03/03/2015

ام عبد العزيز

خلاصة القصة التي شغلت جانبا من الراي العام السعودي في الاسبوع المنصرم ان موظفا في هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر في مدينة حائل الشمالية "أمر" سيدة تلبس النقاب ، وهو نوع من غطاء الوجه يظهر العينين فقط ، امرها بتغطية عينيها ايضا. وحين جادلته هددها بالشرطة.

انتهت القصة كما نعرف بتدخل رئيس الهيئة الذي اعتذر للسيدة ام عبد العزيز "تقديراً لكبر سنها وكفاحها في سبيل تأمين لقمة العيش والكسب الحلال". وهذا تدخل ايجابي يعد فضيلة للهيئة ورئيسها.

لكن هذه تفاصيل يعرفها الناس. الذي لفت انتباهي أن أحدا لم يطرح السؤال المفترض في مثل هذه القضية ، وهو:

 هل تصرف موظف الهيئة بموجب صلاحيات معروفة وموصوفة ، ام بموجب اجتهاده الشخصي؟.

 هذا سؤال ضروري لان امثال هذه الحادثة تتكرر كثيرا ، من جانب الهيئة وغيرها من الاجهزة. وقد لا يصل معظمها الى الاعلام كما حدث الاسبوع الماضي.

لعل "سيادة القانون" هي أبرز ما يميز النظام الاداري في الدول الحديثة. سيادة القانون تعني ببساطة التزام ممثلي الحكومة ، كبارهم وصغارهم ، بالحدود التي يسمح بها القانون حين يؤدون وظائفهم. هذا يعني على وجه التحديد منع الموظف من التعويل على اجتهاده الشخصي او معتقداته  الخاصة في معاملة المواطنين.

الاصل في التعاملات الشخصية بين الافراد انهم أحرار في اي فعل ما لم يمنع بقانون مكتوب ومنشور. أما الاصل في التعاملات الرسمية فبالعكس تماما ، فالموظف الرسمي ممنوع من الزام المواطن بأي شيء ، أو منعه من أي شيء ، ما لم يرد الالزام او المنع في مادة قانونية ، تصف موضوعه وصفا صريحا ، وتحدد نطاق التكليف والعقوبات المترتبة على المخالفة ، كما تصف الجهة المخولة بتطبيقه.

اعلم ان الوضع في بلدنا مختلف قليلا ، سيما حين يتعلق الامر بمجال عمل الهيئات الدينية. ولهذا اسباب تتعلق بعدم رسوخ النموذج البيروقراطي (في معناه الايجابي) وغلبة الاعراف والتقاليد الاجتماعية التي تتغطى في احيان كثيرة بعباءة الدين. لكن ايا كان الحال ، فان علينا التأكيد دائما على ان قبول الهيئات الدينية بالعمل تحت مظلة الدولة وفي اطارها ، واعتمادها ماليا على الخزينة العامة ، يجعلها خاضعة لذات القانون الذي ينظم العمل في هيئات الدولة الاخرى سواء بسواء.

لست في وارد الحديث عن اخلاقيات الدعوة ، ولزوم ملاينة الناس كي لا يصبح الدين موضوعا للخلاف ، فهذه بديهيات. اهم المسائل في ظني هي التأكيد على كون القانون اطارا لحماية حقوق المواطن وليس انتهاكها. القانون ملجأ يحتمي به الضعيف وليس اداة لطغيان القوي. احترام القانون واللجوء اليه والاعتماد عليه هي ابرز ميزات المجتمعات المتمدنة. اما في المجتمعات المتوحشة فالحكمة السارية هي "كن ذئبا والا أكلتك الذئاب".


الشرق الاوسط 3 مارس 2015

25/02/2015

ماكينة تدمير

لطالما جادلت نفسي حول قدرة الثقافة على تغيير مسارات الامم  ومصائرها. ويشتد هذا الجدل في اوقات التأزم السياسي مثل التي نشهد هذه الايام. تعلمت سابقا ان الازمات تنتج سيولة في الافكار والقيم ، تفضي بالضرورة الى تحولات اجتماعية غير معهودة. ويتسارع التحول أثناء الازمات الكبرى كالحروب والثورات والكوارث الطبيعية ، بل والكوارث السياسية والاقتصادية ايضا.

كلنا لاحظ التغيير العميق في ثقافة عرب المشرق خلال السنوات 2011-2013. أحاديث الناس في لقاءاتهم وآراؤهم المنشورة في مواقع التواصل الاجتماعي تشير الى تصاعد شعور الفرد العربي بذاته كفاعل سياسي ، مقارنة بالتصور القديم الذي يعتبر السياسة حرفة خاصة بنخبة صغيرة في المجتمع.

تبعا لأدبيات التنمية ، يجب اعتبار هذا التطور نقلة ايجابية في كفاءة المجتمع وقابليته لحل مشكلاته ، سيما تلك الناشئة عن تضارب الارادات بين الاجيال القديمة ونظيرتها الجديدة. لكن واقع الحال يشهد ان التحولات المذكورة لا تتجسد دائما في فعل ايجابي تقدمي. معظم المجتمعات العربية دخل في نفق الانقسام والاستقطاب ، انقسام يلبس في كل بلد عباءة مختلفة.

من السذاجة نسبة هذا الانقسام الى الاختلاف المذهبي او تدخل الأجانب ، رغم ان هذه عوامل مساعدة لا يمكن اغفالها. ما يجري في بلدان مثل ليبيا ومصر والسودان لا يمكن نسبته الى اختلاف مذهبي او ديني او تدخل اجنبي.

هذا يدعونا للبحث عن احتمالات اخرى. ويهمني هنا تلك الاحتمالات التي طبيعتها ثقافية ، اي تلك التي يمكن نسبتها مباشرة الى عمليات التثقيف العفوي او المقصود. اقترح مثلا التركيز على عامل "الخوف" اي الشعور بعدم الأمان. والغرض هو التساؤل عما اذا كان هذا الشعور موجودا بالفعل وقابلا للوصف والتحديد ، ثم السؤال عما اذا كانت عمليات التثقيف والأدلجة ، العفوية او المقصودة ، تؤدي فعليا الى تعزيز الشعور بالخوف ، على نحو يدفع الانسان لا شعوريا الى تصور نفسه في حالة اختيار حرج بين حياته وحياة الاخرين.

وجدت جانبا كبيرا نسبيا من المحتوى التربوي والثقافي في الكلام المتداول وفي الثقافة المكتوبة يعزز الميل لعدم الثقة في الاخرين. فهل يمكن اعتبار هذا تمهيدا لترسخ الشعور بعدم الأمان؟. بعبارة اخرى: هل يمكن القول بأن ما يجري امامنا من نزاعات تصل الى حد الاقتتال في بعض الحالات ، هو نتاج لشعورنا الداخلي بعدم الثقة في محيطنا ، و – بناء عليه – شعورنا بالقلق على وجودنا؟.

هذه الاسئلة دعوة للتفكير في احتمال كهذا ، وفي طريقة تفاعلنا معه اذا كان واقعيا. ما نربي عليه اولادنا وما نعلمهم اياه في مدارسنا وما نكتبه او نقوله في وسائل الاتصال الجمعي ، كلها اجزاء في ماكينة الادلجة والتثقيف ، التي قد تكون – اذا صح الاحتمال المذكور – ماكينة تدمير ذاتي لمجتمعاتنا ومكاسبنا ، اي المستقبل الذي نريد صنعه لأبنائنا.

الشرق الاوسط 25 فبراير 2015 
http://aawsat.com/node/297971

رحلة البحث عن الذات

  قلت في الاسبوع الماضي ان كتاب الاستاذ اياد مدني " حكاية سعودية " ليس سيرة ذاتية بالمعنى الدقيق ، وان بدا هكذا. وسألت نفسي حينئذ...