا بحاجة في المقام الاول الى تطوير الحراك الاصلاحي من تصريحات صحافية الى جدول زمني محدد لتطبيق الاصلاحات المنشودة. مثل هذا الجدول سوف ينهي الشكوك في جدية التحرك نحو الاصلاح ويحول الامل من عاطفة او رغبة الى هدف عملي مرسوم.

www.okaz.com.sa/okaz/Data/2004/4/10/Art_92891.XML

03/04/2004

الأخ الأكبـــر

كانت احداث العراق فرصة للمحافل العلمية في الغرب – وربما في بعض العالم العربي – لاستعادة النقاش القديم حول طبيعة التحول السياسي في الدول النامية . 
السؤال المحوري في هذه النقاشات يتناول قدرة مجتمعات العالم الثالث على استنباط نموذج للديمقراطية يتناسب مع اوضاعها المختلفة عن اوضاع الدول الصناعية الغربية. ثمة مبررات كثيرة وجدالات حول صحة هذا المنحى ، بعضها مجرد تبرير لاستمرار واقع الحال ، وبعضها يكشف عن حاجة جدية لاعادة تعريف بعض المفاهيم بما يسهل تنسيجها ضمن الثقافة العامة المحلية . لكن لا انوي الدخول في هذه المناقشة حاليا.
 من بين الافكار التي طرحت في الماضي وبعثت من جديد ، مفهوم الديمقراطية الموجهة ، وهو نموذج يبدو انه ينطوي على امكانات تستحق التامل. ولعل اقرب تطبيقاته المعاصرة هو النموذج الروسي . النظام الدستوري في روسيا يقرر انها دولة ديمقراطية ، وهناك انتخابات نيابية ورئاسية ، كما ان الدستور – والممارسة الفعلية – تضمن قدرا كبيرا من الحريات العامة وتعدد المنابر والاراء . لكن ثمة اتفاق بين الباحثين الروس والغربيين على ان توازن القوى ضمن هذا النظام لا يخضع تماما لمعايير الديمقراطية الليبرالية . من ذلك مثلا ان السلطة التنفيذية لا تزال هي الجزء المهيمن على الحياة العامة ، وهي تتحكم الى حد كبير في اللعبة السياسية . ان الرئيس فلاديمير بوتين مثلا لم يكن معروفا كمرشح قوي لرئاسة الدولة ، لكن جرى تظهيره من قبل "المؤسسة" حتى اصبح الرجل الاقوى في البلاد ، ويبدو ان اي رئيس قادم سيكون من انتاج هذه المؤسسة في المقام الاول وليس تعبيرا دقيقا عن توجهات المجتمع ، ويمكن ان يقال الامر نفسه عن المواقع الرئيسية وذات الخطر في النظام السياسي ككل.

تذكر فكرة "المؤسسة" باسطورة الاخ الاكبر التي ابدعها الروائي الانجليزي جورج اورويل ، والتي تلخص قلقا جديا لدى الكثير من الناس بان كل ما يجري في الحياة العامة هو تمظهر لخطة محكمة يدير خيوطها من وراء الستار اشخاص بدون وجوه معروفة. ومع المبالغة المقصودة في مفهوم اورويل للسلطة الشمولية ، وبطبيعة الحال المبالغات الموازية – العفوية غالبا - لتلك الشريحة من المثقفين والعامة الذين يؤمنون بنظرية المؤامرة ، الا ان شيئا قريبا من فكرة "الاخ الاكبر" موجود واقعيا في كل دولة من دول العالم ، ويتعارف عليه بين مراقبي الحياة السياسية بالمؤسسة.
وظيفة "المؤسسة" هي المحافظة على ثوابت النظام السياسي وتوازنات القوى السائدة فيه ، او ادارة تغييرها بصورة تحول دون تفكك الهيكل العام لنظام السياسي . يختلف سلوك المؤسسة في كل بلد باختلاف الفلسفة السياسية السائدة ، لكن فيما يتعلق بالتحرك نحو الديمقراطية ، فان الفلسفة العامة هي فلسفة محافظة تماما وتقوم على فكرة ان التغيير ضروري من اجل الاستمرار.
يمكن اعتبار المفكر والسياسي البريطاني ادموند بيرك (1729-1797) ابرز المنظرين لهذه الفكرة في اواخر القرن الثامن عشر . وخلاصة رايه ان منظومات القيم والمؤسسات التي يقوم عليها النظام السياسي التقليدي لن تستطيع الصمود في وجه تيارات التغيير الليبرالية ما لم تبد مرونة وقابلية للانعطاف . ورأى بيرك ان مصلحة الطبقة التقليدية تكمن في تبني بعض الافكار التي يطرحها الليبراليون ، واعادة انتاجها ضمن الخطاب المحافظ كوسيلة لادارة التغيير وجعله يتحرك ضمن حدود معلومة . وحسب بيرك فان تجاهل التغيير سيؤدي الى انفلات زمام الامور ، وتحول القوى الاساسية في النظام السياسي من قوة فعل الى قوة رد فعل .
خلاصة ما تطرحه النقاشات الحالية هو ان نموذج الديمقراطية الموجهة قد يكون بديلا مناسبا للدول النامية التي تفتقر الى تقاليد عمل سياسي مفتوح . والاقتراح المحدد هو ان تقوم النخبة الحاكمة ، او ما يسمى بالمؤسسة ، بوضع برنامج للتحول نحو الديمقراطية ، يستهدف بصورة خاصة بعث الامل لدى عامة الناس بامكانية التغيير ضمن الاطر القائمة . ينبغي ان يركز برنامج كهذا على الاعمدة الكبرى للاصلاح ، اي حاكمية القانون ، ضمان حرية التعبير ، واعادة استيعاب القوى الاجتماعية المهمشة او المعزولة . اذا تبنت "المؤسسة" فكرة التغيير من اجل الاستمرار ، فسوف تستعيد ثقة الراي العام المتشكك عادة ، كما انها سوف تتحكم - في الوقت نفسه – في حدود وطبيعة وتوقيت التغيير بما يصون جزءا معتبرا من ثوابت النظام وتوازن القوى والمصالح السائدة فيه.







 http://www.okaz.com.sa/okaz/Data/2004/4/3/Art_90597.XML

07/02/2004

جدل الدين والدولة في ايران


  

اذ نظرنا الى الجدل الدائر بين المحافظين والاصلاحيين في ايران من خارج اطاره ، فهو مجرد صراع سياسي يرتبط بالسمات الخاصة للمجتمع والنظام السياسي في هذا البلد . لكن اذا نظرنا الى المكونات الاولية لهذا الجدل ، ولا سيما المقدمات التي اوصلت اليه ، فهو نموذج قابل للمقارنة بنظائر له في مختلف البلدان الاسلامية. من هذا المنظور ، فهو صراع بين القوة السائدة ، او ما يعرف في الادبيات السياسية بالمؤسسة ، وبين تيار يسعى للتغيير، وحينئذ فان كلا من الطرفين هو عنوان لقوة اجتماعية تتبنى منظومة خاصة من المفاهيم والاهداف ، تتعارض جوهريا مع الاخرى.

يتبنى المحافظون فكرة الدولة الدينية المثالية ، ويجادلون بان تطبيق الشريعة في مداه الاقصى يتطلب تدخلا واسعا  من جانب الدولة في حياة الناس . وهذا يترجم عمليا في سيطرة الدولة على وسائل الاعلام ، ومراقبة المطبوعات غير الحكومية ، وفرض معايير خاصة للسلوك الاجتماعي. على المستوى الاقتصادي يسعى المحافظون الى اقتصاد حر تتحكم فيه اليات السوق. ولمعالجة التناقض الظاهر بين فكرة تدخل الدولة سياسيا واجتماعيا وانكماشها على المستوى الاقتصادي ، اقترح محمد جواد لاريجاني ، وهو احد منظري التيار المحافظ ، احتذاء النموذج الصيني. لقد نجحت الصين ، التي اتبعت نظاما يجمع بين التخطيط المركزي وتحرير الاستثمار ، في تحقيق معدلات نمو اقتصادي كبيرة ومنتظمة طوال اكثر من عقد من الزمن ، بلغت احيانا سبعة في المائة ولم تنخفض ابدا عن اربعة في المائة ، في مقابل معدل نمو يدور حول الواحد في المائة في معظم الاقطار الغربية. والاشارة بالطبع هنا الى ان النمو المنتظم في الصين لم يتلازم مع تنمية سياسية موازية ، فلا زالت الصين دولة غير ديمقراطية ولا زالت حقوق الانسان فيها دون الحد الادنى المتعارف في العالم .

يتبنى الاصلاحيون في المقابل نموذج الديمقراطية الليبرالية باعتباره الصورة الامثل لدولة حديثة. وطبقا لآية الله شبستري وهو احد المنظرين الاصلاحيين البارزين ، فان هذا النموذج هو الوحيد الذي يسمح بتحقيق ابرز اهداف الشريعة الاسلامية ، اي كرامة الانسان وانبعاث العقل. وهو يرى ان تحرير ارادة الانسان هو السبيل الوحيد لاقامة مجتمع رشيد ، وتحرير العقل هو السبيل للنهوض العلمي الضروري لاستثمار الامكانات المادية والطبيعية التي لا تستغل فعلا على افضل الوجوه.

 ويريد الاصلاحيون تخصيص الاعلام الحكومي والغاء الرقابة على المطبوعات بشكل كامل. كما يدعون الى دولة صغيرة يقتصر تدخلها في المجتمع على الحد الادنى . وفي رأيهم ان التدين والسلوك الاجتماعي بشكل عام ، ليست من مهمات الدولة ولا اشغالها ، بل ان التدخل في مثل هذه الامور يتناقض نظريا وسياسيا مع فكرة التكامل بين السلطة السياسية والمجتمع التي هي الاساس في نظرية الدولة الحديثة.

على المستوى الاقتصادي لا يختلف الاصلاحيون كثيرا عن منافسيهم المحافظين لكن الربط بين الحريات العامة ، سيادة القانون ، الانفتاح على العالم ، وحرية الاستثمار هو نقطة القوة التي تميز الخطاب الاصلاحي. وخلال السنوات الاربع الماضية حقق الاقتصاد الايراني معدل نمو منتظم ، زاد في العام المنصرم عن سبعة في المائة كما وفر نصف مليون وظيفة جديدة.

وكما هو واضح ، فان خلاف الطرفين يدور حول حدود تدخل الدولة ، ولا سيما علاقة الدين بالدولة . وفي هذا المجال بالخصوص ، فان جوهر الجدل يدور حول ما اذا كان للدولة الحق في اجبار المواطنين على الالتزام بطريقة معينة في التدين ام ترك الامر لهم . بكلمة اخرى ، فان المحافظين يدعون الى استخدام سلطة الدولة وامكاناتها في فرض خطاب ديني محدد ، بينما يرى الاصلاحيون ان المجتمع اقدر من الدولة على ادارة اموره الدينية والاخلاقية . الدولة – بكلمة اخرى – مسؤولة عن دنيا الناس ، اما دين الناس فالناس اولى به وهم المسؤولون عنه.

على المستوى النظري يبدو الامر بسيطا ، لكن على المستوى العملي، فان هذا الاختلاف يتناول حدود الدولة ومدى قانونية تدخلها في حياة الناس وسلوكهم ، وبالتالي حقها في استعمال القوة لفرض نموذج سلوكي معين ، وبهذا المعنى فان الخلاف يتناول فلسفة الدولة والاساس الذي تقوم عليه . المحافظون مع دولة فوق المجتمع وسيدة له ، بينما يدعو الاصلاحيون لدولة تستمد شرعيتها من المجتمع ، فهي خاضعة لارادته تابعة لتوجهاته.


Okaz ( Saturday 7 Feb 2004 ) - ISSUE NO 965

03/03/2001

تخفيف اعباء الدولة


التخصيص أو الخوصصة كما يسميها اخواننا المغاربة ، اصبحت الان درة التاج في السياسات الاقتصادية للعالم العربي. ونعني بهذا تخصيص مؤسسات الخدمة العامة ذات الطبيعة الاستراتيجية ، واهمها تلك الخدمات التي تشكل - بصوة من الصور - مصدر دلالة على مشروعية النظام السياسي ، مثل قطاع الكهرباء والماء والصحة العامة والتعليم والاتصالات والامن .
وقبل عقد التسعينات ، كان للقطاع الخاص المحلي دور في بعض الخدمات ، كالصحة  والتعليم دون الجامعي ، لكن الدولة حافظت دائما على الجانب الاهم من هذين القطاعين ، أي ذلك المتوجه للشريحة الاوسع من المجتمع ، كما ان القطاعات الأخرى ، بقيت حكرا على الدولة حتى اواخر التسعينات .

الاتجاه العالمي إلى ابعاد الدولة عن الخدمات التجارية أو شبه التجارية ، والميل إلى إعادة تأسيس منظومات الخدمة العامة على أساس تجاري بحت ، كان وراء هذا التحول ، لكن الدافع الاهم كان رغبة الدولة في التخفف من الاعباء المالية لهذه الخدمات ، خاصة بعد انحدار عوائد البترول في النصف الثاني من الثمانينات ، وتفاقم الدين العام إلى مستويات غير مسبوقة .

في بريطانيا مثلا ، كانت سياسة تخصيص الخدمات العامة في عهد رئيسة الحكومة السابقة السيدة مارغريت تاتشر ، تجسيدا لاتجاه عام نحو تعميق الليبرالية في الحياة السياسية ، التي جوهرها تجريد الدولة من حق التدخل في حياة الناس في الظروف الطبيعية ، وتكريس جهدها للسياسة باعتبارها عملا تخصصيا ، وهو اتجاه أوجع الكثير من الناس ولا سيما التنظيمات العمالية التي تمثل الطبقات الفقيرة ، إلا انه في نهاية المطاف اثمر عن تعزيز قوة المجتمع المدني ، كما عزز قوة الدولة التي تخففت من اعبائها وتكرست لقيادة البلاد ، ولهذا يقال الان ان الازدهار الاقتصادي الذي تعيشه بريطانيا اليوم - قياسا إلى ما كانت عليه في السبعينات - هو ثمرة الفرص الكبيرة التي اوجدها ذلك التوجه السياسي .

على خلاف هذا المنهج ، فان سياسات التخصيص القائمة عندنا ، تقتصر على الجانب الاقتصادي. ويبدو ان غرضها الأول والاخير ، هو نقل العبء المالي من كتف الدولة إلى كتف الناس. ولهذا فان معظم الناس ينظرون إلى هذا الاتجاه بارتياب ، خاصة وقد ترافقت مع دعوات إلى فرض ضرائب على الدخل والخدمات ، وهو ما بدأ تطبيقه فعلا على صورة رسوم اضافية على الخدمات مثل الكهرباء والوقود والخدمات الحكومية .

بالنسبة إلى الولايات المتحدة واوربا ، فان فرض الضرائب وتخلي الدولة عن واجباتها الخدمية ، كان متلازما مع توسيع المشاركة الشعبية في القرار السياسي ، وصولا إلى تجريد  الحكومة من استقلالها ، وتحويلها إلى هيئة مملوكة للمجتمع بصورة كاملة ، حيث لم يعد أحد من اهل الحكم قادرا على تصور امكانية البقاء في السلطة ، دون تفويض متجدد من جانب الشعب. ان شعار (لا ضرائب من دون تمثيل شعبي) الذي يرجع إلى بدايات تاسيس النظام الغربي ، هو عنوان لفلسفة شاملة في العمل السياسي ، خلاصتها ان اهلية الدولة لفرض الزامات سياسية أو مالية على المجتمع ، مشروطة بكون المجتمع شريكا في القرار السياسي ، ورقيبا فعليا على الهيئات التي يحق لها اتخاذ قرارات كهذه ، والرقابة تعني ان يكون المجتمع قادرا على منح التفويض الذي بموجبه يصل الاشخاص إلى المناصب السياسية ، وسحب التفويض بما يؤدي إلى عزلهم من تلك المناصب .

وارى ان الحكومات العربية تعاني اشد المعاناة وهي تواجه القرار المحتوم بتخصيص الخدمات العامة ، ولذلك فهي تتحرك ببطء شديد ، ويحاول البيروقراطيون والسياسيون بكل تصميم قصر التحول على ذلك الغرض ، ولهذا مثلا فان تخصيص الخدمات العامة لم يترافق مع الغاء امتيازاتها الاحتكارية ، فشركات البترول والكهرباء والاتصالات لا زالت تتمتع باحتكار السوق ، مع ان التخصيص في كل بلاد العالم ، تلازم دائما مع فتح السوق امام المنافسة التجارية ، من اجل تمكين المستهلك من الاختيار وازاحة حجاب التكتم الذي يلف حسابات واعمال تلك الشركات ، التي ما زالت تحظى بمعاملة تفضيلية من جانب الدولة .

كي تكون الامور واضحة ، فان احدا من عامة الناس لن يرحب ببرامج التخصيص ، ولن يدفع الضريبة عن طيب خاطر ، إلا إذا جاءت ضمن تغيير شامل في فلسفة الحكم ، تشمل فسح المجال امام مشاركة شعبية كاملة في القرار السياسي ، من خلال ممثلين ينتخبهم جميع الناس ، ورقابة شاملة تتجسد في ازالة الاستار التي تحجب ما يجري داخل مؤسسات الدولة عن عين الجمهور ، والغاء القيود التي تعيق الصحافة المحلية عن ممارسة دورها الرقابي ، وتمكين الناس من حقوقهم الطبيعية في التعبير عن ارائهم واراداتهم وانتماءاتهم ، وربط الوظيفة السياسية والسيادية بالتفويض الشعبي ، الصريح والاختياري ، والا فان الدولة لا تملك أي حق في فرض اعباء مالية على الناس .

بعض الخبراء والعالمين بامور السياسة ، يقولون ان امور البلاد لا يمكن ان تستقر مع تزايد الاعباء المالية الملقاة على كاهل الدولة ، وارى ان الناس يمكن ان يقبلوا بهذه الفكرة ، شرط قبول اولئك بما يريده الناس ، وهو ما عرضناه في السطور السابقة ، واحدة بواحدة ، فان لم يستطيعوا قبول هذه المعادلة ، فليتركوا الفرصة لغيرهم ، عله يستطيع .

الرأي العام 3 مارس 2001

الطريق السريع الى الثروة

  يبدو ان المعلوماتية تتحول بالتدريج الى اسرع القطاعات نموا في الاقتصاد الوطني لكل بلدان العالم تقريبا. (في 2021 بلغت قيمة سوق المعلوماتية ...