30/04/2013

حياتنا مليئة بالاسرار

 

سألني أحد الزملاء عن مصير المليارات التي حصلنا عليها في إطار تعويضات حرب الخليج. نعلم أن المملكة كانت بين أكثر الدول تضررا بهذه الحرب ، وأن مصلحة الأرصاد وحماية البيئة التي تمثل الجانب السعودي في لجنة الأمم المتحدة الخاصة بالتعويضات قد تسلَّمت 4.5 مليار ريال على الأقل.

بحثت في موقع المصلحة على الإنترنت ، وفي مواقع مشابهة عن المشروعات التي صرفت فيها هذه الأموال ، وعما إذا كان قد جرى تعويض الشركات والأفراد الذين تضرروا بالحرب ، أسوة بما حصل في دول أخرى. لكني لم أجد أي معلومات من هذا القبيل. كما أني لم أسمع بخطة مماثلة في بلدنا. ولا أعلم إن كان مثل هذا الموضوع قد وضع على طاولة النقاش أم لا.

وعلى أي حال ، فعدم معرفتي ليس دليلا على عدم وجود شيء. لكن الذي أثار دهشتي هو عدم وجود أي معلومات عن هذه المسألة المهمة في أي موقع حكومي عام.

فشلي في الحصول على تلك المعلومات حرّك فضولي لمطالعة مواقع رسمية أخرى. بدأت بموقع وزارة التربية باحثا عن مشروع ال 200 مدرسة التي كان مقررا افتتاحها بداية 2012. ونعلم أن الشركات الصينية التي التزمت بالمشروع ، تخلت عن العقد بعد ثلاث سنين من توق



يعه. كنت أبحث عن أي معلومات حول الموضوع في موقع الوزارة ، ولا سيما عن مصير الملياري ريال التي قيل إنها رصدت للمشروع. لكن لم أجد أي معلومات تشبع فضول الباحث.

قادني الفضول أيضا إلى موقع وزارة العمل ، فبحثت عن أي دراسة محكمة حول البطالة وتحولات سوق العمل السعودية الراهنة والمتوقعة. وبحثت عن أي دراسة حول الكلفة الاقتصادية والاجتماعية لبرامج الوزارة المثيرة للجدل ، كبرنامج نطاقات وبرنامج حافز وأمثالهما. ولم تكن النتيجة خيرا من سابقتها.

لا أريد الإشارة إلى موقع هيئة الرقابة والتحقيق التي يرجع أحدث تقاريرها المنشورة على الموقع إلى عام 1430 (للتذكير نحن الآن في منتصف 1434هـ). وهذا التقرير ، مثل تقرير العام الذي سبقه يتألف من صفحتين (فقط) عن عمل سنة كاملة. ولا أريد الإشارة إلى موقع مصلحة الزكاة ، وعشرات المواقع الرسمية الأخرى ، التي يفترض أن توفر معلومات موثقة لعامة الناس حول أعمال أجهزة الدولة ، حول مشروعاتها القائمة والمقررة ، وإدارتها للمال العام الموكل إليها ، وحول إخفاقاتها ومبررات الإخفاق ، وحول خططها المستقبلية.

أشعر بعد تلك الجولة بأن حياتنا العامة مليئة بالأسرار. بعض هذه الأسرار مقصود لذاته. وبعضها غير مقصود ، لكن يبدو أن الإداريين يكرهون إشاعة المعلومات أو يخشون أن يأتي من يحاسبهم بناءً عليها. وأميل إلى الظن أن مجتمعنا كله ، عامة الناس ورجال الحكومة ، لم يألفوا فضيلة الكتابة والقراءة ، ولم يتعلموا قيمة التوثيق وحفظ المعلومات. هل سنبقى على هذه الحال؟.


الاقتصادية الثلاثاء 1434/6/20 هـ. الموافق 30 إبريل 2013 العدد 7141

23/04/2013

فقر البحوث الاجتماعية

مما يدعو للاسف ان التحولات الاجتماعية ، ومن بينها بروز او تراجع الهويات الفرعية ، والتبدلات الخاصة بتوزيع القوة في المجتمع ، وامثال هذه القضايا الهامة ، لم تحظ بما تستحقه من النقاش العلمي في بلدنا. يهتم علم الاجتماع بوصف وتفسير  الحراك الاجتماعي و - من هذه الزاوية – فهو يوفر اساسا ضروريا للتخطيط الاقتصادي والادارة العامة والتربية والعمران الحضري ، بل كل استراتيجيا وخطة عمل ذات علاقة بالمجتمع ومستقبله.
لا يهتم علم الاجتماع بتحديد قيم اخلاقية او دينية للموضوعات التي يدرسها. فهو في المقام الاول علم وصفي ، تحليلي ، وتفسيري. ومن هنا فاني اشعر بالاسف حين ارى كتابات تحمل عناوين مثل "جناية علم الاجتماع على الاسلام". مثل هذه الكتابات تنطلق من ضيق بالواقع ورغبة في وضع حدود ايديولوجية لاي وصف او تفسير. ونعلم ان مثل  هذا التحديد سينتهي الى شروحات ايديولوجية وليس فهما للواقع كما هو. ولعل من اعظم اخطاء الفلسلفة الماركسية هو اصرارها على حشر حركة التاريخ في قالب تفسيري شديد الالتصاق بمرادات الايديولوجيا ، هذا الخطأ هو احد اسباب فشل الماركسية في الحفاظ على مكانتها بين المدارس الفلسلفية ، رغم اسهاماتها الجليلة في تطور العلم والفلسلفة.
تعرض المجتمع السعودي لتحولات عميقة في حقبة ما بعد النفط ، سيما بعد انطلاق خطط التنمية الخمسية في 1971. اثرت هذه التحولات على التركيب الاجتماعي وتوازنات القوى الداخلية ، وغيرت رؤية الافراد لانفسهم وللعالم المحيط بهم ، كما غيرت بشكل شبه نهائي انماط التدين والمعيشة والعمل. وهي تحولات لازالت مستمرة ، ولم تصل الى غاياتها.
يتسم ظرف التحول بسيولة مفرطة في الاراء والقيم والادوار والمواقع والعلاقات. بعبارة اخرى فاننا نتحدث عن واقع يتغير بشكل شبه يومي ، الامر الذي يجعل الخطط والاستراتيجيات المبنية على تصور محدد عن الواقع ، في لحظة معينة ، ضحية لتلك التحولات السريعة. ولا استبعد ان اخفاق العديد من السياسات الرسمية او توقفها كان نتيجة لمثل هذا التباين بين رؤية الواقع في مرحلة وتحولاته في مراحل لاحقة.
حين استعرض اسماء الدراسات العلمية التي اهتمت بالمجتمع السعودي ، وهي على اي حال ليست كثيرة ، اجد ان اغلبها كتبه باحثون من خارج المملكة ، كما ان جميع البحوث التي كتبها مواطنون ، نشرت – سوى عدد قليل – خارج البلاد. بعبارة اخرى فان بلدنا تعاني فقرا شديدا في الدراسات الاجتماعية ، في ظرف يحتاج المخططون وصناع السياسة – اشد الحاجة – الى هذا النوع من البحوث التي تضيء طريقهم وتساعدهم على استيعاب اشكالات وتحديات المجال الاجتماعي الذي يعملون فيه ولاجله.
يهمني في ختام هذه المقالة توجيه الدعوة الى الجامعات والهيئات الرسمية لتشجيع البحوث الاجتماعية ورفع قيود الرقابة التي تمنع نشر اعمال الباحثين السعوديين. نحن بحاجة الى معرفة الواقع الذي نعيش كي نشق طريقنا الى المستقبل على ارضية متينة وكي نتلافى تكرار التجارب وتكرار الاخفاقات.

الاقتصادية الثلاثاء 13 جمادى الثاني 1434 هـ. الموافق 23 إبريل 2013 العدد 7134

رحلة البحث عن الذات

  قلت في الاسبوع الماضي ان كتاب الاستاذ اياد مدني " حكاية سعودية " ليس سيرة ذاتية بالمعنى الدقيق ، وان بدا هكذا. وسألت نفسي حينئذ...