31/07/2012

تجارة الخوف




لو جاء رجل غريب الى بلادنا واطلع على ما يقال ويكتب حول اوضاع المجتمع لظن ان السعوديين على وشك ان ينقلبوا كفارا. لا يمر اسبوع دون ان نسمع او نقرأ تحذيرات عن انفلات اخلاقي او هجر للدين الحنيف او مؤامرات داخلية وخارجية تستهدف افساد الشباب.

لسنا مجتمعا ملائكيا . ولسنا في الوقت نفسه دار الشيطان. نحن مجتمع اعتيادي ، يعيش مثلما يعيش خلق الله ، ويفكر مثل سائر خلق الله ، يصيب ويخطيء. هذا لن يقودنا الى اقامة المدينة الفاضلة التي يتخيلها بعض الناس ، وهي على اي حال لن تتجاوز مكانها الطبيعي كخيال على ورق. وجود المخطيء والآثم لا يبرر رجم المجتمع كله ولا يبرر تسفيه احلامه ولا اتهامه بما يشير الى انه قاب قوسين او ادنى من السقوط في وحل الخطيئة. 

لكن هذا ليس سوى نصف القصة. بقية القصة تقول ان من يبالغون في تصوير الاثم في المجتمع ، يشيرون ضمنا الى فشلهم هم ، الى فشل خطابهم وفشل ثقافتهم. 

يصل عدد المساجد في المملكة الى 72 الفا. وتدير هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر 470 مكتبا في انحاء المملكة يشغلها قرابة 5000 موظف. وفي العام  2010 كان في البلاد مايزيد قليلا عن 25 الف حلقة تحفيظ قرآن ، تستوعب 515 ألف طالب في كل عام ، ويعمل فيها 26,500 معلم وموظف ، عدا 2077 مدرسة تحفيظ متخصصة تدقريرها زارة التربية. ونعلم ان جميع المدارس العامة تخصص نحو 15 بالمائة من جهد التعليم للثقافة الدينية . وذكر تقرير لوزارة الاوقاف انها اقامت ما يزيد عن 8 ملايين منشط دعوي في عام واحد. اضف الى ذلك نحو 60 ساعة بث اذاعي وتلفزيوني يوميا مخصصة للبرامج الدينية. 

هذه النشاطات الدعوية تستهدف كما هو واضح اقناع الناس بالمحافظة على دينهم والالتزام بتعاليمه. وهي تجري دون توقف في جميع ايام السنة . بكلمة اخرى فان اي شاب سعودي وصل سن الخامسة والعشرين يكون قد تعرض للتثقيف الديني  المباشر او الضمني بنسبة لا تقل عن ساعة يوميا طوال عشرين سنة من حياته . فهل يعقل ان يثمر كل هذا عن شخص منفلت او معاد للدين او سريع الاستجابة لدعاة الشيطان؟. 

من ينادي بهذه الدعوى فهو يقول ضمنا ان تلك النشاطات الضخمة فارغة وفاشلة ، وان وجودها مثل عدمها. فهل نقبل هذه النتيجة؟.
اظن ان "تيار التخويف" يعلم جيدا ان مجتمعنا ليس بيئة اثمة. اظنهم يعلمون ان شبابنا ليسوا فرائس الشيطان. لكن التخويف تحول الى بضاعة رابحة لهم. يعرف السياسيون ان التخويف من المجهول اقوى وسيلة للسيطرة على قلوب الناس. ولهذا فاني ادعو "تيار التخويف" هذا للحديث بصراحة عما يريدون ، بدل اللعب على اوتار العاطفة الانسانية. فليقولوا بصراحة انهم يسعون وراء النفوذ الاجتماعي. سيقبل بهم بعض الناس وسيرفضهم اخرون. وهذا هو منطق الامور. هذا خير من تمزيق المجتمع وبث الريبة في اوساطه.
ايها الساعون للنفوذ لا تتوسلوا بعباءة الدين ، دعوا ديننا في مكانه الرفيع وابتكروا وسيلة اخرى ، او صارحو الناس بما تريدون وكفى.

الاقتصادية 31 يوليو 2012
http://www.aleqt.com/2012/07/31/article_679075.html

24/07/2012

اليوم التالي: ماذا سيجري لو سقط النظام السوري غدا


وجود السيناريو البديل ، او "الخطة ب" كما يسمونها احيانا ، هو الفارق بين من يهمهم فعلا كسب المعارك ، وبين من يكتفون بانتظار النتائج.
خلافا لسيرتها المعتادة لم تقف الجامعة العربية موقف المتفرج على الازمة السورية ، كما حصل في قضايا سابقة. دورها الايجابي يشجعنا اليوم لدعوتها لوضع خطة عمل تستجيب للتطورات المتوقعة في حال انهارت الحكومة السورية. اقول هذا لان الاحتمالات تبدو محصورة بين اثنين: حرب اهلية واسعة في حال صمدت الحكومة ، او انهيار شامل للنظام العام في حال سقطت. ثمة احتمال ثالث ، قائم لكنه مستبعد ، وهو نجاح الثوار ، او نجاح قوة ثالثة في السيطرة على زمام الامور ، وتامين انتقال سريع للسلطة يحول دون انهيار مؤسسة الدولة.
خلال الاسبوع المنصرم ، بدا واضحا ان الواجهة السياسية للثورة السورية لم تعد جزء من اللعبة. المجلس الوطني وهيئة التنسيق وتنسيقيات الثورة وبقية الفصائل ، تحولت الى ما يشبه المراكز الاعلامية التي تعلن مواقف وتنقل اخبار ما يجري على الارض ، لكنها ليست صاحبة قرار ولا هي جزء من القرار. الجيش السوري الحر الذي ظهر في الاشهر الماضية كمؤسسة تتمتع بتسلسل قيادي واضح ، كان في الاسابيع الاربعة الماضية اشبه بعنوان لعشرات من المجموعات المحلية المستقلة التي لا يربط بينها غير 
الاسم.
Syria Map
من المحتمل ان يتجه الجميع ، في نقطة معينة ، الى التلاقي والتوافق على المرحلة التالية. لكن هذا مستبعد من دون تدخل خارجي ضاغط. كانت الجامعة العربية قد عقدت اجتماعا في القاهرة لاقناع المعارضة بتشكيل جهة موحدة تقدم بديلا مقبولا عن النظام القائم ، الا ان هذا المسعى لم يكتب له النجاح. رفض العسكريون الخضوع للسياسيين، واخفق السياسيون في الاتفاق على الخطوط الاساسية للعمل.
في الاسبوع الماضي قدم المجلس الوطني الكردي نموذجا عن الوضع في اليوم التالي لسقوط النظام. سيطر الاكراد على اربع مدن ، عند مثلث الحدود مع العراق وتركيا. هذه المنطقة ستكون قاعدة لكردستان سوريا. هذا النموذج قابل للتكرار في منطقتين اخريين على الاقل هما منطقة الساحل وجبل العرب. هذا تطور يشير لانهيار الدولة المركزية ، وربما يجعل الحرب الاهلية خطرا داهما. المعلومات التي تنقل عن عمليات تطهير قومي وطائفي تجعل فكرة الانقسام البغيض ملجأ لا بديل عنه.
من هنا فان الضرورة تقضي بقيام الجامعة العربية ومن ورائها الدول الاعضاء بوضع خطة عاجلة للتعامل مع الاحتمالين المذكورين بما يحفظ وحدة الاراضي السورية ويحول دون الحرب الاهلية او انهيار النظام العام. رغم تشعبات الازمة فان بعض الدول العربية تملك اوراقا مؤثرة على اطراف الازمة ، وهي قادرة فيما اظن على اقناع الثوار بالتوافق على استراتيجية خروج ، تؤمن انتقالا الى نظام جديد بحد ادنى من الخسائر. لو وقعت الحرب الاهلية لا سمح الله. فان نارها لن تحرق السوريين فقط ، بل قد تطال ايضا لبنان والاردن ، وهذا ما لا يريده احد.
الاقتصادية 24- يوليو - 2012

رحلة البحث عن الذات

  قلت في الاسبوع الماضي ان كتاب الاستاذ اياد مدني " حكاية سعودية " ليس سيرة ذاتية بالمعنى الدقيق ، وان بدا هكذا. وسألت نفسي حينئذ...