10/07/2012

الحكومة ضد الحكومة


قصة كاشيرات مكة قصة صغيرة جرت فصولها في زحمة احداث كبيرة . في مايو الماضي وظف مركز تجاري في مكة المكرمة ست فتيات بالتعاون مع وزارة العمل. بعد حوالي شهر ، استدعي مدير المركز الى مكتب هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وطلب منه تسريح الفتيات. طالبهم بخطاب رسمي كي يقدمه لمكتب العمل حين يتعرض للشكوى ، فرفض موظف الهيئة. لم يتوصلوا الى اتفاق فلم يتوسل مكتب الهيئة بالقانون كما يفترض من دائرة حكومية ، بل هدده - طبقا لتصريحات مدير المركز - بتشويه سمعة الشركة ، والتشهير بها في المنتديات ومواقع التواصل الاجتماعي ، وبدعوة المؤمنين لمقاطعة المراكز التجارية التابعة لها. "الحياة 16 يونيو 2012".
يستوقفني في هذه القصة ثلاث نقاط :

1- الطرف الوحيد المتضرر هنا هو الشريحة الاضعف في المجتمع: فتيات فقيرات ، سعين ، مثل كل انسان شريف ، لكسب لقمة العيش بالعمل ولو براتب ضئيل. بينما الطرف المتسبب في الضرر دائرة حكومية هدفها المعلن هو حماية الناس ولا سيما ضعفاءهم.
2- الفتيات تقدمن للعمل في اطار القانون. والشركة وظفتهن في اطار القانون. وبدعم وتشجيع وزارة العمل التي تسعى لمكافحة البطالة المتفاقمة بين النساء (فوق 80% حسب التقديرات المنشورة). نحن اذن ازاء دائرة حكومية تصارع دائرة حكومية اخرى وتسعى لافشال خططها.
3- هيئة الامر بالمعروف لم تتبع الطرق القانونية في التعامل مع المواطن . بل توسلت باسلوب الجماعات السياسية الاهلية ، اي التهديد بالتشهير والمقاطعة ، ثم الضغط الشخصي المباشر على العاملات واصحاب المركز التجاري بالمضايقة والتهديد واعاقة العمل. في الماضي كانت الهيئة تتبرأ من هذا النوع من التصرفات ، وتنسبه الى "محتسبين متطوعين". لكن الواضح الان ان موظفين رسميين في الهيئة هم الذين يمارسونه. هذا يثير سؤالا جديا حول وجود لوائح سلوك وظيفي في الهيئة ، ومدى التزام موظفيها بانظمة العمل السارية.
الغائب الاكبر في هذه القضية هو مبدأ "سيادة القانون". سيادة القانون تعني ان اي نظام او لائحة تصدر من جهة رسمية ذات صفة ، وتعلن للناس ، فانها تصبح ملزمة للجميع ، الراضين بها والرافضين لها. لو قبلنا بامكانية تطبيق القانون بصورة تفاضلية ، فسوف يطبق الاقوياء ما يناسبهم من الانظمة ويتركون ما لا يناسبهم. وفي وقت لاحق سيتحول هذا الى سلوك عام يمارسه القوي والضعيف على حد سواء. وفي هذه النقطة تضيع هيبة النظام العام وقانون البلد.
هل نريد الوصول الى هذه النقطة؟.
اذا كنا نؤمن بسيادة القانون وانه فوق الجميع ، فعلى الجهات الرسمية ايقاف موظفي فرع هيئة مكة فورا واعلان ذلك . وعليها اعادة الفتيات الست الى عملهن بشكل علني ، كي تصل الرسالة للجميع بان القانون يعلن كي يطبق ، وانه قانون فعلي يطبق على الجميع ، وليس مجرد سالفة قيلت في مجلس.

 الاقتصادية 10 يوليو 2012  

03/07/2012

سوريا بين خيار دايتون والحرب الاهلية


هذا شهر عصيب. سجل تاريخ العالم تحولات جذرية بدأت او اكتملت في شهر يوليو. تقول النكتة المتداولة في العراق ان دماغ الناس "يولع" بسبب شدة الحرارة في تموز (يوليو). تذكرت هذا وانا اتامل مسار الاحداث في سوريا الشقيقة.

خلال الشهور القليلة الماضية بدا ان النظام القائم لم يعد له موقع ضمن المنظومة الاقليمية. استمراره سيكون عبئا على المنطقة بمثل ما هو عبء على شعبه. علاقة سوريا بمحيطها تدهورت تماما. هذا لا يستثني حلفاء النظام السوري البارزين مثل روسيا والصين وايران والجزائر ، فهذه دول معنية – في نهاية المطاف – بمصالحها لا باشخاص الحاكمين.
 ما يقال عن علاقة "خاصة" بينها وبين شخص الرئيس او غيره من اهل الحكم في دمشق هو من نوع "سوالف المجالس" التي تقارن العلاقات بين الدول بالعلاقات بين الاشخاص. حقيقة الامر انه ليس في السياسة عواطف ، بقدر ما هي لعبة مصالح. كبار اللاعبين في الازمة السورية يعرفون ان اي حليف بحاجة الى تعويض كي يغير موقفه . اما ان يجبر على التضحية بمصلحته او يجدوا له تعويضا من نوع ما ، هنا او هناك.

هل نتوقع حلا نهائيا للازمة السورية في هذا الشهر العصيب؟

في اوائل العام الجاري كان الاعتقاد السائد ان سقوط النظام اصبح محتوما. لكن ثمة تبدل في مكونات المشهد تؤثر بشدة على مسار الصراع. اشير هنا الى اربعة عناصر:

1- تراجع الدور الكردي في الثورة ، ولهذا علاقة جوهرية بالموقف التركي وبالتواصل الممكن مع كردستان العراق كقاعدة خلفية للثورة.
 2- تراجع الدور السياسي العربي في ادارة الازمة لصالح الدور الاوربي – الامريكي. ولهذا علاقة بحل محتمل وفق نموذج اتفاق دايتون الذي انهى الحرب الاهلية في البوسنة.
 3- تفاقم العمليات المسلحة من جانب السلطة والمعارضة ، بما ينطوي عليه من امكانية بروز ما يشبه اقطاعيات مسلحة شبيهة بما كان عليه الوضع اللبناني قبل 1991.
 4- اخفاق المعارضة السورية في انشاء قيادة بديلة يمكن ان تقدم التزامات مقنعة في مرحلة انتقال السلطة مثلما حدث في ليبيا واليمن مثلا.
هذا لا يعني نهاية الثورة ، ولا يعني ان النظام اصبح اكثر قدرة على الاستمرار. لكنه يعني بالتاكيد ان السقوط الحتمي للنظام لم يعد احتمالا وحيدا او قريبا جدا.

اظن ان الساحة تشهد اليوم سباقا محموما بين خيارين:

  أ) تفاقم الخيار العسكري كوسيلة مرجحة على التظاهرات الشعبية السلمية ، وبالتالي فتح الباب على مصراعيه امام حرب اهلية واسعة او محدودة. او
ب) قبول جزء مؤثر من المعارضة بتشكيل حكومة جديدة تشارك فيها بعض اطراف الحكم القائم اضافة الى القوى الصامتة. هذا يعني اعادة صوغ المشهد السياسي السوري ، بتصنيف القوى طبقا لانتماءاتها الرئيسية (عربي ، كردي ، مسلم ، مسيحي ، علوي ، درزي ، اسماعيلي ، تجار ، عسكر ، احزاب الخ) واشراكها جميعا في تشكيل سياسي يقيم ما يشبه حكومة توافقية وليس حكومة اكثرية.

بعبارة اخرى فان الامور قد تتجه الى حكومة يقودها ما يشبه "مجلس الحكم" الذي ادار العراق بعد الاحتلال ، او مجلس الرئاسة الذي ادار البوسنة بعد الحرب الاهلية. وفي كل الاحوال سيكون النظام الجديد تحت وصاية الامم المتحدة وبضمان الدول دائمة العضوية في مجلس الامن. اي ان الحل سيفرض من الخارج.

يبدو لي ان المبرر الرئيس لهذا الخيار هو تخوف جيران سوريا والدول الكبرى من انهيار تام للدولة يمهد الطريق لفوضى عارمة قد لا يمكن السيطرة عليها خلال وقت قصير.

لا ادري اي الخيارين سيقود المسار ، لكني اشعر ان شهر يوليو الجاري قد يشهد نقطة الحسم بين خيار دايتون او الحرب الاهلية.
الاقتصادية 3 يوليو 2012
http://www.aleqt.com/2012/07/03/article_671856.html

الطريق السريع الى الثروة

  يبدو ان المعلوماتية تتحول بالتدريج الى اسرع القطاعات نموا في الاقتصاد الوطني لكل بلدان العالم تقريبا. (في 2021 بلغت قيمة سوق المعلوماتية ...