02/12/2014

داعش الباقية




في 1997 ظهر شبيه لداعش في الجزائر. لم يعلن دولة او خلافة ، لكن عمله الميداني وخطابه الديني لم يكن مختلفا عن داعش. تلاشت الظاهرة الجزائرية بعدما طبقت الحكومة قانون الوئام الوطني لعام 1999 ثم قانون المصالحة الوطنية (2005). طبقا لبيانات رسمية ، فان عدد الذين سويت اوضاعهم بلغ 17 الف مسلح ، عدا المئات الذين قتلوا في مواجهات مع الجيش. بعبارة اخرى فان الحجم المادي للظاهرة الجزائرية كان اكبر من شبيهتها داعش. لكنها مع ذلك اخفقت في مواجهة تيار الحياة المدنية الجارف ، رغم مقاومتها الشرسة لما يزيد عن سبعة اعوام.
نعلم من هذا ومن تجارب شبيهة ان الحياة الحديثة لا تسمح ببقاء دولة مثل دولة داعش. هذا لا يتعلق فقط بالنظام الدولي ، بل ايضا بالحاضن الاجتماعي المحلي وحركة الاقتصاد والسياسة في ابعادها المختلفة والمعقدة.  ولئن كانت الظروف الحرجة الراهنة في العراق وسوريا قد افرزت نشازا سياسيا من هذا النوع ، الا ان منطق الامور لا يسمح له بالاستمرار فترة طويلة.
سواء انتهينا من دولة داعش اليوم او غدا ، فلا ينبغي ان نغفل عن حاضنها الثقافي – الاجتماعي ، اي الذهنية الفردية او الجمعية التي تنظر الى نموذج داعش كعلاج مؤكد او محتمل لمشكلة يشعر بها الناس. وليس مهما ان تكون هذه المشكلة حقيقية او متوهمة. المهم انها تشغل اذهان الناس ويشعرون بالحاجة الى علاجها بأي طريقة.
السؤال الذي يستحق ان نتأمله بجدية وتركيز هو: ما هي المشكلات التي تشغل اذهان الناس على نحو يجعلها مهيئة لقبول نموذج الحل الذي تمثله داعش او تقترحه؟.
يذهب ذهني الى عدة احتمالات. لكن ابرزها في ظني اثنان ، احدهما محلي ينطبق خصوصا على الوضع في المملكة والثاني اكثر عمومية. المشكلة الاولى هي الرغبة في اكتشاف الذات وتحقيق الذات ، وهذه تخص الشباب. اما الثانية فهي مشكلة العجز عن التعامل مع ما يعتقد من تغول الغرب ضد العالم الاسلامي.
الدواء الانجع للمشكلة الاولى هو جمعيات العمل المدني التطوعي. اما المشكلة الثاني فهي اكثر تعقيدا ، وهي اقرب الى فحوى التفسير الرسمي لظاهرة التطرف ، اي ما يسمى بالغلو في الدين. لكن العلاج ليس بالنصائح وسرد الايات والروايات الدالة على الوسطية ، بل بتطوير خطاب ديني جديد يركز خصوصا على ظاهرة التنوع الثقافي والعلمي والسياسي ، ودور المسلم في العالم الجديد ، وسبل استثمار التنوع وعولمة الثقافة والاقتصاد. بعبارة اخرى فنحن بحاجة الى صياغة جديدة لمفهوم العلاقة مع المختلف سياسيا ودينيا ، سيما الغرب الذي ينظر اليه كقوة عدوان ذات واجهة سياسية ومضمون او محرك ديني (مسيحي غالبا).  وتبعا لهذا تطوير رؤية عصرية لقيمة الجهاد والدعوة ودور الافراد والجماعة المسلمة في هذا السياق. 
الاقتصادية 2-12-2014
مقالات ذات علاقة


18/11/2014

مكارثية جديدة



سررت جدا لأن غالبية المجتمع السعودي تدعم الدعوة لإصدار قانون يحمي الوحدة الوطنية ويكافح العوامل التي تؤدي إلى إضعافها، لا سيما إثارة الحزازات المذهبية والعنصرية والقبلية والمتاجرة بالكراهية والنزاعات الاجتماعية.

مجتمعنا بحمد الله متفق على أن وحدته وسلامه الاجتماعي ليسا موضوعا للمساومات السياسية أو الخلاف، وأن هذا يجب أن يكون موضوعا لنظام قانوني يضمن حرية التعبير، لكنه – في الوقت نفسه – يحدد المسؤولية القانونية عن أي انحراف أو إفراط في ممارسة الحرية. أعلم أن بعض الناس قلق من تحول قانون كهذا إلى مبرر لتحجيم هامش الحرية المتاح، أو شكهم في قدرة المجتمع والنظام القضائي على التعامل مع مفاهيم حديثة مثل الحقوق الشخصية والمدنية.
أتفهم هذا القلق، لكني أيضا أشعر بالدهشة حين أسمع من يدعو للمدنية ويخشى القانون في الوقت ذاته. لا توجد مدنية من دون قانون، ولا يوجد سلم اجتماعي من دون قانون. كتب جان جاك روسو، المفكر المعروف، فيما يشبه السخرية "يوم اختار الإنسان المجتمع المدني فقد سار بمحض إرادته إلى سجن القانون"، لكن روسو يؤكد أيضا أن الحرية خارج المجتمع المدني ليست حقيقية لأنها غير مصونة ولا مضمونة. أما في المجتمع المدني فإن الحقوق التي يقرها لك القانون تقيم التزاما على المجتمع كله بصيانتها وتمكينك منها.

قد لا يكون القانون عادلا، لكنه بالتأكيد خير من اللاقانون. قد يكون تطبيق القانون سيئا، لكنه بالتأكيد خير من انعدامه. قد يتخذ بعض الأقوياء من القانون مطية لأغراضهم فيقمعون هذا أو ذاك تحت اسمه. لكن هذا ليس وضعا أبديا. حين لا يكون القانون حاكما فسيكون الحكم لنزوات الأشخاص وأهوائهم. فهل يريد عاقل أن تسير حياته وفق هوى شخص آخر؟. حين يوجد القانون سيرتقي وعي الناس بحقوقهم وحدودهم، وسيعملون على إصلاح التطبيقات الخاطئة. يتغير الأشخاص وتتغير مناصبهم وسلطاتهم، لكن القانون يترسخ وتقوم على أرضيته تقاليد سياسية وأعراف جديدة تحمي المسار التصاعدي للمجتمع والنظام السياسي. لم يحصل في أي تجربة سياسية معاصرة، أن تسبب القانون في تعطيل التطور السياسي. بل على العكس، نعرف من تجارب عديدة أن القوانين الناقصة وغير العادلة، شكلت أساسا ودافعا للتصحيح وظهور قوانين أرقى وأكثر عدالة.
 الذين يخشون مما يسمونه "مكارثية جديدة" يعلمون أن المكارثية القديمة تلاشت سريعا وتحولت إلى عار على صاحبها، لا لسبب سوى رسوخ القانون، وإصرار المجتمع على تطبيقه، ثم تصحيحه وتطويره.

يجب علينا جميعا أن نطالب بالقانون أولا، ثم سيادة القانون وعدالة القانون، هذا هو الطريق الوحيد لقيام حياة مدنية سليمة، وهذا هو الطريق الوحيد لوقف المتاجرين بمشاعرنا وعواطفنا وخلافاتنا، لا سيما بعدما رأينا بأعيننا العواقب الدامية لهذه التجارة المريعة.
الاقتصادية 18-11-2014

http://www.aleqt.com/2014/11/18/article_907011.html

الطريق السريع الى الثروة

  يبدو ان المعلوماتية تتحول بالتدريج الى اسرع القطاعات نموا في الاقتصاد الوطني لكل بلدان العالم تقريبا. (في 2021 بلغت قيمة سوق المعلوماتية ...