‏إظهار الرسائل ذات التسميات الطبيعة الانسانية. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الطبيعة الانسانية. إظهار كافة الرسائل

03/08/2022

اسطورة العقل الصريح والنقل الصحيح


في كل نقاش حول علاقة الدين بالعقل/العلم ، ستواجه أشخاصا يكتبون عبارة مثل "العقل الصريح لا يعارض النقل الصحيح" ثم يمضون غير عابئين ، وكان المسألة قد حلت وانتهت. أصحاب هذه العبارة لا يستهدفون التأكيد على قيمة العقل. هذه مناورة بسيطة تؤدي - موضوعيا - الى تأكيد أولوية النص ، وكونه معيارا حاكما على عمل العقل. ولهذا أيضا فان أكثر من يستعملها في النقاش ، هم الاخباريون ، الذين ينكرون – من حيث المبدأ – أي دور للعقل في التشريع.

واقع الأمر ان النص قد يخالف العقل/العلم في مواضع عديدة: مخالفة في الحقيقة ، بمعنى ان جوهر مراد النص معارض للثابت علميا او منطقيا ، او مخالفة في الواقع ، بمعنى انتماء كل من مضمون النص والعلم ، الى أفق تاريخي او نسق ثقافي مختلف.

وقد ضربت مثالا في مقال سابق ، بالرواية القائلة بان الأرض مستقرة فوق بحر ، تحمله صخرة على قرن ثور. ونعرف ان هذا يتناقض مع ثابت علمي ، بلغ الآن مرتبة الحقيقة. اما الاختلاف بحسب الواقع ، فنراه في تحديد قيمة الأفعال ، مثل استعباد البشر الذي كان في زمن النص فعلا عادلا/ حقا ، فبات اليوم فعلا ظالما/ باطلا ، في عرف اهل الشريعة وعند كافة عقلاء العالم. ان التعارض الواقعي – مثل التعارض الحقيقي – يستدعي تهميش احد الطرفين واستبعاده ، والا تحولت عقولنا الى صندوق المتناقضات.

والذي أراه ان القول بعدم التعارض بين العقل/العلم وبين النص ، مجرد تسويغ للرؤية الداعية الى تأويل التعارض ، بتصنيفه كفهم خاطيء (لأن عقل الانسان ناقص وعاجز عن ادراك الحقائق). أو لعلها تمهيد لالزام العقل باتباع النقل على أي حال ، كما هو الجاري بين اهل الفقه التقليدي. فاذا أثبت العلم شيئا يخالف ما دل عليه النقل ، تركنا العلم وتمسكنا بمفهوم النقل/ الرواية ، نظير مثال قرن الثور السابق الذكر.

ومن هنا فان جدل العلاقة بين النقل والعقل/العلم ، لن يصل الى قرار ، مالم نرجع به لبداية مختلفة ، تعالج ما اظنه عاملا خفيا وراء تعقيد المسألة ، واعني به إشكالية موقع الانسان في الدين. تتلخص هذه الإشكالية في موقف الدين من ثلاثة أسئلة:

أولها: هل الفطرة الأولية للإنسان صالحة ام فاسدة. أي: هل يميل – بطبعه - الى الشر والفساد ام يميل للخير ، بمعنى: لو ترك الناس وشأنهم ، فهل سيتقاتلون ويهلكون الحرث والنسل ، أم يتعاونون لدرء الشر وتنظيم علاقتهم ببعضهم.

الثاني: هل ينظر الدين للإنسان كفاعل عاقل ذي إرادة واختيار ، وهل هو حر في الفعل كي يتحمل مسؤولية افعاله وقراراته ، هل هو قادر على الاختيار العقلائي والأخلاقي. واذا توصل بعقله الى فهم شيء او قرر شيئا ، فهل لهذا الفهم والقرار قيمة واعتبار في الشرع ، ام هو لغو لا قيمة له. الاختيار العقلائي يعني الفهم المسبق لمحتوى الأفعال التي سيقدم عليها ، وحساب نتائجها ، ثم اختيار الفعل المؤدي الى نتائج قابلة للتبرير الأخلاقي ، أي نافعة له وغير ضارة لمن حوله وما حوله.

الثالث: هل يتساوى كافة الناس في الصفتين السابقتين ، أي في طبعهم الاولي وفي قدرتهم على تشخيص الخير ، واتخاذ قرار بناء عليه ، ام انهم يولدون بصفات متفاوتة؟.

معالجة هذه الأسئلة هي المدخل الصحيح في رأيي ، للنقاش حول علاقة الدين بالعلم وعلاقة النقل بالعقل. آمل ان اعود لتوضيح هذا المسار في كتابة آتية.

الشرق الأوسط الأربعاء - 5 محرم 1444 هـ - 03 أغسطس 2022 مـ رقم العدد [15954]

https://aawsat.com/node/3794641

 

23/06/2021

الاثم الاصلي

 

ذكرت في مقال الأسبوع الماضي ، ان المجتمعات الشرقية تميل في مجملها ، للرؤية القائلة بأن الناس لو تركوا وشأنهم ، فالمرجح ان ينزلقوا الى النزاع ، حتى يقتل بعضهم بعضا. كما اشرت في السياق الى راي افلاطون ،  الذي قال ان خوف الناس من العقاب هو الذي يدفعهم لاحترام القانون ، وليس اقتناعهم به او ايمانهم بضرورته للحياة السليمة ، وان هذا المبدأ يتخذ عادة كمبرر للسلطة الخشنة.

والرأي القائل بالميل الفطري للشر والفساد ، هو النظرية التي بقيت شائعة حتى القرن السابع عشر. وبحسب بعض الباحثين فان اول صياغة قوية لها ، تمت على يد القديس اغسطين (354-430م) في كتابه "مدينة الله" ، الذي يعد اول تصوير متكامل للنظرية السياسية الكاثوليكية. وفقا لرؤية اغسطين فان الانسان مذنب بطبعه ، ومحكوم بالاثم الأصلي original sin الذي أنزل أبانا آدم الى الأرض. ولذا فلا بد للمجتمع الإنساني ، من سلطة قادرة على منع الآثمين من الاستغراق في خطاياهم. كما تبنى موقف ارسطو ، القائل بان نظام الكون يقتضي وجود شريحة من الناس وظيفتها الحكم ، وشرائح أخرى وظيفتها الطاعة. تقاسم الأدوار هذا ضروري لاقامة العدل من جهة ، وهو علاج للاثم الاصلي من جهة اخرى. كما رأى ان السلطة الجبرية ضرورية ، وان العدل غير قابل للتحقق الا في دولة دينية ، تقيمها الكنيسة او تخضع لتوجيه الكنيسة.

وقد لاحظت خلال أبحاث سابقة ، ان القائلين بفساد الفطرة البشرية وميل الانسان الطبيعي للشر ، يشتركون في موقف آخر هو ايمانهم بعدم التكافؤ بين البشر ، وبالتالي فانهم لا يرون المساواة ضرورة للعدالة ، بل ولا يعتقدون بضرورتها. وفقا للعلامة الحسن بن مطهر الحلي (1250-1325م) فان "الغالب على أكثر الناس القوة الشهوية والغضبية والوهمية ، بحيث يستبيح كثير من الجهال لذلك ، اختلال نظام النوع الإنساني". وراي الحلي هذا ، مطابق لرأي غالبية معاصريه من الفقهاء ومن جاء بعدهم.

ومال غالبية القدامى (ومن تبعهم من المعاصرين) الى ان التفاوت يبدا في لحظة الولادة. وحسب رأي ارسطو ، فانه "من أجل انتظام الحياة ، قضت الطبيعة للكائن الموصوف بالعقل والتبصر ان يامر بوصفه سيدا. كما قضت للكائن القوي البدن ان ينفذ الاوامر بوصفه عبدا. وبهذا تمتزج منفعة السيد ومنفعة العبد".  ويؤكد في نفس السياق ، ان الله – في لحظة الولادة – "يصب من الذهب في نفس فريق ، ومن الفضة في نفس فريق آخر ، ويصب النحاس في نفس هؤلاء الذين يجب ان يكونوا صناعا وزراعا".

وبمثل ما اختلف الناس في المكانة والمؤهلات والقيمة في لحظة الولادة ، فسيبقون على هذا النحو طوال حياتهم ، حيث قرر افلاطون ، أستاذ ارسطو  بان العدالة لا ترتبط بالمساواة. تكون الدولة عادلة في رأيه اذا رضي كل صاحب حرفة بما أهلته له طبيعته ، اذا رضي الصانع والفلاح مثلا بوضعه ، ولم يحاول ممارسة عمل غير ما هو مؤهل له طبيعيا. بعبارة اخرى فان العدالة تكمن في المحافظة على الفوارق بين الناس وليس الغاءها ، كما يميل انسان العصر الحديث.

قلت في الأسبوع الماضي ان الارتياب في الفطرة البشرية ، متصل بموقع العدالة في ثقافتنا العامة. واظن ان هذا قد اتضح الآن ، على الأقل فيما يخص أبرز أركان العدالة وتجلياتها ، أي مبدأ المساواة بين الناس.

الشرق الاوسط الأربعاء - 13 ذو القعدة 1442 هـ - 23 يونيو 2021 مـ رقم العدد [15548]

https://aawsat.com/node/3041751/

مقالات ذات صلة


16/06/2021

بقية من رواية قديمة

 

هذا ماتبقى في ذاكرتي من رواية اشتريتها قبل أربعة عقود ، من رجل عجوز اقام بسطة على قارعة الطريق ، يبيع فيها كتبا ودفاتر ومجلات قديمة ، أسعارها تترواح بين 10 فلوس و100 فلس. وبينها هذه الرواية التي نزع غلافها وعدد من صفحاتها الاولى ، فلم اعرف اسمها ولا اسم مؤلفها ، وانما جذبني سعرها الزهيد قياسا بضخامة حجمها ، فقد دفعت يومها نصف درهم ، اي 25 فلسا ، عدا ونقدا ، وهي تعادل ربع ريال سعودي ، يوم كان الدينار العراقي دينارا.

تحكي الرواية قصة سفينة غرقت ونجى نحو الف من ركابها ، ولاذوا بجزيرة مهجورة وسط المحيط. وقد خصص الرواي نحو 200 صفحة لشرح علاقة الناجين ببعضهم بعد وصولهم الجزيرة ، وكيف انقسموا الى اغلبية تريد ان تنظم حياتها معا ، واقلية يريد كل فرد فيها النجاة بنفسه. ثم تحولت الأكثرية الى قرية منظمة تدير حياة طبيعية ، تزرع وتبني ويجتمع أهلها في المقهى والكنيسة ، ويتزاوجون ويحتفلون في المناسبات ، بينما بقي أعضاء الأقلية متشككين ، غير واثقين في مايجري ، خائفين من ان يتعرضوا للاستغلال ، فاختاروا العيش منفردين في نقطة قصية ، يراقبون الساحل املا في سفينة تنقذهم يوما ما.

لقد نسيت الآن معظم تلك الرواية عدا قصة نزولهم الجزيرة ، وإعادة تنظيم المجتمع الجديد. وللحق فاني لم ادرك مغزى تفاصيلها الكثيرة المملة ، الا يوم بدات دراسة العلوم السياسية ، ولاسيما حين وصلت الى الجدالات التي أعقبت نشر كتاب "لفياثان" او الغول لتوماس هوبز ، المفكر الإنجليزي ، الذي حاول فيه شرح سيناريو تحول الحشد العادي الى مجتمع فيه سلطة سياسية وقانون.

اني اميل للاعتقاد بأن المحرك الرئيس لتلك المجادلات ، هو تحفظ هوبز في الإقرار بخيرية الانسان وميله الفطري للتعاون والتكافل ، على النحو الذي فعله غالبية الناجين من ركاب السفينة. قدم هوبز مفهوما مزدوجا ، يؤكد في جانب منه على ان الانسان اقرب للشر منه للخير ، فلو اجتمع عدد كبير من الناس لكانوا أميل للتنازع ، الامر الذي يؤدي لما أسماه "حرب الجميع على الجميع". بينما يؤكد في الجانب الثاني على ان الانسان عقلاني ، برغم فساد فطرته. عقلاني بمعنى انه يجيد حساب العواقب وما يترتب على قراراته وافعاله. وهذه العقلانية أوصلت ذلك الحشد المتنازع ، الى ان مصلحة كل منهم تقتضي إقامة سلطة فوقهم ، تلزم الجميع بالسلام والتسالم ، وهذا أساس فكرة الدولة.

تعتمد الفلسفة السياسية المعاصرة نظرية معاكسة ، أساسها ان البشر بطبعهم ميالون للخير ، فلو اجتمعوا لتفاهموا وتعاونوا ونظموا حياتهم بما يفيد غالبيتهم. لكن يبدو ان المجتمعات الشرقية لازالت تميل لرؤية هوبز المتحفظة. اني افهم هذا من رغبة الناس في العقوبات المشددة كوسيلة للحكم ، وانكار غالبيتهم للتفاوض والمساومة والحلول الوسط للمشكلات السياسية ، بل وارتيابهم في الذين يستعملون هذا الأسلوب او يدعون اليه. هذا يعني انهم يؤمنون بان خوف العقاب هو الذي يدفع الناس للتسالم وليس كونهم خيرين بالفطرة.

سوف اشرح في وقت آخر علاقة هذا الميل بفكرة العدالة ، ومدى رسوخها في ثقافتنا. لكني اردت اختتام هذه المقالة بدعوة القاريء العزيز لمساءلة نفسه: هل يرى البشر (وهو واحد منهم) اقرب للشر والتنازع ، بما يستوجب قسرهم على التسالم ، ام يراهم مجبولين على الخير والتكافل وتنظيم حياتهم معا؟.

الأربعاء - 6 ذو القعدة 1442 هـ - 16 يونيو 2021 مـ رقم العدد [15541]

https://aawsat.com/node/3029386/

مقالات ذات صلة

القانون للصالحين من عباد الله

يسروا القانون كي تكسبوا طاعة الناس

الغول

صورتان عن الانسان والقانون

مجتمع العقلاء

الازمان الفاسدة والناس الفاسدون

مجتمع العبيد

كيف تقبلنا فكرة الانسان الذئب؟

الانسان الذئب؟...

03/06/2020

الانسان الذئب؟....

الغرض من هذه المقالة هو مجادلة فكرة "الانسان الذئب" التي اشار اليها زميلنا الاستاذ يوسف ابا الخيل ، في سياق تعليقه على الغضب المتفجر في المدن الامريكية اثر مقتل الشاب الاسود جورج فلويد قبل 10 أيام. اني اعارض هذه الفكرة ، لانها تحولت بالفعل الى مبرر للتجبر والقسوة واحتقار الضعفاء.

وردت عبارة "الانسان ذئب الانسان" في نص أدبي للكاتب الروماني لوكيوس سينيكا الذي عاصر السيد المسيح وتوفي في 65 للميلاد. ثم استعملها الفيلسوف الانجليزي توماس هوبز  ( 1588- 1679م) كعنصر تأسيسي في نظريته السياسية. وكتاب "لفاياثان" الذي ضم هذه النظرية ، واحد من اهم النصوص المرجعية في علم السياسة الحديث.

هذه الفكرة تقول ببساطة ، ان الانسان في طبعه الاولي ، أميل للشر والفساد. ولو ترك وشأنه فسوف يختار مايشبع غرائزه ويلبي شهواته الانانية ، ولو على حساب الغير. فاذا اجتمع جمهور كبير ، كان احتمال ميلهم للفساد اكبر  ، نظرا لدخول عامل افساد اضافي هو "عامل الندرة" الذي يعرفه الاقتصاديون. وتبنى هذه الرؤية "ارسطو" الفيلسوف اليوناني (توفي 322 قبل الميلاد). وقرر بناء عليها  ان الناس لايطيعون القانون حبا في الفضيلة ، بل خوفا من العقاب.

بقي الحديث عن الطبع الاولي للانسان ، عنصرا  ثابتا في الفلسفة السياسية ، لزمن طويل جدا ، رغم انه لم يحض بحصة ملائمة من البحث النظري. وحسب تقدير البروفسور غاري برنت ماديسون ، فان اي نظرية حول المجتمع السياسي ، اي حول البشر بوصفهم فاعلين في الحياة العامة ، هي بصورة مباشرة او غير مباشرة ، نظرية حول طبيعة الانسان ذاته. (G. B. Madison, The Logic of Liberty (Greenwood Press, 1986), The Introduction.

وارى ان الصحيح هو القول بان اي نظرية من هذا النوع ، يجب ان تبدأ بموقف ميتافيزيقي ثابت حول طبيعة الانسان ، سيما اذا كان محور النقاش ، هو استعمال القوة ومحدداته ، من جانب هيئة مشروعة كالدولة ، او غير مشروعة كالميليشيات الاهلية.

لقد اثرت رؤية ارسطو على التفكير الديني والسياسي ، في المجال المسيحي والاسلامي. وقد لاحظت في ابحاث سابقة ، ان فكرة الانسان الذئب ، كانت خلفية لآراء العديد من علماء المسلمين ، منذ القرن الحادي عشر الميلادي حتى وقت قريب. ومن بينهم مثلا ابو الفتح الشهرستاني (ت-1153م) في كتابه الشهير "الملل والنحل" ، كما استعملها ابو جعفر محمد بن الحسن الطوسي  (ت-1068م) في سياق تبريره لفكرة الامامة الدينية. لكن الجدالات التي أثارها كتاب هوبز في المجال الاوروبي ، انتهت الى تقويض الفكرة ، وهيمنة الاعتقاد في خيرية الانسان وصلاح فطرته.

تحدث هوبز عن فكرة الانسان الذئب ، ضمن سعيه لوضع نظرية تفسر سبب قيام السلطة السياسية. وقد بدأ بوضع فرضية فحواها ان الظرف الاجتماعي السابق لقيام الدولة ، كان ظرف اضطراب وتقاتل بين الناس. لكنه استدرك بالقول ان الانسان عقلاني بطبعه ، قادر على احتساب عواقب افعاله. من هنا تنادى الناس الى انشاء هيئة تمثلهم وتنوب عن مجموعهم ، في منع عدوان بعضهم على بعض ، وهي الدولة.

نظرية هوبز هي المرحلة الاهم في فلسفة الدولة الحديثة. لكن تبريره فكرة الدولة المطلقة ، التي تسير بموجب هوى الرئيس وليس القانون ، لم يكن مقبولا على الاطلاق. وما يدعو الى مناقشتها اليوم ، هو انها امتداد لتراث عميق التأثير في الثقافة العربية والاسلامية الحاضرة. وهناك بالطبع بدائل افضل منها واكمل. وهذا موضوع سنعود اليه في قادم الايام.

الشرق الاوسط  الأربعاء - 11 شوال 1441 هـ - 03 يونيو 2020 مـ رقم العدد [15163]

https://aawsat.com/node/2314621/


06/11/2019

في معنى الردع وعلاقته بالطبع الاولى للبشر

مقال الاسبوع الماضي الذي تعرض للاختلاف التاريخي حول الطبع الاولي للانسان ، أثار جدلا غير قليل. ثمة قراء رأوا أن الخير هو الطبع الأصلي للانسان ، وثمة من قال بالرأي المعاكس. هذا الجدل لفت انتباهي الى مسألة متصلة بنقاش آخر يدور في بلدنا ، منذ صدور "لائحة الذوق العام" اواخر الشهر الماضي. وتضمنت اللائحة عقوبات مالية على سلوكيات غير لائقة عرفيا ، لكنها لم تصنف في الماضي كجنح او جنايات.
"Everything was fine until you insisted on accountability."

بيان المسألة على النحو الآتي: نفترض ان العقوبات التي يضعها القانون – أي قانون ، واي عقوبة – غرضها ردع الافراد عن القيام بالفعل المحظور. يهمني الاشارة هنا الى ان بعض العقوبات في التاريخ القديم كانت تستهدف الانتقام من الجاني ، كما ان البعض الآخر استهدف تمويل خزينة الحاكم. لكن هذه العقوبات لم تعد قائمة في عصرنا الحاضر.
خلاصة القول ان العقوبات التي يعرفها عالم اليوم ، غرضها (في الاعم الاغلب) هو الردع ، وفي نهاية المطاف تقليص الخروج على القانون او العرف الى أدنى مستوى ممكن.
حسنا.. ماهو معنى "الردع"؟ اي ما هي طبيعة الانعكاس الي تحدثه العقوبة في نفس الانسان ، بحيث يمتنع عن الفعل المحدد؟.
 اعلم ان بعض القراء سيقولون في انفسهم: هذا كلام زائد لا خير فيه ، لاننا في نهاية المطاف نتحدث عن "امتناع الفرد عن فعل بعينه" وهذا ما يحدثه الاعلان عن عقوبة ما.
اني أدعو هؤلاء السادة للصبر قليلا. لأن فهم المسألة قد يفتح أذهاننا على بدائل العقاب ، بل بدائل الردع بشكل عام. من المعلوم ان الردع ينطوي - بالضرورة - على نوع من القسر الخشن ، وربما المذل. والانسان يكره المخاشنة والاذلال ، ويفضل عليها المحاسنة والملاينة.
أقول هذا تشجيعا للقاريء العزيز على النظر في الشرح التالي من هذه الزاوية ، اي امكانية العثور على وسائل لمنع الافعال الخاطئة بالتوجيه اللطيف بدل القسر المذل.
لقد كنت افكر في هذه النقطة حين التقطت أذني جانبا من حديث لمفكر معاصر ، يشير فيه الى الفارق الواسع بين المحاسبة accountability والمسؤولية responsibility. الانسان محاسب على افعاله ، كما انه مسؤول عنها.
ترتبط المحاسبة بعقلانية الانسان. الانسان كائن عاقل بمعنى انه يحسب العواقب المترتبة على افعاله ، فيختار الفعل الذي ينتهي الى عواقب حسنة ، ويتجنب الفعل الذي ينتهي الى عواقب سيئة. والافعال الحسنة والسيئة هنا ، هي ما تقبله المجتمع كفعل حسن ، وما رفضه كفعل قبيح. كما ان العقاب قد يكون جسديا او ماليا ، وقد يكون مقتصرا على القطيعة والانكار. تتمظهر العقلانية اذن حين يكون الانسان عضوا في مجتمع او مدينة ، والافعال المعنية هي تلك التي تؤثر على اعضاء آخرين او على املاك مشتركة لاعضاء المجتمع.
أما  المسؤولية فترتبط بحقيقة ان الانسان كائن اخلاقي. اخلاقي بمعنى انه يمتنع – من تلقاء نفسه – عن الافعال التي يراها ضارة بالغير ، او غير لائقة او مقبولة ، حتى لو لم تكن ضارة بشخص معين. ويقدم على الافعال التي تفيد الناس حتى لو لم يستفد منها هو ذاته.
دعني اقول كخلاصة: ان من يرى الشر طبعا اوليا للبشر ، ينظر للردع كمحرك لعقلانية الانسان. ومن يرى الخير طبعا أوليا للانسان فهو ينظر للردع كعامل استثارة لاخلاقية الانسان.
ولازال في الحديث بقية نعود اليها في وقت آخر ان شاء الله.
 الشرق الاوسط الأربعاء - 9 شهر ربيع الأول 1441 هـ - 06 نوفمبر 2019 مـ رقم العدد [14953]

05/12/2018

صورتان عن الانسان والقانون


||هل يميل غالبية الناس عادة للعيش بسلام ويهتمون بصلاح حالهم ومن حولهم، ام يفضلون العيش في نزاع ويفسدون دنياهم حيثما غاب الرقيب؟||

لعل بعض القراء قد لاحظ معي مبادرة بعض الدوائر الرسمية ، بنشر أجزاء من انظمتها او لوائحها في الصحافة ومواقع التواصل الاجتماعي. وهو عمل طيب ، يساعد في توعية الناس بالقانون ، وجوده وحدوده. لكن لفت انتباهي التركيز - العفوي غالبا - على الحدود والعقوبات ، دون الحقوق التي يبتغي النظام اقرارها ، والمصالح التي يريد حمايتها.

وقد ذكرني هذا بمناقشات سابقة ، حول مفهوم القانون والفلسفة التي يبنى على أرضيتها ، والخلفية الذهنية لواضعيه. استطيع القول بشكل مجمل ان وضع القانون (ومن بعده اللوائح التنفيذية التي تحكم تطبيقاته) يتأثر بالخلفية الذهنية والتجربة الثقافية لواضعيه ، فيأتي على احدى صورتين: أ) قانون يركز على "بيان" حقوق المواطنين وكيفية الوصول اليها. ب) قانون يركز على "حدود" المسموح للمواطنين والعقوبات التي ستطبق على المخالفين.

نعلم طبعا ان القانون لا يكتمل ما لم يشتمل على الجانبين. لكن بدا لي ان القانون في البلاد العربية ، يميل بشكل عام الى التقييد وبيان الواجبات دون الحقوق. أو لعله يركز على القيود والواجبات بدرجة أكبر من الحقوق. ويظهر أيضا ان هذا المنحى هو المفهوم والمتعارف بين عامة الناس. فتراهم يذكرون في غالب احاديثهم العقوبات والقيود ، ويغفلون الجانب الآخر. ولعل مقصودهم هو تنبيه اصدقائهم كي لا يقعوا في المحظور.

 احتمل ان التركيز على الواجبات والعقوبات ، مرجعه ذهنية متشائمة تجاه طبيعة الانسان وميوله الفطرية. وأذكر عبارة لمفكر مشهور فحواها ان أي نظرية في السياسة ، هي - بالضرورة - نظرية حول طبيعة الانسان. وأرى ان الصحيح هو القول بأن كل نظرية في السياسة (وفي القانون) مرجعها رؤية مسبقة عن طبيعة الانسان.

 ثمة من يعتقد ان الانسان بطبعه ميال للفساد ، والتملص من السلوك الاخلاقي الذي يمليه العقل السليم. وثمة من يرى المسألة على النقيض. فالانسان عنده ميال للخير والالتزام بالاخلاقيات التي يقبلها العرف أو يدعو اليها. وكلا الفريقين لا ينكر وجود استثناءات ، لكنه يقرر الحالة العامة الغالبة في المجتمع الانساني.

وكان الاتجاه العام في ثقافة العالم ، يميل للرؤية الاولى المتشائمة ، حتى أوائل القرن الثامن عشر ، حين مال مفكرو التنوير الاوروبي ، للتخلي عن تراث الفلسفة اليونانية والتعاليم الكاثوليكية. فمالت الكفة لصالح الرؤية الثانية ، التي تنظر للانسان ككائن عاقل وميال الى الخيارات الاخلاقية ، في حياته وتعاملاته مع الغير. أما الثقافة العربية والاسلامية ، فهي لازالت متأثرة بانعكاسات الرؤية القديمة. وهذا واضح في التوجيه الديني ، وفي الدراسات الفقهية ، كما في القانون والسياسة.

لا يتسع المجال هنا للمقارنة بين الرؤيتين. واظن ان كلاهما سيجد من يميل اليه. لكني سأكتفي بوضع سؤالين يوضحان المقصود. السؤال الأول حول المخاطبين بالقانون. حيث نعلم انه يطبق على كافة الناس. فهل الغالبية العظمى من الناس يميلون – عادة – الى العيش بسلام ويهتمون بصلاح حالهم ورفاه من حولهم ، ام – على العكس – يميلون الى العيش في نزاع وصراع ويفسدون دنياهم حيثما غاب الرقيب؟. السؤال الثاني: هل يميل غالبية الناس الى الالتزام بالقانون اذا وجدوا فيه عونا لهم على نيل حقوقهم وتسهيل حياتهم ، ام انهم سيذهبون – رغم ذلك – الى الطرق الصعبة التي تنتهي للاضرار بهم او بالآخرين.

اظن ان السؤالين يوضحان العلاقة بين تصورنا عن طبيعة الانسان ، وانعكاسه على فكرة القانون واغراضه. وفي هذا ما يكفي عن كثير البيان.



الشرق الاوسط الأربعاء - 27 شهر ربيع الأول 1440 هـ - 05 ديسمبر 2018 مـ رقم العدد [14617]

الطريق السريع الى الثروة

  يبدو ان المعلوماتية تتحول بالتدريج الى اسرع القطاعات نموا في الاقتصاد الوطني لكل بلدان العالم تقريبا. (في 2021 بلغت قيمة سوق المعلوماتية ...