12/10/2016

ياصديقي: أنت قلق وانا أيضا


اراحني جدا مقال الزميل د. علي سعد الموسى "لأخي الشيعي: تقابلية الانتماء والمرجعية" المنشور في الوطن يوم السبت الماضي. يعرف السعوديون د. الموسى كواحد من اكثر الاكاديميين انشغالا بالشأن العام. وهو رغم قربه من النخبة السياسية ، فقد اتسمت معظم مقالاته بشجاعة ملفتة في تناول هموم الناس وشكاواهم ، وهذا أمر يحسب له ويميزه.
ناقشت مقالة د. علي التعارض المحتمل بين ولاء المواطنين لوطنهم واتباعهم في أمورهم الدينية لفقيه خارج البلد. والسؤال موجه بشكل مباشر للشيعة السعوديين. هذه واحدة من القضايا العامة التي يجب طرحها ونقاشها امام الرأي العام بصراحة تامة ، ليس لاقناع المتلقين ، بل لعقلنة النقاش وتحديد مساراته. 
والحق ان مسألة الولاء للوطن ومبدأ المواطنة كأساس قانوني للعلاقة بين اهل البلد ، هي أكثر المسائل أهمية في حياة المجتمعات. وهي أجلى ما تكون في علاقة الاقليات مع الدولة من جهة ومع الاكثرية من جهة أخرى. وقد خصصت جانبا من كتابي "حدود الديمقراطية الدينية" لاستعراض مشكلة الاقليات في ايران واعتبرت علاجها معيارا لنجاح او فشل الرؤية الدينية للدولة الحديثة. كما خصصت جانبا هاما من كتابي الآخر "ان تكون شيعيا في السعودية" لدراسة العوامل الثقافية والمجتمعية التي تسهم في تسييس المسألة.
يطالب الزميل الموسى علماء الشيعة السعوديين ببيان موقف واضح من المسافة بين الولاء للوطن والعلاقة بالمرجع الديني. وهو يعتقد ان على الشيعة ان يطمئنوا مواطنيهم ، كي يحصلوا على ما يرونه حقا لهم. لأن قلق الاكثرية كان – حسب رأيه – سببا في حجب حقوق الأقلية.
كنت قد شرحت هذه العلاقة في مقالات ومقابلات عديدة. لكن الزميل الموسى يريد كلاما من رجل مثل آية الله الشيخ حسن الصفار. ويؤسفني اخباره ان الشيخ قد تحدث للتلفزيون السعودي حول  هذا الموضوع بالتحديد في مقابلة مفصلة ، ايام وزارة طيب الذكر اياد مدني. لكن التلفزيون لم يذع تلك المقابلة. ويبدو ان ما هو متاح لمثلي ليس متاحا لمثله. لكني اعرف تماما تمييزه الواضح بين العلاقة الدينية والانتماء للوطن ، وما يترتب على هذا وذاك. وهو – في هذا الجانب تحديدا – يتجاوز كل الخطوط التي نظنها تعيق رجل دين فيما يخص مفهوم الوطن ومبدأ المواطنة والانتماء والولاء.
على أي حال فاني اتفهم جدا قلق الزميل الموسى ، لأني قلق مثله تماما. نحن زملاء في القلم والقلق معا. لست قلقا لانتمائي الى ما يعتبر أقلية ، مثله قلقه لانتمائه الى مايعتبر أكثرية. انا قلق لان قرنا مضى على توحيد المملكة وما زلنا نفكر في وطننا بمنطق الاقلية والاكثرية ، لا بمنطق المواطنين الشركاء في العلة والعافية ، قلق لأن رجلا مثل الدكتور الموسى لا يرى في تعبير عامة الناس عن مشاعرهم محققا للاطمئنان ، وان هذا الاطمئنان لايحققه الا اعلان زعيم ديني عن رأيه. أنا قلق لأني أعلم ان هذا القلق لم يتحرك لأن مشكلة ما انفجرت في داخل البلد ، بل لأن بلادا اخرى حولنا تشهد صراعات طائفية. يذكرني هذا بقول قديم أطلقه القوميون العرب في السخرية من رفاقهم الشيوعيين "اذا امطرت السماء في موسكو فتح الرفاق مظلاتهم في بغداد". اني اتساءل دائما: هل كتب على الشعب السعودي ان يتصارع فيما بينه كلما ثار صراع سياسي في بلد آخر؟. هل نحن مسؤولون عن شعوب العالم وهل نحن مكلفون باصلاح العالم؟. اليس لدينا من المشاكل ما يكفينا ويشغلنا عن هموم الاخرين؟.
حسنا. انا – مثل الزميل الموسى – ادعو الشيخ الصفار وبقية علماء الشيعة الى توضيح موقفهم من التاثير المحتمل لارتباطهم بفقيه خارج البلد ، على انتمائهم لوطنهم وولائهم له. لكن ماذا بعد التوضيح.. هل سيكون كافيا لزرع الاطمئنان ، ام يحتاج الامر الى تجديد سنوي او شهري مثل بطاقة الاقامة مثلا او تأمين السيارة او بطاقة شحن التلفون؟.
أقول هذا لان الشيخ الصفار وعلماء آخرين تحدثوا في هذا مرارا ، وقالوا ما يريده الزميل الموسى بالتحديد. لكن لعله لم يطلع على تلك الاحاديث او ربما نسيها ، او لعله يعتقد ان بطاقة الشحن تحتاج الى تجديد. أقول هذا أيضا لان اشخاصا اخرين يطالب باقرارات أخرى كلما حدث حادث داخل البلد أو خارجها. بل ان بعضهم يقول بما يشبه الصراحة: كرر اقوالنا والا فانت ضدنا. ولا اعتقد ان الزميل الموسى يفكر على هذا النحو. لكن السؤال يبقى مشرعا: ماذا بعد اعلان الموقف المطلوب..هل سننتهي من من تكرار المطالبة باعادة الشحن ،ام نحدد موعدا للتجديد ، كل شهر مثلا او في بداية العام الهجري؟.
الشرق الاوسط 12 اكتوبر 2016  http://aawsat.com/node/758571





05/10/2016

نهاية مبدأ السيادة الوطنية


 قانون "العدالة ضد رعاة الإرهاب" الذي أصدره الكونغرس الامريكي الاسبوع المنصرم ، يمكن النظر اليه من زوايا عديدة ، سياسية وقانونية. الا ان اهميته تكمن في تشريعه لواحد من أبرز التحولات في النظام الدولي ، الا وهو الغاء ، أو على الاقل تهميش مبدأ السيادة الوطنية للدول.
يمثل هذا المبدأ ركنا أساسيا لنظام العلاقات الدولية. وهو يستهدف بشكل مباشر الحيلولة دون حل النزاعات بالقوة ، من خلال ضمان المجتمع الدولي لحدود كل عضو من أعضائه وسيادة حكومته على اراضيها. هذا يعني بصورة محددة التزام الدول الاعضاء باحترام ما تقتضيه سيادة كل منها على أرضها ، بما فيها مثلا الامتناع عن القيام بالاجراءات الامنية والقضائية التي تنطوي على مزاحمة للدولة التي يقيمون على ارضها.

توافق العالم على هذا المبدأ ومجموعة المواثيق والاتفاقيات التي يتألف منها القانون الدولي ، يعبر بجلاء عن نضج البشرية وعقلانيتها ، وقدرتها على حل مشكلاتها عن طريق الحوار بدل الحرب.
وفقا للقانون الدولي فان القضاء المحلي في اي دولة لا يستطيع محاكمة الدول الاخرى ، سواء في الاعمال التي تقوم بها اجهزتها الرسمية او يقوم بها مواطنوها من دون تكليف رسمي. لان ولاية القضاء الوطني محدودة بالحدود الاقليمية للدولة. وهذا هو سر الضجة التي اثارها اصدار القانون المعروف بجاستا. فهو يمدد ولاية القضاء الامريكي الى كل مكان في العالم ، ويمكنه من الزام الحكومات الاجنبية بتحمل مسؤولية الاعمال التي يقوم بها اي من مواطنيها ، بغض النظر عن كونه مفوضا من جانبها او متمردا عليها.
معلوم ان الولايات المتحدة والكثير من دول العالم الاخرى تقوم دائما بتجاوز سيادة الدول ، بما فيها ابرز حلفائها. ولعل القراء يتذكرون النقد العلني الذي وجهته مستشارة المانيا الاتحادية الى واشنطن منتصف العام الماضي  بعدما انكشف تجسس المخابرات الامريكية على هاتفها. وقد كشف النقاب يومها عن تورط الامريكيين في التجسس على رؤساء فرنسا ووزرائها وزعماء دول اخرى ، بمن فيهم رئيسة البرازيل السابقة ، التي الغت رحلة مقررة الى واشنطن في  2013 بعد انكشاف التجسس الامريكي على مكتبها.  
اقول ان الولايات المتحدة اعتادت خرق سيادة الدول الاجنبية ، وهذا امر معروف في الماضي والحاضر. لكن ما يجعل قانون "جاستا" استثنائيا هو انه أعتبر هذا الخرق "حقا قانونيا" ليس فقط للحكومة الامريكية ، بل وحتى للمواطنين العاديين. وهذا يعني – من جهة – ان اي مواطن امريكي يستطيع الادعاء على الدول الاجنبية. كما يشكل سابقة قانونية وسياسية ، يمكن للدول الاخرى ان تحتذيها بتشريع قوانين مماثلة ، تسمح بالادعاء على الولايات المتحدة او غيرها. الامر الذي يغير كليا جوهر نظام العلاقات الدولية ، الذي كان متعارفا حتى اليوم.
هناك بالطبع اجراءات انتقامية يمكن للدول المتضررة اتخاذها لمواجهة القانون الامريكي. لكن الاستقرار والسلام العالمي يتطلب اجراءات اكثر جذرية. ومن بينها في رايي دعوة الامم المتحدة ودول العالم جميعا لاعادة تاكيد مبدأ السيادة الوطنية وحق كل دولة في رفض اي اجراء انفرادي يؤدي لتجاوز المبدأ من جانب الدول الاخرى. كما قد يتطلب الامر مراجعة المواثيق الدولية المنظمة للعلاقات بين الدول ، لملء الثغرات والنواقص التي استدعت قيام واشنطن او غيرها باجراءات من جانب واحد. لقد تغير العالم في العقود الثلاثة الاخيرة على نحو يستدعي تطوير القانون الدولي الذي يرجع في معظمه الى منتصف القرن العشرين. واظن ان الدول الصغرى هي الاكثر حاجة الى هذه المراجعة.
الشرق الاوسط 5 اكتوبر 2016    http://aawsat.com/node/753351

رحلة البحث عن الذات

  قلت في الاسبوع الماضي ان كتاب الاستاذ اياد مدني " حكاية سعودية " ليس سيرة ذاتية بالمعنى الدقيق ، وان بدا هكذا. وسألت نفسي حينئذ...