‏إظهار الرسائل ذات التسميات ماكس فيبر. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات ماكس فيبر. إظهار كافة الرسائل

11/10/2010

بيروقراطية مقلوبة

البيروقراطية وسيلة لا غنى عنها لعقلنة الادارة وتحويلها من سلطة شخصية تحكمية الى تجسيد لسلطة القانون.  هذه هي الخلاصة التي توصل اليها ماكس فيبر ابرز الاباء المؤسسين لعلم الادارة الحديث في كتابه المرجعي "نظرية التنظيم الاجتماعي والاقتصادي".
لكننا الان نتحدث عن البيروقراطية باعتبارها رمزا للرتابة وانعدام الابداع والتعطيل. هذا يكشف عن ان الشيء ونقيضه يمكن ان يجتمعا في الواقع . او ربما يكشف عن امكانية انقلاب المعاني الراقية الى نقيضها حين تنقل المفاهيم بطريقة القص واللصق ، اي نسخ الاليات والادوات من دون فلسفتها.
***
بين ابرز تطبيقات الادارة الحديثة نشير الى تقسيم العمل ومنح الموظفين الصلاحيات المناسبة لاداء واجباتهم بصورة تامة بحيث لا يحتاجون للرجوع الى رئيسهم في كل امر. نحن نعاني من علة حقيقية تتمثل في ان كل موظف يعتبر نفسه مسؤولا عن كل شيء وفي الوقت نفسه مفتقرا الى صلاحية البت في اي شيء ، فهو يراجع ما فعله الموظف الذي سبقه الى المعاملة رغم انه انه ليس مسؤولا عن عمله ، ثم يحيلها الى المدير الذي لا يفعل شيئا سوى التوقيع . كان يمكن ان يقوم الموظف الاول بانهاء المعاملة والتوقيع عليها طالما كانت مستوفية للشروط. واذا لم تكن كذلك فقد كان يستطيع ببساطة مطالبة المراجع باستكمال المتطلبات ، وبهذا يوفر وقت الجميع.

واذكر ان زميلا لي راجع بريد القاهرة قبل سنوات لارسال بضعة كتب. يقول الزميل انه انفق يوما كاملا في التنقل بين المكاتب ، وملأ ورقة كاملة بالتوقيعات والاختام ابتداء من توقيع موظف الوارد ثم موظف التصدير والجمارك والثقافة والمالية والضرائب وبين كل اثنين هناك موظف ثالث مهتمه التدقيق في عمل الموظف السابق حتى وصل اخيرا الى الموظف الذي مهمته وزن الارسالية ولصق الطوابع عليها ومن بعده هناك طبعا المدقق والمدير وموظف الصادر. لا ادري اذا كانت هذه الصورة الكاريكاتورية لا تزال موجودة الى اليوم ، لكنها مثال واقعي على توزيع الاعمال دون توزيع متناسب للصلاحيات. ان الكلفة المالية للوقت الذي انفقه مجموع هؤلاء الموظفين اضافة الى المراجع يبلغ اضعاف قيمة العمل الذي انجز فعلا.

اذكر ايضا انني راجعت مسؤولا كبيرا فوجدت على مكتبه رزمة ضخمة من الملفات ، وكان يفتح كل ملف ويوقع صفحته الاولى . وحين انتهى بعد نصف ساعة تقريبا سألته عن فحوى هذه الملفات التي تتطلب توقيع مدير في موقعه فاجاب بانه ينفق ما يعادل ساعتين كل يوم في التوقيع على مثل هذا النوع من المعاملات التي يمكن لاصغر موظف في الوزارة انجازها ، لكن النظام يتطلب توقيع وكيل الوزارة او من هو في مستواه.

في الادارة الحديثة يصنف الاداريون الى ثلاث شرائح من حيث الفاعلية والانتاج : اداري ينفق وقته في الاعمال التي يقوم بها في العادة موظفوه ، واداري يقوم بالاعمال التي يمكن تحويلها لموظفيه ، واداري يركز جهده على الاعمال التي لا يمكن لمن هم دونه انجازها. فالاداري الاول فاشل تماما والثاني معطل لعمل الادارة بينما الثالث هو المدير الناجح.

الموضة الجديدة في عالم الادارة هي تلك المسماة بالنافذة الواحدة او المحطة الواحدة One-Stop Shop حيث يقوم موظف واحد بانجاز المعاملة كلها دون ان يرجع الى غيره. وهناك ايضا مفهوم الحكومة الالكترونية الذي يفترض انجاز المعاملات دون مراجعة الدوائر او اللهاث بين المكاتب . وطبقا لتقرير في صحيفة بريطانية فان تطبيق هذا المفهوم قد وفر نسبة معتبرة من نفقات التشغيل المعتادة في الدوائر التي اخذت به.

اظننا قادرون على التقدم تدريجيا في هذا الاتجاه ، لكننا نحتاج قبل ذلك الى تيسير القانون وتوضيحه وفوق ذلك اعادة النظر في فلسفته. يجب ان يكون غرض القانون هو تنظيم العمل والتيسير على الناس وليس فقط سد الابواب امام العابثين . من بين ملايين الذين يراجعون الدوائر الحكومية هناك اقلية صغيرة جدا تريد العبث بالقانون او الالتفاف عليه اما الاكثرية الساحقة فهي تريد الالتزام به ، وليس منطقيا ان نعسر حياة الاكثرية من اجل اقلية لا تذكر. ثم ياتي بعد ذلك التوزيع السليم للمهام والصلاحيات كي نجعل الادارة العامة حلالا لمشكلات الناس لا عقدة في حياتهم.

عكاظ 11 يناير 2010

23/01/2008

البيروقراطية والإدارة


 في العالم اليوم موجة جديدة عنوانها "تطبيق معايير الإدارة الصالحة". تستهدف هذه الفكرة وضع نظام محدد لاختبار وتقييم كفاءة الادارة العامة واهليتها لتحقيق اغراضها. انها بعبارة اخرى محاولة للاجابة على سؤال: كيف تحقق الادارة هدفها المحوري -اي خدمة المجتمع- على اكمل وجه؟.
في ما مضى من الزمن كان يقال انه لا يمكن وضع مقاييس مالية لتقييم كفاءة البيروقراطية الرسمية، لأنها لا تستهدف الربح بل الخدمة العامة. والخدمة العامة بطبيعتها انفاق من دون عائد فوري او ملموس. بخلاف الادارة التجارية التي تستهدف مباشرة زيادة الارباح من خلال زيادة الانتاج وتخفيض الكلف، والتي لهذا السبب يمكن قياس كفاءتها بالرجوع الى حجم الارباح وحجم الخسائر. لكن اقطاب الموجة الجديدة، وابرزهم -ربما- البنك الدولي، يرون جانبا آخر للمسألة. الادارة، ايا كانت طبيعتها، عمل انساني قابل للقياس والتقييم بالرجوع الى اهداف معينة ومسار عمل معين.
في بداية القرن الماضي شدد ماكس فيبر على اهمية البيروقراطية ودورها في عقلنة السياسة وتحديث الحياة العامة. واشار خصوصا الى العنصر الجوهري في البيروقراطية، اي اعتمادها على القوانين والتعليمات المكتوبة، الامر الذي يسهل المتابعة والمحاسبة ويخفف من الطابع الشخصي في العمل العام. نحن اليوم في عالمنا العربي نضيق من بطء البيروقراطيين وترددهم، لكن هذا افضل على اي حال من ادارة مفككة يعمل كل رئيس فيها بحسب مشتهياته واهوائه، وربما مصالحه وتوجهاته الشخصية.
لكننا مع ذلك بحاجة الى وضع نظام يحول دون تحول الادارة من صورتها المثالية كوسيلة لخدمة الجمهور، الى مؤسسة خاصة للافراد النافذين او ذوي المصالح. او ربما تحولها من وسيلة لتسهيل وتطوير الخدمة العامة الى عائق يسد ابواب الخير على الناس باسم القانون او باسم المصلحة العامة. ولهذا السبب بالتحديد ظهرت الموجة الجديدة التي تسعى لنزع الصورة السلبية التي ارتسمت في اذهان الناس عن البيروقراطية وقدرتها الفائقة على التعطيل والاعاقة. في فبراير 2005 استضاف الاردن مؤتمرا شاركت فيه 16 دولة عربية، لمناقشة العلاقة بين الادارة والتنمية. وكشفت مناقشات المؤتمر عن خسائر بمئات الملايين يتكبدها العالم العربي بسبب سوء الادارة. وضرب المشاركون امثلة كثيرة على تلك الخسائر، ومن بينها تعطيل استثمارات محلية واجنبية كانت ستوفر فرص عمل جديدة، وبينها ايضا مشروعات حكومية كانت سترفع الدخل القومي وتحسن مستوى المعيشة، وصولا الى ابطاء او اعاقة تحديث قطاعات الخدمة الحكومية.
حاولت مؤسسات عديدة وضع معايير للإدارة الصالحة، من بينها البنك الدولي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وبرنامج الامم المتحدة الانمائي، واخيرا منتدى التنمية في مؤتمره الخامس والعشرين الذي انعقد في البحرين مطلع 2004. بالنسبة لهذه المؤسسات جميعا فان الاهداف الكبرى للادارة الحكومية هي: الارتقاء بمستوى معيشة المواطنين، حماية حقوقهم المدنية والمعالجة العقلانية للمشكلات التي تظهر في البيئة الاجتماعية. وبناء على هذه الاهداف فإن كل عمل مضاد او معطل لواحد منها يعتبر فسادا.
تختلف المعايير التي وضعتها كل من المؤسسات المذكورة عن بعضها في جوانب محددة، لكنها تتفق على مبادئ اساسية، من بينها: الشفافية، اي جعل عمل الادارة علنيا وقابلا للكشف لعامة المواطنين، واخضاع كل الاعمال للمساءلة والمحاسبة بغض النظر عن شخص المدير او رتبته، ووجود هيئات محايدة يرجع اليها المواطنون عند التنازع مع المؤسسات الحكومية. وأظن أن أبرز مشكلات الادارة في البلاد العربية هو افتقارها للحياد. ومن المؤسف ان هذا الجانب لم يتعرض للنقاش والدراسة بشكل مركز وموضوعي. الادارة العامة غرضها الخدمة العامة، ويجب ان يتم هذا من دون التفات الى أي جانب. بعبارة أخرى فإنه ينبغي التأكيد على ضرورة أن تكون محايدة، لأن حيادها واجب وضرورة وإلا دخلت في نفق الفساد، مهما حاولت اتقاءه.
  عكاظ 23 يناير 2008  

24/01/2004

أم عمرو وحمار أم عمرو


حين تقع العين على كلمة مثل "البيروقراطية" في صحيفة فان ذاكرة القاريء تستحضر صفات اصبح تلازمها مع البيروقراطية شبه بديهي ، منها مثلا البطء والجمود والتحكم واحيانا البلاهة. وقبل بضعة اسابيع كتب د. حمود البدر مقالة ظريفة اخبرنا فيها عن قصة حمار ابتلي به بيروقراطي صغير فكلف الخزينة العامة اموالا كما استهلك الكثير من الوقت والورق ، لا لشيء الا لان القانون لم يلحظ احتمالا مثل القبض على حمار، اما البيروقراطي الصغير فكان عاجزا عن فعل شيء دون تعليمات ، كما ان رئيسه البيروقراطي الكبير لم يشأ تخويل مرؤوسه صلاحية اتخاذ القرار المناسب في امر الحمار، وانتهى الامر على طريقة العربي القديم :
 لقد ذهب الحمار بام عمرو
فلا رجعت ولا رجع الحمار
  لكن على رغم ما قيل في البيروقراطية من هجاء ، فان لها وجها مشرقا وان قل مادحوه . بل لقد اعتبرها ماكس فيبر وهو من اباء علم الاجتماع المعاصر سمة اساسية من سمات الدولة الحديثة . نحن نعرف الكثير عن بيروقراطية الحمار ، لكننا لا نلتفت غالبا الى ان الحمار ليس مشكلة البيروقراطية بذاتها بل مشكلة البيئة القانونية او الادارية التي يعمل فيها البيروقراطيون . ولهذا فانك قد تجد نظائر لمشكلة الحمار في بعض الشركات الخاصة والصحف وحتى في بعض العائلات.
 لو اصلحنا البيئة القانونية والادارية للادارة الحكومية فسوف تكون البيروقراطية محركا للتحديث والتطوير ، وسوف توفر على القادة السياسيين الكثير من العبء النفسي والمادي الذي يتحملونه من وراء خطايا البيروقراطيين.
 تتناول الاصلاحات المعنية هنا ثلاثة عناصر متفاعلة: القانون ، الصلاحيات ، والرقابة.
 ثمة جدلية يبدو انها سائدة في معظم الدوائر الحكومية ، تتعلق بالوزن النسبي لكل من نصوص القانون المكتوب وتعليمات الرئيس ، فالبديهي ان واجب الموظف الحكومي هو تطبيق القانون بالحد الاقصى من الالتزام بنصوصه.  لكن ما يحصل عادة هو ان تعليمات الرئيس تتمتع بفوقية مفتعلة بحيث تحل محل القانون . ويزيد الامر سوءا حاجة الموظف لارضاء رئيسه مما يحول العلاقة بينهما الى نوع من الاستزلام . كما ان شعور الرئيس بالقدرة على فرض سلطته تشجعه على المضي قدما في تحويل ادارته الى ما يشبه مجلس العائلة حيث تسوى الامور بالتراضي وليس بموجب القانون ، وتتخذ القرارات بناء على معايير شخصية لا موضوعية .
لمعالجة هذه الحالة فاننا نحتاج الى :
1- تطوير الصيغ القانونية العامة التي يفترض ان تحكم عمل الادارات الحكومية الى لوائح عمل تفصيلية ، تشرح طبيعة الاهداف التي انشئت الادارة لتحقيقها وصلاحيات الموظفين في مختلف المراتب والحقوق/الواجبات المتبادلة لكل من الموظفين والمراجعين ، والمعايير المعتمدة لقياس اداء الموظف فيما يتعلق بتحقيق الاهداف.
2- توزيع الصلاحيات : التقليد الجاري في الادارة الحكومية يفترض ان يعجز صغار الموظفين عن اتخاذ قرار فيرسلون المعاملة الى رئيسهم الذي يلعب هنا دور "ماكينة التوقيع". ثمة قضايا لا تحتاج اصلا الى مراجعة اي دائرة حكومية ، لكن رغبة الاداريين في تأكيد سلطتهم (وربما رغبتهم في قتل الوقت) هي التي تجعلهم يفرضون على الناس مراجعات وكتابة عرائض والتوسل بهذا وذاك لانجاز اعمال ليست من شأن الادارة الحكومية اصلا. وعلى نفس المنوال ، فان كثيرا من المعاملات التي تقدم للدوائر الحكومية يمكن ان تنجز في دقائق بواسطة موظف صغير ، لكنها تنقل الى الاعلى بسبب رغبة الكبير في تأكيد وجوده ، وخوف الصغير من تحمل المسؤولية ، ولهذا فقد تجد على طاولة وكيل وزارة طلبا لاستقدام عامل او اذنا في صرف الف ريال او منح اجازة اسبوع لموظف او شراء قطعة غيار رخيصة لسيارة .. الخ . نحن بحاجة اذن الى توزيع الصلاحيات بصورة مناسبة وطمأنة الموظف الصغير الى حقه في البت في المعاملات التي تاتيه دون خوف من تحمل المسؤولية المترتبة عليها .
3- الرقابة:  تتطور البيروقراطية بفعل الضغط الاجتماعي وليس بسبب الرقابة الداخلية . الضغط الاجتماعي يتحقق من خلال الصحافة ومؤسسات المجتمع المدتي ومبادرات الافراد ، ويتضمن نقد الممارسات الخاطئة ، واقتراح البدائل. وتظهر تجربة السنوات الاخيرة ان الصحافة كانت فعالة في تحسين اداء الادارة الحكومية. ولكي نحقق المدى الاعلى من فوائد الرقابة الاجتماعية ، فينبغي المطالبة بشفافية العمل الاداري ، بما في ذلك جعل القوانين والتعليمات جميعها علنية. كما ان الصحافة مطالبة بالتحول من دور الراوية الى دور المحقق ، وحينئذ ستكون صوت المجتمع واداة ضغطه. الصحافة المنشغلة بالمدائح لا تساهم في الاصلاح ، الصحافة التي ترسل رجالها للتحقيق في القضايا واستنطاق الاوراق والبشر والكشف عن الخبايا هي التي تستحق وصف "السلطة الرابعة".




الطريق السريع الى الثروة

  يبدو ان المعلوماتية تتحول بالتدريج الى اسرع القطاعات نموا في الاقتصاد الوطني لكل بلدان العالم تقريبا. (في 2021 بلغت قيمة سوق المعلوماتية ...