‏إظهار الرسائل ذات التسميات كورونا. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات كورونا. إظهار كافة الرسائل

29/01/2020

هذه خرافة وليست عقاب الله

اكتب هذه السطور بعدما قرأت لمن يقدمون انفسهم كمدافعين عن الاسلام ، كتابات فحواها ان "وباء كورونا" الذي ضرب الصين ، عقاب من الله لحكومتها التي عزلت وحاصرت مليون مسلم من شعب الايغور. اني لا اتحدث عن افراد مجهولين ، بل عن عشرات من المشايخ والناشطين المؤثرين ، الذين يجزمون ان ذلك البلاء عقاب رباني ، ولا علاقة له بالنظام الطبيعي.
يذكرني هذا بجدل حاد جدا شهدته بلادنا نهاية 2004 ، حين قال عدة خطباء ان زلزال تسونامي الذي أصاب اندونيسيا غداة عيد الميلاد ، كان عقابا ربانيا للفاسدين الذين كانوا يرقصون ويسكرون على الشواطيء. ونعلم ان هذا غير معقول ، فقد أودت الكارثة بنحو 230 ألفا غالبيتهم من الفقراء المشغولين في اعمالهم ، والاطفال وامهاتهم الذين كانوا في بيوتهم في الارياف البعيدة عن الشاطيء.
بالعودة للوباء الصيني  ، فان السؤال الذي يواجه العقلاء هو: كيف يعاقب الله اناسا عاديين بالمرض والموت ، لا لذنب سوى انتمائهم لبلد ، قامت حكومته بافعال سيئة. هل هذا من العدل؟. الا يناقض هذا قول الله سبحانه "ولا تزر وازرة وزر اخرى"؟
دعنا نضرب مثالا يوضح النهايات المنطقة لهذا النوع من التفكير الخرافي: في القرن 19 قتل الجيش الفرنسي الاف المسلمين في شمال افريقيا. وفقا للرؤية السابقة ، فان الشعب الفرنسي يستحق ان يسلط الله عليه كارثة تفني مئات الالاف منه. دعنا نفترض ان رجلا قرر تنفيذ هذه الرؤية فعمل على ابادة الفرنسيين باي طريقة ، قنبلة ذرية مثلا. عمله هذا يعتبر وفق الرؤية ذاتها قياما بالعدل واستجابة لما اراد الله. وهذا المثال بعينه قابل للتطبيق على الشعب الاسباني والبرتغالي والايطالي والبريطاني والالماني والروسي والصيني والهندي ، وكل شعب آخر نكلت حكومته بالمسلمين في الحاضر او الماضي!.
اظن ان هذا  المثال قد اوضح  بدقة ، كيف يمكن لفكرة ساذجة تنقل النصوص دون تبصر ، ان تنتج مولودا مثل "داعش" التي أرادت ان تكون "سيف الله" على العصاة من عباده.
هذا المنطق الخرافي يضعنا امام مفارقة عسيرة ، في تفسير قيمة العدل ولا سيما العدل الالهي. دعنا نأخذ مثال اعصار"بولا" الذي ضرب سواحل باكستان الشرقية (بنغلادش حاليا) في 1970 فقتل نصف مليون وشرد ملايين ، جميعهم من المسلمين الفقراء ، وتسبب في فتن مهولة ، انتهت بتفكك باكستان وقيام دولة بنغلادش ، بعد حرب طاحنة قتل فيها 40 الف من المسلمين وحدهم. فمن هو المذنب الذي أراد الله عقابه هنا ، وأين تحقق مفهوم العدل في تلك الكارثة؟.
واختتم بذكر أسوأ كارثة سجلها التاريخ البشري ، وهي وباء الانفلونزا الاسبانية الذي ضرب العالم كله شرقا وغربا ، بين عامي 1918 و1919 وتوفي بسببه 100 مليون شخص ، بينهم 16 مليونا في الهند و650 الفا في الولايات المتحدة الامريكية ، فضلا عن عشرات الالاف في المدن الساحلية الواقعة على خطوط الملاحة بين آسيا واوربا ، وما يتصل بها من أرياف. وتسبب الوباء في تعطيل معظم خطوط الملاحة ، في وقت كانت السفن وسيلة وحيدة للتواصل بين قارات العالم. فمن الذي استحق العقاب هنا ، وما هو سبب العقاب؟.
يجب ان نقول دون اي تردد ، ان تطبيق مقولة العقاب الالهي على مثل هذه الحوادث ، تفسير خرافي لا يقبله عاقل. وهو ضد العلم وضد العدل ، ولا يصح نسبته الى الرب الرحيم جلا وعلا.
الشرق الاوسط الأربعاء - 3 جمادى الآخرة 1441 هـ - 29 يناير 2020 مـ رقم العدد [15037]
https://aawsat.com/node/2103971

مقالات ذات علاقة


الطريق السريع الى الثروة

  يبدو ان المعلوماتية تتحول بالتدريج الى اسرع القطاعات نموا في الاقتصاد الوطني لكل بلدان العالم تقريبا. (في 2021 بلغت قيمة سوق المعلوماتية ...