20/04/2009

تكون الهوية الفردية




نظرية اريك اريكسون حول تكون الهوية الفردية هي واحدة من أعمق المساهمات في هذا الموضوع. وقد توصل إليها من خلال بحوث إكلينيكية طالت ثلاثة عقود. والحقيقة أن اريكسون يمثل بذاته نموذجا للدراسة فقد حملته ظروفه من بلد إلى آخر وعاش في عائلة متنوعة قوميا، وعاصر صراعات أوروبا زمن الحرب وما بعدها. ولهذا كانت حياته موضوعا لدراسة مسارات التفاعل بين الفرد ومحيطه، في كل مرحلة من مراحلة حياته.
اريك اريكسون (1902-1994)
عالج اريكسون مسألة الهوية من زاوية سيكولوجية بحتة. النقطة المركزية في نظرية اريكسون هي أن الهوية لا تتشكل بتأثير المحيط الاجتماعي فقط، وبالتالي فقد شكك في النظريات التي تفترض إمكانية خلق هويات صناعية جديدة تماما عبر جهد مخطط. كما شكك في الرؤية الفردانية القائلة بأن الفرد قادر على فصل نفسه عن المحيط واختلاق هوية جديدة مستقلة تماما.
طبقا لأريكسون فإن هوية الفرد تتشكل خلال كفاح طويل يبدأ في مرحلة المراهقة، ويتركز على تركيب عنصرين: أولهما هو اكتساب القدرة على الإنتاج والعلاقة مع المحيط، وثانيهما هو الإحساس بالاندماج في عالم معنوي مناسب.
العنصر الأول ضروري لأن الفرد يحتاج إلى تعريف نفسه للمجتمع المحيط به. حين يسألنا الناس من نحن، فإنهم لا يقصدون عادة الاسم الذي نحمله، بل موقعنا في شبكة العلاقات الاجتماعية، أي الدائرة الصغيرة التي ننتمي إليها ضمن الدائرة الاجتماعية الكبرى، والوظيفة التي نقوم بها ضمن هذه الدائرة. ولذلك لا يكتفي الفرد بذكر اسمه الأول بل يضيف اليه اسم العائلة، ثم يلحقه بما يفترض أنه تعريف وظيفي، يشير إلى المهنة أو الهواية أو المكانة. حين يعرف الإنسان نفسه فإنه يقدم وصفا يتوقع قبوله من جانب المحيط، كتمهيد للاندماج فيه. وهذا يقودنا إلى العنصر الثاني وهو حاجة الفرد إلى عالم ذي معنى يتيح له التمتع بقدراته والحصول على المكافأة المناسبة ازاء ما يفعل.
يمكن للإنسان أن يعيش منعزلا، لكنه لن يتمتع بحياته. ولهذا يسعى جميع الناس إلى مد جسور العلاقة مع جماعة ما. لأن الجانب الأعظم من متعة الحياة، أو السعادة، إنما يتحقق في ظرف التفاعل بين الفرد والآخرين. لا يستطيع الفرد الشعور بالسعادة إذا كان منعزلا. بقدر ما يتسع المحيط الذي يتفاعل معه الفرد، تتعاظم سعادته واستمتاعه بحياته. ومن هنا قيل بأن من يستغني عن الناس يفقد الشعور بجمال الحياة، لأنه في حقيقة الأمر يفقد الحاجة إلى التحدي اليومي الذي يفرضه التفاعل المادي والمعنوي بين الفرد ومحيطه. الحاجة للاندماج هي التي تفرض على الفرد نمطا من الخيارات والأوصاف الشخصية قد لا تكون بالضرورة الأفضل عنده، لكنها ضرورية لشق طريقه وسط الجماعة.
من ناحية اخرى فإن الجماعات قد تتفاوت في قابليتها لاندماج الأفراد الجدد. بمعنى أنها قد تضع شروطا عسيرة أو تفرض على الفرد التخلي عن خياراته الخاصة مقابل التمتع بفضائل العيش الاجتماعي، أو أنها ببساطة ترفض اندماج أي فرد جديد ما لم يكن متماثلا بالكامل معها. ويشير كثير من الباحثين إلى أن المجتمعات القروية تتسم عادة بعسر في هذا الجانب، بينما تتسم المجتمعات المدينية بليونة اكبر في التعامل مع الأفراد الجدد. ويذكر الأستاذ سعيد الغامدي في دراسته الفريدة «البناء القبلي والتحضر» مثالا عن الطريقة التي عومل بها وافدون جدد إلى مجتمع قروي لم يسبق أن عاش فيها «أجنبي». وقد جرت تلك الأحداث في ظرف الانتقال من اقتصاد الكفاف الزراعي إلى الاقتصاد النقدي الذي فرض انفتاحا وانتقالا لبعض أنماط الحياة المدينية إلى الريف.
يوفر البحث في مسالة الهوية فرصا كبيرة لفهم العلاقة بين أطياف المجتمع والشرائح التي يمثل كل منها نمطا حياتيا أو ثقافيا مختلفا. وهي قد تشكل مدخلا ضروريا لتخطيط النظام الاجتماعي والتربية على نحو يسهل الاندماج والتفاعل وإقامة الوحدة على قاعدة التنوع، بدل الربط المتكلف بين الوحدة والتماثل.

عكاظ 20 ابريل 2009
https://www.okaz.com.sa/article/257214

06/04/2009

عن الهوية والمجتمع



كتب الزميل داود الشريان شاكيا من تفاقم المشاعر القبلية والطائفية وتحولها إلى محرك للحياة الاجتماعية. وكان هذا الموضوع مدار مناقشات كثيرة في السنوات الأخيرة. وكتب زميلنا أحمد عايل في منتصف يناير الماضي داعيا إلى الاهتمام بقيمة الفرد كوسيلة وحيدة لمعالجة المشاعر التي تستوحي هويات دون الهوية الوطنية.

النقاشات العلمية في علاقة الهوية بالواقع الاجتماعي ليست قديمة. فأبرزها يرجع إلى أواخر القرن المنصرم. وبرزت خصوصا بعد ما وصف بانفجار الهوية في الاتحاد السوفيتي السابق.

 ثمة اتجاهان رئيسيان في مناقشة الموضوع، يعالج الأول مسألة الهوية في إطار مدرسة التحليل النفسي التي أسسها سيغموند فرويد، ويركز على العلاقة التفاعلية بين النمو الجسدي والتطور النفسي. بينما يعالجها الثاني في إطار سوسيولوجي يتناول انتقال الثقافة والقيم الاجتماعية إلى الفرد من خلال التربية والمعايشة. كلا الاتجاهين يهتم بدور المجتمع في تشكيل هوية الفرد، من خلال الفعل العكسي، أو الاعتراف بالرغبة الفردية كما في الاتجاه الأول، أو من خلال التشكيل الأولي لشخصية الطفل – المراهق عبر الأدوات الثقافية، كما في الاتجاه الثاني.

هوية الفرد هي جزء من تكوينه النفسي والذهني. وهي الأداة التي تمكن الإنسان من تعريف نفسه والتواصل مع محيطه. إنها نظير للبروتوكول الذي يستعمله الكمبيوتر كي يتعرف على أجزائه وما يتصل به من أجهزة. ولهذا يستحيل إلغاؤها أو نقضها، مثلما يستحيل إلغاء روح الإنسان وعقله. إلغاء الهوية أو إنكارها لن يزيلها من روح الإنسان بل سيدفع بها إلى الاختفاء في أعماقه. وفي وقت لاحق سوف يؤدي هذا التطور إلى ما يعرف بالاغتراب، أي انفصال الفرد روحيا عن محيطه، وانتقاله من الحياة الاعتيادية التي يتناغم فيها الخاص مع العام، إلى حياة مزدوجة، حيث يتعايش مع الناس على النحو المطلوب منه، بينما يعيش حياته الخاصة على نحو متناقض تماما مع الأول، بل رافض أو معاد له في معظم الأحيان.

الهوية الشخصية هي الوصف الذي يرثه الفرد من الجماعة الصغيرة التي ولد فيها، والتي قد تكون قبيلة أو طائفة أو عرقا أو قومية أو قرية أو عائلة أو طبقة اجتماعية. وحين يشب الطفل يبدأ في استيعاب هويات أخرى، أبرزها الهوية الوطنية، كما يطور هوية فردية غير شخصية ترتبط بالمهنة أو الهواية، وفي مرحلة لاحقة يطور هوية أخرى يمكن وصفها بالاجتماعية وتتعلق خصوصا بالمكانة التي يحتلها في المجتمع أو الوصف الذي يقدمه مع اسمه.

لكل فرد -إذن- هويات متعددة، موروثة ومكتسبة. يشير بعضها إلى شخص الفرد، ويشير الآخر إلى نشاطه الحياتي، بينما يشير الثالث إلى طبيعة العلاقة التي تربطه مع المحيط العام، الاوسع من حدود العائلة. يمكن لهذه الهويات أن تتداخل وتتعاضد، ويمكن لها أن تتعارض. في حالات خاصة يخترع الفرد تعارضا بين هوياته. لاحظنا مثلا افرادا يتحدثون عن تعارض بين هويتهم الدينية وهويتهم الوطنية أو القبلية. وقد يقررون – بناء عليه – التنكر لاحداها أو تخفيض مرتبتها، بحيث لا تعود مرجعا لتنظيم العلاقة بينه وبين الغير الذي يشاركه الهوية ذاتها.

لكن المجتمع هو المنتج لأكثر حالات الالتباس بين الهويات الفردية. في تجربة الاتحاد السوفيتي السابق مثلا، جرى إجبار المواطنين على التنكر لهوياتهم القومية والدينية والالتزام بالهوية السوفيتية في التعبير عن الذات. وفي تركيا الأتاتوركية أطلقت الدولة على الأقلية الكردية اسم «أتراك الجبل» ومنع التعليم باللغة الكردية أو استخدامها للحديث في المحافل العامة أو دوائر الدولة.

 وفي كلا المثالين، وجدنا أن النتيجة هي تحول الهوية القومية إلى عنصر تضاد مع الهوية العامة. ولهذا يركز الأكاديميون اليوم على دور الهوية في تحديد مؤثرات الحراك الاجتماعي.. مسألة الهوية لا تعالج بالوعظ الأخلاقي، بل تحتاج في الدرجة الأولى إلى فهم معمق للتنوع القائم في كل قطر وكيفية تأثيره على المجتمع، ثم التعامل معه بمنظور الاستيعاب والتنظيم.
عكاظ 6 ابريل 2009

الطريق السريع الى الثروة

  يبدو ان المعلوماتية تتحول بالتدريج الى اسرع القطاعات نموا في الاقتصاد الوطني لكل بلدان العالم تقريبا. (في 2021 بلغت قيمة سوق المعلوماتية ...