17/07/2012

الطائفية ظاهرة سياسية معاكسة للدين


يبدو حتى الان ان اشقاءنا المصريين قد نجحوا في تخفيف القلق من مخاطر المشكل الطائفي ، بعدما بدا – خلال ايام الثورة – قريبا من لحظة الانفجار.

معظم البلدان العربية تواجه مشكلا طائفيا كالذي واجه المصريين. واتمنى بكل صدق ان يأخذ هذا الملف حظه من الاهتمام قبل ان يصبح معضلة مستحيلة. اتمنى ان يدرك اخوتنا في سوريا ان المشكل الطائفي هو اخطر ما يهدد فرصتهم في اقامة "سوريا الجديدة".

 لا يهتم العالم بدين الشخص الذي سيحكم دمشق او طائفته. يهم الولايات المتحدة ان لا ينفرط عقد الدولة السورية فتصبح بعض اراضيها "وزيرستان" اخرى ، تأوي مجموعات شبيهة بطالبان او القاعدة. وهي بالتاكيد تخشى ان يتمدد الانفراط لو حدث – لا سمح الله – الى الاردن والعراق. تركيا هي الاخرى تخشى من قيام "كردستان سوريا" ، على غرار كردستان العراق. يعتقد الاتراك ان قيام فدرالية كردية في سوريا سيفجر المشكلة الكردية في الاناضول بعدما هدأت قليلا في السنوات الاخيرة.
اني واثق في وعي قادة الثورة السورية – بعضهم على الاقل – بهذا المشكل. قدم د. برهان غليون معالجات تحليلية متقدمة تنبيء عن ادراك عميق لجذور المسالة الطائفية في العالم العربي ، ولا سيما في بلد مثل سوريا. كنت اتمنى ان يبقى زعيما للمعارضة ، لان كتاباته تنبيء عن استعداد ذهني وروحي للتعاطي مع الجميع بمنطق الشراكة في تراب الوطن وليس منطق حكم الاكثرية او الاقلية.

عرف د. غليون الطائفية السياسية  بانها استعمال الاجماع الديني الخاص بشريحة من المجتمع كارضية للولاء السياسي . هذا ينتج نظاما لتوزيع المنافع يحابي هذه الشريحة على بقية المجتمع ، انطلاقا من كونها اصفى ولاء ، نظام  يحول العصبية الدينية او القبلية او القومية الى عصبية اجتماعية – سياسية.

يرى غليون ان الدين بذاته ليس منتجا للطائفية. على العكس ، فان الروح الطائفية تعاكس الايمان. يوظف الدين الثروة والسلطة لتدعيم الرابطة الانسانية والتكافل بين الافراد . بينما تستثمر الطائفية الروابط الاجتماعية والراسمال الروحي للمجتمع في تعزيز احتكار السلطة والثروة.

الطائفية اذن ظاهرة سياسية في الجوهر . ولا علاقة لها بالتمايز الديني او الثقافي او العرقي ، الا كعلاقة النار بالحطب. ندرك ان الحطب ليس سبب الحريق ، رغم ان الحريق لا يشتعل من دونه. تنشط الطائفية في الحياة العامة حين تقوم فئة اجتماعية بتحويل الاختلافات الطبيعية بين الناس الى خطوط فصل ، تميز من يعتبر حسنا عن من يعتبر سيئا ، من يعتبر مواليا ومن يعتبر معاديا ، من يستحق الشراكة في المنافع العامة ومن يحرم منها .

الطائفية ليست ظاهرة عرضية اوبسيطة العلاج. لكنها ايضا ليست من المستحيلات. تركها تتفشى هو الذي يجعل علاجها موجعا وعسيرا. ما لم يعالج المشكل الطائفي من جذوره فسيبقى العدل حلما مستحيلا او مؤجلا.

الاقتصادية – 17- يوليو 2012  http://www.aleqt.com/2012/07/17/article_675054.html

10/07/2012

الحكومة ضد الحكومة


قصة كاشيرات مكة قصة صغيرة جرت فصولها في زحمة احداث كبيرة . في مايو الماضي وظف مركز تجاري في مكة المكرمة ست فتيات بالتعاون مع وزارة العمل. بعد حوالي شهر ، استدعي مدير المركز الى مكتب هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وطلب منه تسريح الفتيات. طالبهم بخطاب رسمي كي يقدمه لمكتب العمل حين يتعرض للشكوى ، فرفض موظف الهيئة. لم يتوصلوا الى اتفاق فلم يتوسل مكتب الهيئة بالقانون كما يفترض من دائرة حكومية ، بل هدده - طبقا لتصريحات مدير المركز - بتشويه سمعة الشركة ، والتشهير بها في المنتديات ومواقع التواصل الاجتماعي ، وبدعوة المؤمنين لمقاطعة المراكز التجارية التابعة لها. "الحياة 16 يونيو 2012".
يستوقفني في هذه القصة ثلاث نقاط :

1- الطرف الوحيد المتضرر هنا هو الشريحة الاضعف في المجتمع: فتيات فقيرات ، سعين ، مثل كل انسان شريف ، لكسب لقمة العيش بالعمل ولو براتب ضئيل. بينما الطرف المتسبب في الضرر دائرة حكومية هدفها المعلن هو حماية الناس ولا سيما ضعفاءهم.
2- الفتيات تقدمن للعمل في اطار القانون. والشركة وظفتهن في اطار القانون. وبدعم وتشجيع وزارة العمل التي تسعى لمكافحة البطالة المتفاقمة بين النساء (فوق 80% حسب التقديرات المنشورة). نحن اذن ازاء دائرة حكومية تصارع دائرة حكومية اخرى وتسعى لافشال خططها.
3- هيئة الامر بالمعروف لم تتبع الطرق القانونية في التعامل مع المواطن . بل توسلت باسلوب الجماعات السياسية الاهلية ، اي التهديد بالتشهير والمقاطعة ، ثم الضغط الشخصي المباشر على العاملات واصحاب المركز التجاري بالمضايقة والتهديد واعاقة العمل. في الماضي كانت الهيئة تتبرأ من هذا النوع من التصرفات ، وتنسبه الى "محتسبين متطوعين". لكن الواضح الان ان موظفين رسميين في الهيئة هم الذين يمارسونه. هذا يثير سؤالا جديا حول وجود لوائح سلوك وظيفي في الهيئة ، ومدى التزام موظفيها بانظمة العمل السارية.
الغائب الاكبر في هذه القضية هو مبدأ "سيادة القانون". سيادة القانون تعني ان اي نظام او لائحة تصدر من جهة رسمية ذات صفة ، وتعلن للناس ، فانها تصبح ملزمة للجميع ، الراضين بها والرافضين لها. لو قبلنا بامكانية تطبيق القانون بصورة تفاضلية ، فسوف يطبق الاقوياء ما يناسبهم من الانظمة ويتركون ما لا يناسبهم. وفي وقت لاحق سيتحول هذا الى سلوك عام يمارسه القوي والضعيف على حد سواء. وفي هذه النقطة تضيع هيبة النظام العام وقانون البلد.
هل نريد الوصول الى هذه النقطة؟.
اذا كنا نؤمن بسيادة القانون وانه فوق الجميع ، فعلى الجهات الرسمية ايقاف موظفي فرع هيئة مكة فورا واعلان ذلك . وعليها اعادة الفتيات الست الى عملهن بشكل علني ، كي تصل الرسالة للجميع بان القانون يعلن كي يطبق ، وانه قانون فعلي يطبق على الجميع ، وليس مجرد سالفة قيلت في مجلس.

 الاقتصادية 10 يوليو 2012  

الطريق السريع الى الثروة

  يبدو ان المعلوماتية تتحول بالتدريج الى اسرع القطاعات نموا في الاقتصاد الوطني لكل بلدان العالم تقريبا. (في 2021 بلغت قيمة سوق المعلوماتية ...