02/05/2007

حقوق الإنسان في الإطار المحلي



إذا تحدثت الى رئيس هيئة حقوق الانسان الاستاذ تركي بن خالد السديري فسوف يخبرك من دون مواربة بانه يتفهم تساؤلات الناس عن دور الهيئة وربما شكوكهم في قدرتها على تلبية توقعاتهم الكثيرة. والمؤكد ان مثل هذا الشعور موجود لدى شقيقتها الاهلية (الجمعية الوطنية لحقوق الانسان).
والحق ان الانسان ليشفق على المؤسستين من صعوبة المهمة التي التزمتا بحملها نيابة عن المجتمع او نيابة عن الدولة. تكمن الصعوبة في ان مفهوم حقوق الانسان يعتبر جديدا على الثقافة العامة في المجتمع السعودي. ولعل كثيرا من الناس لا يفهم مغزاه او الحاجة اليه. والمؤكد ان بعض الناس سوف ينظر اليه بعين الارتياب او العداء. ربما يتذكر بعض القراء ما كان يقال في سنوات سابقة من ان «حقوق الانسان» وجمعياتها هي مجرد ادوات للغزو الفكري او التدخل الاجنبي. نفهم ايضا ان بعض البيروقراطيين، سيما في المراتب الوسطى من الادارة الحكومية والقطاع الخاص، لا يستسيغ فكرة الرقابة من خارج النظام الاداري لمؤسسته، ويزداد الامر سوءا اذا وصل الى نقد ادائه الشخصي، في تطبيق القانون او التعامل مع الغير
قد تمثل هذه الصعوبات عذرا للقائمين على المؤسستين. لكن القصور مثل التقصير ليس من النتائج التي يرغب الانسان في الاتصاف بها على اي حال. ولا اظن احدا في هذا القطاع او في اي قطاع آخر يرغب في الوقوف امام الناس او الصحافة يوما كي يخبرهم بانه عجز عن الوفاء بوعوده، حتى لو كان لديه مبررات واعذار. الفشل هو الفشل، مهما كان تبريره
اذا صح القول بان المؤسستين تواجهان مشكلة سببها غربة مفهوم «حقوق الانسان» عن الثقافة العامة المحلية، فسوف يتوجب عليهما وضع برنامج عمل «تثقيفي» غرضه المحوري هو تمهيد الطريق امام عملهما. يستهدف البرنامج ايصال فكرة حقوق الانسان وشرح موضوعها الى جميع الاطراف ذات العلاقة. واقترح تحديد الاستهدافات على النحو التالي:
أ- على المدى القصير: الهيئات الحكومية والخاصة التي لها علاقة مباشرة بالمواطنين، من وزارات او مؤسسات عامة او شركات اهلية. يتركز العمل في هذا الاطار على التفاوض مع رؤساء تلك الهيئات وقياداتها الوسطى، لشرح مفهوم حقوق الانسان وموضوعاته والخروقات المحتملة والاجراءات التأديبية او العقابية المقررة او التي يمكن ان تتقرر في المدى المنظور. الهدف الرئيس من هذا العمل هو تفهيم رؤساء الادارات بان سلطاتهم مهما عظمت لا تسمح لهم بخرق حقوق الغير، سواء كان مواطنا عاديا او مراجعا ذا مصلحة او وافدا اجنبيا، وصولا الى اقناع كل دائرة بوضع لائحة اجراءات تنفيذية محورها احترام حقوق الانسان. ويمكن ان تنفذ خطة العمل في هذا الجانب على مدى سنتين.
ب- على المدى المتوسط: التوجيه الاعلامي من خلال الصحافة والتلفزيون والمنتديات الخاصة والعامة والاتصال المباشر بالجمهور بكل وسيلة ممكنة. ومحور هذا العمل هو تبيئة مفهوم حقوق الانسان وتطبيقاته وجعلها اليفة عند الناس ومتصلة بثقافتهم، واقناعهم بفوائدها لاشخاصهم ومجتمعهم. اما غرضه الرئيس فهو ايجاد علاقة تفاعلية بين مؤسسات حقوق الانسان وبين الجمهور العام، وكشف المجالات والسبل التي يمكن لكل فرد ان يسهم فيها ومن خلالها في دعم الجهد الوطني الهادف الى حماية حقوق الانسان.
ج- على المدى البعيد: ادماج مفهوم حقوق الانسان ضمن برامج التعليم العام والنشاطات اللاصفية، ولا سيما في المراحل قبل الجامعية. ومحور هذا العمل هو تحويل مفهوم «حق الفرد ومسؤولياته» الى جزء اعتيادي في التربية المدرسية. وغرضه الرئيس هو انتاج قاعدة ثقافية لحقوق الانسان وتخليق مفاهيم مرادفة في الاطار المحلي، فضلا عن تعريف الفرد بنفسه كانسان حر، مستقل، ومتساو مع الغير، وتعويده على احترام مسؤولياته في هذا الاطار. هذا الجزء من البرنامج يحتاج الى مدى زمني لا يقل عن عشر سنوات.
خلاصة القول ان ترسيخ مبادئ حقوق الانسان قانونيا واداريا، يحتاج الى تبيئة وتوطين المفهوم. من هذه الزاوية فان برنامجا تثقيفيا واسع النطاق كالذي نقترحه يمثل وسيلة ضرورية لمعالجة ما اظنه غربة اجتماعية لهذا النشاط ومؤسساته.
عكاظ  2 مايو 2007  العدد : 2145

https://www.okaz.com.sa/article/104811

29/04/2007

عدالة ارسطو التي ربما نستحقها


 العدالة الاجتماعية هي واحد من الاسئلة المحورية في الفلسفة السياسية. بل قد لا نبالغ اذا اعتبرناها السؤال الاول لهذا الحقل من العلوم منذ قديم الزمان وحتى اليوم. ونشير بالمناسبة الى ضآلة الابحاث المتعلقة بالموضوع في الفكر الاسلامي القديم والمعاصر، رغم الاهمية الكبيرة التي توليها النصوص الاسلامية لمسألة العدل.
تمثال ارسطو
وقد سألت شيخي في قديم الايام عن سر افتقار المكتبة العربية الى بحوث معمقة في الموضوع فقال لي ان فكرة العدالة مفقودة في التراث الديني الغربي ولهذا احتاج الغربيون الى بحثها. بينما اعتقد المسلمون ان ما وصلهم عنها من اسلافهم فيه غنى وزيادة، فلم يجدوا حاجة الى مزيد بحث عنها. وظننت انني قد قنعت بهذا التبرير.

 لكن سرعان ما اطاح بهذه القناعة اسئلة اخرى مثل: اذا كان لدينا نصوص او بحوث سابقة، فقد كان احرى ان تشق الطريق الى مزيد من البحث والدراسة، لا أن تترك او تهمل. ثم قرأت مجادلات الاسلاميين حول الماركسية والرأسمالية وفضل الاسلام عليهما، فوجدت معظمهم يتجنب - غفلة او عمدا - الجوانب الاشكالية من مسألة العدل الاجتماعي وتطبيقاتها، ولا سيما علاقتها بالتنظيم الاقتصادي والسياسي وهيكل القيم الناظمة للعلاقات الاجتماعية وتطبيق الاحكام والاعراف.. الخ.

بعض الذين تطرقوا الى مسألة العدالة، ولا سيما من قدامى الاسلاميين ومن سار على نهجهم من المعاصرين، ذهبوا مذهب الفيلسوف اليوناني ارسطو الذي رأى ان جوهر العدالة يكمن في معاملة المتساوين بالسوية، والتمييز بين غير المتساوين.

 قامت نظرية ارسطو على فرضيات سابقة حول التمايز بين الناس، كانت متعارفة ومقبولة في زمنه، وقد اضاف اليها ومنحها مبررات فلسفية واجتماعية. من ذلك مثلا ان نظام المدينة اليونانية كان يميز سكان اثينا على غيرهم، ويميز الرجال على النساء، والاحرار على العبيد، والجنود على الزراع والحرفيين، واهل الملكات الفكرية كالفلاسفة والاطباء على بقية العاملين، ورجال السياسة على سائر الناس.

بطبيعة الحال فان هذا التمييز ليس مقبولا في عالم اليوم. لكنه - في ذلك الزمان على الاقل - لم يكن اعتباطيا، فقد استند الى قائمة من المبررات التي بدت لاصحابها معقولة. وابرز تلك المبررات هو القول بان الناس ليسوا متساوين اساسا، فبعضهم اعلى - معنويا - من غيره لاسباب ذاتية او عضوية، وبعضهم كافح لاكتساب ملكات اضافية فاصبح اعلى من غيره. ومن النوع الاول مثلا منع النساء من المشاركة في السياسة والامور العامة لان المرأة - حسب رأي ارسطو - عاجزة عضويا عن التفكير السليم في الامور العامة والسياسة. وكذلك الامر بالنسبة لابناء المهاجرين الى اثينا، لانهم لم يتشربوا روح المدينة وقانونها، ومثلهم اصحاب الحرف اليدوية الصغيرة لان عقولهم غير نشطة.. الخ.

ولو اتيحت لك الفرصة للتأمل في بعض ما كتبه قدامى الاسلاميين واتباعهم من المعاصرين حول النساء وحقوقهن، وحول العلاقة مع غير المسلمين، بل وحتى المسلمين من غير اهل الديار، وحول حقوق الطبقات الاجتماعية المختلفة والقيم الناظمة للعلاقة بينها، فسوف تجد هذه الاراء نفسها او قريبا منها بنفس المبررات او مع مبررات اضافية.

يشير هذا - من ناحية - الى واحد من الاسئلة الهامة حول مبدأ العدالة وموقعه من سلم القيم الاساسية في حياة البشر. من الواضح ان التطبيق اليوناني لمبدأ العدالة كان مشروطا بالتنظيم الخاص لمدينة اثينا، ولعل بعضنا يرى ان التطبيق الاسلامي لمبدأ العدالة ينبغي ان يخضع ايضا للتنظيم الخاص للمجتمع الاسلامي.

ومعنى ذلك ان العدالة ليست من القيم العقلية المستقلة - كما يدعي جميع الفلاسفة-، وليست جزءا من الجوهر الانساني للانسان - كما يدعي الاخلاقيون - وليست معيارا اعلى لصلاح النظام الاجتماعي - كما يدعي علماء الاجتماع والسياسة. بل هي قيمة اجتماعية يتحدد مفهومها ومعناها وتطبيقها تبعا لثقافة المجتمع وما توافق عليه من نظم وأعراف. بعبارة اخرى فان المضمون النهائي لهذا الفهم يقرر ان العدالة ليست من القيم المطلقة الموضوعية، بل هي قيمة نسبية، وليست مصدرا لقواعد العمل بل فرع عنها.

وهو يشير - من ناحية اخرى - الى سؤال جوهري، يتعلق بالعامل الاساس في تحديد قيمة الانسان. يمكن صياغة السؤال على النحو التالي :

 هل تتحدد قيمة الانسان قبل ولادته ؟. بعبارة اخرى هل يتساوى جميع المواليد من حيث القيمة - وبالتالي الاهلية لاستحقاق نفس القدر من العدالة، ام ان بعضهم يولد ارقى من غيره، اي مستحقا لشريحة اعلى من العدل؟. هذا يقودنا بالتاكيد الى جدل حول ما يستحقه الفرد بالولادة وما يستحقه بالكفاءة والجهد. طبقا للرؤية الاولى فان نسب الفرد ولونه ودينه او مذهبه وانتماءه الى بلد معين هي قدر لا مفر منه، فهي التي تحدد قيمة الفرد وحياته. والفرق بين الرؤيتين لا يخفى على بصير.

الطريق السريع الى الثروة

  يبدو ان المعلوماتية تتحول بالتدريج الى اسرع القطاعات نموا في الاقتصاد الوطني لكل بلدان العالم تقريبا. (في 2021 بلغت قيمة سوق المعلوماتية ...