‏إظهار الرسائل ذات التسميات النموذج الصيني في التنمية. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات النموذج الصيني في التنمية. إظهار كافة الرسائل

13/12/2006

معالجة الفقر على الطريقة الصينية

 

||النموذج الصيني» يماثل نظيره الغربي في استقلال السوق (نسبيا) وحاكمية القانون والمساواة بين الناس ومنع استغلال السلطة||

نهضت الصين ولم يهتز العالم كما توقع الان بيرفيت في منتصف السبعينات. لكن التجربة الصينية في التنمية تتحول بالتدريج الى نموذج معياري في الاصلاح الاقتصادي والتحديث منافس للنموذج الكلاسيكي الذي تتبناه الولايات المتحدة الامريكية والمؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد الدولي. يتفق النموذجان في معظم المفاهيم القاعدية لفكرة التنمية، ولا سيما المعايير والمؤشرات الدالة على درجة التطور الاقتصادي، وكذلك العوامل المؤثرة في الانتقال من عصر التقاليد الى الحداثة، والأهداف الكمية لعملية التنمية.
الطبعة الاولى الفرنسية للكتاب
 لكنهما يختلفان في الاسلوب ويختلفان في المعايير غير الاقتصادية للنمو. الاسلوب الرئيسي لتحديث الاقتصاد في النموذج الكلاسيكي الغربي هو «العلاج بالصدمة»، الذي يقول ببساطة: دع آليات السوق تقرر مساره حتى لو تضرر البعض. يقوم هذا النموذج على مبدأ عميق الجذور في الفلسفة السياسية الحديثة فحواه ان عامة الناس اقدر من الحكومات على تحسين مستوى معيشتهم. الانسان بطبعه ميال الى توسيع مصالحه واملاكه وارباحه، ومن الافضل للحكومة ان تبتعد قليلا عن السوق وتفسح المجال للناس كي يتنافسوا من اجل الربح.
عندئذ سيبتكر هؤلاء الناس طرقا افضل للعمل والانتاج. لا يحتاج السوق الى قرارات حكومية لتحديد ما هو مطلوب وما هو متوفر، السوق نفسه يوازن بين العرض والطلب ويقرر مستوياته ونوعيته.
طبقا لهذه النظرية فان النجاح بالمعنى الاقتصادي مرتبط بالربحية.
 وقد اكتشف العالم سلامة هذا المفهوم الى حد كبير. ثمة قطاعات كانت تعتبر في الماضي موضوعا لسيادة الدولة وسلطانها، مثل التعليم والصحة العامة والامن والصناعات العسكرية والمواصلات.. الخ. لكن ظهر اليوم ان هذه القطاعات ستكون اقدر على النجاح والتطور اذا تركت للناس يديرونها في سبيل الربح. لا ينحصر تاثير السوق في زيادة الثروة والاستثمار، بل يتعداه الى تغيير هيكل العلاقات الاجتماعية، ولا سيما اعادة صياغة التراتب بين الناس وفق معايير الكفاءة والجهد الشخصي بدلا من الانساب والانتماءات السابقة للولادة.
 من هنا فان المجتمع الحديث، أي المجتمع الذي يدير معيشته على اساس مفاهيم السوق الحرة، سيكون اقدر من المجتمع التقليدي على ابتكار الاطارات اللازمة لاستيعاب الاجيال الجديدة من الافراد الاكفاء والطامحين سيما الذين يأتون من خلفيات اجتماعية متواضعة.
ابتعاد أية حكومة عن السوق لا يعني بالضرورة تخليها عن سلطاتها، بل اقتصارها على دور الحكم المحايد، او مدير اللعبة الذي يشرف على حسن تطبيق قوانينها ومنع العدوان. وعلى هذا الاساس فان تنمية الاقتصاد تتطلب – حسب هذا النموذج – التزاما قويا من جانب الحكومة بفرض قانون واحد يتسع للجميع ويتساوى امامه الجميع، ويتطلب مساواة مطلقة بين الناس في عرض الفرص والموارد والامكانات، خاصة تلك التي تعتمد على المالية العامة، كما يتطلب التزام السياسيين ورجال الدولة بالترفع عن ممارسة التجارة او استخدام نفوذهم للحصول على مكاسب تجارية.
يقوم «النموذج الصيني» على نفس هذه المفاهيم، ولا سيما ابتعاد الحكومة عن السوق وحاكمية القانون والمساواة بين الناس ومنع استغلال السلطة. لكنه يدعو في الوقت نفسه الى دور اكبر للحكومة في توزيع النمو من خلال توجيه الموارد المالية الحكومية الى المناطق الاكثر فقرا، وتحملها عبء الدراسات الضرورية لاستنباط موارد جديدة في هذه المناطق. بعبارة اخرى فانه يفصل بين المناطق الجاذبة للاستثمار التي ستنمو اوتوماتيكيا اذا افسحت الحكومة المجال امام القطاع الخاص المحلي والاجنبي، والمناطق النائية التي تفتقر الى عناصر الجذب الاستثماري، ويعطي للحكومة دورا اكبر في هذه المناطق، سواء على مستوى التخطيط او التمويل.
في الحقيقة: النجاح الاعظم الذي حققته الصين يرجع الى هذا التقسيم العقلاني الذي ركز على استئصال الفقر من دون التدخل المفرط في السوق. طبقا لتقرير اصدره صندوق النقد الدولي في العام الماضي فان الصين حققت ما يشبه المعجزة على صعيد مكافحة الفقر في عصر خلا تقريبا من المعجزات. عند انطلاق برنامج الاصلاح في 1978 كان 53 بالمائة من الصينيين في خط الفقر او دونه. لكن هذا الرقم انخفض الى 8 بالمائة فقط في العام 2003.
 ولم يتحقق هذا النجاح من خلال الدعم المباشر للفقراء او تحول الحكومة الى جمعية خيرية، بل من خلال التنظيم العقلاني للاقتصاد والتوزيع العادل للموارد، وهذا ما نفهمه من الارتفاع الاستثنائي للناتج الوطني الصيني الاجمالي خلال الفترة المذكورة من 44 بليون دولار الى 1425 بليون دولار، بمعدل سنوي يفوق 9 بالمائة، وهو ما يزيد عن أي معدل تحقق في أي بلد آخر في العالم.
الكتاب المشار اليه في المقدمة: آلان بيرفيت: يوم تنهض الصين يهتز العالم ، ترجمة هنري زغيب ، منشورات عويدات (بيروت 1974)

عكاظ 13 ديسمبر   2006  https://www.okaz.com.sa/article/66512

14/03/2006

النموذج الصيني في التنمية

||يعتقد الصينيون ان المهمة الاولى للاقطار النامية هي استئصال الفقر ، فهو علة الازمات والتطرف. تحتاج هذه البلدان الى حكومة تؤمن الخدمات العامة اكثر مما تحتاج للديمقراطية او الليبرالية||

  يشير "النموذج الصيني" الى برنامج الاصلاح الاقتصادي الذي تبناه الزعيم السابق للحزب الشيوعي الصيني دينغ سياوبنغ واستهدف رفع الناتج القومي من 250 دولارا للفرد في 1978 الى 1000 دولار في العام 2000. 

يتعامل هذا النموذج مع الجانبين السياسي والاقتصادي للتنمية كلا على حدة. فهو يستهدف في المقام الاول تحرير الاقتصاد بصورة تدريجية ، ضمان توزيع متوازن للمنافع المادية يميل بدرجة اكبر لصالح الطبقات الفقيرة ، التركيز على الاكتفاء الذاتي وتوسيع قاعدة الانتاج ، واستخدام الاقتصاد كعامل تعزيز للاستقرار والاستقلال الوطني. بناء على هذا فهو يرحب بالمساعدة الاجنبية على مستوى التمويل والتقنية لكنه يرفض التاثير الثقافي والسياسي. على المستوى السياسي يفترض النموذج اجراءات اكثر محافظة ، فهو يدعو لسيادة القانون ومستوى محدد من التمثيل الشعبي وقدر محدود من الحريات المدنية. بعبارة اخرى فهو ينحو صوب تحول ديمقراطي محدد ومؤطر ضمن الاطارات التي يقررها الحزب الشيوعي ، على نحو يحفظ القرار النهائي والسلطة العليا لقيادة الحزب. 


يختلف النموذج الصيني الى حد بعيد عن نموذج التنمية الكلاسيكي الذي تبشر به الولايات المتحدة الامريكية ومؤسسات التمويل الدولية والقائم على نظرية "العلاج بالصدمة = Shock Therapy" كما يختلف عن "برنامج التعديل الهيكلي" الذي صممه صندوق النقد الدولي للدول الافريقية جنوب الصحراء.
وجوهر اختلاف النموذج الصيني يكمن في مقاربته التجريبية والمتعددة السرعات لمسألة التنمية: ابدأ بمستويات صغيرة ، اختبر النتائج ، ثم عمم التجربة[1]. ويقول باحثون ان هذه المقاربة تستوحي حكمة صينية قديمة تقول : "حين تعبر النهر تحسس الحجارة تحت قدميك قبل الخطوة التالية =Mo zhe shi tou guo he".
من خلال هذه المقاربة نجحت الصين في تفادي الانعكاسات السلبية لنموذج العلاج بالصدمة الذي جربته دول اخرى مثل روسيا ومصر ، وادى الى فوضى اجتماعية وتذمر بين الطبقات المحدودة الدخل. طبقا لباحثين صينيين فان الفصل بين مساري التحديث الاقتصادي والسياسي يرجع الى قناعة بان كلا منهما يحتاج الى اليات مختلفة وظروف مختلفة ، وان البدء بالتحديث السياسي او البدء بهما معا يؤدي عادة الى اطلاق موجات عالية من التوقعات والامال غير الواقعية بين الجمهور. معظم هذه الامال تتوقف على رسوخ الاقتصاد الحديث وتمأسسه ، الامر الذي يتطلب وقتا طويلا.
في مرحلة الانتقال بين الاقتصاد التقليدي والحديث يشعر الكثير من الناس بالاحباط لعدم استجابة النظام الاقتصادي لتطلعاتهم ، الامر الذي يقودهم الى الاحباط وبالتالي التذمر. ولهذا السبب قرر الصينيون ان يبدأوا بتحديث الاقتصاد وجعله قادرا على الاستجابة لتطلعات الجمهور قبل فتح الباب امام تغييرات هيكلية في النظام السياسي. بعبارة اخرى فهم يقولون : دعنا نبدأ بتوفير مصادر العيش الكافية لعامة الناس حتى يستعدوا لممارسة حرياتهم المدنية انطلاقا من ارضية مستقرة[2]. طبقا لباحث صيني فان التنمية الراسخة تتطلب "اجماعا وطنيا على التحديث وتامين الاستقرار على المستويين السياسي والاقتصادي يتيح الفرصة لاصلاحات عميقة على المستوى المحلي" ومن هنا فهو يجادل بان :
المهمة الاكثر الحاحا بالنسبة للأقطار النامية هي استئصال الفقر ، فهو علة الازمات والاشكال العديدة من التطرف. ما تحتاجه المجتمعات النامية ليس حكومة ديمقراطية ليبرالية ، بل حكومة صالحة وقادرة على مكافحة الفقر وتأمين الحد الادنى من الامن والخدمات العامة [3].
 ارادت الصين انشاء شبكة امان لحماية الطبقات الضعيفة من القوى الشرسة للسوق الحرة. وتحقق هذا من خلال استراتيجيات تنموية ذات سرعات متفاوتة. فالمناطق الساحلية التي تتمتع ببنية تحتية مؤهلة للتغيير السريع ، حظيت ببرنامج تنمية مكثف ، ووجهت اليها طلائع الاستثمار الاجنبي ، وجرى تحويل اقتصادياتها بشكل شبه كل الى نظام السوق الحرة. اما الارياف والمناطق الداخلية ، الاقل استعدادا فقد اعطيت جرعات اقل وجرى التركيز بشكل متواز على انماء الاقتصاد ومساعدة الشرائح الفقيرة على التكيف مع النظام الجديد من خلال دعم حكومي مباشر.
رغم الكثير من الصعوبات والتحفظات على التجربة الصينية[4] ، الا ان نتائجها الفعلية كانت مذهلة. بين 1979 و 2003 ارتفع الناتج الوطني الاجمالي من 44.2 مليار دولار الى 1425.6 مليار ، بمعدل نمو سنوي يصل الى 9 بالمائة ، وهو اعلى معدل في العالم خلال هذه الفترة. خطة معالجة الفقر حققت هي الاخرى نتائج مذهلة ، فقد انخفض عدد الفقراء من 260 مليون (حوالي ثلث السكان) في 1978 الى 30 مليون (نحو 3 بالمائة) في العام 2000. وطبقا لتقديرات البنك الدولي فان معدلات الفقر في الريف الصيني قد انخفضت من 42.5 بالمائة في 1990 الى 24.9 بالمائة في العام 2000. ويعتمد البنك معدل دولار واحد للفرد في اليوم كخط عالمي لقياس الفقر[5]. ويظهر انعكاس النمو واضحا على تجارة الصين الخارجية التي تضاعفت 22 مرة خلال العقدين الاخيرين كثمرة لتوسع الصناعات التصديرية[6].
وفر الازدهار الاقتصادي ارضية للاستقرار وتعزيز النظام السياسي ، كما ساعد الصين على تعزيز دورها السياسي على المستوى الدولي. واجتذب نجاح هذا النموذج اهتمام النخب السياسية في العالم الثالث ، خاصة تلك النخب التي تسعى لتحديث اقطارها من دون التضحية بما تملكه من سلطة ونفوذ. فقد اثبت الصينيون ان تحديث الاقتصاد ممكن من دون تغيير بنيوي في النظام السياسي ، كما تفترض نظرية التنمية التقليدية (الغربية). ولاشك ان كثيرا من نخب العالم الثالث التقليدية يروقها النموذج الصيني ، فهي تريد بصدق بناء دولة قوية واقتصاد متطور من دون التضحية بالاركان الكبرى للنظام السياسي ، ولا سيما تلك المعتمدة على ارث ثقافي يمنح المشروعية.
مقتطف من الفصل السابع ، كتاب "حدود الديمقراطية الدينية"

[1] See in this regard, Ramo, Joshua Cooper, The Beijing Consensus, The Foreign Policy Centre , (London  (2004.
[2] Deng Xioping, Quoted in Ramo, ibid., p. 24.
[3]  Zhang, Wei-Wei, "The allure of the Chinese model", International Herald Tribune, Nov., 1, 2006
[4] See for example Dirlik, Arif, "Beijing Consensus: Beijing "Gongshi." Who Recognizes Whom and to What End?", Globalization and Autonomy Online Compendium, e. edition, retrieved in Dec., 2, 2006, from http://www.globalautonomy.ca/global1/position.jsp?index=PP_Dirlik_BeijingConsensus.xml
[5] Nathalie & Riskin, Carl (eds), The Macroeconomics of Poverty Reduction: The Case of China, United Nations Development Programme, (Beijing, 2004), p. 1.

الطريق السريع الى الثروة

  يبدو ان المعلوماتية تتحول بالتدريج الى اسرع القطاعات نموا في الاقتصاد الوطني لكل بلدان العالم تقريبا. (في 2021 بلغت قيمة سوق المعلوماتية ...