13/09/2017

حدود العلم وحدود الحكم

في سنوات سابقة كان يقال ان مستخلصات العلم نظريات بشرية ، قد تصح وقد يظهر خطؤها بعد حين. ولذا فليس من الحكمة اتباعها وترك ما ورد في النص. لكن البشر المعاصرين يرون الادلة على صواب تلك النظريات في تجارب تتكرر يوميا للمئات من الطائرات والسفن والأقمار الصناعية وسفن الفضاء ، التي تتبع حسابات مبنية على تلك النظريات ، فتصل دائما الى وجهاتها ، بعد ساعات او ايام او اشهر او حتى سنوات. في مطلع الشهر الجاري مثلا سمعنا عن المسبار الفضائي فوياجر الذي اطلق في 1977 متجها الى حافة المجموعة الشمسية ، واستمر في ارسال المعلومات عن مساره المحدد سلفا ، بعدما قطع نحو 12 مليار ميل ، طيلة ثلاثين عاما من الطيران في عمق الفضاء الكوني. ان الحسابات العلمية التي يسرت ضبط هذا المسار المقارب للخيال في بعده ، مستمدة من ذات النظريات التي قيل انها قابلة للخطأ.https://www.nasa.gov/images/content/394694main_galileo20091016-a-516.jpg

اوائل العقد الماضي أثار الدكتور حمزة المزيني جدلا واسعا ، بعدما نشر سلسلة من المقالات تدعو لاعتماد الحساب الفلكي والطرق العلمية في اثبات هلال رمضان ، بدل التعويل على الرؤية بالعين المجردة. لم يكن المزيني ، وهو اكاديمي متمرس ، اول الداعين لهذا. لكن مجادلته المتينة للاستدلال التقليدي ، جعلت الموضوع موردا للنقاش العام. نعرف مدى تاثير ذلك النقاش من واقع ان مئات الناس باتوا يتساءلون ، لاسيما قبيل رمضان: هل من الصحيح لنا كمسلمين ، ان نقف في الطرف المنكر للعلم الحديث ومستخلصاته؟.
الجدل حول اثبات الهلال واحد من تمظهرات عديدة لقضية اعمق ، تتعلق بالمسافة الفاصلة بين الفهم المتوارث للنص الديني ، وبين الواقع الجديد في العالم. جوهر هذه القضية ان لدينا نصوصا او تفسيرات لنصوص ، تصف وقائع او مصالح معروفة في زمنها. لكن انسان اليوم يفهم تلك المصالح والوقائع بطريقة مغايرة للوصف القديم.
المؤكد ان مسلمين كثيرين سوف يسألون انفسهم: كيف نثق في حسابات توصل مئات الطائرات والسفن الى وجهاتها على بعد الاف الأميال ، ولا نثق في نفس الحسابات حين تخبرنا عن وقت ولادة القمر او ارتفاعه في الأفق؟.
لو دققنا في باطن هذا السؤال لوجدنا وراءه سؤالا اكثر جذرية ، يتعلق بتعريف مهمة الدين ، هل هي وصف الواقع أم تحديد قيمته والحكم عليه. في القرن الثاني عشر الميلادي قال ابو الفتح الشهرستاني ان الاجتهاد ضروري لأن النص الديني محدود والوقائع التي يغطيها لا محدودة. وثمة ميل قوي بين الفقهاء للفصل بين الحكم الشرعي وموضوعه ، والرجوع في تشخيص موضوعات الاحكام الى العرف او أهل الخبرة. والحق ان هذا دور العلم في حقوله المختلفة. فيما يخص الهلال مثلا فان الشرع يأمرنا بصوم رمضان ، اما تحديد بداية الشهر ونهايته فهو مهمة العلم. وكذا الحال في غالب الاحكام.
يقال في العادة ان الفقهاء لا ينكرون أحكام العلم الحديث ، مالم تعارض نصا او تفسيرا مألوفا للنص. وهذا قول صحيح في الجملة. لكنه تسوية جزئية فحسب. جوهر المشكلة يظهر عند التعارض ، وهو كثير جدا. واظن انه لا يمكن لنا الامساك بالعصا من طرفيها. الحل الحقيقي هو الاقرار بقيمة العلم الحديث ، وان له دورا محوريا في تشخيص موضوعات الحكم الشرعي. هذا يعني بالضرورة الاقرار بان علم المعاصرين مقدم على علم الاولين ، والاقرار بمجال عمل واضح للعلم ومجال آخر للحكم دون خلط بينهما.
الشرق الاوسط الأربعاء - 22 ذو الحجة 1438 هـ - 13 سبتمبر 2017 مـ رقم العدد [14169]
http://aawsat.com/node/1022496

30/08/2017

مأساة الروهينجا.. اسئلة لاحقة



حملة التطهير العرقي البشعة التي يشنها جيش ميانمار ضد المسلمين الروهينجا ، تتحول بالتدريج الى أزمة دولية. طبقا للمعلومات المتوفرة فان حوالي نصف مليون من هؤلاء الفقراء هجروا الى بنغلاديش ، وان كثيرا منهم قضوا في الطريق بسبب الامراض او المعاناة.
الحجة التي تقدمها حكومة ميانمار (بورما سابقا) ان الروهينجا ليسوا مواطنين. لكن العالم يعرف انه لا يوجد في القانون الدولي ما يسمح بتهجير جماعي للسكان لأي مبرر. ويعتقد كثير من المسلمين ، ان الروهينجا يتعرضون للقهر لاسباب دينية ، وان جماعات بوذية متطرفة هي التي تحرك الصراع ضدهم.
هذه الحادثة ليست الأولى في تاريخ العالم الحديث ، التي يكون المسلمون الطرف الضعيف فيها.  حوادث البلقان في تسعينات القرن الماضي ، كانت نموذجا عما يواجه البشر من مآس حين يتلاشى الخوف من الله او يغيب القانون. والمؤسف اننا لا نملك شيئا لنصرة اولئك المستضعفين ، سوى دعوة العالم لاغاثتهم ونصرتهم ، اي الاستعانة بالاخلاقيات الانسانية والقانون الدولي ، الذي يحرم العدوان على الناس بسبب اختلافهم في الدين او العرق. 
http://www.trbimg.com/img-59aebcf4/turbine/la-fg-rohingya-muslim-flee-myanmar-pictures-20-010/950/950x534
هذه المأساة الانسانية تذكرنا بقضايا غائبة عن النقاش ، ومحورها مدى التزام العالم – ونحن جزء منه – باخلاقيات وشرائع تنتمي حصرا الى القيم العليا ، التي تتجاوز الاعراق والاديان والمذاهب والسياسات. لتبسيط الموضوع نقول ان مبدأ المساواة بين البشر لازال ، رغم تقدم البشرية ، موضوعا غير ناجز. وثمة من لازال يعتقد ان المخالفين له في الدين او العرق ادنى مرتبة في الانسانية ، وان هذا يبرر قهرهم والاستعلاء عليهم.
حين تتأمل في تجربة العالم التي تجري أمامك ، وتنظر في مآسيه ، تزداد يقينا بان جوهر السلام يكمن في الايمان بتساوي البشر وحقهم في الحياة كما يريدون. ثم تتساءل: ما هي حصتنا في هذا الايمان؟. بعبارة أخرى: ماذا سنقول لو ان البوذيين في ميانمار احتجوا علينا باحكام فقهنا التقليدي ، القائمة على التمييز بين المسلم وغيره ، والتي تعتبر غير المسلم مواطنا من الدرجة الثانية.
الميل الفقهي للتمييز بين الناس ، بحسب دينهم وجنسهم وحتى نسب قبيلتهم ، ليس قصرا على مذهب بعينه او فقيه دون غيره ، فهو شائع في جميع المذاهب. وقد أحصى د. محسن كديور نحو 40 موردا في الفقه الشيعي ، تتعارض مع المواثيق الدولية لحقوق الانسان ، ووجدت ان اكثرها يتعلق بمبدأ المساواة.
يستطيع رجال الفقه التقليدي الدفاع عن هذا الموقف بأدلة كثيرة. لكن دفاعهم لا يغير من واقع الحال شيئا. اعداؤك سيستعملون نفس المبدأ الذي تتبناه في محاججتك. إن قبولنا بمبدأ التمييز بين الناس على اساس الدين او العرق او الجنس او النسب – وهو قبول موثق في العديد من احكام الفقه الراسخة - يسمح للبوذيين في ميانمار باستخدام نفس المبدأ ضد المسلمين. ويسمح للصرب بتبرير  عدوانهم على مسلمي البوسنة في 1992 ، بل يبرر كل استعباد للبشر في أي مكان في العالم. والحقيقة ان تنظيم داعش قد استعمله في تبرير سبي واسترقاق النساء الايزديات في شمال العراق عام 2014.
الغرض من هذه التأملات هو الدعوة لمراجعة شريحة من المفاهيم المستقرة في الفقه الاسلامي التقليدي ، منقطعة عن تجربة الانسان المعاصر ، ومنافية لنموذج الحياة الكريمة الذي تعارف عليه البشر في عصرهم الحاضر. المبرر لهذه الدعوة هو ايماننا بان محور الدين وجوهر رسالته هو تكريم الانسان. فلا يصح ان نضحي بهذه القيمة السامية ، اكراما لقول فقيه او خشية من مراجعة افهام اكل عليها الدهر وشرب. لا تستطيع الزام الآخرين باحترام حقوقك كانسان ، بينما تنكر حقوقهم ، لأسباب دينية او غير دينية.
الشرق الاوسط الأربعاء - 8 ذو الحجة 1438 هـ - 30 أغسطس 2017 مـ رقم العدد [14155]
http://aawsat.com/node/1028986

الطريق السريع الى الثروة

  يبدو ان المعلوماتية تتحول بالتدريج الى اسرع القطاعات نموا في الاقتصاد الوطني لكل بلدان العالم تقريبا. (في 2021 بلغت قيمة سوق المعلوماتية ...