25/02/2012

ثلاث حقائق في قضية حمزة كشغري



ثلاث حقائق تستحق الاهتمام عند النظر في قضية حمزة كشغري وتغريداته:
 أولاها: إن ما كتبه قد تحول إلى قضية رأي عام، يتابعها عشرات الآلاف داخل البلاد وخارجها. قضايا الرأي العام تؤثر قسرا على مسار الدعوى وإجراءات التحقيق والمحاكمة، سيما إذا تعلقت بموضوعات حساسة أو مثيرة للمشاعر.
ثانيتها: ليس لدينا - حتى وقت الفعل على الأقل - تكييف قانوني محدد لما فعله حمزة، تكييف يسمح بالتنبؤ باحتمالات الحكم واستهدافاته. تطبيق القواعد الشرعية الناظمة لموضوع الفعل ينطوي على إشكالات جدية. فهل يؤخذ بنص المكتوب كتعبير عن اعتقاد داخلي، فيصنف كقول كفري أو فعل كفري أو كفر مطلق، أم يصنف ردة أم سبّا للرسول - عليه الصلاة والسلام - أم يعتبر هزلا لا ينم عن اعتقاد ولا يرقى إلى مرتبة العمل؟ أمامنا اجتهادات متباينة في هذا المجال، وليس ثمة سبيل قطعي لترجيح أحد الآراء على الأخرى.
ثالثتها: الواضح أن الكتابة التي أثارت الزوبعة وردت ضمن سياق أدبي، وهو مثل سائر التعبيرات الأدبية موهم بالشيء وخلافه في أحيان كثيرة. فهل سيؤخذ برأي نقاد الأدب في تحديد المعنى وثقل المفهوم، أم يكتفي القاضي بما يفهمه العامي أو اللغوي الذي يعول على منطوق النص دون مفهومه أو إيحاءاته أو سياقه الخاص؟

ما يهمنا من البند الأول هو أن المسألة دخلت - شئنا أم أبينا - في دائرة التجييش السياسي. الواضح أن تيارا ذا استهدافات سياسية قد خطف المسألة، وحولها إلى موضوع ابتزاز للدولة والمجتمع. التجييش يستهدف، أولا وآخرا، تحقيق انتصار مرحلي من خلال دفع الدولة إلى موقف ثقافي أو سياسي مضاد لدعاة التحديث والتنمية الاجتماعية، الذين يسميهم ذلك التيار بالليبراليين أو الإسلاميين التنويريين. وإذا نجحت هذه المحاولة فهناك بنود أخرى تنتظر دورها.
وما يهمنا من البند الثاني أن القواعد القانونية والشرعية، وتقاليد القضاء العادل، تحتم الفصل بين موضوع القضية وما يدور حولها من جدل عام. وأن الشبهات والاحتمالات المتعارضة تحسب لمصلحة المتهم لا عليه. وثمة علماء معتبرون - كالمرحوم الألباني مثلا - قرروا في قضايا مماثلة أن كلاما كالذي كتبه حمزة هزل لا يستحق التعقيب. ورأى آخرون - كالشريف حاتم العوني مثلا - أن مثل ما كتبه حمزة يدرأ بالتوبة والاستغفار. ولذا فإن الانزعاج العام من كتابة حمزة لا يعالج بتغليظ عقوبته. هذه قضية منفصلة ويجب علاجها بوسائل أخرى.
ما يهمنا في كل هذه المشكلة هو سيادة القانون وهيبة النظام العام .
 إنني أخشى جديا من نجاح تيار محدد في تجيير القضية لصالحه، أو دفع النظام القضائي إلى ترجيح العواطف على قواعد القانون والنظام. لا ريب أن هذا خطر وبلاء عظيم. إني أدعو هنا إلى الرفق بهذا الشاب الأديب، طمعا في استعادته إلى الدائرة الاجتماعية العامة. وفي كل الأحوال فلدي أمل قوي بأن تتاح له محاكمة منصفة تتوافر له فيها فرصة كاملة للدفاع عن نفسه وشرح موقفه. وهذا أبسط مقتضيات العدالة التي نؤمن بها جميعا.


جريدة الاقتصادية - 21 فبراير 2011

مقالات ذات علاقة


01/01/2012

البعد الاقليمي للمسألة الشيعية في المملكة

(هذا هو الفصل الثالث من كتاب ان تكون شيعيا في السعودية   وهو منشور بالكامل على هذه المدونة)
يناقش هذا الفصل البعد الخارجي كمؤثر على العلاقة بين الشيعة السعوديين وحكومتهم ، مع التركيز على علاقة المواطنين الشيعة بمراجع دين خارج الحدود وتاثير النهوض الشيعي في المنطقة. تعتبر الحكومة السعودية نفسها حامي حمى الاسلام التقليدي، وينظر اليها في الخارج كمركز للاسلام "السني" المواجه – سياسيا ودينيا – للاسلام "الشيعي" الذي تتزعمه ايران. ومنذ 1979 كان هذا المنظور محركا بارزا للكثير من سياسات المملكة على المستويين الداخلي والخارجي.

عندما يتعلق الامر بالموقف من ايران ، تتوقع الحكومة ان يقف مواطنوها الشيعة الى صفها. بينما يرى الشيعة ان الحكومة ذهبت بعيدا في توقعاتها ، ولا سيما حين اعتبرت "التعاطف" مع الثورة الاسلامية موقفا سياسيا مضادا لها ، وحين خلطت بين الموقف السياسي والتعاطف الروحي. على اي حال فان هذا العامل يؤثر بوضوح على العلاقة بين الحكومة ومواطنيها ، الامر الذي يستدعي مناقشة صريحة لتوضيح جوهر المشكلة. غرض النقاش هو تفصيح الاشكاليات وتحديد حجمها وليس بالضرورة الحكم عليها.
***

علاقة يسودها الارتياب

خلال السنوات الخمس الماضية التقيت بعشرات من الصحفيين والباحثين الاجانب الذين زاروا المنطقة. ووجدت معظمهم يحمل السؤال نفسه: الى اي مدى يمكن للحكومة الايرانية ان "تستعمل" الشيعة في صراع محتمل مع الحكومة السعودية او مع الولايات المتحدة الامريكية[1]؟.
 هذا السؤال عينه كان يتردد بين رجال الدولة السعودية ، والكثير من رجال النخبة. الفارق بين خلفية سؤال الصحافي الاجنبي وسؤال السياسي السعودي هو فهم كل من الطرفين لطبيعة العلاقة المحتملة بين الشيعة من جهة وبين الحكومة الايرانية من جهة ثانية. يظن الاجانب ان وحدة المذهب التي تجمع بين الشيعة والحكومة الايرانية تمثل ارضية مناسبة فيما لو قررت الاخيرة فتح جيوب مساندة لها داخل الاراضي السعودية. اما السعوديين فيظنون ان المسألة لا تتعلق بامكانية "فتح جيوب". وهم يفهمون المسالة على النحو التالي : الشيعة موحدون ويتبعون امر مرجعهم الديني في كل كبيرة وصغيرة. معظم المراجع ايرانيون او مقيمون في ايران ، فهم يخضعون بالتالي لاوامر الحكومة الايرانية. هذا يعني ان الحكومة الايرانية تستطيع ان تامر الشيعة السعوديين في  اي وقت تشاء بالقيام باي عمل تراه مناسبا للضغط على نظيرتها السعودية. ويعزز صدقية هذا الظن ما يرونه من اعتزال رجال الدين الشيعة السعوديين للعلاقة مع مؤسسات الدولة واعمالها.
رغم سذاجة هذا التصور ، الا ان عددا ملحوظا من رجال النخبة مقتنع به ، بل ويعتبره بديهيا. وهم يضربون عشرات الامثلة التي جمعها ناشطون من التيار السلفي ، للتدليل على فاعلية وتاثير المرجع الديني الشيعي في جمهوره. فيما يلي سوف نعرض بالتفصيل للاشكاليتين: علاقة الشيعة بالمراجع الدينين ، وعلاقتهم بايران.

 استقلال المؤسسة الدينية الشيعية 

منذ قديم الزمان حافظ الشيعة على تقليد يقضي بابقاء حياتهم الدينية خارج نطاق علاقتهم بمؤسسة الدولة. ورغم ان هذا التقليد ظهر ابتداء في ظرف الخصام بين الطرفين، الا انه عمم في الحقب التالية فاصبح سائدا حتى في ظل الحكومات الشيعية. وكان هذا معروفا في ايران منذ الدولة الصفوية، وفي العراق وجميع الاقطار الاخرى[2]. بل لا زال قائما حتى في ايران المعاصرة التي يحكمها رجال الدين. ويتجلى المظهر الابرز لهذا الفصل في العلاقة بين عامة الشيعة ومرجعيتهم الدينية. اذ يحرص مراجع الدين على ابقاء مسافة واضحة بينهم وبين الحكومات. الاستثناء الوحيد هو اية الله الخميني الذي تمتع بوضع استثنائي حين جمع بين المرجعية الدينية والقيادة السياسية. فيما عدا الخميني ، فان جميع المراجع او العلماء المؤهلين للمرجعية الذين اقتربوا كثيرا من الدولة ، خسروا شعبيتهم وفرصتهم في تشكيل مرجعية مؤثرة، بمن فيهم اية الله خامنئي، مرشد الثورة الايرانية الحالي، الذي لا تتناسب مكانته الدينية وموقعه في منظومة المرجعية الدينية مع نفوذه السياسي الكبير. يقل عدد اتباع خامنئي عن معظم المراجع الاخرين في ايران نفسها فضلا عن غيرها من البلدان. في السياق نفسه فان الشيعة يحرصون على ابقاء مدارسهم الدينية ومساجدهم ومؤسساتهم الدينية الاخرى بعيدة عن تدخل الدولة. وهذا عرف جار في جميع الاقطار التي يقطنها الشيعة. منذ اعتلائه سدة القيادة بذل اية الله خامنئي جهودا فائقة لوضع المدارس الدينية في ايران تحت اشرافه ، لكن محاولاته لم تفلح رغم مرور عقدين من الزمن ، ورغم الحوافز الكبيرة التي تحصل عليه المدارس التي تقبل اشراف الولي الفقيه عليها.
هذا التقليد الراسخ هو احد المبررات القوية لارتياب الحكومة السعودية في نوايا مواطنيها الشيعة. من المفيد الاشارة هنا الى ان الحكومة لم تتساهل ابدا مع المجموعات الدينية التي حاولت الاستقلال عن جهاز الدولة. ولم يستثن من هذه السياسة حتى المؤسسة الدينية السلفية المتحالفة مع الحكم. في ستينات القرن العشرين ، حاول الشيخ محمد بن ابراهيم ال الشيخ (1893-1969) ، وهو اقوى زعماء المؤسسة الدينية منذ قيام الدولة السعودية الثالثة ، وكان يشغل يومذاك منصب مفتي الديار السعودية ، حاول اتخاذ خط مستقل عن الحكومة، واصدر رسائل وتعليمات تشير الى عدم خضوع المؤسسة لسياسات الحكومة ، ومن بينها خصوصا رسالته الشهيرة "تحكيم القوانين" التي انتقد فيها صراحة ميل الحكومة الى تنظيم القضاء وتقنينه، واخضاع القضاة لمعايير الادارة الحكومية. الا ان الملك فيصل  الذي تولى العرش في 1964 عالج بحزم هذا الاتجاه واعاد المؤسسة وعلماءها الى "بيت الطاعة" الرسمي.
ومنذ اوائل السبعينات تبنت الحكومة سياسة تقضي بتصفية النشاطات الاهلية التي يمكن ان تقود الى تشكيل مراكز قوة خارج الاطار الرسمي. ولعل المثال الذي يتذكره جميع السعوديين هو جامعة الملك عبد العزيز في جدة ، التي بدأت اهلية في 1967 وقامت الحكومة بتاميمها في مارس 1971. كما يتذكرون الصحافة الاهلية التي الغيت تراخيصها ابتداء من مارس 1964 واعيد منحها لشركات ذات وضع خاص، يحتاج المساهم فيها الى موافقة وزارة الداخلية كي يصبح مالكا لبعض اسهمها ، كما يعين رئيس تحريرها من قبل وزارة الاعلام وليس من قبل المالكين. في السياق نفسه ، نال النشاط الديني نصيبا وافرا من تلك السياسة، نظرا لانه يستاثر بالنصيب الاكبر من النشاطات التطوعية في البلاد. وخلال العقود الثلاثة الماضية اتمت الحكومة سيطرتها على المدارس الدينية والمساجد والاوقاف المستقلة، والزمت الدعاة بالانخراط في السلك الوظيفي الرسمي مقابل السماح لهم بامامة المساجد والقاء الخطب. وفي اوائل 2002 منعت وزارة الداخلية الهيئات الدينية والخيرية التي يشرف عليها رجال الدين من جمع تبرعات من الجمهور[3]. وفي يوليو 2007 منعت هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر من الاستعانة بالمتطوعين الذين يشكلون القوة الاكبر في صفوفها[4]. وفي اغسطس 2010 صدر امر ملكي بمنع رجال الدين والقضاة من اصدار الفتاوى العامة او التوقيع على عرئض تتضمن نقدا للحكومة او مطالبات.
حاولت الحكومة تكرار السياسة نفسها مع النشاطات الدينية الشيعية. لكنها ووجهت بسلبية مطلقة، لاسباب يرجع بعضها الى العرف الشيعي الراسخ، ويرجع البعض الاخر الى فشل الحكومة في وضع تنظيم مناسب يتسع لمذهب مختلف عن المذهب الرسمي. وقد طرح زعماء الشيعة منذ العام 1995 مقترحات لمعالجة الشق الثاني على وزير العدل يومئذ الشيخ عبد الله ال الشيخ، الا انه رفض الفكرة بدعوى ان وجود نظام مزدوج للعمل الحكومي امر غير مقبول.
على كل حال فان بقاء العالم الديني الشيعي خارج اشراف الحكومة ، يثير عند المسؤولين شعورا بالمرارة ، يغذي الشكوك في طبيعة النشاطات التي يقوم بها الشيعة وما يمكن ان يترتب عليها. ويتكرر حديث المسؤولين عن هذا الامر في اجتماعاتهم مع وجهاء الشيعة. حيث يشار دائما الى ان علاقة الجمهور الشيعي بالمراجع المقيمين في الخارج ، وارسال الزكوات والتبرعات اليهم ، تفهم باعتبارها ولاء لجهة خارجية ، تتعارض مع ما يفترض من اخلاص الولاء للحكومة الوطنية. ورغم تاكيد الشيعة المستمر على المضمون الروحي المحض لهذه العلاقة ، الا ان سلبية الجمهور الشيعي ازاء الحكومة، سيما تمظهراتها السياسية، تتخذ كدليل على ان علاقتهم مع مراجع الدين تتجاوز البعد الروحي.

تأثير التحولات الاقليمية: الثورة الاسلامية في ايران

كان انتصار الثورة الايرانية عام 1979 منعطفا حادا في تاريخ المنطقة الحديث. بالنسبة للمجتمعات الشيعية ، فقد انتهت حالة السكون وبدأ ظرف مليء بالحركة والتطلع . في نوفمبر من هذا العام قرر الشباب في القطيف والاحساء احياء مسيرات عاشوراء التي سبق حظرها في منتصف السبعينات. بدات تلك المسيرات بداية تقليدية تماما تحمل الشعارات الدينية القديمة. لكن الادارة الحكومية المحلية وجدت فيها تمردا غير مقبول على الحظر السابق . فتمت مواجهتها بالقوة ، الامر الذي جعلها تتطور من طقس ديني تقليدي الى تظاهرة سياسية ، انتشرت شرارتها الى كل مدينة وقرية شيعية. وأدت تلك المواجهة الى سقوط عدد من القتلى والجرحى كما اعتقل العشرات.
ادت تلك المواجهة الى اطلاق حراك سياسي نشط بين الشيعة السعوديين ، يميل في العموم الى معارضة الحكومة. وفي الشهور التالية انتقل عدد من المحتجين الى العاصمة الايرانية حيث اعلنوا من هناك ولادة اول تنظيم سياسي ديني في المنطقة[5].
لم يخف الشيعة السعوديون تعاطفهم مع ثورة ايران منذ انفجارها وحتى انتصارها. كما لم يخفوا معارضتهم لموقف الحكومة السعودية المؤيد للعراق خلال حربه ضد ايران. وحين برز حزب الله  على الساحة اللبنانية ، لا سيما بعد انتصاره على الاسرائيليين في يوليو 2006 ، تعاطف الشيعة معه بشكل كبير وعلني.
رغم ان التعارض بين الشيعة السعوديين وحكومتهم يرجع الى سنوات طويلة قبل ثورة ايران ، الا انه تفاقم وتعمق بعد العام 1979. وساهم كلا الطرفين في تعميق الفجوة وصب الزيت على النار. قلق الحكومة من تاثير الايرانيين على الساحة المحلية جعلها اكثر ارتيابا وحساسية تجاه التعاطف الشيعي مع طهران[6] ، وشعور الشيعة بالاذلال دفعهم اكثر فاكثر للاستفادة من الوضع الايراني الجديد. وخلال العقد التالي لانتصار الثورة ، سار الطرفان في اتجاهين متعاكسين: ضيقت الحكومة على رجال الدين الشيعة فهاجر العديد منهم الى مدينة قم الايرانية لمواصلة دراساتهم الدينية ، وتم فصل المئات من اعمالهم ، فاتجهوا نحو المجموعات السياسية المعارضة ، وكلما مال طرف الى التشدد ، برز مثيل له في الطرف الاخر. وفي العام 1987 اعلن عدد من رجال الدين الشباب اقامة تنظيم جديد يحمل اسم "حزب الله- الحجاز" يتبنى ذات الايديولوجيا السياسية المعلنة في ايران. وفي السنوات التالية اتهم الحزب بالوقوف وراء هجمات مسلحة على منشآت حيوية في المملكة ، قيل انها نسقت من جانب جهات ايرانية[7] ، لعل ابرزها الهجوم على مبنى يسكنه مستشارون عسكريون امريكيون في 25 يونيو 1996 ، وقتل فيه 16 شخصا. رغم ان المعلومات بشأن هذا الحادث لاتزال ضئيلة ، ورغم اعلان تنظيم القاعدة مسؤوليته عنه، الا ان الحكومة السعودية اعتبرت ان مجموعة شيعية موالية مرتبطة بايران هي التي تقف وراءه[8].
تعاطف الشيعة السعوديين مع الثورة الاسلامية ، ثم مع حزب الله- لبنان ، وظهور تنظيمات دينية معارضة في اوساطهم ، عزز ارتياب قادة الدولة في ولائهم للحكومة . وقد سمعت شخصيا هذا الراي في مناسبات عديدة ، صراحة او تلميحا. وهو يطلق في صيغة اتهام ، او تقرير لما يعتبرونه حقيقة ثابتة. لكنه في كل الاحوال لم يطرح لنقاش صريح مع زعماء الشيعة ومثقفيهم. على اي حال فانه من السذاجة بمكان اتخاذ ما عرضناه سابقا كدليل على انخراط الشيعة – كمجتمع – في مشروع ايراني او تبنيهم لاجندة خارجية يمكن ان يتهموا – بناء عليها – بعيب في ولائهم للوطن. يقول الشيعة صراحة ان معارضة الحكومة لا تعيب الولاء للوطن. ولو صح الربط بين الاثنين لامكن وصف كل معارض سياسي في اي بقعة من الارض بانه خائن لوطنه. والحق اننا بحاجة الى فهم اعمق لمسألة التفاعل والتاثير المتبادل بين المجتمعات في هذا العصر ، كي نميز بين ما يمكن وصفه بتطور تطبيعي وما يمكن تفسيره كانخراط مقصود في مشروع خارجي.
التطور الهائل لوسائل الاتصال ونقل المعلومات في هذا العصر قوض الحدود التي كانت فيما مضى تفصل بين المجتمعات وتقسم العالم. حين تطالع في هذه الايام تغطية القنوات التلفزيونية ولا سيما "قناة الجزيرة" لثورة الشباب في المجتمعات العربية ، سوف تدرك ان الحدود بين الدول لم تعد ذات معنى ، وان الحكومات الوطنية وشبكاتها الاعلامية والتعليمية  لم تعد موجها وحيدا للراي العام في بلادها. لا يستطيع احد وقف تاثير الخارج على الداخل ولا وقف تاثير الداخل على الخارج . من يريد حقا وقف هذا التفاعل ، فعليه اولا ان يوقف شبكات الاتصال وان يصادر اجهزة الراديو والتلفزيون والتلفون والكمبيوتر ، فلعله يبعث شيئا من الحياة في الحدود القديمة. لكننا نعلم ان هذا هو رابع المستحيلات في يومنا الحاضر.
لا يختلف اثنان في ان المملكة ، مثل سائر بلاد  العالم ، تتعرض دائما لتاثير التيارات السياسية والثقافية والاقتصادية الجارية في محيطها الاقليمي وفي العالم. شيعة السعودية ، مثل غيرهم من السعوديين ، ومثل سائر خلق الله ، يتأثرون بالتحولات التي تجري حولهم ، سواء في المحيط الاقليمي او في العالم. من المتوقع بطبيعة الحال ان يظهر الاهتمام وربما التعاطف حين تجري تلك التحولات في مجتمعات تربطها بهم  صلات خاصة مثل وحدة المذهب.
منذ ستينات القرن العشرين على الاقل ، كان "الخارج" مصدرا لقلق السياسيين السعوديين. ولهذا اتخذت الكثير من الاجراءات الامنية المتشددة بهدف عزل الداخل عن تاثيرات الخارج ، من بينها منع المعارضين السياسيين من السفر ، المراقبة المشددة على دخول الكتب والمطبوعات على الحدود ، اعتبار الاتصال بالسفارات الاجنبية ، ونقد السياسات الحكومية في الصحافة الاجنبية جرما يعاقب عليه المواطن... الخ. بعض السياسيين لا يعتقد او لا يريد الاقرار بان "داخل" المملكة ينطوي على مصادر توتر واثارة ، او ان الشعب السعودي مثل غيره قد تتبلور لديه ميول متعارضة مع السياسات الرسمية . ولهذا تجد كثيرا منهم يركزون في تصريحاتهم على ان ما يحدث من سوءات في داخل البلاد ، سواء تمثل في خروج على الاداب العامة او تبن لاراء وافكار غير تقليدية او تمرد على النظام السياسي ، هو ثمرة لتاثير الخارج او "وليد حراك مستورد" – حسب تعبير وزير الخارجية سعود الفيصل-[9].
اني لا اشك ابدا في ان الكثير من التحولات التي جرت في المملكة ، في جهاز الحكومة او في المجتمع ، كان ثمرة للاتصال بالخارج والتفاعل الايجابي معه . لكن اطلاق القول على هذا النحو ينطوي على تسطيح للمسألة. قد نتحدث عن تفاعل بين الناس ، تتغير بسببه اراؤهم ومواقفهم وطريقة حياتهم. وقد نتحدث عن "اجندة" داخلية او خارجية يتبناها اشخاص محددون وتستهدف توجيه التحولات في مسار معين سلفا. لا بد من التمييز بين المسارين ، لان المسار الاول يكون في العادة عاما واسعا يشترك فيه جيل باكمله ويكون "اهل الداخل" هم القوة المحركة له . اما المسار الثاني فيقتصر على عدد محدد ، قد يكون صغيرا او كبيرا ، ويكون "اهل الخارج" هم القوة المحركة له.
اعتقد ان تفكير النخبة السعودية وقادة الحكومة في المسألة مشوب بخلط شديد بين المسارين ، فهم ينظرون الى المسار الاول ، فيعتقدون انه هو المسار الثاني[10]. ليس من شك ان هناك – في الخارج او في الداخل- من يسعى لاحداث تحولات في السياسة والمجتمع السعودي ، لا ترضي بطبيعة الحال النظام السياسي والنخبة. لكن لم يثبت ابدا ، خلال اي فترة من فترات التاريخ السعودي المعاصر ، ان انخرط المجتمع باكمله او شريحة كاملة منه ، في مخطط من هذا النوع. في العام 2002 اتهم وزير الداخلية "جماعة الاخوان المسلمين" بالمسؤولية عن العنف الديني الذي شهدته المملكة والعالم ، ولا سيما مشاركة العديد من السعوديين في احداث 11 سبتمبر المشهورة[11]. وقد تكرر هذا الاتهام لاحقا. كما ان مسؤولين ورجال دين يشيرون الى ما يصفونه بمخطط تغريبي تسانده الولايات المتحدة ويستهدف فك العلاقة بين الدين والدولة. لكن جميع هذه التفسيرات ليست بريئة ، بل تستهدف غالبا تنزيه الذات عن التقصير.
في هذا السياق يشعر عدد من قادة الدولة بالارتياب في ان الشيعة السعوديين منخرطون في "خطة" او "مؤامرة" ايرانية معادية للحكم. وبعضهم يقول صراحة ان الشيعة السعوديين ليسوا مخلصين في الولاء لوطنهم . ويستدلون على ذلك بتبعيتهم لمراجع الدين المقيمين في خارج المملكة ، وتاييدهم لنظام الحكم في ايران ، وتعاطفهم مع الاحزاب الدينية الشيعية ، لا سيما حزب الله اللبناني. ويقوم ناشطون في التيار السلفي التقليدي بتقديم معلومات وتحليلات للمسؤولين الحكوميين تؤيد هذا الراي. وثمة بين رجال الدين من يتبنى فعليا هذا الراي ويكرره ، وهو ما سنشير اليه في فصل لاحق. وتجد هذه الاراء اذنا صاغية لانها تخاطب قناعة قديمة محورها الارتياب في الاقلية والشك في نوايا المخالف. كما انها – من ناحية اخرى – تتناغم مع الميل الداخلي عند الانسان لتبرئة نفسه من القصور ونسبة اسباب التقصير الى الغير ، خاصة اذا كان هذا الغير غير محبوب او غير متعاطف.
علينا بطبيعة الحال ان نميز بين "حقيقة" ارتياب رجال الدولة في طبيعة العلاقة القائمة بين ايران والشيعة السعوديين من جهة ، وبين "الاستعمال السياسي" للفزاعة الايرانية والشيعية من جهة اخرى. لان الاولى تمثل مشكلة واقعية في علاقة الطرفين تحتاج بطبيعة الحال الى معالجة صريحة. اما الثانية فهي مجرد لعبة سياسية لا قيمة لها في المعادلة الواقعية ، رغم انها تستخدم في اوقات الازمة لغرض محدد هو تثبيط الدعوات المعادية للحكومة خارج المجتمع الشيعي . فهي اذن لا علاقة لها بشكل مباشر بالمسألة الشيعية.  ولعل ابرز الامثلة على الصورة الثانية هو تعامل رجال  الدين المقربين من الدولة ، والمؤسسات الرسمية وشبه الرسمية واجهزة الاعلام المحلية مع محاولات التظاهر التي دعي اليها في 11 مارس 2011 ، ضمن ما سمي بثورة حنين. رغم ان الدعوة لم تأت من الجانب الشيعي ، الا ان تلك الاجهزة ادارت عملا اعلاميا على مدار الساعة يستهدف اقناع الجمهور بان وراء الدعوة شيعة "رافضة" او "صفويون" تحركهم الحكومة الايرانية، وان قبول تلك الدعوة يعني الخضوع لقيادة "الرافضة" الموالين لايران[12]. نحن لا نعلق كبير اهتمام على هذا ، ونعتبره نوعا من الالاعيب السياسية قصيرة الامد، رغم ان حشر الشيعة في قضايا الصراع دون مبرر منطقي هو على اي حال امر غير مقبول ومثير للالم.
زبدة القول ان انتصار الثورة الاسلامية في ايران ادى نهوض سياسي بين شيعة العالم ، ومنهم شيعة المملكة. وتمثل هذا النهوض في حراك سياسي معارض للدولة ، لا سيما خلال عقد الثمانينات. وادى ذلك الى تعميق ارتياب قادة الدولة في ولاء مواطنيهم الشيعة. وكان هذا الارتياب ارضية لتبرير مواقف وسياسات حكومية متشددة تجاه الشيعة. هذا الارتياب انعكاس للصورة الذهنية للشيعة ، التي يحملها رجال الدولة والنخبة السعودية ، الدينية وغير الدينية ، تحملهم على الظن بان العلاقة بين المواطنين الشيعة وبين ايران هي امر طبيعي ، بل وضروري. ارى هذا التصور مغرقا في التبسيط بل السذاجة . لانه يغفل حقيقة التنوع القائم في المجتمع الشيعي. كما يغفل الوضع الطبيعي لاي شعب او جزء من شعب ، له مطالب محلية نابعة من همومه الخاصة وفهمه لظرفه السياسي او الاقتصادي. وهو يغفل ايضا الحدود الواقعية للتاثير الممكن للحكومة الايرانية او غيرها على الشيعة خارج حدودها. في المملكة العربية السعودية والخليج ، كما في كل بلد ، ثمة جماعات سياسية تطالب علنا بالعدالة الاجتماعية ، بعضها متعاطف مع ايران ، وبعضها لا يضع الوضع الايراني او السياسات الايرانية ضمن اهتماماته ، وبين هذا البعض من لديه تعارض ايديولوجي او سياسي مع الحكومة الايرانية[13]

سقوط البعث العراقي : اختلال موازين القوى

طبقا لولي نصر ، فان قرار الرئيس الامريكي السابق جورج بوش باجتياح العراق واسقاط حكومة صدام حسين ، قد "ساعد في اطلاق نهوض شيعي واسع النطاق ، سوف يخلخل التوازن الطائفي في العراق والشرق الاوسط لسنوات"[14]. اهتم المحللون الاجانب بالمعنى السياسي للنهوض الشيعي. اما في العالم العربي فقد اختلط السياسي بالديني على نحو غريب. من المهم العودة تكرارا لفهم الفارق بين المعنيين. حين تنظر الى نهوض سياسي فانت تتحدث عن تغير في موازين القوى ، قابل للتحديد والمعالجة بالادوات السياسية ، مثل اعادة  صوغ العلاقة بين الدولة والقوة حديثة النهوض. في الحد الاقصى لا يتطلب الامر اكثر من ادماجها في النظام السياسي او زيادة حصتها في السياسة. وهذا امر يستطيع معظم القادة السياسيون انجازه دون مجازفة كبيرة.
عندما تنظر الى نهوض "ديني" فانت تتحدث عن اختلال في مصادر الشرعية السياسية ضمن البيئة الخاصة بالنظام السياسي. تجلى هذا البعد خصوصا في الكلام الكثير بين السياسيين والنخب – ولا سيما النخب الدينية العربية – عما اسموه بمخططات "تشييع" ، اي اختراقات "شيعية" للوسط "السني". من المفهوم ان الحكومات العربية جميعا ، حتى العلمانية والمعادية للدين منها ، تعتمد على الخطاب الديني كوسيلة لتعزيز شرعيتها ، وتأمين تواصل لين بينها وبين المجتمع. كمثال على ذلك فان الحكومة المغربية التي تعد علمانية ، اعلنت في مارس 2009 قطع علاقاتها مع ايران ، بسبب ما وصفته بنشاطات ايرانية ، يستهدف ابرزها "الاساءة للمقومات الدينية الجوهرية للمملكة والمس بالهوية الراسخة للشعب المغربي ووحدة عقيدته ومذهبه السني المالكي". واتهمت الحكومة ايران بالعمل على تشييع مجموعة من المغاربة عن طريق الإغراء المالي، ونقلت صحيفة هسبرس ان "التشييع بالنسبة للعقلية المغربية يمثل خطرا مثله مثل التنصير أو حتى التشفيع والحنبلة نظرا لاعتزاز المغاربة بالمذهب المالكي واعتباره سمة مغربية خالصة يصل إلى درجة الدفاع عنه كالتراب الوطني"[15].
قبل ذلك ، في اكتوبر 2006 حذر رجل الدين السعودي سلمان العودة مما وصفه بتغلغل مخيف للشيعة في مجتمعات سنية ، وخص بالذكر سوريا ، قائلا أن شرارة التوتر الأولى بين السنة والشيعة كانت من العراق ، وأن التمدد الشيعي في الإطار السني هو لعب بالنار[16]. وفي سبتمبر 2008 شن الشيخ يوسف القرضاوي ، وهو واحد من اكثر رجال الدين تاثيرا في الحركة الدينية المعاصرة ، شن هجوما واسعا على ما اسماه بالتغلغل الشيعي في المجتمعات السنية قائلا ان الشيعة "يهيئون لذلك بما لديهم من ثروات بالمليارات". ووجهت هذه الدعوى بانتقادات بين النخبة المصرية[17].
فجر سقوط النظام العراقي شحنة قوية من الامل والفخر بين الشيعة العرب، والسعوديين خصوصا[18]، مثلما كان صدمة هائلة للنظام الاقليمي العربي ، وهو نظام طائفي ، حتى مع ادعاء العلمانية. وهذا من الامور الغريبة التي ربما لا تجدها خارج العالم العربي. فحزب البعث "العلماني ، القومي" عزز "طائفية" النظام السياسي العراقي وسنيته ، في الوقت الذي يشكل فيه العرب السنة اقل من ثلث السكان، مثلما فعل شقيقه البعث السوري الذي اقام هو الاخر نظاما طائفيا ، يحتكر مفاتيحه العسكر العلويون على حساب الاكثرية السنية التي تشكل اكثر من ثلثي المواطنين. شعر السياسيون العرب بان سقوط صدام حسين ، سوف يخلخل الاستقرار الشكلي للنظام العربي ، وسوف يعطي ايران بوابة جديدة ، عربية الاصل ، لترسيخ نفوذها الاقليمي ودورها في اي ترتيب جيواستراتيجي يتعلق بالشرق الاوسط. اما بالنسبة لرجال الدين والناشطين"السنة" فقد نظروا الى المسألة من زاوية اخرى ، هي احتمال اجتذاب القوة الشيعية الناهضة للجمهور السني. هذه المخاوف تعززت بفعل اربعة عوامل اضافية :
 الاول: صعود نجم المحافظين الايرانيين ، ولاسيما بعد انتخاب احمدي نجاد رئيسا للجمهورية في 2005. قدم نجاد صورة عن زعيم شاب قريب من عامة الناس ، يعيش حياة بسيطة ويتحدى في الوقت ذاته الارادة الغربية. تمسك ايران بمشروعها النووي في مواجهة التصعيد الغربي المتواصل ، قدم للعرب نموذجا عن دولة مجاورة تسعى لصنع قوة تتحدى القوة الاسرائيلية ، ولا تابه بالتهديد الغربي.
الثاني: نجاح حزب الله في هزيمة الجيش الاسرائيلي في صيف 2006 ، الذي ادى الى تحول الحزب وزعمائه ، لا سيما قائده "المعمم" الى رمز للامل والمستقبل العربي ، بالمقارنة مع حكومات مستسلمة للضغط الاجنبي ونخب دينية وغير دينية عاجزة عن المواجهة.
الثالث : تواصل الحملة السياسية ضد التيار الديني الحركي في المملكة العربية السعودية وتصفية مؤسساته ومصادر قوته. العامل الثاني عزز انكسار التيار الديني "السني" بينما عزز الانتصار على اسرائيل قوة ورمزية التيار الديني "الشيعي" ، المتمثل في حزب الله على الاقل.
الرابع: الضغط الشديد الذي مارسه زعماء دينيون وقبليون عراقيون ، والذي اثمر عن اقتناع عدد مؤثر من قادة المملكة والخليج بان الحكومة العراقية التي يسيطر عليها الشيعة تتبنى استراتيجية لتصفية الوجود السني العربي. ويقال ان هيئة علماء العراق ولا سيما زعيمها الشيخ حارث الضاري كان لها السهم الاوفر من هذا الجهد ، فقد استثمرت كل فرصة ممكنة لنقل معلومات وتحليلات وشكاوى تصف في هذا الاتجاه[19].
في مثل هذا الوضع ، يجد السياسيون انفسهم في حاجة لتحديد موقعهم وموقفهم ، بالنظر لتاثير الجدل الدائر على التحالفات الداخلية والتوازنات السياسية على المستويين المحلي والاقليمي. بطبيعة الحال ، لم يكن متوقعا ان تجد النخبة السياسية السعودية ، مثل سائر النخب العربية ، نفسها في ذات الجانب الذي تقف فيه ايران. لم يكن الامر بحاجة الى قرار ، فالامور تسير في هذا الاتجاه بشكل شبه عفوي. تستمد الحكومة جانبا هاما من قوتها وشرعيتها من تاييد المؤسسة الدينية السلفية المعادية تاريخيا للشيعة ، والتي تتوقع من الحكومة موقفا يتناسب مع ما يعتبر تحديا شيعيا متصاعدا[20]. من هذه الزاوية فقد كان الكلام عن التبشير الشيعي والتمدد الايراني ضروريا ، للحكومات والنخب الدينية على حد سواء ، كي لا تفقد المبادرة ولا تتهم بالخنوع والاستسلام. تكمن المشكلة في ترك الامور دون تأمل عميق في عواقبها ومآلاتها. ذلك الكلام الذي يمكن ان يبدا دفاعيا او تبريريا ، وقد لا يستهدف اكثر من الاعتذار عن اتهام محتمل بالفشل ، اوجد حالة استقطاب شديد بين الشيعة والسنة ، فقد وجد الطرفان نفسيهما في موقع المستهدف والمظلوم من دون ذنب.
يمكن للنخبة السياسية ان تتخذ مثل الموقف السابق ، دون ان تسمح له بالانعكاس على علاقتها مع مواطنيها الشيعة. او يمكن لها ان تعتبر المسألة برمتها سياسية ولا علاقة لها بانتمائها المذهبي او انتماء مواطنيها ، او يمكن لها ان تتخذ خطوة اكثر تقدما بمناقشة الامر مع مواطنيها الشيعة لدعوتهم الى تجنب الانزلاق الى مواقف ذات طابع ديني او مذهبي متعارض مع مصالح البلد او سياساتها. في العموم هناك خيارات عديدة للتعامل مع المسألة. لكن الواقع الذي شهدناه هو غير ذلك.

الخلاصة

يمثل البعد الاقليمي عاملا مهما في التاثير على العلاقة القائمة بين الحكومة والشيعة السعوديين. استقلال المؤسسة الدينية الشيعية يمثل مصدرا للارتياب عند النخبة السياسية . كما ان رجوعهم في الامور الدينية الى فقهاء خارج البلاد يحيي ارتيابا تقليديا عند النخبة من دور الخارج وتاثيراته المحتملة . النهوض الشيعي الذي تجلى بعد الثورة الاسلامية في ايران ، واتسع بعد سقوط النظام البعثي في العراق ، زاد الطين بلة ، وعزز اختلاط المشاعر الدينية بالمخاوف السياسية. هذا وذاك كرس حالة الارتياب وعدم الثقة التي تطبع العلاقة بين الشيعة والحكومة. هناك بطبيعة الحال اتصالات كثيرة جرت وتجري دائما بغرض التفاهم وحل المشكلات التي تتفاقم بين حين واخر ، لكن الثقة الضرورية لتحويل الكلام إلى استراتيجية متكاملة لعلاج المشكل الشيعي ما زالت دون المستوى المطلوب ، إذا لم نقل انها مفقودة . توصلت الى هذا الانطباع بعد اخفاق العديد من المحاولات التي بدا ان الجميع متفق – في اول الامر على الاقل – على ضرورتها وامكانية تحويلها الى برنامج . اضافة الى هذا الانطباع الشخصي ، فقد سمعت هذا التفسير صراحة او ضمنيا من عدد من كبار المسؤولين الذين يتخذون القرار او يساهمون في صناعته.





[1] حول مبررات هذا القلق ، انظر
  Toby Jones, Embattled in Arabia, Shi‘is and the Politics of Confrontation in Saudi Arabia, Combating Terrorism Center at West Point, (June 2009), www.humansecuritygateway.com
[2] حفظ تراث الفقه الشيعي خلال الحقبة الصفوية جدلا فقهيا عنيفا سببه قبول الشيخ علي الكركي ، احد مجتهدي تلك الحقبة ، منحة مالية من الملك الصفوي. وكتب معها وضدها اربع رسائل فقهية على الاقل. انظر : محمود البستاني (محرر) الخراجيات. مؤسسة النشر الاسلامي ، قم 1992
[3] اسلام اون لاين (3 سبتمبر 2007) www.islamonline.net
[4] لبعض التفاصيل، انظر منصور النقيدان: هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .. نقاش لا ينتهي 
www.montdiatna.com:8686/forum/showthread.php?t=37898
[5] لتحليل محايد حول انتفاضة 1400 (1979) ، انظر  Laurence Louėr, Transnational Shia politics: religious and political networks in the Gulf, p. 161
لتحليل حول خلفية الانتفاضة ، انظر:  Toby Craig Jones, Desert Kingdom: How Oil and Water Forged Modern Saudi Arabia, (Cambridge: Harvard University Press, 2010)  سيما الفصل السادس ص.ص. 179-216
[6]  Toby Jones, Embattled in Arabia, op. cit., p. 11
[7]  لتفاصيل اخرى حول حزب الله الحجاز ، انظر      Toby Matthiesen, Hizbullah al-Hijaz: A History of The Most Radical Saudi Shi‘a Opposition Group, Middle East Journal, Vol. 64,No. 2, Spring 2010, PP. 179-197
[8]   Toby Jones, Embattled in Arabia, op. cit., p.7
[9] عكاظ 11 فبراير 2011
[10] انظر مثلا حديث الامير نايف بن عبد العزيز ، النائب الثاني لرئيس الوزراء لوفد صحافي كويتي . جريدة السياسة 1 فبراير 2011
[11] الامير نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية السعودي ، حديث لجريدة السياسة الكويتية 23  نوفمبر 2002
[12] انظر مثلا تقرير سعيد ال ثابت الذي يتحدث عن خطب جمعة وبرامج تلفزيونية حول الموضوع . شبكة لجينيات  )26 مارس 2011) http://www.lojainiat.com/index.cfm?do=cms.author&authorid=991
انظر ايضا حديث القاضي سلطان البصيري الذي يتهم  "الرافضة" وايران بالوقوف مع التحركات النسائية في المملكة. جريدة سبق (26 مايو 2011) http://www.sabq.org/sabq/user/news.do?section=5&id=24678
[13]Laurence Louër, ‘The Limits of Iranian Influence Among Gulf Shi`a’, CTC Sentinel, V.2. no.5 (May 2009). www.ctc.usma.edu/posts/the-limits-of-iranian-influence-among-gulf-shia
[14] NASR Vali, ‘When the Shiites Rise’, Foreign Affairs, July- Aug.,2006, http://www.foreignaffairs.com/articles/61733/vali-nasr/when-the-shiites-rise
لمعلومات اضافية عن المسالة الشيعية في العراق انظر : فرانسوا تويال: الشيعة في العالم، ترجمة نسيب عون ، دار الفارابي(بيروت 2007)، ص 111
[15] صحيفة هسبرس الالكترونية ، 7-3-2009. http://hespress.com/permalink/11481.html
[16] برنامج الحياة كلمة ، تلفزيون MBC ، 22 اكتوبر 2006.
حول دعوى انتشار التشيع في المجتمع السوري ، انظر :    Khalid Sindawi,  Shi'sm and Conversion to Shi'ism in Syria: Prevalence, Circumstances and Causes, Interdisciplinary Center (IDC) Herzliya 2008. http://www.herzliyaconference.org/_Uploads/2904Khalid.pdf
[18]Joshua Teitelbaum, ‘The Shiites of Saudi Arabia’, in Current Trends in Islamist Ideology, (Hudson Institute 2010), V. 10, pp.71-86, p.78, www.currenttrends.org/docLib/201009291_ct10.pdf  
[19] خلال العامين 2008 و2009 اخبرني ثلاثة من رجال الدين المقربين من دوائر الحكم في المملكة بانهم مقتنعون تماما بالمعلومات التي نقلها الشيخ حارث الضاري ، وانهم شاركوا او علموا بجهود بذلت لترتيب لقاءات بينه وبين رجال سياسة في اعلى الهرم ومستشارين مؤثرين. وقال احدهم ان معظم اللوم يقع على رئيس الحكومة نوري المالكي الذي يعتقدون انه منغمس في مخطط شيعي ايراني معاد للسنة.
[20] Joshua Teitelbaum,  op. cit., p. 76 

المواطن "الممتاز" والمواطن "العادي"

سألتني السيدة ميره ، وهي مثقفة من دولة الامارات الشقيقة ، عن علاقة المواطنين ببعضهم وعلاقتهم بوطنهم: هل نكتفي بمضمونها القانوني ، ام نحتا...