المنتدى الاقتصادي العالمي الذي عقد مؤتمره السنوي في دافوس ،
منتجع سويسرا الجبلي ، هو واحد من محاولات عديدة بذلها سياسيون وشخصيات دولية ،
لايجاد ما يمكن اعتباره قيادة كونية .
وكانت منظمة الأمم المتحدة أولى تلك المحاولات ، لكن ظروف
تأسيسها بعد قليل من نهاية الحرب العالمية الثانية ، جعلها تحت تأثير التجاذب بين
الأعضاء ، لا سيما في ظروف الحرب الباردة التي امتدت طوال الفترة بين نهاية الحرب
الكونية وانهيار الاتحاد السوفيتي في 1991 . والواقع ان الدافع الرئيس لانشاء
الأمم المتحدة لم يكن قيادة العالم على وجه التحديد ، بل تلافي اندلاع حرب عالمية
ثالثة ، رغم ان ميثاقها الأساسي وما كتب حوله من أدبيات يعطي انطباعا بأنها تسعى
إلى عالم واحد يدار بروحية واحدة .
وقد نجحت الأمم المتحدة إلى حد معقول في الحيلولة دون اندلاع
حرب كونية ، لكنها أخفقت تماما في تأسيس رؤية كونية مشتركة بين أعضائها ، كما
أخفقت في تحديد إطار واضح لمشاركة المنظمات غير الحكومية في الشان الدولي ، على
رغم تصاعد الدور العالمي لهذه المنظمات في الحياة الدولية .
على أرضية الشعور بهذا الاخفاق بادرت شخصيات دولية إلى تأسيس
منتديات للحوار بين من يوصفون بأنهم قادة العالم في مختلف الميادين ، ومن بين ابرز تلك المنتديات ، لجنة إدارة شؤون
المجتمع العالمي ، التي أسسها مستشار ألمانيا السابق ويلي برانت في 1990 وأصدرت
تقارير مهمة حول التحديات التي تواجه العالم وسبل مواجهتها ، من بينها التقرير
الشامل (جيران في عالم واحد) الذي صدر عام 1995 ، لكن يبدو ان هذه اللجنة قد فقدت
كثيرا من قوة دفعها بعد غياب بعض قادتها الرئيسيين ، مثل ويلي برانت وجوليوس
نيريري وادوارد هيث .
كما يعتبر نادي روما تجربة مهمة من هذا النوع ، ويبدو ان
القضايا التي تبناها منذ قيامه في 1968 قد تحولت بالفعل إلى أولويات في برامج
الحكومات الغربية ، ونشير خصوصا إلى مشكلة البيئة التي كان النادي أول من تناولها
بصورة مركزة ، لكن نادي روما فشل في التأثير على الأجيال الجديدة من السياسيين في
الغرب ، نظرا لمحدودية العضوية فيه حيث لا يسمح نظامه بمشاركة أكثر من مائة عضو .
أما التجربة الأطول عمرا ، والأكثر بروزا في هذا المجال ، فهي
المنتدى الاقتصادي العالمي الذي تأسس في 1971 وانضم إلى عضويته خلال السنوات
اللاحقة عدد كبير من السياسيين والاقتصاديين والمفكرين ورؤساء المنظمات غير الحكومية من شتى أنحاء العالم ، وهو يدعو إلى
المشاركة في مؤتمره السنوي نحو 1000 من كبار رجال الأعمال و250 من الشخصيات
السياسية ومثلهم من الاكاديميين البارزين ، وكذا من القادة الاعلاميين ، وحملة
جائزة نوبل ، بهدف محدد هو تأسيس رؤية كونية للمشكلات التي تواجه العالم كمجموع ،
والتي تحتاج إلى برنامج علاج طويل الأمد .
ويستهدف
جمع هذا العدد الكبير والمتنوع ، الحصول على رؤية من زوايا متعددة ، ثم ايصال
النتائج إلى مختلف الشرائح التي يتشكل منها المجتمع العالمي .
وخلال السنوات الثلاث الأخيرة ، طغى موضوع العولمة على مؤتمرات
المنتدى ، لكن المؤتمر الأخير شهد اهتماما خاصا بالانعكاسات السلبية للعولمة على
مجتمعات العالم ، لا سيما تلك التي لا تزال غير جاهزة لتحدياتها ، وعكس شعار
المؤتمر طبيعة هذا الاهتمام فهو يقرن العولمة بالمسؤولية عن انعكاساتها (العولمة
المسؤولة : إدارة انعكاسات العولمة).
والواضح ان انعكاسات الأزمة الآسيوية وامتدادها إلى روسيا
والبرازيل ، والقلق من تمددها إلى مواقع أخرى هو الذي أثار الاهتمام بانعكاسات
العولمة ، لكن أبرز ما طرح خلال المؤتمر هو حملة (انهضي يا أوروبا) التي أطلقها
خمسون من الشباب الذين يتقلدون مراكز قيادية في أوروبا ، وتقترح الحملة قائمة
معايير لمستوى الحياة ، التي ينبغي ان تكون سائدة في أوروبا بحلول العام 2050 ،
وتشمل 11 مؤشرا عن مستوى الدخل الفردي ، مستوى تلوث الهواء بثاني أكسيد الكربون ،
بطالة الشباب تحت سن 25 ، متوسط العمر المتوقع ، كلفة الرعاية الصحية نسبة إلى
الناتج القومي ، حال الفقراء الذين يقعون في النصف الأسفل من سلم الدخل ، انعكاس
الجريمة المنظمة على التجارة ، الاتصال بشبكة الانترنت ، نسبة السكان المعتمدين
على المساعدات ، التسجيل في المدارس . مع اعتبار المؤشرات الثلاث الأخيرة ، مؤشرا
تجميعيا على جاهزية المجتمع لتحديات منتصف القرن .
والخلاصة ان منتدى دافوس ، لا يمكن تصويره كقيادة للعالم ، لكن
من المؤكد ان فرصة اللقاء التي يوفرها ، ونوعية المشاركين ، تساعد على تقريب
التصورات ، ونسج خيوط العلاقة بين أفراد طبقة يمسكون بعدد من أهم مفاتيح السياسة
والاقتصاد والعلم على امتداد الكرة الأرضية .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق