‏إظهار الرسائل ذات التسميات الثقافة. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الثقافة. إظهار كافة الرسائل

26/03/2013

حول جاهزية المجتمع للمشاركة السياسية




كتاب "الثقافة المدينية =  The Civic Culture " كان ثمرة لابحاث ميدانية في خمسة مجتمعات متباينة ، استهدفت الاجابة على سؤال: هل ثمة علاقة بين الثقافة العامة للمجتمع وبين وضعه السياسي؟
انجز هذا البحث عالمان امريكيان هما غابرييل الموند وسيدني فيربا ، واصبح منذ نشره في 1963 مفتاحا رئيسيا في فهم العوامل البنيوية/غير السياسية المؤثرة في التنمية السياسية. قبل ذلك كانت بحوث التنمية تميل  الى التركيز على دور التحولات الاقتصادية ، وتبعا لها التطور القانوني والاداري لمؤسسة الدولة ، باعتبارها حجر الرحى في النمو الاجتماعي/السياسي.
Sydney Verba
تعبير "الثقافة" الذي نتداوله يشير عادة الى المعرفة المؤطرة في وسائل منظمة مثل الكتب والمحاضرات والنقاشات العلمية ، ويطلق على هذا المستوى احيانا اسم الثقافة العالمة. اما مفهوم "الثقافة" المتداول بين علماء الاجتماع فيركز على الخلفية الذهنية للافراد. تتشكل ذهنية الفرد كمحصلة للتجارب الشخصية، الذاكرة التاريخية، العوامل البيئية ، والتصويرات الرمزية لمجموع هذه العوامل. الذهنية - او العقل الباطن كما تسمى احيانا – تحدد ما لا يقل عن 90 بالمائة من افعال الفرد وردود فعله العفوية.
الثقافة السياسية لاعضاء مجتمع ما هي التي تحدد فهمهم للدولة ودورها: (تؤثر في حياتهم ام لا تؤثر ، تمثلهم ام تسيطر عليهم). كما تحدد مشاعرهم تجاهها (حب او كره ، تعاطف او ارتياب). اضافة الى تقييمهم لادائها (دون المتوقع او مطابق له او افضل منه ، مساعد لمصالح الجماعة او معيق).
توصل الباحثان الى تقسيم ثلاثي للمجتمعات بحسب ثقافتها السياسية:
Gabriel Almond
 أ) مجتمعات تجهل تماما دور الدولة في حياتها ، وربما لا تعي اصلا بالفارق بين وجود الحكومة وعدمه. اطلق على هذا الصنف اسم الثقافة الانعزالية.
 ب) مجتمعات تدرك وجود الدولة والقوى السياسية الاخرى وتتلقى تاثيراتها. لكن رد فعلها فاتر ، او ربما معدوم. فهي لا ترى نفسها قادرة على الفعل والتأثير ، او انها لا تعتبر الدولة قابلة للتاثر بنشاط الجماعة. واطلق على هذا الصنف اسم الثقافة المنفعلة.
ج) مجتمعات تتفاعل مع الدولة والقوى السياسية الموازية: تستقبل تاثيراتها وتسعى ايضا للتاثير عليها. لانها تنظر الى نفسها كجزء من العملية السياسية القائمة ، كفاعل قادرعلى المشاركة والتاثير. واطلق على هذا الصنف اسم ثقافة المشاركة.
تجربة البحث الميداني قادت الاستاذين الموند وفيربا الى الاعتقاد بان تبلور ثقافة سياسية من المستوى الثالث (المشاركة) هي ابرز عوامل التحول الديمقراطي. حين يدرك المجتمع اهمية الدولة ويتفاعل معها ويؤمن بقدرته على التاثير في قراراتها ، تتحول المشاركة الشعبية في الحياة السياسية الى ضرورة للدولة والمجتمع معا. السؤال التقليدي: "هل نعتبر هذا المجتمع جاهزا للمشاركة السياسية او غير جاهز" اجاب عليه الاستاذان الموند وفيربا بسؤال معاكس: "هل يدرك المجتمع فائدة التفاعل مع الدولة ، وقدرته على التاثير في قراراتها؟".
الاقتصادية 26 مارس 2013
http://www.aleqt.com/2013/03/26/article_742335.html



28/02/1999

فرصة لانطلاق عقد ثقافي عربي


رغم المناوشات الصغيرة هنا وهناك ، فان مسار العالم العربي متجه إلى حالة استرخاء أمني وسياسي ، وهذا ليس من نوع الرجم بالغيب ، لكن تتبع مسار احداث السنوات الأخيرة ، وتحليل معاني وانعكاسات الاحداث الكبيرة خاصة ، قد يساعد على الظن بأن السلام الاجتماعي سيكون سمة غالبة في العقد القادم ، نشير مثلا إلى ان البلدان العربية التي كانت مراكز أزمة ـ السودان ، الجزائر ، العراق مثلا ـ  تبدو اليوم اقرب ما تكون إلى مغادرة دائرة الأزمة . ولا يضعف هذا التحليل ما يخبئه الانكماش الاقتصادي الراهن من انعكاسات اجتماعية وسياسية محتملة ، أخذا بعين الاعتبار نجاح بعض العرب ـ الاردن ، لبنان ، اليمن على سبيل المثال ـ في احتواء الانعكاسات الاجتماعية / الامنية للتأزم الاقتصادي .
شارع المتنبي في بغداد

في ظرف الأزمة ، يستأثر الأمن الوطني بمعظم الاهتمام الرسمي ، وعلى العادة العربية المشهورة ، فان تصاعد الهم الامني يقترن دائما بزيادة القيود وتوسيع نطاق الممنوعات ، لهذا نتوقع ان يكون الارتخاء السياسي سبيلا إلى تخفيف القيود .
العالم العربي في أمس الحاجة إلى توسيع مساحة (المباح) في الحياة العامة  ، في المجتمع والثقافة والسياسة ، ورفع القيود تماما على مستوى الحياة الشخصية ،  أي الفصل بين الالتزامات العامة المطلوبة من الفرد بما هو جزء من المجتمع ، وممارساته الخاصة المتعلقة بحياته الخاصة أو الاسرية ، لكن هذا حديث يطول وقد يؤذي ، وما أردنا الاهتمام به في هذه المقالة هو الجانب الثقافي من الحياة العامة ، أملا في ان يكون العقد القادم ، مكرسا للنهوض العلمي والثقافي ، الذي لا بديل عنه للتقدم ومواجهة تحديات القرن الجديد .
لا أريد الحديث عن فضل العلم أو الحث على طلبه ، فلا أحد يجادل فيه ، في كلياته على الأقل ، لكن المهم هو الربط بين العلم والتقدم ، فقد يحصل ، بل وهذا ما حصل فعلا في التجربة العربية ، ان يتوفر العلم ويبقى المجتمع أسيرا للتخلف ، لقد طوى التعليم الحديث في الوطن العربي ما يزيد على قرن من العمر ، وخرجت المدارس ملايين المتعلمين ، ورغم هذا فلا زلنا نتطلع إلى أفق التقدم باعتباره بعيدا عنا ، خلافا للعقيدة الاولية التي يحملها كل متعلم والتي مضمونها ان التقدم يأتي بعد العلم ، وان العلم طريق حتمي إلى التقدم .
ويمكن إرجاع هذه المفارقة (حصول العلم دون حصول التقدم رغم التلازم المنطقي بينهما) إلى علل كثيرة ، من بينها مثلا ان العلم المدرسي لم يتفاعل مع النسيج الثقافي العام ، حيث لا يزال بالوسع التمييز بين مسارين منفصلين في الذهنية الاجتماعية ، وهي التكثيف الأولي لمجموع الذهنيات الخاصة للأفراد ، وتظهر هذه الازدواجية بوضوح في مثال المتعلم الذي يتبع أدق المعادلات المنطقية في مهنته ، ثم يتخلى عن التجربة العقلية تماما في قراءة تراثه أو في تربيته لأولاده أو علاقاته الاجتماعية .

ومن بين تلك العلل خضوع الثقافة للسياسة ، ونجاح أهل السياسة في وضع مسارات محددة للبحث والتعبير العلمي ، لكي تصل إلى نتائج مقررة سلفا ، مما يلغي فرص الحوار الضروري لانضاج الفكرة العلمية ، وتحويلها من كائن نظري يحلق في الفضاء ، إلى كائن متفاعل مع المادي والمعنوي المتحرك على مسرح الحياة اليومية ، ومن العلل أيضا العلاقة الحرجة بين العقيدة والمعرفة ، والتي هي في الأصل علاقة مفتعلة ، لم توجد إلا حين أراد بعض المقتدرين فرض وجودها ، وتنعكس في صورة حدود لمجال التفكير وقيود على فرص التعبير .
وفي ظني ان العرب جميعا ، عامتهم ونخبتهم ، حكامهم ومحكوميهم ، يشعرون بالحاجة إلى العلم ونشره ، والبناء عليه واستثمار نتاجه ، لكنهم ـ مع هذه الرغبة ـ قد يضحون بما يتمنون ، خشية ان يفتح عليهم أبوابا صعبة الغلق ، ويجسد المثل الشعبي السائر (الباب اللي يجيب الريح .. سده واستريح ) رد الفعل الاولي على اختلاف الاجواء .
يزداد الميل إلى التشدد وإغلاق الأبواب في ظروف التأزم ، بينما يتراجع هذا الميل في ظروف الارتخاء ، لكن التحول الطبيعي يأتي بطيئا جدا ، وإذا كان تحليلنا صحيحا عن اتجاه الوضع العربي إلى الاسترخاء ، فقد نحتاج إلى التنبيه بانه قد حان الوقت لتعويض ما خسرناه في ظرف الأزمة ، فالقيد الذي وضع تحت مبرر الازمة ، لا محل له بعد ان تنجلي أو توشك .
28-2-99

23/01/1995

ضمير الكاتب ومحدداته


 عرضنا في مقال الاسبوع الماضي صعوبة الكتابة انطلاقا من وحي الضمير ، في ظرف التداخل الحرج بين الكاتب ومجتمعه ، وتوصلنا الى ان التزام الكاتب تجاه المحيط ، باي صورة من صوره يعيق تعبيره الكامل عن رأيه ، على انه لاينبغي تفويت الاشارة الى ان الالتزام تجاه المجتمع ليس بالضرورة جبرا أو قدرا ، انه في حالات كثيرة ، اختيار من جانب الكاتب .

انواع الالتزام
 ثمة اطارات ثلاثة للالتزام ، يمكن تصنيف الكتاب والمتحدثين في الشأن الثقافي تحت كل واحد من عناوينها ، الاطار الاول هو الالتزام المهني ، حينما تكون الكتابة مهنة ، ويكون التفكير والبحث حركة مضبوطة الايقاع ، باغراض ومحددات تلك المهنة ، فكاتب هذه الفئة هو مهندس للشكل وليس صانعا للافكار ، لاتقلقه الفكرة بل الصورة ، اذ يفترض ان الفكرة التي يعرضها كانت جاهزة قبل ان يبدأ البحث ، فيكون جهده العلمي منصبا على عرضها في احسن الصور ، حتى وان ترافق معها بعض الابتكارات الفرعية ، التي يحسبها الناس تجديدا ، وهي في حقيقتها مجرد تفريع تزيـيـني على الفكرة الاساس ، يستهدف تحسين صورتها وحسب .
 وفي حالات معينة فان الفكرة لاتولد الا ساعة الكتابة ، اي ان الحاجة الى تسويد الصفحات ، هي التي تستدعي الفكرة وليس العكس ، وفي هذه الحالة فانك لاتجد فكرة في ما تقرأ بل (كلام جرايد) كما يقول اخواننا المصريون ، يشرق الكاتب في طياتها ويغرب .

الالتزام الايديولوجي
 والاطار الثاني هو الالتزام الايديولوجي ، وكاتب هذه الفئة قد يبذل غاية الجهد في ابداع الافكار الجديدة ، او تطوير الافكار السائدة الى مستويات اعلى ، لكنه في كل الاحوال ، يظل سجين التفسيرات التي يوفرها متبناه الايديولوجي ، بحيث لايرى  الامور المختلفة الا بموازينها ، فالصحيح هو ماكان صحيحا عندها ، والخطأ هو ماجرى تخطئته في منهجها ، بغض النظر عن الثوابت العقلية والمنطقية المتعارف عليها عند الجميع ، وبغض النظر عن رايه الخاص .
فهذا الكاتب على الرغم من قدرته على الابتكار ، الا ان هذه الأهلية تظل محدودة بحدود المنهج الخاص الذي يتبناه ، ان الشك ، مجرد الشك ، في تنافي اي جزء من الفكرة او التحليل مع جزء من المعتقد ، او المتبنيات التي يفرضها انتماؤه المجتمعي ، هو سبب كاف ـ عنده ـ للتوقف عن التفكير ، لانه يتحمل التخلي عن نتاج جهده العقلي ، لكنه لايتحمل الاصطدام بعقيدته أو انتمائه ، ويمكن اعتبار هذا الكاتب كاتب منهج او كاتب تبرير ، لاكاتب فكرة .

 ويضرب لنا د. اكبر أحمد عالم الاجتماع المسلم المعروف ، مثالا على هذه الحالة في علم الاجتماع الماركسي ، الذي ضجر من تحليلاته الماركسيون فضلا عن غيرهم ، لان رجاله (تحدوهم الرغبة للعمل داخل اطار نظرياتهم دون اعتبار لطبيعة البيئة والعنصر) حتى ان م. جودلييه ـ وهو نفسه باحث ماركسي ـ وصف تحليلات بعض زملائه للمجتمعات القطاعية البناء بانها (ماركسية فجة) .
  اما الاطار الثالث فهو الالتزام بالمجتمع او بقضاياه ، وكاتب هذه الفئة متحرر من الضوابط المهنية ، وغير مضطر للاستسلام للتفسيرات النمطية ، لكنه لايستطيع ان يتحرر ـ في مرحلة اعلان الفكرة على الاقل ـ من مقتضيات العلاقة الضرورية بين المجتمع والكاتب ، باعتباره جزء من الجماعة وباعتباره صاحب دور فيها .

مرحلتان
قبل عرضها على القاريء تمر الفكرة بمرحلتين ،  يجري في المرحلة الاولى صناعة الفكرة والبرهنة عليها ، ويجري في التالية تجهيزها للعرض ، كي تحظى باكبر قدر من القبول .
وتبعا لمقولة الالتزام فان الكاتب يمارس الرقابة الذاتية في احدى هاتين المرحلتين ،  عند صناعة الفكرة ، او عند عرضها ، فالكاتب الملتزم مهنيا والكاتب الملتزم عقائديا ، يفكران ضمن مسارات محددة ، لذلك فهما لايجدان حاجة لتكرار الرقابة في المرحلة الثانية ، فما ينتجانه من افكار لابد ان يكون متوافقا مع ماهو سائد ومتوقع ،  اما الكاتب الثالث فيكتفي بالرقابة على الذات في مرحلة الاعداد لعرض الفكرة.
ان التحرر المطلق من قيود الالتزام باشكاله ومضامينه المختلفة ، امر صعب المنال ، لايدركه الا المكافحون الاشداء في سبيل الفكرة وشرف العقل ، وليس هذا مقدورا من اكثر اهل الثقافة ، في مراحل من التطور الاجتماعي كالتي تشهدها اكثر الاقطار العربية.

لكن تحت هذا المستوى فثمة قدر معقول من الالتزام ، لامفر من الخضوع له ، الا وهو الالتزام في طريقة عرض الفكرة ، ان الالتزامات التي يضعها الكاتب في مرحلة صناعة الفكرة ، لن تؤدي لسوى سد آفاق الفكر على عقله ، وجعله منقادا كالاسير الى الافكار المتداولة ، التي لايـنـبيء التعب عليها عن اي تطور في ذهنية الكاتب ، ولاتؤدي لأي تطوير في وعي المجتمع .

الرضى بالقيود
اصبح ثابتا ان مستوى الثقافة والابداع في بلد ، يتناسب طرديا مع حرية التعبير المتاحة فيه ، فالقيود تؤدي الى تبريد النشاط الذهني لرجل العلم ، كذلك يفعل الرضى بالتقييد ، فالكاتب الذي يعتبرها امرا اعتياديا ، لايجاهد للانطلاق بعقله في افاق الفكر ، فهو راض بما يمليه عليه عقل مستريح الى المتفق عليه .

  ان اسوأ ماينال الثقافة هو تلقي القيود ايا كانت ، بالقبول والتسليم من جانب المثقفين انفسهم ، واعتبارها امرا طبيعيا يلتزمون به عن رضى واختيار .

وفي معظم الاحوال فان الكاتب يمارس نوعا من الرقابة الذاتية على نفسه ، حينما يضع نصب عينيه ، ردود الفعل المتوقعة ساعة عرض الفكرة على الناس ، فكل كاتب ، او فلنقـل ـ على سبيل التحفظ ـ معظم الكتاب ، يرغب في رؤية افكاره وقد وصلت الى اكبر عدد من الناس ، وحظيت بالقبول في اوسع شريحة منهم .

ويتعلق هذا النوع من الرقابة الذاتية (الرقابة في المرحلة الثانية) بالمجتمعات التي تعطي للافكار الجديدة قيمة ،  اما النوع الاول (الرقابة في مرحلة صنع الفكرة) فتجده غالبا عند المجتمعات التي لاتقيم كبير وزن للثقافة ، وينطبق ذلك على مختلف المجتمعات ، وبغض النظر عن نوع العقيدة ، فقيمة الفكرة هنا  لاتقاس بمدى كشفها عن جديد او جلائها لغامض ، بل هي مرهونة بمقدار مايؤدي اليه العرض ، من تاكيد على قيم متعارف عليها  ، بغض النظر عن صحتها او فسادها .

نشر في (اليوم) 23يناير1995

الطريق السريع الى الثروة

  يبدو ان المعلوماتية تتحول بالتدريج الى اسرع القطاعات نموا في الاقتصاد الوطني لكل بلدان العالم تقريبا. (في 2021 بلغت قيمة سوق المعلوماتية ...